الدموع والفرح

الدموع والفرح

لمثلث الرحمات الأنبا أغناطيوس يعقوب

صرخ ارميا النبي في القديم قائلاً:”مـن يعطـى لعيـونـنـا يـنابـيع دمـوع ومـجـارى عـَبـَرات لنبكى نهارا وليلاً”(ارميا1:9)،واليوم  أرددهـا على شقاء حالنا وتعب حياتنا. فإننا نرى أنفسنا تئن على الدوام تحت أحـمال هذه الدنيا الفانيـة ونتآوه متضجرين من متاعبهـا وأحزانها الـمتواصلة. فلا نفلت من مصيـبة حتى نقع فـى الأخرى،ولا نداوى جرحاً حتى يسيل جرحُ آخـر.

هذه هى حالنا،فـما حيلتنا وكيف نصنع؟

يظهر لنا أحيانا إن اللـه كأنه يناصبنا العداء ويثيـر علينا حرباً شديدة إذ تتوالـى علينا الـمصائب،ضربات نادرة قلّ من يفهـمها.

لقد كانت غاية العذاب وفاءً للعدل الإلهى وإختباراً للحب فأصبحت الآن وسـما للنفس يوسـمها بطابع الكـمال. أصبحت ختـما لها يختمها بصورة الحبيب الـمسيح.فهذا عذاب صادر من اللـه رأساً وأصولـه ثابتة فـى قداسته تعالـى،تلك القداسة غيـر الـمحدودة.

وأسبابـه الأولـى ما هـى إلاّ مواهب الروح القدس،تلك الـمواهب الخـفيّة الـمخيفة حينما يريد أن يبشر النفس ويشركها بالبـر الأبدي السامي،فهو يستولـى عليها ويجردها من سعادة الـمخلوقات ويحطمها ويهملها لعذابها ثم يستردها ويسحقها ثم يطرحها فـى بحر مـن الـمرارة ويـملأها جِراحاً لكى يحولها تحويلاً كاملاً إلـى درّة غالية سـماوية،ذلك فعل اللـه وحده يبلغ به أقاصى الروح الخفيـّة.

إن كلـمة اللـه حيّة عاملة أمضى من سيف ذى حدين نافذة حتى مفرق النفس والروح والأوصال والـمخاخ ومـميزة لأفكار القلب ونيّاته.

إن الروح القدس يبعث فى النفس نوراً خفيـّا باهـراً يكشف لها شقاءها من جانب وعظـمة اللـه من جانب آخـر،ويلقى على كل شيئ سواهـما ظلامـا حالكا ويهدم من حولها كل سند طبيعى ويتركها فـى وحدة خانقـة أمام العلـيّ القدوس،ويغمرها بظلمات روحية هائلة تصحبها غالبا مخاوف لا تطاق. وإرادة اللـه فـى كل ذلك إنـما هـى أن يطّهـر كل شيئ فيها.

إن إلهنا نار آكلـة..فـما العـمل حينئذ؟!

ينبغى الإستسلام إلـى اللـه بدون مقاومـة لأن الـمقاومـة قد تكون مضّرة وكثيرا ما تكون غير مـمكنة،والعامل هو الروح القدس نفسه فـمن أقام فـى هذا العذاب الـمُطّهـر إستقام فـى اللـه والإتحاد حينئذ بالـمسيح يسوع وبألامـه هـو أنفع ما يكون.وشدة النفس مهما بلغت من الهـول فلن تبلغ ما بلغت إليه نفس الـمسيح القدوسة من الإنقطاع حين كان يقول:”نفسي حزينة حتى الـموت”(مرقس 34:14)، “إلهي،إلهي لـماذا تركتنى” (مرقس 34:15)،ولا حين أطلق اللـه الأب لأجلنا كل قوات الجحيم على هذا الإبن الحبيب وكأنه قد سدد دونه كل منافذ العون السماوي فتم فيه قول النبي: “إن حطمه عظيم كالبحر فمن ذا يشفيه”. غيـر انه لا بد من التصريح بأن الإتحاد بيسوع على ما فيه من العذوبـة والعذاب يتحول حينئذ جليداً أصم مؤلـما لا يشعر به القلب بل يبقى كامنا فـى الإيـمان،حينئذ ينبغى للنفس أن تقيم متمسكة باللـه فالإيـمان هو الـملجأ الوحيد،هو الـملكوت الذى لا يتزعزع،وبـه نبقـى دائـما غيـر متزعزعين.

