التراثُ الجاهِليُّ: دور النصارى العرب الثقافي في الجاهلية-2

التراثُ الجاهِليُّ: دور النصارى العرب الثقافي في الجاهلية-2

بقلم: الأب سمير خليل اليسوعي

خصائص التراث العربي المسيحي
الجزء الثاني تحت عنوان
التراثُ الجاهِليُّ: دور النصارى العرب الثقافي في الجاهلية
للأب سمير خليل اليسوعي
مؤسس ومدير مركز التراث العربي المسيحي في لبنان
اعداد وتنسيق الاب انطونيوس مقار ابراهيم
راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان
إن الفكر العربي المسيحيّ فكرٌ عريقٌ سبق ظهور الاسلام بقرون ، ولم يزل حيّاً حتّى اليوم . ولكن قدّ
ُ يخطُرُ على بالِنَا قبلَ كلِّ شيْءٍ هذا السُّؤال؛ متَى بدأَ التُّراثُ المسيحيُّ العربيُّ ؟ ، هلْ يا تُرى هو نتيجةَ الفتحِ العربيِّ الإسلاميِّ ، أَمْ هو سابقٌ لهذا الفتحِ؟ للأجابة على هذه التسأولات لابدَّ لنا من العودة إلى الكتاب المقدس .فإذًا عُدْنا إلى الكتابِ المقدَّسِ ، ولاسيما إلى أَعمالِ الرُّسلِ ؛ نرى العربَ حاضرينَ في أُورشليمَ في القُدْسِ الشَّريفِ يوم العنصرةِ . يقولُ الكتابُ : « فَدُهِشُوا وتَعجَّبُوا وقَالُوا : أَليسَ هؤلاءُ المتكلِّمُونَ جَلِيلِيِّينَ بأَجمعِهِمْ ؟ ، فكيف يسمَعُهُمْ كُلٌّ مِنَّا بِلُغَةِ بَلدِهِ ، بين فرثيين(؟) وميديِّينَ وعَيْلامِيِّينَ وسكانِ الجزيرةِ بين النَّهرَيْنِ واليهوديةِ قبدوقيةَ وبُنْطُسَ وآسْيَةَ وفَرِيجِيَّةَ وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية المتاخمَةِ لِقِيريِنَ ورومانِيِّينَ نزلاَءَ هَهُنَا من يهودٍ ودُخَلاَءَ وكريتيِّينَ وعَربَ ؟ فإنَّنَا نسمعُهُمْ يُحْدِثُونَ بعجائِبِ اللهِ بلُغَّاتِنَا » .
فكانَ العربُ إذًا ، حاضرينَ يومَ العنصرةِ ، ولا شكَّ أَنَّ بعضًا منهم اعتنَقُوا المسيحيَّةَ وانتشَرَتِ المسيحيَّةُ في الجزيرةِ العربيَّةِ . وهذا ما سنرَاهُ الآنَ من خلالِ النُّصوصِ التَّاريخيَّةِ فقد سبقَ إذًا الفِكرَ العربيَّ المسيحيَّ ظهورُ الإسلامِ بقرونٍ ، ولم يزَلْ حَيًّا حتَّى اليومَ ؛ فهو فِكْرٌ عريقٌ ، وسأَكتفِي هنا بذكرِ بعضِ مظاهرِ هذا الفِكرِ في الجاهليَّةِ منوهًا إلى علاقتِهِ بالحضارةِ الإسلاميَّةِ .

1) دَوْرُ النَّصارى في نشْرِ الكِتَابَةِ العربيَّةِ
من المعلومِ أَنَّ الكتاباتِ العربيَّةَ الشَّماليَّةَ أَيِ العربيَّةَ الَّتي نتحدَّثُ بها ، المتميِّزةَ عن عربيَّةِ الجنوبِ (الْيَمَنِ) الَّتي وصلَتْ إلينا ، كُتِبَتْ في بيئةٍ مسيحيَّةٍ ؛ وإنَّها تنحدِرُ من الخطِّ النُّبطِيِّ حسبَ الرَّأْيِ السَّائدِ ، حتَّى أَمدٍ قريبٍ أَوْ من الخطِّ السُّريانيِّ . ولا يشكُّ باحثٌ في الأَصلِ المسيحيِّ للخطّ العربيّ(3). وهذا ما تؤكِّدُهُ مثلاً دائرةُ المعارفِ الإسلاميَّةِ الشَّهيرةِ ، إذ تقولُ : « إنَّ أَقدمَ النُّصوصِ الَّتي وصلَتْ إلينا بالْلُّغةِ العربيَّةِ ، نصوصٌ تأْتِي من بيئةٍ مسيحيَّة » . وبالفعلِ إنَّ أَقدمَ الكتاباتِ العربيَّةِ الشَّماليَّةِ ، وُجِدَتْ على أَبوابِ الكنائسِ منها : كتابةُ خرائِبِ زَبْدِ في جنوبِ شرقِيِّ حلَبَ المكتوبةُ بثلاثِ لُغَّاتٍ : اليونانيَّةُ والسُّريانيَّةُ والعربيَّةُ ؛ كُتبتْ سنةَ 512 . ومنها نقش(؟) حَرَّانَ بالْلُّغَتَيْنِ اليونانيَّةِ والعربيَّةِ المنقوشِ سنة568م(4).
يقولُ الأُستاذُ « جوادُ عليٍّ » صاحبُ الموسوعةِ المشهورةِ « المفصَّلُ في تاريخِ العربِ قبلَ الإسلامِ » ، وهي موسوعةٌ وُضِعَتْ في عشَرَةِ أَجزَاءٍ ضخمةٍ ، ما نَصَّهُ : « ويلاحَظُ أَنَّ الَّذينَ كتبُوا بالقلَمِ العربيِّ الشَّماليِّ الَّذي أُخِذَ منه قلَمَ مكَّةَ ، هم من العربِ النَّصارى في الغالبِ . فأَهْلُ الأَنبارِ والْحِيرةِ وعَينِ شمسٍ ودومةِ الجندلِ وبلاَدِ الشَّامِ كانُوا منَ النَّصارى ؛ فلا أَستبعدُ ، يقولُ الأُستاذُ جَوَادُ عَليٍّ ، احتمالَ استعمالِ رجالِ الدِّينِ للقلمِ السُّريانيِّ المتأَخِّرِ الَّذِي كونُ القلمِ النَّبطيِّ في الكتابةِ العربيَّةِ لحاجتِهِمْ إلى الكتابةِ في تعليمِ أَولادِ النَّصارى الكتابةَ وتثقيفِهِمْ ثقافةً دينيَّةً ؛ فكانُوا يعلِّمونَهَا في المدارسِ الْمُلحَقَةِ بالكنائسِ ، وربَّمَا نشرُوهَا في البحرَيْنِ أَيْ في سواحلِ الخليجِ ، حيث كانت هنالِكَ جالياتٌ نصرانيَّةٌ ، وفي الأَماكِنِ الأُخرى من جزيرةِ العربِ الَّتي كانت النَّصرانيَّةُ قد وَجَدَتْ سبيلاً لها بينها . ولا أَستبعدُ احتمالَ عثُورِ الْمُنَقِّبِينَ في المستقبلِ على كتاباتٍ مطمُورةٍ كُتبتْ بهذا القلم “(5)» .
