السنكسار في التقليد القبطي

السنكسار في التقليد القبطي

خاص بالموقع
أولا: معناه:-
إن كلمة سنكسار sinaxaire يونانية الأصل، ومعناها مجموعة سير الشهداء والقديسين. وفي اللغة الفرنسية يسمي martyrologe “مرتيرولوج” و هو يخص سير الشهداء فقط، ثم أصبح شاملا للشهداء والقديسين. ففيه دونت أخبار وتواريخ القديسين والشهداء الذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة وسفكوا دماءهم في سبيل الإيمان والفضيلة، ابتداء من آدم و الآباء الأولين، ثم قديسي العهد الجديد الذين يحتلون أكثر صفحات الكنيسة، حتى ننظر إلي نهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم (عب 13/7). ولكن كاتب هذه السير له ثلاث شروط في تدوين السيرة الذاتية للقديس أو الشهيد :-
1- كشاهد عيان مباشرة.
2- كمستمع لسير رواها آخرون .
3-كشخص اشترك في حياة هؤلاء الذين يروي سيرتهم .
فإذن كتاب السنكسار هو كتاب طقسي يحتوي علي نبذة تاريخية عن القديسين الذين يحتفل بعيدهم كل يوم من أيام السنة .
ثانيا : تاريخه:-
إن الكنيسة الكاثوليكية دائما تبحث وتنقب وتفحص بدقة في كل سيرة قديس وهذا العمل يسند إليه متخصصين وباحثين لا بل دارسين في هذا العمل لكي يخرجوا من هذا العمل بسير قديسين وشهداء تنطبق عليهم كل صفات القداسة بالنسبة إلى القديس والشهيد تنطبق عليه صفات الشهيد، لأن أولئك كان لهم دور كبير في حفظ وديعة الإيمان المسيحي، كما كُتب في الرسالة إلي العبرانيين: «الذين بالإيمان قهروا ممالك، وعملوا البر، ونالوا المواعد، وسدوا أفواه الأسود، أطفئوا حدة النار…ورجموا ونشروا وامتحنوا وقتلوا بحد السيف… » عب11/33و37.
فالتقليد الكنسي يخبرنا أن أول من اهتم بأعمال الشهداء وتدوين سيرتهم واستشهادهم هو الحبر الروماني إكليمنس الأول (88-97). فقسم مدينة روما العظمي إلى سبعة أحياء وعين علي كل كنيسة مسجلين ليدونوا أعمال الشهداء الذين في ذلك الحي أو تلك المدينة. وهذا الحبر الروماني تحتفل به الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في يوم 26 هاتور من كل سنة وهذا الحبر الجليل له مديح رائع في تراث هذه الكنيسة يسرد ويؤكد علي أن هذا البابا دون سير الشهداء والقديسين. ثم جاء قداسة البابا أنتيرس ( 135- 136) فجمع ما وصل إليه من سجلات الولاة المضطهدين، وحافظ على هذه الوثائق والمخطوطات التي تحوي سير الشهداء والقديسين، وطلب غيموس حاكم روما العظمي يومذاك من هذا البابا هذه الكنوز الثمينة التي تحوي على السير فرفض البابا. فأمر هذا الوالي بقتل الحبر الروماني. وبعده قام البابا كايوس ( 283- 286) وعين ثمانية شمامسة مسجلين لنفس الغرض، ودامت هذه الطريقة حتى القرون الوسطي والملفت للنظر أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بالبابا كايوس في يوم 3 أبيب من كل عام.
وفي حبرية البابا غريغوريوس الثالث عشر (1572-1585) قام بإصلاح السنكسار إذ كلف بعض العلماء بتنقيحه من بعض الشوائب، وأعلن ذلك ببراءة بابوية صادرة بتاريخ 14يناير 1584 ومن ذلك الحين أصبح هذا السنكسار نسخة رسمية تتداول داخل الكنائس.
وفي الشرق بدأ السنكسار ينتشر في بعض الأديرة البيزنطية وتوجد عدة مخطوطات تحتوي علي السنكسار البيزنطي. وفي دير سانت كاترين توجد مخطوطات السنكسار تعود للقرنين السابع والثامن.
أما في الكنيسة القبطية فأول من اهتم بتدوين سير الشهداء هو القديس يوليوس الأقفهصي الذي استشهد في سنة 325. ولكننا لم نعثر علي النسخة التي كتبت باللغة القبطية. وهناك سنكسار البهنسا الذي يعود إلي القرن السادس، وقد أضيف إليه بعد ذلك سير الشهداء والقديسين من رهبان ونساك وأساقفة وبطاركة القسطنطينية وأورشليم و بلاد اليونان وسوريا وأرمينيا علاوة علي الأحبار الرومانيين. وأقدم سنكسار في الكنيسة القبطية مسطر باللغة العربية ومنسوب للأنبا بطرس أسقف مليج، ويعتبر هذا الأسقف هو الذي قام بمحاوله لجمع سير الشهداء والقديسين، أما المحرر النهائي فهو ميخائيل أسقف أتريب ومليح وينسب أيضا إليه الصياغة النهائية للسنكسار.
