الرهبنة الثالثة الفرنسيسكانية للعلمانين

القانون الثاني المعتمد للرهبنية الثالثة من البابا ليون الثالث عشر في مايو 1883 والذي أكد على عدم تغيير جوهر قانون هذه الحركة العلمانية التي أراد لها أن تتكيف مع مقتضيات العصر وكان هذا البابا من أكبر المتحمسين لهذه الرهبنة الفرنسيسكانية واعتبرها عوناً من العناية الإلهية للكنيسة لمواجهة العديد من الصعوبات الروحية والإجتماعية في حقبة صعبة اتسمت بالعنصرية والميل إلى المادية، وفي جميع مقابلاته ولقاءاته كان البابا يوصي بالاهتمام والتشجيع للرهبنة الثالثة
وفي يونيو 1978 أعتمد البابا بولس السادس أحدث قانون للرهبنة الثالثة ليواكب روح العصر الحديث وأعطى للرهبنة تسمية رسمية هي ” الرهبنة الفرنسيسكانية للعلمانيين ” وهذا القانون الحالي الذي يرتبط به الفرنسيسكان العلمانيون الذين يقصدون حياة إنجيلية وهم في ظروف حياتهم العامة وبعد المجمع الفاتيكاني الثاني إتجهت الحركة إلى جذور الأصالة الفرنسيكانية المستمدة من حياة وخبرة القديس فرنسيس مع مراعاة الظروف التي إستجدت في عالم اليوم.

واجبات أعضاء الرهبنة الفرنسيسكانية العلمانية:
الوعد الذي يقطعه على نفسه المنضم إلى الرهبنة الثالثة يلزمه بأن يحيا دعوته المسيحية في كل ظرف من ظروف حياته اليومية، أي يحيا الإنجيل الذي هو كلمة المسيح والذي يعطي القيمة السامية لكل إلتزام حر. الإنجيل يتضمن تعاليم المسيح ومثاله الصالح لذلك فمعايشة الإنجيل تعني علاقة مباشرة مع المسيح لفهم كلمته وطريقة حياته أي إتباعه على طريقة القديس فرنسيس الذي استطاع أن يعكس في ذاته روح المسيح من الإنجيل.
إن روحانية القديس فرنسيس واقعية وعملية تعتمد على قلة القول وكثرة الفعل وعلى كل فرنسيسكاني علماني الإجتهاد في تقليد القديس المؤسس والشهادة للإنجيل بالأعمال الصالحة حسب إرادة الله وبالإتحاد مع الأسرة الفرنسيسكانية الكبيرة. المنضمون إلى الرهبنة الثالثة يجتمعون في أخويات والحياة في كل أخوية لا تكون مجرد صداقة فقط لكن كل عضو يكون مستعداً دائماً لخدمة الاخرين بالتبادل في المحبة والبساطة والفرح على مثال الكنيسة الأولى في عهد الرسل.
الفرنسيسكان العلمانيون يختلفون عن رهبان الرهبنة الأولى ( الأخوة الأصاغر ) وعن راهبات الرهبنة الثانية ( الكلاريس ) السيدات الفقيرات. لقد أطلق عليهم القديس فرنسيس لقب أخوة وأخوات التوبة وأراد لهم أن يعيشوا بحسب حالتهم الاجتماعية في العالم في منازلهم وبين عائلاتهم وهذا يعني عدم إهمال العالم واحتقاره لكن الحياة كخميرة جيدة وعدم التخلي عن الالتزامات الشخصية والعائلية والاجتماعية والعمل على تقديس الحياة العامة والشهادة الإنجيلية لتقدم الإنسانية وتنميتها طبقاً لمواهب كل عضو في إطار من التعاون والخضوع للكنيسة والرؤساء الكنسيين.