وقال أَيضًا : « وقد كان للنَّصرانيَّةِ ، أَثرٌ مهمٌّ في نشرِ الكتابةِ العربيَّةِ المأْخوذَةِ عن الأَراميَّةِ بين الجاهليين ؛ الكتابةُ الَّتي تَولَّدَ منها قلَمُنَا الَّذي نكتبُ به في الوقتِ الحاضرِ . وقد وجَدَ المسلمُونَ في فَتْحِهِمْ للعراقِ ، مدارسَ عديدةً لتعليمِ الأَطفالِ القراءَةَ والكتابَةَ . كما أَنَّ تجَّارَ مَكَّةَ ويَثْرِبَ الَّذِينَ كانُوا يقصِدُونَ الشَّامَ والعراقَ ، وجَدُوا الضَّرورةَ تُحَتِّمُ عليهم تَعَلُّمَ هذا الخطِّ فتعَلَّمُوهُ » . ويستَرْسِلُ الأُستاذُ جَوادُ علِيٍّ يقولُ : « ولما نَزَلَ الوَحْيُ ( يريدُ على مُحمَّدٍ ) كُتِبَ كتابَهُ به فصارَ قلمَ المسلمين (6) » .

2) الشِّعرُ والأَدبُ العربيُّ المسيحِيُّ في الجاهليَّةِ
قد رأَيْنَا ، أَنَّ الخطَّ العربيَّ أَصلُهُ مسيحيٌّ ؛ أَمَّا فيما يَخُصُّ المؤلَّفَاتِ المسيحيَّةِ ، فسبيلُهَا سبيلُ جميعِ مؤلَّفَاتِ الجاهليَّةِ ، إذ لم تصِلْ إلينا إلاَّ المؤلَّفَاتِ الشِّعريَّةِ والحكميَّةِ . ذلك لأَنَّ التُّراثَ العربيَّ الجاهليَّ تراثٌ شفهِيٌّ ، لم يُدَوَّنْ إلاَّ بعدَ الإسلامِ . فلم تصِلْ إلينا إلاَّ تلك المؤلَّفاتِ الَّتي يسهُلُ حفظُهَا مثلَ : الشِّعرِ والحكَمِ والخُطَبِ .
ومن أَشهرِ شعرَاءِ النَّصرانيَّةِ :
عديّ بن زيد (7)) الْمُتوفَّى نحو سنة 587 ؛ وأَشهرُ خطِّيبٍ جاهليٍّ قسُ بْنُ ساعدَةَ المسيحيِّ الْمُتوفَّى نحو سنة 600 ، وكان واعظُ القومِ في سوق عُكاظ(8).
وقد جمعَ الأَبُ لويسُ شيْخُو اليسوعيُّ دَواوينَ الشُّعراءِ المسيحيِّينَ في كتابِهِ الضَّخمِ « شعراءُ النَّصرانيَّةِ قبلَ الإسلامِ (9) » ، كما أَنَّهُ جمعَ المعلوماتِ عنِ النَّصارى العربِ قبلَ الإسلامِ في كتابٍ آخَرٍ ، سَمَّاهُ : « النَّصْرَانِيَّةُ وآدَابُهَا بين عربِ الجاهليَّةِ(10) » .
وهذان الكتابانِ يقَعَانِ في 1500 صفحَةٍ من القِطَعِ الكبيرِ ، إلاَّ أَنَّهما يُقرآنِ بشيْءٍ من الْحِرصِ ، إذ كان الأَبُ شيخُو يَنْسِبُ كثيرًا من هذهِ الأَشعارِ إلى شعراءِ النَّصرانيَّةِ ، دون أَنْ يتأَكَّدَ تمامًا من نصرانيَّتِهِمْ .
وعلى الباحثِ ، أَنْ يقابلَ ما قالَهُ الأَبُ شيْخُو بما كَتَبَهُ الأَبُ كميلٌ حشيمَةٌ في نقدِهِ لكتابِ شيْخُو(11) باللُّغةِ الفرنسيَّةِ : « ولما كان الشِّعرُ مشهورًا جدًّا لدى الجميعِ ، لم أَرَ من الضَّروريِّ أَنْ أَستشهِدَ بأَبيَاتٍ منه » . وقد قدَّمَ أَيضًا الدُّكتورُ جَوادُ عَلِيٍّ ، لوحةً كاملةً عنِ النَّصارَى العربِ قبلَ الإسلامِ في مَوْسوعتِهِ الشهيرة(12))
أَمَّا عنِ المسيحيَّةِ في ديارِ العربِ قبلَ الإسلامِ فلديْنَا مرجعٌ مهمٌّ للمُسْتَشْرِقِ الدُّكتورُ «تريننكن»(TRIMINGHAM)(13) .
3) الأَطبَّاءُ النَّصارَى العربُ قبلَ الإسلامِ :
إنَّ أَشْهَرَ أَطبَّاءُ العربِ في الجاهليَّةِ : الحارثَ بْنِ كِلْدَا الثَّقَفِيَّ المعروفَ بطبيبِ العربِ توفِّي نحو سنةَ 13 هـ أَيْ سنةَ 635 ، أَصلُهُ من ثقيفٍ من أَهلِ الطَّائفِ ، رحلَ إلى أَرضِ فارسَ ، وأَخذَ الطِّبَّ من نصارَى جِنْدِ صَابُورَ ، وطَبَّبَ في بلادِ فارسَ وعالَجَ بعضَ أَجلاَّئِهِمْ فبَرَأُوا . وحصلَ لهُ بذلكَ مالٌ كثيرٌ ، ثُمَّ عادَ إلى بلدِهِ الطَّائفِ وكان صاحبُ حسٍّ مرهفٍ ، وموسيقًا ، يضرِبُ العودَ إذْ تعلَّمَ ذلك بفارِسَ واليمَنَ ؛ وذَكَرَ لهُ ابْنُ عبدِ ربِّهِ شِعرًا في كتابِ « العِقْدُ الفريدُ » ، كما ذكرَهُ أَبُو العلاَءُ الْمَعرِّي في « رسالةُ الغفرانِ » .
