الأنبا يوحنا كابس والبطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار

الأنبا يوحنا كابس والبطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار

غبطة أبينا البطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار

في نظر الأنبا يوحنا كابس

 

خاص بالموقعالأب إسطفانوس دانيال جرجس

كانت شخصية الأنبا كيرلس مقار محترمة ومشرفة للطائفة. رأينا أنه عندما كان طالبًا نبغ في الشعر وألف روايات باللغة الفرنسية ونظمها شعرًا فنشرت له رواية “إيمان لبنان”، ورواية “ملك روما”، ورواية “شهيد خط الاستواء” كما ألف روايتين لم تنشرا هما: “القديس أوجين الذى من قرطاجنة”، ورواية “عذراء الإسكندرية”.

وعندما سيم كاهنًا ألقى سلسلة محاضرات تاريخية أمام جمهور غفير من المسيحيين جمعت فيما بعد في مجلد واحد دعاه: “تاريخ الكنيسة الإسكندرية من عهد القديس مرقس إلى أيامنا هذه، وقد نفدت جميع نسخه منذ سنة 1894.

ألف كتابين مهمين. الأول: “دليل المصريين” وعنوانه في النسخة الفرنسية: “الكنيسة القبطية، إيمانها اليوم مقارن بإيمان آبائها وبالمجامع المسكونية الثلاث” ويتكلم فيه عن تكوين الكنيسة الجوهري كما أراده المسيح ذاته مؤسسها والكتاب الثاني عنوانه: “المسيح عمانوئيل” وفيه يثبت وجود طبيعتين في المسيح: الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية في الأقنوم الواحد، يسوع المسيح ابن الله. ألف ثلاثة أجزاء في “تبرءة أوريجانوس الإسكندرى” نشر جزئين وبقى الثالث مخطوطًا. قال عنها المنسنيور فرنسيس قزمان في الرثاء الذى ألقاه في كنيسة طهطا: “جادت العناية الإلهية بغبطة البطريرك أوريجانوس الجديد، فبرّأ أوريجانوس القديم من تهمة الهرطقة، بشهادة قداسة البابا بيوس العاشر الذى أرسل خطابًا فى هذا الموضوع، يهنئ فيه غبطته على براهينه التى لا تقبل الطعن، وتحكم ببراءة أوريجانوس من تهمة الهرطقة وينظمه فى سلك آباء الكنيسة”.

وهو الذى عقد المجمع القبطي الكاثوليكي الذى دعي بالمجمع الإسكندرى فى 18 يناير سنة 1898 وقد وصفه أحد كتاب العصر، “طرفة من الطرائف الدينية التى تضمن لأمة القبط الترقي فى معارج الفلاح، ولا مراء بأن أبناءها يجدون به مصباحًا مضيئًا فى بيعهم وكوكبًا زاهرًا فى سماء شريعتهم يهتدون به جميعهم على اختلاف دعوتهم”.

ورأينا الإصلاح الإداري الذى أعلن عنه فى أول رسالة رعوية بعد تعيينه نائبًا رسوليًا ونفذه لتقويم إدارة البطريركية تقويمًا قويًا، إذ وضع فاصلاً واضحًا بين الأمور المزدوجة التى يدخل فيها الروحي والزمني، فأنشأ مجلس شورى. الأول، هو مجلس الشورى الأعلى وهو مكون من اثني عشر عضوًا من أعيان الطائفة، والمجلس الثاني وهو قضائي وغايته مساعدة البطريرك باستشاراته فيما يتعلق بالأحوال الشخصية التى يجب البت فيها. وأما بالنسبة للأمور الروحية والكنسية المحضة فكانت خارجة كلية عن نطاق اختصاص العلمانيين. كما أنه قسم القطر إلى خمسة أقاليم كنسية ووضع على رأس كل أقليم منها “قمصًا” إلى أن تم تكوين الإيبارشيتين: إيبارشية هيرموبوليس (المنيا) وإيبارشية طيبة والصعيد (طهطا).

صحح تقويم الكنيسة الإسكندرية بناء عن مستندات علمية متينة الأركان وجعله موافقًا للإصلاح الغريغورى، وأصدر منشورًا بطريركيًا خاصًا يعلن فيه إصلاح التقويم المذكور.

كان ضليعًا أيضًا فى القانون المدني إذ توصل بجدارته أن ينهى قضية “سيداروس” الشهيرة التى شغلت البطريركية منذ عهد الأنبا أغابيوس بشاي (1864- 1887) إلى أن اعتلى العرش البطريركي.