نبذة مختصرة عن قانون الرهبنة الثالثة:
القانون الأخير الذي اعتمده قداسة البابا بولس السادس عام 1978 ليس المقصود به إلغاء ما سبقه لكن إضفاء مزيداً من المرونة كي يصبح القانون مناسباً ومتأقلماً مع المعطيات الحديثة في كافة المجالات الإنسانية لمجتمع القرن العشرين وما بعده مع الأحتفاظ بالأصالة الأولى التي ارسلها القديس فرنسيس فيبدأ القانون بنصائحه لإخوة وأخوات التوبة في رسالته إلى جميع المؤمنين والتي تحتوي على أفكار القديس فرنسيس عن طريق حياة المؤمنين الذين يعيشون التوبة وأولئك الذين لا يمارسونها.
مفهوم التائبين وغير التائبين لدى فرنسيس والذي استمده من الإنجيل يتضح مما يلي : التائبون هم من يحبون الله من كل قلوبهم ونفوسهم عقولهم وبكل وتهم ( مرقس 12: 30) ويحبون قريبهم كأنفسهم (متى 22: 39 ) ويصنعون أعمالاً تليق بالتوبة وهم فرحين في الرب وهم أخوة المسيح عندما يعملون إرادة الله الآب الذي في السموات ( متى 12: 50 ) على عكس يكون غير التائبين هم الذي لا يقبلون جسد ودم المسيح ويعيشون في خطاياهم وشرورهم ولا يملكون الحكمة الروحية ويبتعدون عن وصايا الرب (مز 118: 21)
هكذا تتضمن الرسالة إلى المؤمنين علاقة التناقض ما بين حياة التوبة وعدم التوبة مثلما بين النور والظلمة لدى القديس يوحنا الإنجيلي. لقد أوضح فرنسيس بغيرة وواقعية طريقة حياة أخوة وأخوات التوبة التي رأى أنها تناسب جميع العلمانيين في حالتهم العامة في المجتمع.
قبل الإسترسال في عرض القانون لنا وقفة مع مفهوم الرهبنة التي لها تصور خاص في عقلية المسيحي الشرقي الذي نبتت في صحاري بلاده فكرة الرهبنة وانتشرت في كافة أنحاء العالم المسيحي . لذلك نجد أن مفهوم الرهبنة هو الانخراط في حياة الدير وعدم مغادرته إلا في حالات نادرة، بينما في حالة الرهبنة الثالثة فنحن أمام مفهوم مختلف هو رهبنة تتعدى أسوار الدير إلى المنازل وأماكن العمل والخورنيات وتكون ممكنة للرجال والنساء والشباب المتزوجين وغير المتزوجين لجميع الذين يشتاقون للحياة الإنجيلية على مثال القديس فرنسيس الأسيزي
القانون الذي اعتمده البابا بولس السادس في يونيو 1978 يتكون من ثلاثة فصول تحتوي على 26 بنداً
الفصل الأول … يحتوي على ثلاثة بنود توضح ماهية الأسرة الفرنسيسكانية الكبرى التي تجمع شعب الله من الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين الذين يتبعون المسيح على طريقة القديس فرنسيس ثم الاتحاد العضوي لكل الأخويات التي تتكون منها الرهبنة الثالثة في أنحاء العالم
الفصل الثاني … يحتوي على ستة عشرا بنداً ويعتبر حجر الأساس للقانون فيوضح إلتزام العلماني الفرنسيسكاني في المواظبة على قراءة الإنجيل والشهادة للمسيح والخضوع للبابا والأساقفة والكهنة وممارسة سر التوبة للتجديد، الصلاة والتأمل والمشاركة الإيجابية في أسرار الكنيسة خاصة سر الافخارستيا والاشتراك في الصلاة الطقسية المعتمدة من الكنيسة
الحب الخاص لمريم العذراء التي إتخذها فرنسيس شفيعة وحامية لأسرته بالوعد الشخصي وطبقاً لحالة كل عضو في ظروف الحياة يتبعون المسيح الفقير المصلوب حتى في الصعاب والمضايقات، وفي العلاقة الإنجيلية بالخيرات الأرضية التي يهبها الله لكل إنسان مع التمسك بروح التطويبات في العظة على الجبل. الفرنسيسكان العلمانيين يقبلون بتواضع وفرح جميع البشر بما هم عليه كعطية من الله وكصورة للمسيح ويمارسون مسئولياتهم في الحياة العامة بروح الخدمة المسيحية ويشاركون في تقديم الخير والسلام والعدالة بمبادرات مطابقة للإيمان الكاثوليكي. احترام العمل، وإضفاء حياة السلام في عائلاتهم الخاصة واحترام الحياة الإنسانية وعلى المتزوجين أن يكونوا شهوداً عن حب المسيح للكنيسة وأن يجتهدوا في تربية أبنائهم تربية مسيحية متفتحة ويساعدونهم في دعوتهم الخاصة في الحياة. البحث عن سبل الوحدة والتفاهم الأخوي بالحوار الإيجابي وعدم التعصب الذي يخنق القيم الإنسانية المشتركة بين البشر، الاجتهاد في نشر الفرح والرجاء بين جميع البشر.
