الأنبا كيرلس وليم: اليوبيل الأسقفي الفضي

الأنبا كيرلس وليم: اليوبيل الأسقفي الفضي

 ومن أجلهم أقدس ذاتي (يو 17 / 19)

بمناسبة اليوبيل الفضي لخدمتي الأسقفية 3/6/2015

اليوم، وبعد مرور ٢٥ سنة على استلامي وديعة الخدمة الأسقفية، لا بد لي من وقفة، لأسال نفسي إلى أي مدى كنت أمينا في المحافظة عليها، إذ يقترب اليوم، الذي يتحتم علي فيه أن اقدم حساب وكالتي، فالأعمار بيد الله، وقوانين كنيستنا تحدد السن، الذي يدعى فيه الأسقف إلى التخلي عن مهامه، وتسليم الأمانة لمن يدعوه الله، من بعده، إلى حملها .

كلنا نعرف مهام هذه الخدمة، والتي يشارك فيها الكهنة أساقفتهم، وهم معاونوهم، أعني خدمة التقديس والتعليم والتدبير. إنها، قبل كل شيء، خدمة وليست منصبا، نتكالب عليه ونتمسك به، وأحمد الله وأشكر فضله بأن هذا البعد لم يغب عن نظري، طيلة هذه السنوات، وكنت سعيدا في القيام بهذه الخدمة، طالما طلبت مني الكنيسة ذلك، سعيدا في تحمل مشقاتها وصعابها، ولم تكن قليلة، لكن ثقتي في نعمة الله ومعونته، كانت كفيلة بأن تجعلني أتحملها بفرح، إلى هذه اللحظة.

 

منهاج حياة:

كنت على يقين، بأنه ينبغي علي أن أبدا بنفسي، فكيف أقوم بهذه المهام تجاه النفوس التي اؤتمنت عليها، قبل أن أعيشها أنا؟ وكيف أعظ الأخرين وأجد نفسي مرذولا أمام الله؟ فحاولت أن أقدس ذاتي، وأن أسعى لأن أتعلَّم ، كل يوم، ما هو جديد، وأن أدبر حياتي كما ينبغي، لكي أستطيع أن أقدس وأن أعلم وأن أدبر الموكلين إلى خدمتي.

 

التقديس

وضعت لنفسي برنامجا واضحا، منبثقا من عمق تقاليدنا الروحية العريقة، وغنى طقوسنا الكنسية الخالدة، وتقويات الكنيسة الجامعة، وحاولت أن أظل أمينا عليه، أينما ذهبت . لم أترك الظروف والمهام المتشعبة تتحكم في، فأهمل واجباتي الروحية، وأتهاون بها، وهي الطاقة والوقود، الذي يغذي سائر الأنشطة والأعمال ، لم أتنازل يوما واحدا عن لقاء الرب، في الذبيحة الإلهية، ياستثناء الأيام القليلة التالية لعملية القلب المفتوح، ما بين ٨ – ١٢ يونيو ٢٠٠٩. إنها طاقة رافقتني في عملي، وذللت كل الصعاب، وبددت كافة الضيقات.

جعلت الله حاضرا أمامي، أضع كل شيء بين يديه، واثقا كل الثقة في عنايته، لامسا عمله في ومن خلالي، متأملا معجزاته، التي تحدث في داخلي وفي خدمتي،. كانت كلمته مرجعا لي، ونبراسا يقود خطاي، أحاول أن أطبقها في خياراتي، فلا أتلفظ بما لا يتفق معها، ولا أعمل ما يخالفها. كما كان لمريم البتول مكانة مميزة في حياتي. وكيف لا، وهي شفيعة الايبارشية والساهرة عليها. حرصت على تكريمها، بصفة شخصية، ومع الجماعة، بمزارها بدير درنكه. كنت أعهد إليها بالكثير من الأمورالعسيرة، وما خيبت أبدا ظني فيها.