فعلى النفس الـمقطوعة أنذاك أن تكون أكثـر إيـمـانـا منها لأي وقت آخـر لكثرة محبة اللـه التى غـمرنا بها وتصبـر فـى الإيمان غير متزعزعة كـما إصطبر موسى كأنها تعاين الذى لا يرى وعليها أن تؤمن أن اللـه ما أحبها قط كـما يحبها فـى تلك الأوقات حين يبدو لها كأنه يطردها ولا يريد أن يراها.

لقد قال الرب لإحدى الطوباويات “متى شعرتِ إنكِ مهجورة فأنتِ حينئذ محبوبة وموصولة ثم إعلـمى إنك تكونين فى هذه الحال أقرب إلـى اللـه منكِ فـى أيـّة حال أخرى”،ولنكرركلمة القديس يوحنا “أما نحن فقد آمنا بالمحبة التى عند اللـه لنا”(1يو16:4).

أحبائـى..يـا من إختارهم يسوع أقول لكم فـى هذه الساعات الـمباركة ساعات الحزن الباطن،بل ساعات التطهيـر الروحـى تحدث أمور عظيـمة فإن الحب يكمّل إتحاد النفس باللـه حسب وعده فـى هوشع النبـى “أتزوجكِ بالإيـمان إلـى الأبـد”(هوشع19:2).

ومتى تم التطهيـر تظهر العروس فـى ثوب قشيب من النقاوة والفرح والقوة

كقول الوحي:”من هذه الطالعة من القفر الـمتهللـه بالنعـمة الـمستندة إلـى حبيبهـا”(نشيد الأناشيد6:3).

إذن ليت للنفس متى كانت فـى الـمحنة إلاّ أن تـتعلق بالـمسيح يسوع وتدخل من جراح ناسوته إلـى خباء لاهـوتـه.

النفس الذبـيح هـى ضحيّة وقربـانـة فلتسلّم بذلك وإن ضحيتها ليست لتـتحد فقط بضحيّة يسوع بل إنها تذوب فيها وتصبح وإياهـا أمام اللـه ذبيحة واحدة مجيدة يجد فيها الثالوث جميعه مرضاتـه.فالأب يرى فيها سـِماة إبنه الحبيب،والإبن الحبيب ينظر إليها وهى تقتفى أثار آلامـه الخلاصية فيضمها إليه كعروس مختارة،والروح القدس يرى طواعيتها لنعمتها وعملها فى تقديس الكنيسة فيغدو لها ملهمـا ومدبراً.

فلاشك إذن بأن العذاب هو مفيد لنا،بل فلـنتيقـن ونتأكد من كل ذلك فلنتقدم إلـى الصليب مختارين كـما تقدم إليـه يسوع وبذل نفسه لأجلنا ذبيحة للـه رائحـة مرضيـة. فلو إستطاع الجسد أن يدخل ملكوت الحب وبالأخص الحب الأبوي لحسد الـملائكة، إلها تألـم لأجل الإنسان وإنسانا يتألـم لأجل اللـه.

حبذا العذاب،حبذا التجربـة،حبذا الـموت إذا إستطعنا بهما أن نقول مع الرسول “أنـى صُلبتُ مع الـمسيح ولا إن كنت حيـّا ما أنا بحـي ولكن الـمسيح حـيّ فـيّ” (غلاطية19:2-20)،وما بـي الآن من الحياة فـى الجسد إنـما هـو الإيـمان بإبن اللـه الذى أحبنـى وبذل نفسه لأجلـى.

قـولـوا مـع الـمرنّـم: “اللهـم خلّصنى فإن الـمياة قد بلغت إلـى نفسى.غرقت فـى حـِمأة عـميقة لا مستقر فيها.بلغت إلـى قعر الـمياه والسيل غـمرنـى.قد أعييت فـى صراخـى.بُح حلقـى..كلّت عيناي من إنتظارى للـه”(مزمور2:68-4).

اللـهـم إن طرقك مقدسة،باركـى يا نفسي الرب وجميع ما فـى داخلي إسمه قدوس،باركى يانفسي الرب هو الذى يغفر جميع ذنوبك ويشفى جميع أمراضك ويجدد كالنسر صباءك،رحـمة الرب منذ الأزل وإلـى الأبد على اللذين يتقونـه، فطوبـى للـمتكلين عليه.