ثُمَّ أَدركَ الإسلامَ ، واتَّخَذَهُ النبي محمَّدٌ طبيبًا (14) ، وفي بعضِ الرِّواياتِ ، قيلَ إنَّهُ أَسلمَ . ولكنَّ إسلامَهُ لم يصِحَّ على ما ذَكَرَهُ القِفْطِيُّ (15)؛ وقدِ اتَّسعَ في ترجمتِهِ ، وذكرَ مآثرَهُ الطِّبيَّةَ كثيرونَ من كَتَبَةِ العربِ : كابنِ كُتَيْبَةَ (16) المتوفَّى سنةَ (889) ، وابنِ عبدِ ربِّهِ المتوفَّى سنةَ ( 940 ) (17)، وابنِ جُلْجُلَ (ت 994) (18) ، وصاعدَ بنِ أَحمدَ الأَندلسيَّ (ت1070م)(19)) ، وابنِ عبدِ البرِّ (ت1071م)(20)، وجمالِ الدِّين بنِ القفطيِّ
( ت1248م)(21)، وأَبي الفرجِ بنِ العبري (ت1286م)(22)، وابنِ أَبي أَصيبعة (ت1296م)(23) ، وابنِ حجرَ العسقلاني (ت1449م)(24) وغيرهم من مؤرِّخِي الفكرِ العربيِّ .
وقد نَسبُوا إلى الحارثِ كتابَ « المحاورةُ في الطِّبِّ » بينه وبين كسرا أُنوشْروان (25) دون الإشارةِ إلى مضمونِهِ ومحتوياتِهِ وحجمِهِ .
وتبعَ الحارثُ ابنَهُ النَّضِرَ بنَ الحارثِ بنِ كلْدا وهو ابنُ خالةِ محمَّدٍ ؛ قال عنه ابنُ أَبي أصيبعة في كتابهِ الشَّهيرِ « عيونُ الأَنباءِ في طبقاتِ الأَطبَّاءِ » ، قال : « وكان النَّضرُ قد سافرَ البلادَ أَيضًا كأَبيهِ ، واجتمعَ مع الأَفاضلِ والعلماءِ بمكَّةَ وغيرها . وعاشَرَ الأَحبارَ والكهنةَ ، واشتغَلَ وحَصَّلَ من العلومِ القديمةِ أَشياءَ جليلةَ القدرِ ، واطَّلَعَ على علومِ الفلسفةِ وأَجزاءِ الحكمةِ ، وتعلَّمَ من أَبيهِ أَيضًا ما كان يعلمُهُ من الطِّبِّ وغيرِهِ (26). ويقول التَّاريخُ : « إنَّ النَّضرَ كان يُعادي النَّبِيَّ ويَحِطُّ من قدْرِهِ عند أَهلِ مكَّةَ . فلمَّا كانت وقعةُ بدرٍ ، انتصرَ محمدٌ وأَنصارُه على أَعدائِهِم ؛ وكان النَّضرُ على رأسِ الأَعداءِ فوقع أَسيرًا . فأَمرَ محمدٌ بقتلِهِ بالصَّفراءِ سنةَ 624 .
فرثَتْه ليلى ابنتُهُ وقيلَ « قتيلةٌ أُختُهُ » بأَبياتٍ . فلمَّا سمعَهَا محمدٌ قال : « لو سمعتُ هذا قبلَ أَنْ أَقتلَهُ ، ما قتلتُهُ »(27) .
هذانِ الْمَثالانِ ، يؤَكِّدانِ دورَ المسيحيِّينَ في الجاهليَّةِ ، وفي صدرِ الإسلامِ في العلومِ ، لا سيَّما في الطِّبِّ . وسنرى فيما بعدُ ، أَهميَّةَ دورِ المسيحيِّينَ في خلقِ الطِّبِّ العربيِّ الَّذي اشتهَرَ عالميًّا في العصورِ الوسطى .

4 ) القصَصُ الدِّينيُّ عند نصارى الجاهليَّة :
وردَ اسمُ رجلٍ أَدخلَ للمسلمينَ القِصصَ الدِّينيَّ ، هو تميمٌ بنُ أُوسَ بنِ خارجةَ الدَّاريَّ ، ذُكِرَ أَنَّه أَسلمَ سنةَ 9 هـ ، وأَنَّه كان نصرانيًّا وأَنَّه لقيَ النَّبيَّ فقصَّ عليهِ قصَّةَ “الجسَّاسُ والدَّجَّالُ” . هكذا يقول الأُستاذُ جوادُ عليٍّ ويسترسلُ: ” وذُكِرَ أَنَّه كان يترهَّبُ ويسلِكُ مسلَكَ رجالِ الرَّهبانيَّةِ حتَّى بعدَ إسلامِهِ وأَنَّه ستأْذنَ الخليفةَ عمرَ أَو الخليفةَ عثمانَ في أَن يذكرَ النَّاسَ في يومِ الجمعةِ فأَذِنَ له . فكان يقِصُّ في مسجدِ الرَّسولِ وكان بذلك أَوَّلُ مَنْ قصَّ في الإسلامِ” . يقول أَيضًا: ” ورُويَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسرجَ السِّراجَ في المسجدِ ، وكان قد قدِمَ مع أَخيهِ نعيمَ الدَّاريَّ في وفدِ الدَّاريِّينَ على الرَّسولِ ، وكان مقامُه في الشَّامِ ، وربَّمَا وضعَ القصَصَ على اسمهِ (28)، ولكنَّنا لا نستبعدُ أَنْ يكونَ قد خلطَ بين القصَصِ النَّصرانيِّ وبين الأَساطيرِ العربيَّةِ . فقد كان نصرانيًّا يسمعُ أَقوالَ وعاظِ الكنائسِ فتعلَّمَ منهم وطبَّقَ ما تعلَّمَه في الإسلامِ(29) وكذلك ذكرَ الإخباريُّونَ أَنَّ الأُسودَ بنَ سريعٍ بنِ حِمْيَرَ بنِ عُبادةَ بنِ النَّزَّالِ التَّميميِّ السَّعديِّ كان قاصًّا ، كما أَنَّه كان شاعرًا مشهورًا . قال الدُّكتورُ جوادُ عليٍّ: “وهو من الصَّحابةِ ، وكان أَوَّلُ من قصَّ في مسجدِ البصرةِ ، قيل إنَّه ماتَ سنةَ 42 . ولعلَّه كان من النَّصارى كذلك (30) ” . فنرى إذًا أَنَّ أَوَّلَ من قصَّ في مسجدِ بَصرةَ كانا كلاهُما منَ النَّصارى .
