الرهبنة الفرنسيسكانية

في العشرين من نوفمبر 2006، أعلن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني تطويب
ثلاثة من الآباء الفرنسيسكان الذين بعد أن خدموا في مصر ذهبوا إلى أثيوبيا ليكملوا رسالتهم فاستشهدوا في مدينة جوندر في 21 فبراير 1716.

اشترك فرنسيس في الحرب التي قامت بين مدينته ” أسيزي ” ومدينة ” بيروجيا ” والتي انتهت بأسره، وهناك في سجون بيروجيا عاش فرنسيس أولى خبراته المؤلمة والتي كانت نقطة تحول في حياته، فقد بدأ يفكر فيمن هو السيد الحقيقي الجدير بأن يخدمه.

في عام 1207 بدأ فرنسيس أولى خطواته في حياته الجديدة إذ تنازل لوالده عن كل شيء حتى عن ملابسه التي كان يستر بها عورته وأقام بجوار كنيسة القديس دميان المهدمة والتي بدأ في ترميمها، والتف حوله كثير ممن اعجبوا بسيرته الجديدة. وكانت الآية ” لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا مزوداً …” (مت 10: 9) ذات تأثير كبير عليه فجعلها قانوناً لرهبنته الناشئة.
في عام 1210 توجه فرنسيس مع نفر من رهبانه إلى روما ليطلب من البابا إعتماداً لطريقة حياته، فصرح لهم البابا بأن يبشروا بكلمة الله ودعوة الناس إلى التوبة.
وفي العام التالي وبناء على رغبة الشابة ” كلارا ” أسس فرنسيس رهبنة نسائية ودعيت الرهبنة الفرنسيسكانية الثانية
أما في عام 1219 فقد جاء فرنسيس إلى مصر والتقى بالسلطان الملك الكامل في مدينة دمياط حيث قاما بأول حوار بين الديانتين المسيحية والإسلامية، وقد منحه السلطان تصريحاً كتابياً يخول له زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين حيث أسس الإقليم الشرقي الفرنسيسكاني.
وتوفى فرنسيس في الثالث من أكتوبر 1226 فأعلنت قداسته بعد انتقاله بعامين، وانتشرت الرهبنة في معظم بلدان أوربا وكانت إرساليات تجوب أماكن كثيرة من العالم للتبشير بالمسيح حيث استشهد العديد من الرهبان الذين وصل عددهم أثناء حياته إلى عدة آلاف.
الرهبنة في مصر:
يعود تاريخ الرهبنة في مصر على عهد القديس فرنسيس نفسه عندما قام بزيارتها مع فلسطين حيث أسس الإقليم الشرقي بهدف المحافظة على الأماكن المقدسة ورعاية الجاليات الأجنبية وبعثات الحج، ثم ظهرت الحاجة إلى إنشاء إرسالية جديدة من أجل مواصلة الحوار بين الكنيسة الجامعة والكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ويعود تاريخ تلك الإرسالية التي سميت النيابة الرسولية في مصر إلى عام 1630 وفي عام 1697 نشأت نيابة رسولية جديدة لمناطق أخميم بمصر وفونجي بأثيوبيا ولكن بعد إستشهاد الرهبان في أثيوبيا عام 1716 تقرر إلغاء النيابة الرسولية التي أعيد فتحها عام 1719.
طابع النيابة الرسولية للإخوة الأصاغر في مصر:
كان الطابع المميز لنيابة المرسلين الفرنسيسكان ” في خدمة الأقباط ” وقد تحدد ذلك في الرسالة الرعوية للبابا بندكتوس الرابع عشر في 4 مايو 1745 الذي بموجبه أنيطت بالرهبان الفرنسيسكان ثلاث مهام هي التبشير بالإنجيل وتوزيع الأسرار في حالة نقص كهنة الأقباط الكاثوليك والاهتمام بإستمرار الحوار مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وفي عام 1896 وبموجب البراءة البابوية التي أصدرها البابا لاون الثالث عشر بإحياء بطريركية الأقباط الكاثوليك، تخلت النيابة الرسولية الفرنسيسكانية عن لقبها واعتبرت إرسالية عادية يراسها رئيس ديني وكنسي. وقد أستمر هذا الوضع حتى عام 1949 حيث طالب مجمع الكنائس الشرقية من الرئيس العام للفرنسيسكان ألا يعتبر نفسه رئيساً كنسياً بل فقط رئيساً دينياً وقانونياً يمارس مهامه بالنسبة للرهبنة فقط، أما في مجال النشاط الرعوي فكان عليه الخضوع للسلطات الكنسية المحلية.
ارتبطت الرهبنة في مصر بإقليم توسكانا الفرنسيسكاني بإيطاليا حتى عام 1958حيث بدأت أولى مراحل الاستقلال عن الإقليم الإيطالي، ففي عام 1962 حصلت الإرسالية على الاستقلال الذاتي ونالت لقب حراسة، وفي السبعينات رقيت إلى وكالة وفي الثمانينات حصلت على لقب إقليم صغير.
أوجه أنشطة الرهبنة في مصر:
ساعدت الرهبنة في مصر في تكوين إكليروس طائفة الأقباط الكاثوليك، فقد إهتمت بإرسال مبعوثين من الشباب القبطي لتلقي العلوم اللاهوتية في روما ومن ثم عودتهم إلى مصر لرعاية بني وطنهم وأول المبعوثين هما الشابان روفائيل طوخي وصالح مراغي.
وفي عام 1893 تركت ثلثي مقارها للإكليروس القبطي الكاثوليكي الذي كان يرغب في ممارسة نشاطاته مستقبلاً عن المرسلين اللاتين، ومن هذه المقار كنيسة ودير بدرب الجنينة التي تحولت إلى مقر البطريرك وكنائس طهطا وأخميم وجرجا وجامولا وفرشوط ونقاده، وفي سنوات لاحقة تنازلت أيضاً للطائفة عن كنائس أسيوط وحجازة، وتنازلت للآباء اليسوعيين عن كنيسة جراجوس وللآباء الكومبونيان عن كنيسة ودير أسوان.
ومازال الرهبان الفرنسيسكان يقومون برعاية الكثير من الكنائس مثل دير ومزار العذراء بدير درنكه وكنيسة منفلوط في أسيوط وكنائس نجع حمادي وفرشوط وقنا والطويرات وكنيسة الأقصر المخصصة لخدمة السائحين وكنيسة الرزيقات والمحاميد والرياينة وإسنا وكوم امبو
ويدير الرهبان الفرنسيسكان عدة مدارس منها مدارس الرزيقات وأرمنت الحيط والأقصر والطويرات ونجع حمادي ومدارس أسيوط ودير العذراء ومنفلوط ومدسة الفيوم، كما يديرون ملجأ للأيتام بالمقطم
وقد أهتمت الرهبنة بتأليف وترجمة الكتب الروحية واللاهوتية والعلمية وأشهر الكتاب هم الأب لويس برسوم والأب المرحوم جرجس نصر الله ، ويذكر الأب المرحوم جامبيرارديني أبحاثه القيمة عن التراث القبطي. كما إهتمت الرهبنة بتخريج كثير من اساتذتها من الجامعات الأوربية لكي يقوموا بالتدريس في المعهد الإكليريكي بالمعادي أو معهد اللاهوت بالسكاكيني.
ومما هو جدير بالذكر أن إثنين من رهبان الإرسالية قد أختيرا لكرسي الأسقفية هما الأنبا يوحنا نوير مطران أسيوط والأنبا مرقس حكيم مطران سوهاج.
هذا هو يا عزيزي القارئ تاريخ الرهبنة في مصر وأعمالها التي لا تزال تقوم بها حتى يومنا هذا.
مجلة الصلاح نوفمبر وديسمبر 1988 سنة 59