والآن إليك اللهـم ألـجـأ لأنك تعطينـى ما لايستطيع أحد أن يناله إلاّ من ذاته.

أعطنى اللهـم ما بقـى عندك، أعطنى ما لايطلبه أحد منك أبدا.

لست أسألك الراحـة والسكينة،لا سكينة النفس،ولا سكينة الجسد.

لا أسألك الـغِنـى ولا النجاح ولا الـصحة نفسها،كل هذه يطلبها الناس منك اللهـم كثيـراً.

أعطنى اللهـم مـا يأبـى الناس قبولـه منك.

أعطنـى الخوف والقلق، أعطنى الإضطراب والهيجان،بل أعطنى اللهـم كل ذلك نهائيا.

لن تكون لـى كل حين شجاعـة لأطلبها منك.

أعطنى اللهـم ما بقـى لديك.

أعطنى ما يأبـى الناس قبولـه ولكن أعطنى الشجاعـة والقوة والإيمان لأنك وحدك تعطى ما لايستطيع أحد نوالـه إلاّ من ذاتـه أميـن.

يــا كلـمة اللـه ضياء الأب وضيف نفسنا الحبيب..يسوع.

مشتهـى قلوبنا نسألك بحق أفراحك أن تـمنحنا مع السلام الفرح..الفرح الأبدى،فرحـاً دائـما،فرحك أنت،وليملأ قلوبنا فلا ينـزعـه منها نازع أبداً.

بحق روحك الخالق والـمحيـي غلغل فينا وأخلق وسلّط على قلوبنا رغم ما يعترينا من التأثرات الـمضادة، شعورا حيّاً يحسن حالتنا الأدبية وما نحن فيه من السعة والإنبساط والحريـّة والإستقلال العام والإكتفاء الـمقدس والثقة والنشاط. وبالجملة هـَبنا أن نشعر شعوراً كاملاً بسعادتنا فـى اللـه حتى تـمتلئ نفوسنا كل حين بهجة كما يطلب الرب حسب قول الـمرنّم “ليُسر بك جميع الذين يلتمسونك ويفرح وليقل فى كل حين محبو خلاصك تعظم نفسى الرب”،وحتى نطيع وصيّة القديس بولس القائل:”إفرحوا دائـما بالرب”(فيليبي4:4)،والقائل أيضا” إنـي لواثق أنه لا موت ولا حياةولا ملائكة ولا رئاسات ولا قوات ولا أشياء حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خلق آخر يقدر أن يفصلنا عن محبة اللـه التى هـى فـى الـمسيح يسوع ربنا”(رومية38:8).

لذلك لنتعلّم أن نبتسم دائما لكل شيئ. نبتسم لكل شيئ دلالة على الشكر لـما نلنا من النِعـم،نعـمة حب اللـه الأبدى “إنـى أحببتك حبـاً أبديـاً”.

نعـمة تجسد إبن اللـه “فـى البدء كان الكلمة”(يوحنا1:1).

نعـمة إختيارنا وخلقنا وحفظنا وفداءنا وتبـريرنا.

نعـمة إختيارنا إختياراً خاصا “ليس أنتم اخترتـموني بل أنا اخترتكم”. نعمـة حضوره فينا إذ يريد أن نتمتع بـه ونفرح معـه.

نعـمة حياته فينا إذ يريد أن يبلغ أن يعمل كل شيئ بنا بالروح القدس فنصير أشباهاً لـه ، هـو نفسه حتى إذا شئنا أن نعـمل عملا كان هو العامل بنا،وإذا لزم أن نتعذب كان هـو الـمُعذّب فينا،أو أن نتكلم كان هو الـمتكلـم فينا.وهكذا يتم كل شيئ بناسوته الـمقدس فـى النفوس الـمنقادة لإلهامات النعـمة بحيث يستطيع قديس كبولس أن يقول “أنا حي لا أنا بل الـمسيح حيّ فـيّ”.

ونعـمة عنايته بإنقاذنا من الـمصائب التى تحّل بنا.

ونعـمة دعوتنا تلك الدعوة الخاصة،الدعوة إلـى حياة الكمال.

ونعـمة دعوتنا الخاصة وبنوع خاص إلـى الإشتراك فـى تقدمة القداس،ونعـمة التناول من سر حبّه العجيب.

أنه لحسن أن يكون الإنسان طيـبا وأن ينشر حوله السلام والفرح.

ونعـمة ما نقبل وما نولـي من الـمعروف.