(5)ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية قبل الإسلام :
يجولُ في أَذهانِنا سُّؤالُ وهو، هل وصلتْ إلينا ترجمةُ الكتابِ المقدَّسِ إلى اللُّغةِ العربيَّةِ فيما قبلَ الإسلامِ؟ هل تُرجم الإنجيل (الكتاب المقدس عمومًاً ) قبل الإسلام ؟ هذا موضوع شائك ، وقد تضاربت الآراء فيه . ومعلوم انّه لم تصل إلينا أيُّ ترجمةٍ عربّية سابقة للإسلام ، وإلا انّ هذا الواقع ليس دليلاً على عدم ترجمة الكتاب في الجاهلية .ذلكلأنه لم يصل إلينا أيُّ نصٍ كاملٍ من الجاهلية لذا فقد قلت لكم تضاربت الآراء وإليك عرضٌ سريع لأبرز الآراء .
أمّا الأب لويس شيخو ، فقد دافع عن وجود ترجمة في الجاهلية ، مؤيداً رأيه بأدلة عديدة (31).تاريخية ولغوية وأثرية وشعرية إلى آخره وذلك في مطلع القرن العشرين وتبعه كثيرٌ من المفكرين في الشرق الاوسط لاسيما عبد المسيح المقدسي ، في مقالٍ قيمٍّ ظهر في مجلة “المشرق “(32)). ثم أخذ المستشرق أنطون باومشتارك (BAUMSTARK)ينشر العديد من المقالات ، ابتداءً من سنة 1929 حتىّ سنة 1938 ، لإثبات الرأي نفسه إنطلاقاً من الترجمات القديمة(33) .
امّا جورج غراف (GRAF) فقد أثبت أن الترجمات العربيّة التي وصلت إلينا لا ترجع إلى أيّام الجاهليّة . ولكنه في نفس الوقت يفترض وجود ترجمة عربيّة للكتاب المقدس ( أو لأجزاءٍ منه) قبل الإسلام(34) .ثمّ ذكر ألفريد جليوم (GUILLAUME) نصاً من ” السيرة النبوية ” لإبن اسحاق ، يستدلُّ به على وجود ترجمة عربيّة لإنجيل يوحنا في بداية القرن السابع الميلادي (35).
وعالج آرثر فوبس (VOOBUS) الموضوع باختصار ، فتوصَّل إلى النتيجة ذاتها التي كان قد توصَّل إليها جورج غراف(GRAF) (36) وكذلك فعل رابينٌ(RABIN) في مقالة عن ” اللغة العربيّة ” التي كتبها لدائرة المعارف الإسلامية الجديدة . فأكّد أنّ بعض أجزاء الكتاب المقدس كانت متداولةً في الجاهلية ، وأن واضعيها من النصارى لا من اليهود (37).
وأخر من درس هذا الموضوع بتعمق هو الاستاذ عرفان شهيد أستاذ اللغة العربية في جامعة جورج تاون في واشنطن ويستدت بأدلةٍ تاريخية على وجود ترجمةٍ عربيةٍ للإنجيل قبل الإسلام .
وإليك بعض الأدلة التي تدلنا على وجود ترجمةٍ للإنجيل:
معلومٌ أن الديانة المسيحية على إختلاف مذاهبها ونحَلِها ، إبتدأت تنتشر بين العرب مِنْ يوم أن ظهرت ، كما يُأخذ ذلك من شهادة أعمال الرسل والرسالة إلى أهل غلاطية ومصادر أخرى معلومة وقد كان بدء إنتشارها بين عرب فلسطين ثمّ إنتقلت إلى سوريا وما بين النهرين وأخيراً إلى جزيرة العرب حيث رسخ قَدَمُها ، وإتخذت صورةً معلومةً ومراكزَ ذكرها المؤرخون من عرب وغيرهم منذ أواسط القرن الرابع للميلاد . والذي يظهر من أقوال المؤرخين والإصطلاحات الدينية والكنائسية التي دخلت لغتنا منذ هذا الوقت ، أن المسيحية دخلت إلى الجزيرة العربية من طرفين ، أي من الجنوب على يد الحبش الذين إحتلوها لأول مرةٍ في أواسط القرن الرابع وفي أوائل السادس للمرة الثانية سنة 525 . ومن الشمال عن طريق سوريا وما بين النهرين على يد الدعاة السوريين . أضف إلى ذلك رحلات العرب التجارية إلى سوريا وفلسطين وما بين النهرين ، وإختلاطهم بأخوانهم المنتصرين هناك ، وتأثير الأديرة التي كانوا ينزلون عندها ، وترددهم على الحوانيت التي كان أكثرها في أيدي النصارى أيضاً ، تدرك سرعة إنتشار المسيحية بين العرب ، ولا سيما بين عرب الشمال والقبائل النازلة فيما بين النهرين . وهذا ما جوّز لأحد الشيوخ المستشرقين “يوهنس فيل هوزن” أن يقول: “إنه لو لم يظهر الإسلام ، لعمّت النصرانية بعد قليل من الزمن ، شمال الجزيرة كله من البحر الأحمر إلى البحر الفارسي” . يكفي لترجيح هذا الفكر ، أن نذكر القارئ بأن النصرانية عمّت أو كادت تعمّ في ذلك الوقت جميع قبائل قضاعة وأكثر قبائل ربيعة وتميم والطيّ وغيرها من قبائل الشمال وأواسط الجزيرة ، ناهيك عن قبائل الجنوب والجنوب الشرقيّ . وهذا ما حمل رؤساء الدين بين هذه القبائل أن يبنوا لها بيعاً وأديرةً وصوامعَ لإقامة الصلاة وسائر شعائر الدين فيها . وإذا إعتبرنا ذلك ، وعرفنا أن من أهمّ شعائر الدين في كنائس الشرق وأحبها إلى الشعب أن تُقرأ كل يوم مساءً وصباحاً قِطَعٌ من الكتب المقدسة ، وأن هذه العادة كانت قديمة عندهم ورثوها كما يظهر عن اليهود كما ورثوا عنهم أموراً أخرى ، جاز لنا أن نفترض أنَ الحاجة الكنائسية إضطرت زعماء الدين المسيحي في البلاد العربية إلى نقل ، ولو هذه القطع فقط ، إلى لغة الشعب من يوم أصبح للعرب بيعٌ يقيمون فيها صلاوتهم وطقوسهم الدينية .