وأحدثت محاضرته عن “السيزاريوم” اهتمامًا كبيرًا فى الأوساط العلمية. وتصف لنا صحيفة “الأسد المرقسى” هذا الحدث:

” فى يوم السبت الموافق 27 يناير سنة 1900 غصت قاعة سراى المحكمة المختلطة بمصر مع سعتها ورحبها بجماهير الوفود الذين أقبلوا وحدانًا وزرافات لسماع المحاضرة التى وعد بها غبطة البطريرك الأنبا كيرلس بإلقائها فى الجمعية الخديوية الجغرافية بشأن الكنيسة البطريركية التى عثرت الأمة على آثارها بمدينة الإسكندرية. فحضر رؤساء الطوائف والبعثات المسيحية على اختلاف أجناسهم وأكابر العلماء، وأكبر الموظفين وأشهر الأفوكاتية وأشرف العقيلات الأوروبية، هل غبطة البطريرك وبمعيته سيادة المنسنيور “سوغارو” ورجال الإكليروس الكرام. فنهض القوم نهضة الإجلال والأكرام، وريثما استقر بالحاضرين الجلوس، افتتح الجلسة سعادة الفاضل أباته باشا رئيس الجمعية. فبدأ غبطة البطريرك محاضرته باللغة الفرنسية، والناس جميعًا عيون تلحظه وآذان تصغي إليه.

فسرد بلسان فصيح ولهجة أنيقة ومهارة فائقة تاريخ الهيكل القيصري المعروف بالسيزاريوم، وكيف تحول فى عهد قسطنطين الملك إلى معبد مسيحى وأصبح مقرًا لبطاركة الإسكندرية. وأجرى من ثم مقارنة ما بين الآثار التاريخية الثابتة وما بين المعالم الحالية والآثار التى وجدت اليوم بمدينة الإسكندرية، مما ثبت معه ثبوتًا لا ريب فيه بأن ما عثرت عليه الأمة، إنما هو كنيسة أجدادنا البطريركية.

وقد استغرقت المحاضرة ساعة أو أكثر من الزمن، تخلل المحاضرة من حسن التعبير وبديع الحوادث التاريخية وسديد البراهين العلمية ما أخذ بأعنة أفئدة الحاضرين وسحر ألبابهم.

وفى الختام قام سعادة رئيس الجمعية وقال:

“لا يسعني أيها السادة الأفاضل، إلا إسداء الثناء العاطر والشكر الجميل لغبطة الحبر المفضال، البطريرك الإسكندرى على ما تفضل به علينا اليوم من الفوائد العلمية والإرشادات التاريخية، وإني والحق يقال، لم أسمع حتى الآن تاريخًا عن السيزاريوم أفصح عبارة وأبلغ بيانًا وأوفى صحة مما سرده على مسامعنا غبطة البطريرك الإسكندرى كيرلس الثاني، ولا ريب فى أن علماء الآثار والمؤرخين سيجدون فى محاضرة غبطته هذه ما يصل بهم إلى نهاية مقاصدهم، ويرشدهم فى أعمالهم إلى سواء السبيل”.

وقامت صحف القطر المصرى على اختلاف نزعاتها ومشاربها تنشر على رءوس الملاء البراهين العلمية والدلائل التاريخية التى أتى بها غبطة البطريرك كيرلس الثانى، مما ثبت معه ثبوتًا لا ريب فيه صحة معالم “السيزاريوم” الذى كانت قائمة عليه أركان كنيسة أجدادنا البطريركية.

وبعد محاضرة “السيزاريوم” طلبت الجمعية الخديوية من البطريرك محاضرة على “رسالة القديس مرقس فى الديار المصرية”. وقد ألقى المحاضرة فى 24 فبراير سنة 1900 ونشرت هذه المحاضرة على حدة مترجمة إلى اللغة العربية.

شيد فى عهده المعهد الإكليريكي اللاوني الطائفي بطهطا وافتتحه رسميًا فى 15 نوفمبر سنة 1899 فى احتفال تم فى غاية الرونق والبهجة بحضور السيد غودنسيو بونفيلى القاصد الرسولى وسيادة الأنبا مكسيموس صدفاوى أسقف المنيا وسيادة الأنبا أغناطيوس برزي أسقف كرسي طيبة والصعيد وجناب مندوب دولة النمسا والمجر وحضرة الأب جبرائيل صفير النائب البطريركي على الطائفة المارونية فى القطر المصرى وحضرات رؤساء الآباء اليسوعيين والفرنسيسكان والفرير بالمنيا.