ولـمّا كانت هذه النعم غير محصورة ولا منقطعة لزم أن يكون الإبتسام مثل الشكر متـتابعا فى كل زمان ومكان وصريحا وجازماً ليقطع دابر كل غـمّ وكل أثـر للـهَم.

لنبتسم لكل شيئ دلالة على الإيـمان وبرهانا على اننا نؤمن بالحب،حب اللـه الخاص لنا “ونحن قد عرفنا وآمنا بالـمحبة التى عند اللـه لنا”.

اللـه محبة أحبنى وبذل نفسه عنـيّ أنـّا،إن هذا اليقين إن اللـه يحبنا حباً خاصا منذ الأزل وإلـى الأبد فيه ما يجعلنا كل حين فرحين .

لنبتسم..لنبتسم لكل شيئ دلالة على الثقة،أما من الـماضى فليس فقط لثقتنا من أن كل ما جنينا من ذنوب قد غُفر وأُمحي وبَادَ لـِما قدمنا من ندم لأن إثمنا سيكون مقيد لنفسنا “حسن لى أنك أذللتنى”، وأما الثقة بالحاضر لأن كل شيئ يؤول إلـى صلاح من يحبون اللـه ويحبهم ولأننا أحباء اللـه وأبناؤه الأعزاء.

ومن قِبلْ الـمستقبل فلثقتنا بأننا لن ينقصنا شيئ مما يلزم لتقديسنا ولتميم ما يريده اللـه منا،ولثقتنا بأننا نـمضى إلـى السماء ونحظى فيها بمدح اللـه وبقربه على قدر ما نكون قد مارسنا فى الحياة من الصبر والمحبة والغيرة وعلى قدر ما نكون قد أحببناه تعالى وحببّناه إلـى النفوس.

وعلى قدر ما نكون قد عانينا فى سبيله وحبّا لـما فيه فئة الأتعاب الـمضنيه والتضحيات الـمضنيه.

وعلى قدر ما نكون قد تألـمنا وجاهدنا لأجله فى هذا العالم مثل القديسين “فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب ننطلق”.

لنبتسم لكل شيئ دليلا على صفاء النية ولنحاول ما إستطعنا أن نكون متفائلين.

لنبتسم لكل شيئ دلالة على حبنا للـه فإنه يوصينا بأن نحبه حب الخضوع كطفل يخضع بطيبة خاطر وحب التساوى كعروس هائمة بعروسها نقول “آمين” مستسلمين.

متى حزنا فإننا نحزن لأننا نريد مالا يريده الله،أو لأننا لا نريد ما يريده،أو اننا فيما نريد ما يريده اننا إنـما نريد شيئا آخر أو نريده خلاف ما يريده تلك دلالةعلى نقص فى الإخلاص،ولا إخلاص كامل مادام هَّم ولو فى باطن الضمير او تعلق أو رِضى بما لا يرضى اللـه.

إن اللـه سعيد جدا سعادة لا تزول ولا تتغير ولا تنتهى فلنحبه حب الفرحين بسعادته. إن اللـه جميل جداً، وعظيم جداً، وكامل جداً، وقدوس جداً، وطيّب جداً وهو مشتهى قلوبنا وفخر حياتنا وهو الحب الكامل الكافى الكفاية كلها فلنحبه حب العبادة سبحان اللـه “من مثل اللـه”.

لنبتسم لكل شيئ غيرةً وإكراما وتعزية للـه لكى نقتدى به ونعّوضه ونرضيه. يجب أن نكرم اللـه كما كرّمه ايوب فمدحه الرب وأثنى على فضيلته،وكما يكرم الأبناء الـمهذبون والديهم ومعلميهم بحفظهم لما قبلوا منهم من الـمبادئ وبإنقيادهم لهم متشبهين بهم وممتازين كل حين فى الخدمة وتميم واجباتهم. لقد طالـما وقف الـمسيحيون نفوسهم وديارهم على اللـه الكلي الصلاح فلِما لا نقف نحن نفوسنا على إله السلام وكل تعزية الإله الكلي السعادة الذى لا يعترى فرحه كدر. ليكن فى سلوكنا ما يذّكر الخلق بشيئ من صفاته تعالى ولو كضوء بعيد ظاهر دائم الهدوء فرح.. لطف..بشاشة.