ثم إننا نعلم عن وجود حلقة من الحنيفيين في مكة ، أشار إليها القرآن مراراً . وقد ذكر صاحب الأغاني عن ورقة بن نوفل أحد هؤلاء الحنفيين ، وهو إبن عم خديجة زوج محمد الأولى : “أنه كان إمرءاً تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتابة العبرانية ، فيكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء أن يكتب” . وقال المسعودي صاحب مروج الذهب: “وكان ورقة قرأ الكتب ورغب عن عبادة الأوثان” . ويبدو أن هذه الأقوال تأتي من صحيح البخاري ومُسلم ، فقال البخاري بالحرف الواحد: “وكان ورقة إمرءاً تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتابة العربية ويكتب من الإنجيل بالعربية ، ما شاء أن يكتب” . فيتضح من ذلك أنَّ كتاب الأغاني حرّف نص الصحيحين ، ووضع كلمة عبرانيّ مكان عربيّ . ويدل ذلك على أن ورقة بن نوفل كان يكتب الكتاب أي الإنجيل العربيّ وكُـتُبْ أخرى ،ولا يخفى على أحدٍ دور ورقة بن نوفل على كتابة القرآن وعلى صاحب الرسالة المحمدية .
فإذا صحَّ هذا الإفتراض ، جاز لنا أن نستنتج منه أن الأناجيل أو قسماً منها نقلت إلى العربية قبل الإسلام ، إذ يصعب علينا أن نسلم بأن نصارى الحيرة وسوريا واليمن وشبه جزيرة سيناء وفلسطين ، كانوا يقرأون في بيعهم الأناجيل والمزامير وغيرها من كتب العهدين بلغات غير مفهومة أو ظلوا يقرأونها في هذه اللغات زمناً طويلاً . وبعد أن شاعت بينهم الأحرف العربية الحاضرة التي صاروا يدوّنون فيها تاريخ بيعهم وأهم حوادثهم المدنية والكنائسية وكتاباتهم على أبواب أديرتهم وضرائحهم وهلمّ جراً . زد على ذلك ما ذكره أحد المؤرخين ، من أن ملك الحبشة وإسمه “ألا إسبيبا” أرسل سنة 520 إلى أمبراطور بيزنطيا قسماً من إنجيل لنصارى نجران نجىّ من الحريق وإن صاحب هذا الخبر لم يذكر لغة الإنجيل هذا على أننا إستناداً إلى ما قدمنا من الإعتبارات نرجح أنها كانت العربية .

ثم إننا نجد في القرآن آيات تذكرنا بالكتاب المقدس ، بل تكون أحياناً مأخوذة منها بالحرف الواحد . كقوله في (سورة الأنبياء الجملة 105): ” ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ” . وهي تقابل عبارة صاحب الزبور (المزمور 37 ،11): ” أما الودعاء فيرثون الأرض ” . ومنها ما أخذ معناه فقط كقوله: ” فأتاهم الله ثواب الدنيا وحُسْنَ ثواب الآخرة ” . تذكرنا برسالة بولس الأولى إلى أهل طيموثاوس (4 ، 8): ” وأما التقوى فتنفع في كل شيء ولها موعد الحياة الحاضرة والمستقبلة ” . ومن طالع أشعار شعراء الجاهلية مثل إمرء القيس وأميّة بن أبي السلط والنابغة الذبياني ولبيد وغيرهم . وطالع القرآن بإمعان و بعض الأناجيل المزورة لا يلبث أن يندهش من كثرة ما يراه هناك من الإصطلاحات الدينية والكنائسية والأخلاقية و قدرتها على تأدية أدق المعاني التي لها مساس بهذه المواضيع . وهذا من أقوى الأدلة على أن العرب عالجوا هذه المواضيع منذ أمدٍ بعيد ، وأن هذه الإصطلاحات والتعبيرات ليست حديثة العهد ولا هي وضعت أو أُخذت في سنة أو بضع سنوات . لكنها دخلت العربية من يوم شاعت النصرانية بين العرب ، وإضطر المسيحيون منهم الى إستعمالها في بيعهم وبيوتهم ومجتمعاتهم وكتبهم . ولولا ذلك لما كان لهذه الألفاظ تلك المرونة وتلك السلاسة اللتان لا تكتسبان إلا مع الزمن ، وبعد إعمار الفكر طويلاً .
ولقد أشرنا في الحلقة السابقة ، إلى الإصطلاحات القرآنية التي أخذت بلا شك من أصل مسيحي ، حسب تعليل علماء القرآن وتعليل المستشرقين . وإذا أمعنا النظر في هذه المصطلحات القرآنية لوجدنا أن العنصر السريانيّ الأّراميّ على إختلاف لهجاته بين فلسطينية وسورية وعراقية هو الغالب عليها . أما الإصطلاحات المسيحية التي دخلت عن طريق الفارسية أو اللاتينية أو اليونانية أو الحبشية فقليلة .
وقدّم يوسف هننجر(HENNINGER) نظرة سريعة عن بعض الاراء وأّيد أخيراً رأي جورج غراف(GRAF)(38) ثَّم جاء يوشع بلاو (BLAU) ، فأنكر وجود ترجمة عربية للكتاب المقدس سابقة للإسلام ، اعتماداً على أدلةٍ لغويَّةٍ ، ورداً على رأي انطون باومشتارك (BAUMSTARK)(39) .
بعد هذا العرض لأبرزّ الاراء ، لابد لنا من أن نختمه بتقديم رأي الدكتور جوَّاد عليّ ، لإحاطته بموضوع الجاهلية . “ويظهر من بعض روايات الأخبارين أن أهل الجاهليّة كانوا قد اطلّعوا على التوارة و الإنجيل ، وأنّهم وقفوا على ترجمات عربيّة للكتابين . وأن هذا الفريق كان قد عرّب بنفسه الكتابين كلاًّ أو بعضاً ، ووقف على ما كان عند أهل الكتاب من كتبٍ في الدين . فذكروا مثلاً (ورقة بن نَوفَل) ” كان يكتب الكتاب بالعبراني ، ويكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب . وقالوا : ” وكان امرؤ تنصَّر في الجاهليّة ، وكان يكتب الكتاب بالعربي ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب ” . وذكروا مثل ذلك عن (أميّة بن أبي الصَّلت)، فقالوا إنّه كان قد قرأ الكتب المقدسة وقالوا مثل ذلك عن عددٍ من الأحناف”(40) .