 

التعليم

لقد تعلمت الكثير، فاعتبرت ذلك وزنة، لا بد من استثمارها، لخير المخدومين. غير أني أشعر، يوما بعد يوم ، بحاجتي إلى المزيد، فرحت أنقب وأفتش بين صفحات الكتب، وعلى مواقع الإنترنت، بحثا عن المزيد من المعرفة، وخاصة معرفة الرب والتعمق فيها، لكي أستطيع أن أقدمها للآخرين، أقدم لهم رباً، ليس هلاميا ولا أثيريا، على حد تعبيرالبابا فرنسيس الاول، إنما شخصا يحبني ويحيا في، أحس به وأتحدث معه، أختبره في حياتي، فأقدمه للاخرين.

 

التدبير

أحاول أن أدبر حياتي وعلاقاتي، أتحكم في كلماتي وردود أفعالي، لتأتي ناضجة مطابقة لإرادة الرب، يحكمها تعليم الوحي الالهي، حينئذ فقط أستطيع أن أدبر الآخرين، الذين هم تحت رعايتي.

 

الكثير والحاجة الى الأكثر

لقد حقق الرب الكثير والكثير، من خلال ضعفي، لأن نعمته كانت تكمل ما ينقص في خدمتي. ولكن مازال هناك الأكثر، ينبغي القيام به، كما أن أمورا عديدة تحتاج لإعادة النظر. وأساله أن يهبنا القوة والحكمة، لنحقق ذلك، معا، في الوقت المناسب وبالأسلوب الملائم، دون تهور ولا عنترية، معتمدا على تعاونكم جميعا ، وإرادتكم الصالحة الطامحة إلى نمو الايبارشية.

 

مكانة الكهنة في حياتي

في قلبي، مكانة خاصة لكل كاهن، حتى لو لم يشعر بذلك، ربما بسبب تصرف معين، يكون قد صدر مني، عن غير قصد، وأساء هو فهمه. كان قلبي وسيظل مفتوحا لكل واحد، أصغي إلى ما يريد أن بعبر عنه، إنما بأسلوب الحوار المباشر؛ فأسلوب المراسلة، عبر البريد الالكتروني والرسائل الوجيزة، لا يجدي. لا أذكر أني أوصدت بابي في وجه أحد، ولن أفعل.

أصلي كل يوم من أجل الكهنة وأحملهم أمام الرب، في الذبيحة الإلهية، إنما أيضا في صلوتين، أتلوهما يوميا، فور نهوضي من النوم: الصلاة التي ظهرت مع بدء السنة الكهنوتية: “يا يسوع الكاهن الأزلي، احفظ كهنتك…” وصلاة القديس برناردوس “اذكري يا مريم…” حيث أضع، أمامها، العديد من النيات، وعلى رأسها: أن تجعلني وسائر الكهنة أمناء لدعوتنا.

أشكر الرب أني ما ناصبت أحدا العداء ولن أفعل ذلك، فكيف أقف في حضرته تعالى، وأنا في قلبي شيء تجاه أي إنسان؟ صفحت عن كافة الاساءات، وسوف أفعل ذلك دوما، حاسبا إياها امتيازا، ووسيلة للنمو الروحي.

 

غاية ما أتمناه

أن أرى جميع الكهنة قلبا واحدا وروحا واحدا، يحبون بعضهم البعض، دون استثناء أو إقصاء، يقبلون بعضهم بعضا على ما هم عليه، يقدرون ما فيهم من ايجابيات، وما أكثرها، ويتغاضون عن سلبياتهم، يحترم كل واحد إخوته ويتحدث عنهم بالخير، يحبون الشعب الموكل إليهم ويخدمونه بغيرة وحماس، يكونون رجال صلاة.

معا، نستطيع أن نحقق المعجزات… فهيا بنا نعمل، والرب يوفقنا وأم المحبة الإلهية تشملنا برعايتها التي لا تغفل.

 

+ الانبا كيرلس وليم

مطران اسيوط للاقباط الكاثوليك