إن من يريدون التعبد إلى العذراء الطاهرة فإنهم يكتسون بألوانها.الإبتسام الدائم يجعلنا وقفا حيّا على إله السلام وكل تعزية ويجعلنا أشبه بـمفكرات حيّة تذّكر الناس بصفاته تعالـى الإلهية.

إن أبانا الذى فى السموات يغمر البشر بإحسانه الخلق والحفظ والفداء والعناية ولا يسمح لمحنة تحل بهم إلاّ لـما ينجم عنها من الخير العظيم،ومن أدركوا مقاصده وإرتضوا بإرادته فإنهم يفيدون من الـمحن أجّل الفوائد.أمـا أعداؤهم فإنهم يعدونه ظالـماً قاسياً بلا شفقة وبلا رحمة ويتجاسرون ويتهمونه بأنه ظالم.فعلينا أن نحتج على هذا البهتان الكُفرى بما نبديه من الرضا والسرور برهانـاً على أننا سعداء وأننا فى كل خدماتنا فى الحياة على أحسن ما يكون “حسن لنا أن نكون ههنا”.

أن أبانا الكلي الصلاح يحق له ان يحزن مما يردده معذبوا هذا العالم من التذمر والشكوى فعلينا نحن ان نعزّيـه ونعوضه من ذلك بفرحنا وإبتسامنا الدائم،وعلينا أن نحتج على ما شاع فى عصرنا من التشاؤم على ما يبدو على الوجوه من العبوس والسأم والغضب كأن الناس يتامى لا عائل لهم.

لنبتسم لكل شيئ غيرةً على منفعة الأخرين حتى تجذب الناس إلى خدمة اللـه وهم راضون مرتاحون،بـمثل الدوافع والعواطف التى تدفعنا نحن ولا بد لذلك من إستمالة قلوبهم وإلقاء الثقة فى روعهم لينقادوا إليه راغبين. الناس يـمضون إلى ذووى الأمال،إلى من يبشرون بالخير والسعادة وهم يحبون الـمتفائلين ذوى الطباع المؤنسة والعقول الـمتزنة من أهل البِشر والبشاشة ويـميلون الى الطيّب الروح والـمخلص القلب، فإذا شئنا أن نصنع جميلا ونأسر القلوب يجب أن نكون فرحين مبتسمين لكل شيئ  دليلا على لطف مزاجنا وكرم طبعنا وحسن ذوقنا ودليلا على اللطف والصلاح وطيب الروح.   

لنبتسم لكل شيئ رغبةً فى الفوز والنجاح سواء كنا نعمل للـه أم لنفوسنا أم للقريب فلا شيئ ينجح نجاحا صحيحا إلاّ ما يعمل بفرح.

لنبتسم لكل ما تقدم لـمعرفة الجميل للإيمان والرجاء والـمحبة والغيرة فى أقصى حدودها.

لنبتسم أيضا ما إستطعنا للـمحنة فإنها بذاتها تعبير عن مشيئة اللـه وليست دون عطاياه الأخرى قيمة. ولنبتسم ما إستطعنا وبخاصة للمحنة لما ينتج عنها من الـمنفعة .

شكرا لك يارب يا كلمة الله ضياء الآب وضيف نفسنا الحبيب يا يسوع نسألك بحق روحك القدوس الخالق والـمحيي أن تفيض فى نفوسنا وتخلق فينا وتنشر وتنمى هذه الرغبات التى هى فوق طاقتنا ومستطاع ضعفنا أعنى السلام والفرح حتى فى أشد الـمحن إيلاما للروح حتى فى العذاب، أفض ذلك علينا كما أفضته على قلبك الأقدس وعلى رسلك وعلى النساء القديسات بعد قيامتك المجيدة وبعد العنصرة “فمضوا فرحين”.

إجعل يايسوع ما يقدر أن يزعجنا أو يغيظنا أو يغضبنا أو يحزننا أو ييئسنا، إجعل كل ذلك عاجزا عن أن يغيظنا أو يحزننا او ييئسنا ويخمد نشاطنا وليكن كل ألم وحرمان وجهد وتعب وكل عائق ما أمكن الأمر سببا لتجديد نشاطنا وشكرنا ولا تكن عاقبته إلاّ لتقريبنا من اللـه وحملنا على الإبتسام من جديد وبطيبة خاطر وإن لم يكن ذلك فى وقت المحنة فعلى الأقل بعد عبورها.

