الحصاد – قصة

الحصاد – قصة

بقلم الأستاذة سناء لحظي

اشعر آن دمي يسبق مداد قلمي وأنا أحاول تدوين قصتي التي تحركني رغبه قوية في تدوينها لاسيما وانه منذ أيام قلائل اكتملت فصولها فظهر لي ما كان يخبوا منها واتضحت إمام عيني الرؤيا فأصبحت علي يقين أن الإنسان صغير ذا رؤية محدودة لا تستطيع إلا الوصول لما هو إمامها فقط

وقصتي تبدءا منذ وفاه زوجي تاركا لي ولد وبنت هم كل ما املك. أحسست يوم وفاه زوجي إني عارية أقف بلا غطاء، والمطلوب مني أن ابعث الدفء لولدي وابنتي؛ فقررت أن اترك أحزاني جانبا، ولا انظر لنفسي وقلبي المفطور، بل أحيا من اجل أولادي اللذين لا يملكا من الحياة سواي، ونفضت كل أحزاني وإلام رحيل زوجي للبدء التفكير: كيف؟ ومن أين استكمل مسيره الحياة؟ واجعلهما يعيشا حياه كريمه لا يتذوقا فيها المر آو الحرمان، برغم يقيني بأن دخلي من عملي كموظفه لن يكفي كل التزامات الحياة من ملبس ومأكل وما إلي ذلك فقد كنا بالكاد نستطيع، إنا وأبيهم، إكمال الشهر بعد ضم المرتبين فما الحال بعد موته وبعد أن تواجهني مصروفات دراستهما .

كلما تضيق بي الأحوال ويجعلني فكري وقلقي اشعر بارتفاع في الضغط أقوم وأصر في نفسي أن أبدء معهما الحياة بكل كفاح وان ادخلهما الدراسة إلي أن يتخرج كل منهما من الكلية التي يحلم بها.

وبالفعل دخل أولادي المدرسة وبدأت اذهب لعملي ثم أعود إلى المنزل فامسك بإبره الكروشيه تارة والتريكو تارة آخري اصنع بعض الأشياء التي أبيعها فأحسن دخلي. ومع أولادي داخل المنزل أرعاهم إثناء مذاكرتهم… وتمضي الأيام ثقيلة متباطئة واعتاد علي ثقلها أحيانا آخري وتنتهي دراسة الابتدائية وها قد حصل مدحت ابني علي مجموع كبير، ويأتي جواري: “أمي أنا ممكن اخل دبلوم حتى انهي دراستي بسرعة وأساعدك في مصروفات البيت وحمولة؟”…. فأقول له: “أنت تحلم بكلية الطب وأنا معك يا حبيبي حتى تحقق حلمك الذي هو حلمي أنا وأبيك والأمور تسير بفضل الله”…

وهكذا دخل مدحت الثانوية ثم كليه الطب التي اعترف أن مصروفاتها عاليه بدرجه كنت اشعر معها باليأس والإحباط لكن سأواصل وها هي مي تدخل كليه التجارة التي لا طالما حلمت بها، ولا اعرف لماذا كانت تشعر مي تجاهي بالذنب، وتؤنب نفسها علي نجاحها لأنها تري أن دخولها الجامعة زيادة الأحمال عليّ، ومهما حاولت إقناعها أن نجاحها هو عطاء لي، وقلتُ لها أن تواصل دون إي إحساس بالذنب، فتطلب مني أن أتوقف عن شغل الإبرة لان نظري يضعف وألام ظهري تزيد من جراء طوال الجلوس فاقسم لها آن الأمر لا يؤلمني وان نجاحها هي ومدحت يزيلا عني أي شعور بألم…

هكذا مرت الأيام اشعر بنجاح كلما صعدا أولادي درجه سلم واحدة في دراستهما… وكأني بصعودهما أقترب شيئا فشيئا من الراحة…

وبالفعل نجحت مي في السنة الأخيرة وحصلت علي بكالوريوس التجارة… فرحه ما بعدها فرحه ابنتي حققت حلم عمرها وحصلت اليوم علي دراستها كاملة… وكانت الفرحة تدفعني لأني اذهب لصورة زوجي، شريك العمر، لأخبره أن مي ابنتنا كبرت ونجحت وان حلمنا تحقق فيها… وأقول له:لا تقلق على مدحت فما هي ألا سنوات قلائل ويتخرج ليصبح طبيبا ويعلق يافطة مكتوب عليها اسمه واسمك بالأضواء… ها حبيبي استطعت بفضل حبنا الذي عاش برغم فراقنا… وظل في قلبي يقويني ويشجعني حتى في أحلك الأيام… وكنت اشعر أن الصورة ترد وتهنئني…