وبعد ذكر هذه الامثلة ، أبدى المؤلف رأيه ، وقال :
” ولا يستبعد وجود ترجماتٍ للكتاب المقدس في الحيرة . لما عُرف عنها من تقدُّمٍ في الثقافة ووفي التعليم ، ولوجود النصارى المتعّلمين فيها بكثرة . وقد وجد المسلمون فيها حينما دخلوها عدداً من الأطفال يتعلمون القراءة والكتابة وتدوين الأناجيل ؛ وقد برز نفر منهم ، وظهروا في علوم اللاهوت . وتولَّوا مناصب عالية في سلك الكهنوت وفي مواضع أخرى من العراق . فلا غراية اذا ما قام هؤلاء بتفسير الأناجيل وشرحها للناس للوقوف عليها. وقد لا يُستبعد تدوينهم لتفاسيرها أو لترجمتها . لتكونَ في متناول الأيدي ، ولاسيمَّا بالنسبة وإلى طلابّ العلم المبتدئين . وقد لا يُستبعد أيضاً توزيع بعض هذه الترجمات والتفاسير إلى مواضع أخرى ، لقراءتها على الوثنيين وعلى النصارى للتبشير “(41) .
أخيراً ، الكتب القانونية التي نرجح أنها نقلت إلى العربية قبل الإسلام إستناداً إلى مقارنات ببعض آيات القرآن وأساليب نقلية أخرى فهي الآتية: كتاب التكوين ، والخروج ، والأحبار ، والعدد ، وتثنية الإشتراع ، ثم كتاب الزبور ، وأخيراً إنجيل متى . وهذا ماسنراه في في إطار حديثنا عن بعض النماذج على أقدم ترجمات الأناجيل لا سيما الترجمات المسجعة .

(6) المؤلَّفاتُ اللاَّهوتيَّةُ:
نكتفي هنا بإيرادِ رأْيِ الدُّكتورِ جوادِ عليٍّ في هذا المضمارِ إِذ قال: ” ولم يتركْ رجالَ الدِّينِ من النَّصارى العربِ لنا أَثرًا كتابيًّا يُنبئُ عن مدى اشتغالِهِم في علمِ اللاَّهوتِ وفي العلومِ الُأخرى . غيرَ أَنَّ هذا لا يعني أَنَّ النَّصارى العربَ لَمْ يخرجُوا علماءَ دينٍٍ منهم ولَمْ يُعطوا النَّصرانيَّةَ رجلاً منهم يخدمُها ويقفُ حياتَه الرُّوحيَّةَ عليها . ففي قوائمِ أَسماءِ من حضروا المجامعَ الدِّينيَّةَ الَّتي عُقدتْ للنَّظرِ في الأُمورِ الْجَدليَّةِ ولاسيّما في القضايا الَّتي تخُصُّ مبادئَ الدِّينِ ، أَسماءُ رجالٍ تنبئُ أَنَّهم كانوا عربًا . وقد دوِّنتْ في محاضرِ تلكَ المجالسِ أَسماءُ المواضعِ الَّتي مثَّلُوها من بلادِ العربِ . كما أَنَّ بينَ رجالِ الدِّينِ الكبارِ الَّذينَ نبغُوا في العراقِ مَنْ كان أَصلُه من الْحَيرةِ . وإذْ كانت غالبيَّةُ سكانِ هذه المدينةِ من العربِ فلا يُستبعدُ أَنْ يكونَ من بين هؤلاءِ العلماءِ النَّصارى الْحَيريِّينَ مَنْ كان من أَصلٍ عربيٍّ” (42).،
ما هو دورُ النَّصارى في الحضارةِ العربيَّةِ ؟
نذكرُ مرَّةً أَخيرةً ما ذكرَهُ الدُّكتورُ جوادُ عليٍّ: ” لقد كانت النَّصرانيَّةُ عاملاً مُهمًّا بالطَّبعِ في إدخالِ الآراءِ الإغريقيَّةِ والسُّريانيَّةِ إلى نصارى العربِ . فقد كانتِ الكنيسةُ مضطرَّةً إلى دراسةِ الإغريقيَّةِ ولغةِ بني إرْمَ لِمَا للُّغتَيْنِ من قدسيَّةٍ خاصَّةٍ نشأَتْ من صلاتِهِما بالأَناجِيلِ وقد كان أَثرُ الإرْميةَ أَهمُّ في الكنيسةِ الشَّرقيَّةِ من الإغريقيَّةِ . بكونِها لغةُ الثَّقافةِ في الهلالِ الخصيبِ في ذلك العهدِ . ولهذا وجدْنَا معظمَ التَّعابيرِ والمصطلحَاتِ الدِّينيَّةِ عند نصارى الشَّرقِ هي من هذه اللُّغةِ ومنها أَخذَها النَّصارى العربُ فصارتْ عربيَّةً (43). ومن أَقوى الأَدلَّةِ على تأْثيرِ النَّصارى الدِّينيِّ والحضاريِّ على عربِ الجاهليَّةِ وعلى الإسلامِ الناشئِ ، تلكَ الأَلفاظُ القُرآنيَّةُ الَّتي اعتبرَها اللُّغويُّونَ دخِيلَةً ، وقد اعتمدنا على مرجع موثوق فيه للأستاذ آرثر جفري(JEFFER)(44) منها أَلفاظٌ دينيَّةٌ ومنها أَلفاظٌ حضاريَّةٌ . أَمَّا الأَلفاظُ الدِّينيَّةُ الَّتي وردَتْ في القُرآنِ من أَصلٍ مسيحيٍّ أمّا الألفاظ الدينيّة التي وردت في القرآن الكريم وهي من اصل مسيحيّ ، فمثل إبليس(47-48) ، إنجيل (71-72)وبيعة(86-87) وجهنّم (105-106) وحَوَاريَّون (115-116) ورُجز(139) وزبور(148-149) وسلطان (176-177) وشيطان (187-190) وصِبغة (192)وصَلَوات (197-198)وصوامع(200-201) وصوم(201-202) وطُوبَى(206) وطُور(206-207) وفِردَوس (223-224)وفُرقان(225-229) وقُدُس(232) وقِسط (237238)وقسيسّون (239-240) ومَثَل (258) ومسيح (265-266) ومِلّة (268-269) ومِنَّ (271-272)ونصارى (280-281) ويحيى (290-291)
أما الألفاظ الحضاريَّة ، فمثل : تابوت (88-89) وخمر(125-126) ودِرهَم (129-130)ودينار(133-135) وسِراج (166-167)وكأس (245-246) وكوب (252) ومِقلاد (267-268) ، والألفاظ المرتبطة بالكتابة ، مثل : رَقّ (143)وسِجِل (163-164) وسَطَر(169-170) وسِفر (170-171) وقُرآن (233-2347) وقِرطاس(235-236) .
وقد ذكر الأب لويس شيخو مفردات أخرى عديدة انتشرت بين عرب الجاهلية تحت تأثير النصارى (45). ولم أذكرها هنا ، بما أنّ البحث كان محصوراً على الألفاظ التي وردت في القرآن .