إن الفرح فـى الألم أوضح دليل على حب الصليب ولكن لن نستطيع البقاء فى الفرح إلاّ إذا جعلت قلوبنا يا يسوع الوديع والـمتواضع القلب مثل قلبك متواضعة ومطيعة فإن شرط الفرح الضرورى إنما هو السلام والثبات فى النعمة “أحببت البر وأبغضت الإثم لذلك مسحك الرب بدهن الفرح”.

شرط الفرح إنما هو نقاوة الحياة وموت الروح عن كل إدعاء وغيظ وأنانية وإلا فلا سلام ولا برارة ولا ثبات فى النعمة بدون تواضع وطاعة.

علّمنا يارب أن نحارب أعداء الفرح ونبيدهم ومتى أتممنا هذا الشرط وأخذنا هذه الإحتياطات فلنتقدم عازمين ولنحث أنفسنا على الفرح حتى فى الألم.

هاك الكلمة العظيمة إبحث عما يريده اللـه منك ومتى وجدته فأقدم عليه فرحاً أو غير هيّاب. لا تظن أبداً إنك وصلت إلى ما يجب أن تقدمه للـه من طهارة القلب إلاّ إذا أخضعت إرادتك برضى وسرور حتى فى الـمكاره لإرادة اللـه الـمقدسة.

اللهـم شجاعـةً فإن الأنوار والأفراح ليست فى طاقتنا ولا شيئ من التعزية إلا ما رسخ فى إرادتنا. لا تدع الكآبـة تستولى على نفسك وتحيا فى مرارة الروح والوسواس لأن الذى أحب نفسك ومات ليحييها هو صالح ووديع ومحبوب جداً. لا تستسلم أبداً إلـى الغـّم فالغم عدو العبادة.

لا نرضى لأنفسنا أن تضطرب او أن تقلق لأمر أي كان.

لا تغتم سريعا لـما يأتى به الدهر من الكروب فإنك لا تدرى ما تجلبه معها من الخير وما تعد للمختارين بأحكام اللـه السرّية من الفرح الأبدى .علينا عند الحوادث مهما شقت أن نفرح لا أن نحزن. لا ليست مشيئة اللـه أن تضطرب النفس وتحزن من أي حادث فـى هذه الدنيا،فهى إذا حزنت أو إضطربت وسط الإضطرابات فما ذلك إلاّ لنقص فى فضيلتها لأن النفس الكاملة تفرح بما يحزن النفس الناقصة. أما نلاحظ ان كل ذلك لنفعنا إن حب اللـه يتغذى وينمو ويعظم بكل ما تفقده الأنانية من حب التمتع الأبدى والـمادى، وكل عمل مهما كان إذا تم بسلام وهدوء بل بفرح ولذة فانه يفيد حتى الصحة نفسها ويريح الروح وينعشها. نعم إن جميع الأشياء التى اعدت لتجديد قوانا من اوقات راحة وغذاء وتنـزه الى غير ذلك ليست بذاتها انفع الأشياء لنا بل هى كيفية سلوكنا الهادئ السعيد حين نقوم بهذه الأعمال وإستعدادنا الباطن لقبولها بسرور وإطمئنان،فيجب علينا حبا للـه وحبا لـمشيئته الحالية ان نسر ونفرح بكل ما نصنع. أشد ما نحتاج اليه فى كثير من الأحوال هو ان نضحك او أن نغنى..

إضحكوا. إضحكوا فالضحك خير علاج جسدي وأدبـى واقيا ومقويـّا. وإذا رُمنا أن نتصرف بحسب الروح الفائق الطبيعة كل حين وبدون إفتكار فعلينا ان نبتسم لكل شيئ. لنضحك ولنغنى لكى نقنع نفسنا بتفاهة الـمصائب الصغيرة والحوادث والإنزعاجات التى قد تحملنا على الإغتمام ولكى نحرك فينا سريعا قوة الـمقاومة ضد حركات الطبيعة الأولـى أو حركات الأنانية وتجارب العدو الـمثيرة لكى نوقف غارة الإنفعال الـمُيئس والجزع والسآمة أو نـمنع تقدمه وإستيلائه علينا إن كان قد تسلل الى روحنا.

