السمكة.. مفاجأة السيسي الثورية

السمكة.. مفاجأة السيسي الثورية

أتاحت لي الصدفة السعيدة الاطلاع على خطة «السمكة»، وهي وثيقة سرية للغاية، كلف بها الرئيس السيسي فريقاً كبيراً يضم سياسيين ومختصين في كافة المجالات، وقد أشرف الرئيس بنفسه على كل سطر في خطة النهوض الضخمة، واستعان بآلاف التقارير الخاصة بمطالب فئات الشعب المختلفة، وفي مقدمتها الشرائح العمرية من 16 إلى 33 سنة، ولم تعتمد الجهات التي جمعت هذه التقارير على مواقع التواصل الاجتماعي وفقط، بل أعدت نماذج استبيانات تم توزيعها على جميع المدارس والجامعات ومراكز الشباب وقصور الثقافة، بالإضافة إلى ملف خاص يحتوي على تقارير منظمات المجتمع المدني في الشهور الستة الأخيرة، ومقترحات وافية من جميع النقابات، وفي مقدمتها نقابات العمال وتنظيمات الفلاحين المختلفة في أنحاء مصر.  

(2)   خطة الرئاسة تحمل عنوان «تفعيل الثورة الشاملة – من الأمل إلى العمل»، وحددت الوثيقة ساعة الصفر في الأسبوع الأخير من شهر مايو المقبل، حيث تبدأ الخطة في يونيو وتستمر عامين، بحيث تكتمل قبل شهر واحد من انتهاء الفترة الرئاسية الحالية، وقد كتب السيسي بخط يده توجيها لفريق إعداد الخطة قال فيه إن الفترة الماضية كانت كافية لإنجاز قدر كبير من مهمة تمكين الدولة، فقد تحققت درجة معقولة من الاستقرار الداخلي، مع تزايد الاعتراف الدولي بشرعية ثورة 30 يونيو، وبالتالي يجب التحرك إلى الأمام والانتقال إلى مرحلة رسم التوجهات الكبرى لمصر الثورة، حتى يشعر المواطن بالانتماء لوطنه، ويدرك الأهداف والمسارات التي ناضل من أجلها، ويساهم فيها بطواعية وفهم وحب..  

(3)   تمثلت التوجهات التي أتذكرها من الخطة في الانتقال إلى مفهوم الدولة العصرية التي تحترم دستورها، وتسعى بكل شفافية لتطبيق المعايير الإنسانية المعترف بها أممياً في كل المجالات، وفي مقدمها المعايير الخاصة بالبشر قبل مواصفات القياسية للسلع والحَجَر، دولة تمتلك منظومة متكاملة للحريات، وتحترم حقوق الانتقال والسفر، وتلغي كل القيود الأمنية في هذه الأمور، وتتركها للقضاء العادل بعد تطهيره، وأوصت الخطة بإضافة درجة أخيرة في درجات التقاضي تحتوي على ذراع شعبي من المحلفين، وقد كتب الرئيس بالخط الأحمر ملاحظة جانبية يستشير فيها فريق القانونيين في أفضل وسيلة تيسر له الإفراج عن أعداد كبيرة من المسجونين السياسيين، بعد دعوته لإلغاء قانون التظاهر، وأية قوانين لا تتلاءم مع روح الدولة العصرية التي كتب عنها الرئيس قائلاً: كما دفعنا ثمن الحفاظ على الدولة في شكلها القديم من أروح جنودنا وأولادنا، سنبدأ مهمة تحديث الدولة مهما كانت المخاطر والتحديات، فلن نستمر في الجمود والتخلف خوفا من الإرهاب، علينا أن ننتقل لمواكبة العصر.. ننفتح على الحريات، ونتبنى الشفافية، ونقيم دولة القانون والعدل، حتى لا نتحول إلى عاهة بمسمى دولة.  

(4)   تأسيس منبر رقابي عام لرصد وتطهير الفساد، وضمان التزام كل الأجهزة والمؤسسات بتطبيق المعايير التي يستعد الرئيس لطرحها بعد عيد العمال، في مؤتمر موسع يضم كل الأحزاب، ومجالس النقابات، وممثلين لكل فئات الشعب الراغبين في المشاركة، بحث يتم اختيار العدد المطلوب عشوائياً على الهواء في استاد القاهرة، ويملك هذا المنبر آلية لمحاسبة كل المؤسسات في حال تجاوزها للمعايير. وفي هذا الإطار اقترحت الوثيقة برلمانا تنسيقيا وتخطيطيا لمنظمات المجتمع المدني يعمل بمثابة حكومة ظل، ونص الاقتراح على دعوة كافة المؤسسات الأهلية لمؤتمر موسع تحت شعار «من أجل مجتمع مدني مصري حقيقي» وينظم المؤتمر طبيعة عمل هذه المؤسسات وسبل دمجها عضوياً في المجتمع، ويناقش أولوية القضايا الملحة دون تدخل من الحكومة، ودون تبعية لجهات التمويل الأجنبية، بحيث ينعكس أداء المؤسسات الأهلية مباشرة على حياة المواطن، ويتوجه خطابها وتقاريرها إلى الداخل أكثر من الخارج، ويكون للمنبر قناة تليفزيونية تفاعلية تعرض كل أنشطته، وكذلك الحال مع برلمان المجتمع المدني.  