يتّضح من هذا العرض السريع أنّ الجزيرة العربيّة ، وإن كانت صحراء جدباء ، إلاّ أنها كانت فكرياً خصباء . وقد لعب النصارى دوراً بارزاً في بناء هذا الفكر العربي ، وهّيأوا الطريق في قلوب العرب لقبول الدعوة المحمَّديَّة .

إلى اللقاء في الجزء الثالث وتحت عنوان ” تأثير الاسلام على الأدب الديني المسيحي ”
ابونا انطونيوس

(3) CF. C. RABIN ,at . Arabiyya , in Encyclopédie de l’ Islam, 2 ed., I (Leyde et Paris 1960) “ Le caractère chrétien des inscriptions datées laisse à penser que l’alphabet arabe fut inventé par des missionnaires chrétiens , comme tant d’ alphabets orientaux . Abbott localise cette invention , avec beaucoup de vraisemblance, à Hira ou à Anbar . Et puis Lion Wellhausen suggère , avec toute apparence de raison, que l’arabe classique fut répandu par les Chrétiens de Hira . La tradition musulmane nomme, parmi pemières personnes qui écrivirent en arabe , Zayd , b . Hamad (vers 500 de J.C .) et son fils le poète Adi , tous deux poètes de Hira “ (P.583a) .
(4) راجع مثلاً صلاح الدين المنجد\ ” درسات في تاريخ الخط العربي ، منذ بدايته إلى نهاية العصر الأموي ” (بيروت ، دار الكتاب الجديد ، 1972) ص 12-22 . لويس شيخو : ” النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ” القسم الثاني ، الفصل الاول ، في مجلة “المشرق” 16 (1913) ص 67-72 (+لوحتان) ؛ ثمّ في طبعته على صورة كتاب (بيروت 1923) ص 152-157 و 461-462
(5) جوّاد عليّ ” المفصل في تاريخ الإسلام” بيروت ، دار العلم للملايين ، ط2 ج 8/178-179
(6) نفس المرجع السابق ، ج6 ، ص 689
(7) ) عن هذا الشاعر توجد عشرات من الأبحاث ، نذكر أهمَّها :
أ- لويس شيخو : ” شعراء النصرانية قبل الإسلام ” (بيرت 1890 = 1967) ص439-474
ب- عبد المتعالي الصعيدي : ” زعامة الشعر الجاهلي بين امرئ القيس وعدي بن زيد ” ( القاهرة 1943 )
ج- نذير العظمة : ” عدي بن زيد ، شخصيته وشعره ” (بيروت1960)
د- Fuat SEZGIN, Geschihte des arabischen Sehrifttums II .(Leiden , Brill ,1975).P .178-179حيث يجد القارئ أهمّ المراجع

(8) عن قس بن ساعدة ، راجع :
أ- Louis CHEIKHO ,Les poètes arabes chrétiens . Poètes anteislamiques . Qouss évêque de Najran , in Etudes 1888,p. 592-611. Article reproduit dans Relation d’ Orient . janvier 1892 , p.21-29
ب- لويس شيخو : ” شعراء النصرانية قبل الإسلام ” (بيروت 1890-1967) ص211-218.
ج- لويس شيخو : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ” ، ” في المشرق ” 18(1920 ) ص379-380 = طبعة بيروت 1923 ص327-328 ( أنظر أيضاً ص 64، 161 ،162 ، 169، 192 ، 244 ، 379 ، 391 ، 400، 426 ) .
د- جوّاد عليّ : ” المفَّصل في تاريخ الإسلام ط2 1978 ، ج6 ص 462-469 . وانظر أيضاً ج1-ص42 ، ج2 ص225 ، ج4 ص671 ، ج5 ص273 ،505 ،509 ،628 ، 648 ، ج6 ص225 ،453 ،819 ، ، ج8 ص251،340 ، 362 ،368 ، 427 ، 734-735 ، 766، 776-777،785-787 ، 792 ، ج9 388 .
هـ – SEZGIN , GAS , II (1975) , p . 180-182
و- J. Spencer TRIMINGHAM , Christianity among the Arab “ , in Pre- Islamic Arab Background Series
( Longman , London and New York , Librairie du Liban , 1979) , p. 177-178
(9) – لويس شيخو شعراء النصرانية قبل الاسلام 392 صفحة من القطع الكبير ، وعن كتابه هذا راجع ما كتبه بالعربيّة كلَّ من :
أ‌- أنستاس ماري الكرملي : ” شعراء النصرانية في الجاهلية ” في مجلة المقتبس ” 2 (دمشق1907) ص 61-69 و 132-143 .
ب‌- أنستاس ماري الكرملي : ” اكن السموأل نصرانياً ؟ ” في مجلة ” لسان العرب 7 (بغداد 1929) ص860-866 .
ج- ” كتاب شعراء النصرانية وعنترة العبسي الوثني ” في مجلة ” الكوثر” 2 (بيروت 1910-1911) ص 65-70 .
د- إبراهيم اليازجي : ” انتقادات متفرقة على بعض كتب الأب شيخو ” في مجلة الضياء (القاهرة) 2 (1899-1900) ص213-214 و 275-276و368-373 ؛ 3(1900-1901) ص 150-151 و209-212 و627-628 و 684-687. وهذه الانتقادات خاصّة بكتابي ” علم الأدب ” و ” شعراء النصرانية ” .
(10) لويس شيخو في مجلة ” المشرق ” ابتداء من سنة 1910 . ثمّ في كتابٍ واحد ، سنة 1923 في بيروت ، ويقع في 526 صفحة . راجع أيضاً التقاريظ الإحدى عشر المذكورة في ثبت مؤلّفات الأب شيخو (ص 163-178) تحت الأرقام 4- ،101، 143، 185 ، 206، 210 ،220 ، 233 ، 239 ،241 . أنظر Camille HECHIME , Bibliographie analytique du Père Louis Cheikho , coll. Recherches de l’ I.L .O., t.B6 ( Beyrouth , 1979
(11) أ – كميل حُشيمة : ” الأب لويس شيخو وشعراء النصرانية في الجاهلية ” ، في ” المشرق ” 64 (1970) ص 297-322 .
ب – ,Camille HECHIME,Louis Cheikho et son Livre “le chrisianisme et la littérature chrétienne en Arabie avant L’ Islam , coll . Recherhes de I’I .L.O. , t. 38 (Beyrouth , 1967) , 22+211 pages ,
(12) ) راجع جوّاد عليّ ج6 582-690 (=الفصول 79—82 ) . بالاضافة إلى عشرات الصفحات المتفّرقة المذكورة في فهارس المجلّد العاشر : ص 372- 328 (مادّة “النصارى” ) و509-510 ( مادّة ” النصرانيّة” ) ، وبعض الأعلام أمثال الحارث (ص76-80) وعبد المسيح (ص148) وعيسى (ص167) والغساسنة وآل غسان (ص 302-303) وبنو لخم (ص316) .