لنضحك ونغّنى لكى نلتزم أن نتصرف كأننا فرحون إذ ينبغى لنا أن نكون فرحين ولأننا نريد ان نكون فرحين ولأنه لا داعى لأن نكون غير مسرورين. ولا شك ان لاشيئ مهم من جهة الإيمان سوى ما يخص الأمور الفائقة الطبيعة لمجد اللـه وخلاص النفس وماعدا ذلك فتافـه وباطل. أمـر واحد وضرورى أن يكون الله مُمجداً وهو يتمجد دائما فى كل شيئ كيفما كان فإن لـم يتمجد بطيـبته،تـمجد بعدله.فلنهتف كل حين قائلين هللويا .

أليس اللـه كلي السعادة ..كلي القداسة والجمال؟!

أليس ناسوت الـمسيح فى ملء المجد والسعادة التى أهّلته له الآمه؟!

فلماذا أنتِ حزينه أيتها النفس؟.الرب قد قام وهذا أساس فرحنا،فهما بلغ منـي الكَمـدْ فإنـى حين أنطرح أمام الهيكل وأقول للرب يسوع ربـي إنك كلي السعادة لا ينقصك شيئ فحينئذ لن أتـمالك أن أقول وأنا أيضا سعيد.

ونحن من حيث الإيـمان لا يهمنا إلاّ أمرُُ واحد وهو أن نضمن حياتنا،حياتنا الأبديـة.

نضمن ما يحفظها ويزينها ويزيدها ويقويها ويغنيها ويكللها،وليس للعـمر غاية إلا أن يساعدنا على إكتساب هذه الحياة الأبدية فى حين ان كل شيئ يساعدنا على إكتسابها،فلنهتف إذن كل حين قائلين هللويــا. كل لحظة نقصد فيها السلام ويحتجب عنا الإبتسام وينطفئ نور الفرح إنـما هى لحظة ضائعة لا أسدت مجداً للـه ولا نفعاً لنفسنا لأن السلام إذا غاب والإبتسام إذا إحتجب ونور الفرح إذا إنطفئ دلّ ذلك على ان الإيمان والرجاء والمحبة فى هبوط وفى كسوف،ولو كنا لا نطلب غير اللـه لصوننا رأس مالنا وإسترحنا إلـى ربح قرضنا لذلك نقول “أنـى عارف بـمن آمنت”. فأعمالنا وتأليفنا مكتوبـة فى سجل الشرف من سفر الحياة ونحن  إمـا مُعذبـُون غير معذبين فإذا كنا بغير عذاب فلندع الأوتار تؤدى ما تشاء من أنغام الفرح،وإن كنا مـُعذبين فلنرفع طبقة اللحن كما يفعل الموسيقي حينما يريد ان يغطى ما يسمع من الضوضاء. رفع الطبقة يعنى اللجوء إلـى الإيمان وإلـى العزم وفرح الإرادة،فإن فى هذا الجهد أجراً عظيما وفيه مسرّة للـه فنقول أنذاك أو نرتل بأعلى صوت ممكن “تعظم نفسي الرب”،وإياك اللهـم نـمدح،أو بعض آيات من الـمزامير او بعض الأناشيد الطقسية او النصوص الكتابية الـمشجعة مثل :

“بك يارب إعتصمت فلا أخزى إلـى الأبد”.

“صالح هو الإعتراف للرب والإشادة بإسمك أيها العلي”.

“حياتـي هى الـمسيح”.

” وإن متُ فذلك ربح لـي”.

“متى كنت ضعيفا فحينئذ أكون قويا فإنى أفتخر بأمراضى حتى تسكن قوة الـمسيح فـيّ”

“نسجد لك أيها الـمسيح ونباركك لأنك بصليبك الـمقدس فديت العالـم”.

” يا إمراءة لـماذا تبكين”.

“لـماذا تكتئبين يا نفسي وتقلقين فـيّ أرتجى اللـه فإنـى سأعود وأعترف لـه وهـو خلاص وجهي وإلهـي”.

“الذين يتكلون على الرب هم كجبل صهيون غير الـمتزعزع الثابت إلـى الأبد”.

” أما الراجون الرب فيتجددون قوة يتقون بأجنحة كالنسور يعدون ولا يعيون يسيرون ولا يتعبون”.

“أما أنا فأتهلل بالرب وأبتهج بإلـه خلاصـي”.

” الرب الإلـه قوتـي وهـو يجعل قدمـى كالأيائـل”

و أخيـرا أختم كلمتى هذه بقول الرسول:”وبعد أيهـا الإخوة فافرحوا واكتملوا وتعزّوا وابقوا على السلام وإله المحبة والسلام يكون معكم. آمين”

(2كورنثوس11:13).

                   ——————-