(5)   اهتمت الوثيقة بضرورة تنظيم الإعلام، وعلاجه من المشاكل الهيكلية التي أثرت سلباً على رسالته، وفي هذا الصدد أكدت الخطة على تحرير الإعلام من كل القيود المالية والرقابية التي تعوق الإصدار، مع العمل بمبدأ المحاسبة اللاحقة للمخطئ الذي يثبت تعمده في بث أخبار كاذبة، لا تستند إلى مصادر محققة، مع عدم المحاسبة على كل ما يتعلق بالرأي، والفصل بينه وبين الخبر بوضوح تام، وأوصت الخطة بابتعاد الدولة تماما عن صناعة الإعلام، والاستمرار في إلغاء أي وزارة أو هيئة حكومية في هذا الشأن، وكذلك إلغاء وزارت الثقافة والعدل والتعليم العالي، والشئون القانونية ومجلس النواب.. وما شابه، بحيث ينتظم العمل في هذه المجالات على غرار منظومة المجتمع المدني.  

(6)   تطالب الخطة بتسريع إجراء الانتخابات المحلية في خريف هذا العام، وتعيين 4 نواب للرئيس، وتقسيم مصر إلى 4 قطاعات (وجه بحري – وجه قبلي – وجه شرقي – وجه غربي) لإلغاء المركزية في الإدارة، والشروع في انتخاب حكام للمحافظات، وصياغة توجه اقتصادي لكل محافظة، تتبعه تعديلات في مناهج التعليم ونوعية المدارس والتخصصات الفنية والأكاديمية الملائمة.  

(7)   مسابقات بين المدن والقرى لا ختيار أفضل مدينة وقرية، من حيث التنسيق الحضاري، والنظافة، ومراعاة شروط البيئة، والقضاء على التلوث بأنواعه، وانخفاض نسبة الجرائم، وارتفاع معدلات الإنتاج، ويتنافس في ذلك الأهالي ورجال الأعمال، والدولة بمشاريعها الخدمية.  

(8)   إعادة توزيع السكان أفقيا على خريطة مصر من خلال فتح الباب للأفراد في تملك مساحة الأرض الصحراوية التي يزرعونها بحد أقصى 10 فدادين للفرد، بصرف النظر عن الشهادات الدراسية، وفي الأماكن التي تحددها الدولة، واقترحت الخطة إسناد مشاريع بناء المدن الجديدة في الجنوب والغرب على مبادرات أهلية تتشكل من جانب أفراد الشعب على اختلاف فئاته وقدراته، على أن يكون للدولة حق مراقبة معايير البناء وضمان الجدية، للحفاظ على التخطيط بعيدا عن الفساد والعشوائية.  

(9)   وقد أعجبني في الخطة مشروعات عصرية كثيرة ذات بعد حضاري وإنساني مثل: مشروع التأمين العلاجي العام بالمجان لكل المواطنين بالتساوي وبلا تمييز، ومشروع المدينة العلمية للمخترعين، والمدينة الصناعية الملحقة بها والتي تختص بتطبيق الجانب العملي من هذه الاختراعات، وقرأت بارتياح نص قرار جمهوري يقضي بزرع كاميرات في كافة مؤسسات الدولة التي تتعامل مع المواطنين والتي تعمل في المهام الحساسة القابلة للتلاعب والفساد، وكذلك في أقسام الشرطة، وأماكن الاحتجاز، بحيث تكون ذاكرة أخلاقية للوطن، وكتب الرئيس ملاحظة في الهامش المقابل للقرار: «من حزمة المشاريع التي تستهدف تحقيق سيادة المواطن وحفظ كرامته»..  

(10)   لن استطيع عرض كل ما في الوثيقة، فهي تزيد عن ألف صفحة، بالإضافة إلى ملاحق تفصيلية خاصة بكل مجال، ودراسات جدوى لمشاريع التوسع الجغرافي ومخططات التنمية، لكنني استأذنكم في التوقف أمام اقتراح مثير تضمنته الخطة، وهو أمر تكليف لكل جامعة بإنشاء كلية خاصة بفن النحت، وكذلك قسم للنحت والترميم في المدارس الفنية الكبرى بكل محافظة، ويهدف القرار لاستعادة مكانة مصر في هذا الفن الذي تميزت فيه في أزهى عصور حضارتها، بحيث يكون النحت هو الملح الجمالي الأبرز في العمارة وتجميل مداخل وميادين المدن والقرى وواجهات المباني.  

(11)   أكتفي بإشارة أخيرة، وهي أن الخطة كانت موقعة باسم الرئيس شخصيا، وتحت الاسم تاريخ أول إبريل، وما أدراكم ما أول إبريل..! 

……………………………………………………….  

* «السمكة» تعبير فرنسي يشير إلى ضحية «كدبة إبريل»، وبالمناسبة.. أعرف حكيماً اخترع تعويذة مجانية لتحويل الكذب إلى صدق، حيث يكفي أن يخلص المرء النية، ويرسم في رأسه مثلثاً، يكتب في زواياه (حرية – اشتراكية – وحدة) أو (عيش – حرية – كرامة) أو (تحيا مصر – تحيا مصر – تحيا مصر)، وعندما سألت الحكيم متشككا: وهل يكفي يا سيدنا أن أردد «تحيا مصر» ثلاثاً لأكون من الصادقين؟.   قال الحكيم: لن يكفي، ولن يثمر شيئاً، إلا إذا قلتها بحقها وفرضها.   سألته: وما حقها؟، وما فرضها يا مولانا الصالح؟.   قال مُنهياً الحديث: راجع كتاب الثورة.  

جمال الجمل