وذهبنا في المساء لننام فإذا بى اسمع صوت ارتطام مصدرة غرفة مي واذهب مهرولة فأجدها ملقاة إلي جانب سريرها… لا … ماذا بك؟؟؟؟ ماذا حدث؟؟؟؟

إنها لا تستطيع الحركة أو الكلام …

حملتها أنا ومدحت إلي سريرها وأحضرنا الطبيب الذي قرر أنها حاله شلل وبكت عيني وبكي قلبي أهذا هو اليوم الذي انتظرته منذ زمن بعيد، يوم تخرجك هو نفسه اليوم الذي ترقيدي علي فراشك مشلولة!!!؟؟؟؟!!!

مدحت لابد إن تذهب بها لأكبر الأطباء لابد لنا أن نعرف ماذا أصابها؟ فهي لم تشكوا يوما من مجرد صداع… اليوم تلقي أمامي مشلولة بلا حراك لو كنت أستطيع آن افتديها بعمري بروحي لفعلت لكني أيضا مشلولة أراها في هذه الحالة ولا أستطيع أن افعل شيء؟؟؟؟

الذي يتحرك هو مدحت فيأخذها هنا وهناك ويقوم بعمل التحاليل والأشعة وكل ما يطلب منه… أما أنا فلا أكاد ادخل غرفتي حتى تنهمر دموعي بلا حساب… فقد كنت انتظر أن أراها عروسا بالثوب الأبيض… لقد تعبت وضحيت وبذلت واليوم الذي حصدت فيه هو ذات اليوم الذي طعن ظهري طعنه لن أقوم ولن أنجو منها

هنا أري أن الإنسان نظرته في المحن نظره محدودة لا يسلم إرادته فيها لله كما يقول في صلواته… فهو قلق يريد أن يرتب حياته كما يحب… ولا يعرف أن الله لا يتركه حتى في أحلك الأوقات…

المهم أن مدحت كان لا يكل من عمل التحاليل ومن عرضها علي أساتذته بالكلية وكلما اقتربت منه وقلبي يرجوا سماع خبر يفرحه… “إيه الإخبار يا مدحت؟”…

فيقول لي: “أنا اعرض تحاليلها والاشعه علي اكبر الأساتذة الكلية وان شاء الله خير”…

ولان مدحت كان يدرس في احدي المدن بمحافظات الصعيد فقد كان يأتينا في أجازاته ثم يعاود السفر واليوم اخذ يعد حقيبة سفره ليذهب للجامعة وما آن نزل إلا ونصف ساعة ويطرق احد علي الباب فتحت فإذا بشاب يسألني هل هذه شقه الدكتور مدحت أقول نعم ؟

يقول يؤسفني أن أبلغك يا أمي أن الدكتور مدحت وصل إلى المحطة متأخر فحاول أن يلحق بالقطار فانزلقت قدمه وسقط تحت عجلاته… اشعر أني أقف ولا ارض تحت قدمي هوة تشبه الاخره…. اصرخ صرخة من أعماقي تجلجل إرجاء البيت مي أخوك مات ابني مااااااااااااااااااات.

فإذا بمي تخرج من غرفتها تتلمس الحوائط وتصرخ اخويا!!!

ماذا أري مي تتحرك وتصرخ ومدحت ليس معنا… لم يستمر الحال أكثر من ثواني ويدخل مدحت من الباب ويحتضني أنا ومي… حمد لله علي سلامه بيتنا يا أمي….

ماذا أرى اشعر بأن قواي تخر ولن اقدر علي احتمال المزيد ويحتضني مدحت قبل أن أصاب بإغماء ليوضح لي… أمي عرضت تحاليل مي علي اكبر الاساتذه بالكلية كلهم اجمعوا أن مي ليس لديها مرض عضوي لكن فرط فرحتها بالنجاح جعلتها تدخل في حاله شلل تحتاج لصدمه قويه لتخرج منها ولم يكن أمامي إلا أن الجأ لهذه الحيلة واحتضنت ابني وبنتي وشعرت أن الله اقوي الكل وانه لا يضيع تعب السنين وها هو في حضني وبين يدي حصاد السنين…