الفصل الثالث … يحتوي على سبعة بنود لتوضيح الحياة في الأخويات على المستوى المحلي والإقليمي والوطني والعالمي والإرتباط فيما بينها طبقاً للقانون. الأخوية المحلية تعتبر الخلية الأولى وحجر الأساس للرهبنة الثالثة وعلى كافة المستويات يوجد مجلس مشورة الأخوة الذي يقودها ويحركها ويتكون من : الخادم ( الرئيس ) + النائب + مسئول التكوين + أمين الصندوق + السكرتير وأخيراً المرشد الروحي للأخوية الذي يجب أن يكون من رهبان الرهبنة الأولى. مجلس مشورة الأخوية يقرر قبول الأعضاء الجدد لفترة التكوين (سنة الإبتداء) ثم الوعد ، ومن واجبات المجلس تقوية حياة الشركة بين الأعضاء من خلال الاجتماعات الدورية واللقاءات المتكررة مع الجماعات الأخرى وعلى الأعضاء المساهمة المالية في نشاط الأخوية كل قدر طاقته ويختتم القانون ببركة القديس فرنسيس.
مواقف ومشاهير الرهبنة الثالثة
لقد ولد كبيراً هذا التيار العلماني في الكنيسة على يد القديس فرنسيس فأثناء أعمال المجمع اللاتيراني الرابع عام 1215 في روما تم مناقشة الكثير من الإصلاحات لانعاش رسالة الكنيسة مثل الاهتمام بالدراسات اللاهوتية للإكليروس والعناية بالكنائس والكاتدرائيات خاصة بيوت القربان بها وحث المؤمنين على التقدم للإعتراف والتناول وظروف الأماكن المقدسة، وللثقة الكبيرة التي وضعها البابا في شخص القديس فرنسيس تم دعوته للإشتراك في أعمال هذا المجمع للمساهمة في تحقيق الإصلاحات التي أزها أباء المجمع.
حالياً تتكون الرهبنة الفرنسيسكانية من حوالي 25 ألف أخوية منتشرة في كافة انحاء العالم تضم حوالي أربعة ملايين عضو، ومن المشاهير الذين كانوا ينتمون لهذه الرهبنة: دانتي الليجييري مؤلف كتاب الكوميديا الإلهية والفنان مايكل أنجلو، والعالم جاليليو وفولتا ومن الرحالة والمكتشفين كريستوفر كولومبس وأمريجو وفاسكو دي جاما، ومن الملوك لودوفيك التاسع ملك فرنسا وأليصابات ملكة المجر ولويس التاسع ملك فرنسا ومن الباباوات البابا لأون الثالث عشر والبابا بيوس العاشر وبيوس الحادي عشر وبيوس الثاني عشر والبابا يوحنا الثالث والعشرين ومن القديسين القديس جان ماري فياني ( خوري أرس ) والقديس منصور دي بول والقديس دون بوسكو وغيرهم كثيرون لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً
في مصر يبلغ عدد أعضاء الرهبنة الثالثة الفرنسيسكانية حوالي 350 عضو تقريباً يكونون أخويات محلية في كل من كفر الدوار – الجيزة – الظاهر بالقاهرة – أسيوط – منفلوط – فرشوط – نجع حمادي – الأقصر – كوم أمبو – الرزيقات وأرمنت