(13) ) راجع حاشية 8و (وأنظر ما كتبه الأب حنا فييه Jean – M . FIEYعن هذا الكتاب ، في مجلة كلية اللاهوت للشرق الأدني ” 2/2 (بيروت 1979) ص 45-49 (Theological Review )
وراجع أيضاً J. Spencer TRIMINGHAN , Ma wiyya the first Christian Arab Queen , in Theological Review :
(14) ) راجع : أ- الأب شيخو ص 364-365 .
ب- جواد عليّ ج8 381-383 ؛ وأنظر المراجع الأخرى المذكورة في الفهرس 10/79أ .
ج – محمود شكري الآلوسي البغدادي : ” بلوغ الآدب في معرفة أحوال العرب ” (ط2 ، القاهرة 1342/1942) 3/ 328-330.
(15) راجع ابن القفطي 163/15-16 : ” وقال أبو عمر : ومات الحارث بن كلدة في أوّل الإسلام ، ولم يصحَّ إسلامُه ” .
(16) (راجع ابن قتيبة الدينوري : ط كتاب المعارف ط ( القاهرة ، 1353-1934) ص 98 .
(17) راجع ابن عبد ربّه : ط العقد الفريد ط ( القاهرة 1359-1372هـ ) 3/114و3/373 .
(18) راجع أبا داود سليمان … ابن جلجل : ” طبقات الأطبّاء والحكماء ” طبعة فؤاد سيّد ( القاهرة 1955) ص54-56
(19) راجع صاعد بن أحمد الأندلسي : ” طبقات الأمم ” ، طبعة الأب لويس شيخو ( بيروت 1912) ص 47
(20)) راجع يوسف بن عبدالله ابن عبد البّر : ” الاستيعاب في أسماء الأصحاب ” ، طُبع في هامش ” الإصابة ” (حاشية 24) 1/288 .
(21)) راجع ابن القفطي (حاشية 15) ص161 -162
(22) راجع أبا الفرج ابن العبري : ” مختصر تاريخ الدول ” طبعة الأب أنطوان صالحاني (بيروت 1890) ص156 -157
(23) راجع ابن أبي أُصيبعة 1/106-113
(24) راجع ابن حجر العسقلاني : ” الإصابة في تمييز الصحابة ” ، طبعة القاهرة (1358/1939) 1/288 .
(25) راجع ابن أبي أُصيبعة1/110-111
(26) المرجع نفسه 1/113 .
(27) راجع الاب لويس شيخو ص365 ؛ وجوّاد عليّ 8/348-349 ، 376-377 ، 383-385 ، حيث توجد مراجع أخرى عديدة للقدماء .
(28) راجع جوّاد عليّ 8/378 وأنظر 4/244 . وقد ذكره أيضاً الأب لويس شيخو ص 375.
(29) جوّاد على 8/378-379 .
(30 المرجع نفسه 8/379 .
(31) راجع الأب لويس شيخو ص20-22 ، 295-300 ، 304-306 ، 314-322 .
(32) راجع عبد المسيح المقدسي : ” نقل الكتب المقدّسة إلى العربية قبل الإسلام ” ، في مجلة ” المشرق ” 31(1933) ص1-12.
(33) a)CF . Anton BAUMSTARK , Die sonntagliche Evangelienlesung im vorbyzantinischen Jerusalem , in : Byzantinische Zeitschrift 30 (1919-1930) , p. 350 -359
b) IDEM, Das Problem eines vorislamischen christlich – Kirchlichen Schrifttums in arabischer Sprache , in :Islamica4(1931) p.562-575;
C) IDEM, Eine altarabische Evangelienubersetzung aus dem Christlich – Palastinensischen , in Zeitschrift fur Semitistik 8 (1932),p.201-209 ;
d) IDEM , Der alteste erhaltene griechisch- arabische Text von Psalm 110 (109) , in Oriens Christianus31 (1934),
p.55-66
e) Arabiche Uebersetzung eines altsyrischen Evangelientextes und die Sure 21,105 zitierte Psalmenubersetzung , in : Oriens Christianus 31 (1934 ) , p . 165-188 ;
f) IDEM , Eine fruhislamische une eine vorislamische arabische Evangelienubersetung aus dem Syrischen , in : Atti del XIX Congresso Internazionale degli Orientalisti (Rome 1938 ) , p . 682-684 ;
(34) (35 Georg GRAF , Geschichte der christlichen arabischen Literatur , ( coll. Studi e Testi 118, Citta del vaticano 1944 ) , 34-52 and 142-146 . [=GCAL]
(35) Alfred GUILLAUME , The Version of the Gospels Used in Medina circa 700 A.D. , in Al –Andalus 15 (1950) , p . 289-296 .
(36) Manuscript Studies , Stockholm 1954 , p . 274-276 . . Arthur VÖÖBUS , Early Version of the New Testament.
(37) Cf .C . RABIN (voir note 3 ) , p . 582b-583a : “Il est probable que des traductions au moins partielles de la Bible en arabe existaient déjà avant l’Islam . On trouve dans le Kur’an des réminiscences stylistiques de l’Ancien et du Nouveau Testament 9…] . A . Baumstark attribuait une date pré-islamique au texte de certains manuscrits arabes de la Bible […] . Il y a également un fragment des Psaumes en caractères grecs […] . Wellhausen […] suggère , vec toute apparance de raison , que l’arabe classique fut répandu par les Chrétiens de Hira . La tradition musulmane nomme , parmi les premières personnes qui écrivirent en arabe , Zayd b . Hamad (vers 500 de J. C . ) et son fils , le poète Adi , tous deux chrétiens de Hira “.
(38) Joseph HENNINGER , Arabische Bibelubersetzungen vom Fruhmittelalter bis zum 19 . Jahrhundert , in : Neue Zeitschrift fur Missionswissenschaft 17 ( 1961 ) , p . 201-223 , see p . 206-210 : Vorislamische Bibelubersetungen ?
(39) Joshua BLAU , Sind uns Reste arabischer Bibelubersetzungen aus vorislamischer Zeit erhalten geblieben ? , in : Le Muséon 86 (1973 ) , p . 67-72 .
(40) جوّاد عليّ 6/680
(41) المرجع نفسه 6/681
(42) المرجع نفسه 6/689
(43) المرجع نفسه 6/689
(44) Arthur JEFFERY , The Foreign Vocabulary of the Qur ‘an (Baroda , Oriental Institute, 1938) XVI +311 pages . nous indiquons pour chaque mot Les pages ou il est etudie .
(45) راجع الأب لويس شيخو ص157-226