وقد نسخ هذا السنكسار سنتذاك بطرس أبو الفرج الدمنهورى في العام 1211م الموافق 927ش، ويسرد اميلينو في مقدمه ترجمه ونشره لهذا النص يخبرنا أن هذا هو المخطوط الوحيد الموجود في مكتبه الفاتيكان تحت رقم 62-65، ويعود أصله إلى أحد رهبان أديره الأنبا مقار. وفي العام 1247 قام الأنبا ميخائيل أسقف أتريب بنسخ السنكسار وهو موجود بالمكتبة الأهلية بباريس تحت رقم 4869- 4770 ومخطوط آخر لسنه 1742 موجود بفلورنسا تحت رقم 115 في العام 1904 ظهرت ترجمه السنكسار باللغة الفرنسية وقام بطبعها رينيه باسيه، وقام بترجمتها إلي اللغة العربية الراهب صمؤئيل السرياني ونشرها في جزأين، وعندما رسم أسقفا على كرسي شبين القناطر قام بإعادة نشره علي ثلاثة أجزاء. وفي سنة 1912 طبع كتاب (الصادق الأمين) بالقاهرة ويحوي سير الشهداء والقديسين، ويعتبر من المراجع الهامة للسنكسار. وفي السنة 1935 طبع السنكسار باللغة العربية ثم توالت من بعده طبعات كثيرة. وقد قيل أن في دير السريان بوادي النطرون نسخة من السنكسار السرياني يعود لسنة 412 ولكنه موجود حاليا بأحدي المكتبات بالغرب.
قد انبثق من السنكسار الذكصولوجيات (تمجيدات) لأن أجدادنا في الماضي العريق كانوا يذهبون للأديرة لأخذ خبرات روحية من الرهبان ليعيشوا بها في أعمالهم وحياتهم اليومية فلذلك نجد ذكصولوجيات لكاروز الديار المصرية مرقص الرسول والرهبان كأنطونيوس وبولا وباخوميوس … فالمسيحية حياة لذلك هي مرئية في التاريخ من خلال حياة وشهادة القديسين والشهداء. أول المراجع الروحية هو القديس أنطونيوس الكبير. والذي كتب سيرته هو البطريرك الاسكندرى أثناسيوس الرسولي (328-373) وذلك في النفي الثاني لهذا البطريرك الذي كان في 16من شهر أبريل لسنة 339 حتي سنة 21 من شهر أكتوبر 346 وذلك أثناء الحبر الروماني يوليوس ( 337-352). وعلى أثر ذلك سطر القديس أمبروسيوس:« إن كثيرين من أعيان روما رجالا ونساء لما قرءوا ترجمة أنطونيوس التي كتبها القديس أثناسيوس هجروا العالم ورفضوا أباطيله وحملوا صليب سيدنا يسوع المسيح في الحياة الرهبانية».
ثالثا :- روحانيته:
يقرأ السنكسار – الذي يجمع سير القديسين الذين كانوا لهم دورا عظيما عبر تاريخ القداسة المسيحية، ففيه دونت أخبار وتواريخ القديسين والشهداء الذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة وذلك لأجل التذكار والإكرام – حتى يتأثر السامعون ويتشبهوا بأصحاب السير وينموا في الجهاد الروحي. ولما كان سفر أعمال الرسل لم يختم كما ختمت سائر الكتب العهد الجديد بعبارة أو كلمة تفيد الختام، ولما كان العهد الجديد يعتبر عهد عمل الروح القدس في حياة الكنيسة ولم ينته بعد، فقد نظرت الكنيسة إلى السنكسار كأنه امتداد لسفر الأعمال (الإبركسيس)، ونشأ السنكسار في بعض الأديرة وكان يقرأ يوميا، وتتضمن القراءة اليومية مقتطفات من حياة قديس اليوم، ووصفت هذه القراءة علي أنها قراءة روحية مساعدة. فإذا كان يسوع المسيح نور الكمال، فالقديسون هم عبارة عن انعكاسه، لأن أعين الإنسان ضعيفة لا تستطيع أن تنظر إلي ضوء الشمس الساطع في أعالي السماء، وعندما كان القديس يوحنا السلمي أحد الرهبان جبل سيناء الذي كان يقرأ حياة قديس آخر يقول: «إن الفقراء قد رأوا كنوز الملك، ففي الحال يردون ويقولون لماذا نحن نحيا في فقرنا، هيّا لنتقاسم غنى إخوتنا القديسين والمشتركين نحن معهم في الإيمان الواحد» ، ولهذا السبب فالسنكسار يقرأ عقب تلاوة الإبركسيس مباشرة في القداس الإلهي ماعدا أيام الخمسين المقدسة التي تعقب عيد القيامة المجيد.
رابعا : طقسه في التقليد القبطي :-
1- يقول القارئ : بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد له المجد دائما وعلينا نعمته ورحمته وبركته إلي أبد الآبدين آمين.
2- ينبه القارئ الحاضرين ويحثهم علي الإصغاء لما هو عتيد أن يخبرهم به قائلا: «اسمعوا أيها الآباء الروحيون والأخوة النجباء المسيحيون حفظكم الله بيمينه الحصين. وأفاض علينا وعليكم مراحمه بشفاعة السيدة العذراء وكافة الملائكة والآباء والأنبياء والرسل والشهداء القديسين. وحفظنا وإياكم مسيحيين إلي النفس الأخير آمين».
3- ثم يذكر القارئ اسم اليوم والشهر حسبما يكون.
4- مثال: اليوم الأول من شهر توت المبارك. أحسن الله استقباله وأعاده علينا وعليكم ونحن وأنتم في هدوء واطمئنان. مغفورين الخطايا والزلات والآثام من قبل مراحم الرب يا آبائي وإخوتي آمين.
5- وفي النصف الأول من كل شهر قبطي، أي من 1-15، يقول: “أحسن الله استقباله”.
6- وأما في النصف الثاني من كل شهر قبطي، أي من 16-30، يقول “أحسن الله انقضاءه”.
7- في حضور الأب البطريرك أو الأسقف فهو الذي يقول المقدمة.
8- تصير رسامة الآباء البطاركة والأساقفة بعد قراءة الإبركسيس والسنكسار.

بنعمة الله
مراسل موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي بإيبارشية سوهاج
الأب إسطفانوس دانيال جرجس
خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما
stfanos2@yahoo.com