كما شيد أيضًا كنيسة جميلة فى مكان “السيزاريوم” مع دار للبطريركية على أرض واسعة ومرتفعة.

هذا خلاف الكنائس التى شيدها والتي رممها بمساعدة البابا لاون الثالث عشر وفرانسو جوزيف إمبراطور النمسا والمجر.

واشترى مطبعة وحروفًا قبطية وعربية.وطبع كتاب القداسات، والأناجيل الأربعة قبطيًا وعربيًا وكتاب أسبوع الآلام ودلالين واحد لأسبوع الآلام والثاني للرسائل والأناجيل التى تقرأ على مدار السنة وكتاب خدمة الأسرار وقطمارس الرسائل عربي وغيرها من الكتب المقدسة.

اشترك فى كثير من الجمعيات العلمية. وكان عضوًا فى المجمع العلمي المصرى، وعضوًا فى الجمعية الجغرافية الخديوية. وكان يراسل مجمع شيكاغو العلمي بالولايات المتحدة الأمريكية وتقبل الرئاسة الفخرية لهذا المجمع. وكان يراسل كثيرًا من المجامع العلمية فى أوربا ويتسلم منشوراتها.

كان يقابل أولى الحل والعقد من الحكام. رأينا كيف طوح بنفسه بناء على إشارة من البابا لاون الثالث عشر سنة 1896 وسافر إلى أثيوبيا للتوسط فى إخلاء سبيل الأسرى الإيطاليين أو على الأقل تلطيف معاملتهم إذا تعذر إطلاق سراحهم، وقابل البطريرك ملك ملوك الحبشة وكاد غبطته أن فوز فى إنقاذهم فعلاً لولا استمرار إيطاليا فى القتال كما صرح بذلك “منليك” ملك أثيوبيا فى جوابه على رسالة قداسة البابا ذك الجواب الذى ورد مسطرًا على صفحاته عاطر الثناء وجزيل الإطراء على سيادة الحبر مندوب قداسة البابا.

وقد أدرجت مجلة “المسائل الحالية” فى أواخر سنة 1896 رسالة  قداسة البابا التى بعث بها إلى منليك الملك وجواب جلالته عليها، والتقرير المرفوع من البطريرك إلى قداسة البابا عن تلك المهمة الخطيرة، وهذا فضلاً عن المقالة الافتتاحية التى نشرتها جريدة إيطاليا “التريبونا” بإحدى أعدادها الصادر فى سنة 1896 شارحة فيه ما أتاه الأنبا كيرلس مقار من جليل الأعمال فى هذه المهمة الدقيقة الصعبة شرحًا وافيًا.

وكانت حياة البطريرك فى هذه المهمة محفوفة بالمخاطر إذ اثنان من رفقائه الثلاثة توفيا فى الطريق والثالث وهو الأب لويس سلامه عاد إلى بورسعيد ولدى وصوله إليها كانت حالته الصحية تنذر بالخطر وبعد خمسة عشر يومًا تماثل بمعجزة.

كان يحضر معظم الحفلات السياسية والعلمية والدينية وقد أبن رأس الحركة الوطنية مصطفى باشا كامل.

كان محترمًا ومرموقًا لدى الشخصيات البارزة فى الدولة. ولدينا شهادة يتحتم التعويل والارنكان عليها والاستغناء بها عن خلافها، هي شهادة اللورد “كرومر” معتمد دولة انجلترا بمصر، الذى لم يكن ممن يتملقون للغير أو يكيلون الكلام جزافًا فى المدح والإطراء. فإن اللورد “كرومر” قبل رحيله نهائيًا عن مصر، حرر لغبطته رسالة أودعها عبارات تناولتها الصحف المصرية، فشغلت بشرحها زمنًا. ومما جاء فيها.

“إني لن أنسى العلاقات الودية التى حزت شرفًا بأحكامها بيني وبين غبطتكم زمنًا طويلاً ولا النتائج الموجبة للإعجاب التى نالتها البلاد بفضل نفوذكم العظيم”.

أسس صحيفة طائفية دعاها “الأسد المرقسى” فقد جاء فى العدد الأول الذى صدر يوم الجمعة 15 هاتور سنة 1616 الموافق 24 نوفمبر سنة 1899:

“رأت طائفتنا القبطية أنه لا يوجد لها من جريدة تقوم بحاجتها من تبادل الأفكار والآراء والوقوف على ما يهم أبناءها من الحوادث والأنباء… وهى مجلة كاثوليكية علمية لا تتعرض لشيء من الأمور السياسية بل غايتها تقرير الحقائق بالأدلة الواضحة والبراهين الراجحة ورفع ما يغشى الأفكار من الأوهام والشبهات. وبيان ما لآباء الكنيسة المرقسية وأحبارها العظام من المآثر والفضائل لنقتدى بأعمالهم وننسج على منوالهم. وقد سيمناها بالأسد المرقسى، تيمنًا باسم القديس مرقس الذى بشر بالإنجيل فى الديار المصرية. أما الأسد فهو الاسم الرمزي الذى أشير به لهذا القديس فى رؤيا القديس يوحنا (4: 6-7) كما يؤكد الشراح اللاهوتيون وبناء على أن هذا الإنجيل استهل بشارته بكرازة يوحنا الذى أسمع صوته كالأسد قائلاً: “أعدوا طريق الرب واجعلوا سبله قويمة”.

وقد كون لجنة من جمعية الوحدة المرقسية المركزية لتصدر هذه الصحيفة فى اليوم الخامس عشر وفى اليوم الثلاثين من الشهر القبطي مؤقتًا فى ثماني صفحات بحجم 28×18 سنتيمترًا.

أسس جمعيات مختلفة منها جمعية الوحدة المرقسية المركزية لتهتم بالنشر والأعلام وجمعية التقدم المركزية لتهتم بالمدارس والتربية الدينية. ودعم الجمعية الخيرية لمساعدة فقراء الطائفة وقد تأسست منذ خمس عشرة سنة_ وأسس جمعية مساعدة الكنائس وهى جمعية سيدات تقوم بإعداد مفارش الهيكل والبدل الكهنوتية وتحضير الأواني المقدسة وكل ما يلزم للكنيسة.

كما واهتم البطريرك بالتكوين الروحي لأفراد الشعب فشجع على إلقاء المحاضرات فى كنيسة حي الفجالة وكنيسة حي درب الجنينة واهتم اهتمامًا كبيرًا بالمنصورة التى زارها سنة 1897 وسنة 1898 واشترى بها قطعة أرض فسيحة لبناء كنيسة ومدرسة وكان أمله كبيرًا فى أن تكون المنصورة عاصمة للكثلكة فى الوجه البحري ويقام فيها كرسي أسقفي.

هذه الحركة المستمرة وهذا النشاط الكبير فى كل المجالات أقلق الأقباط الأرثوذكس حتى أن أحد الأجانب الذى كان يعيش فى مصر فى هذا العصر لاحظ قائلاً “لقد قلقت طائفة الأقباط الأرثوذكس من إعادة البطريركية الكاثوليكية”.

ولذا فحتى لا تتأثر السلطة الكنسية الأرثوذكسية من جراء ذلك، أقامت مطارنة حيث لا يوجد… ورفع البطريرك إلى درجة “مطران” أساقفة بني سويف والمنيا وأسيوط وقنا. كما أقام البطريرك، وإن لم يكن متبعًا فى التقليد، أربعة أساقفة رؤساء للأديرة: أسقفًا لدير المحرق وآخر لدير الأنبا بولا وآخر لدير الأنبا أنطونيوس والرابع لمجموعة أديرة وادي النطرون الأربعة. ورسم أيضًا أسقفًا مساعدًا لمطران القدس الذى كان قد تقدم فى السن”.

 

بنعمة الله

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

stfanos2@yahoo.com

 

3 thoughts on “الأنبا يوحنا كابس والبطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار

  1. نشكركم ايها الاب الغيور على اظهار هذا التراث الجميل الذى لم يتجرا احدا على اخراجه طوال هذه السنين، والذى يبث فينا قوة الانتماء ونفتخر باننا كاثوليك وليس مسكونيين. ونطلب من المركز الثقافى البطرسى (قسم البرمجه والنشر ) اعادة طبع هذا التراث العظيم لبطاركة الكنيسه العظام

  2. نطلب من الاب الموقر سرد لنا وقائع قضية الدير المحرق التى اقامها الانبا مرقص خزام وهى من الاعمال الجليله التى نسبت له وهذا ليعرف الشعب القبطى تاريخ كنيسته العريق

  3. اشكرك جزيلا الأب الفاضل لأننى كنت ابحث كثيراً عن سيره الانبا حنا كابس حىث كان الراعي الحنون الذي زرع الإيمان من خلال عظاته الدسمة وتأملاته الجزيلة وتعليمه للألحان ٠ أتمنى ان أستطيع شراء ألحانه وقداسه٠ والرب يبارك مجهودكم في احياء سيره آباء الكنيسه٠

Comments are closed.