الصلاة الربانية في التقليد القبطي

الصلاة الربانية في التقليد القبطي

خاص بموقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي
أولاً: الصلاة الربانية في التقليد اليهودي:
كانت تتلى في الكنيس اليهودي في خاتمة العبادة يوم السبت وتقال أيضًا ثلاث مرات في اليوم بعد صلاة العائلة وقبل تناول وجبات الأكل، هي تكريس الشعب والمجتمع وتقدس اسم الله:
«أبانا ومليكنا، ليتقدس اسمك، لتثبت مملكتك في كل الأرض، ليتقدس اسمك في سماء السماوات، أعطنا أن نأكل الخبز السماوي، أغفر لنا لأننا خالفنا وصاياك، أحمنا من الشر في سبل التجربة، لأن لك الملك والمجد والقوة إلى الأبد».
ثانيا: نص الصلاة الربانية في التقليد الكتابي:
أ- الصلاة الربانية بحسب القديس متى الإنجيلي (6/9-13):
«أَبانا الَّذي في السَّمَوات، لِيُقَدَّسِ اسمُكَ، لِيَأتِ مَلَكوتُكَ لِيَكُنْ ما تَشاء في الأَرْضِ كما في السَّماء، أُرْزُقْنا اليومَ خُبْزَ يَومِنا، وأَعْفِنا مِمَّا علَينا فَقَد أَعْفَينا نَحْنُ أَيْضاً مَن لنا عَلَيه، ولا تَترُكْنا نَتَعرَّضُ لِلتَّجربة بل نَجِّنا مِنَ الشِّرِّير ».

ب- الصلاة الربانية بحسب القديس لوقا الإنجيلي (11/2-4):
«أَيُّها الآب لِيُقَدَّسِ اسمُكَ لِيأتِ مَلَكوتُكَ، أُرزُقْنا خُبزَنا كَفافَ يَومِنا، وأَعْفِنا مِن خَطايانا فإِنَّنا نُعْفي نَحنُ أَيضاً كُلَّ مَن لنا عليه ولا تَترُكْنا نَتَعرَّضُ لِلَّتجرِبَة».

ثالثًا: نص الصلاة الربانية في التقليد القبطي:
«أبانا الذي في السموات. ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك. كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا الذي للغد أعطنا اليوم. وأغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير. بالمسيح يسوع ربنا لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين».

رابعًا: التقليد الآبائي:
يخبرنا التقليد الكنسي كاتب هذه الصلاة هو القديس بطرس الرسول هامة الرسل، وظهرت لأول مرة في صلوات القداس في شمال أفريقيا مع أورشليم في آن واحد، أيّ في أواخر القرن الرابع، فقد ذكرها القديس كيرلس الأورشليمي (315-387) في عظاته للمعلمين في سنة 349.
وعندما كان المؤمنون يتلون صلاة الأبانا حتى إلى كلمات:”…كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا…” كان الشعب يقبّل بعضه قبلة مقدسة وحسب دارستي في هذا الأمر انبثق مرد الشمّاس: “قبلوا بعضكم بعضًا قبلة مقدسة”، وحيث تجيء تطبيقًا لقول يسوع المسيح: « فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زلاتِهِم يَغْفِرْ لكُم أَبوكُمُ السَّماوِيّ، وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغْفِرْ لكُم أَبوكُم زلاَّتِكُم» (متى16/14و15).
وقد وضعتها الكنيسة في شمال أفريقيا بين القسمة وبين التناول. ودخلت هذه الصلاة الربانية في عصر متأخر في الطقوس الشرقية أيّ في نهاية القرن الرابع.
وقد دخلت في الطقس الروماني في العام 595 أثناء حبرية الحبر الروماني قداسة البابا غريغوريوس الأول(590-604)، وتمّ وضعها أيضًا بين صلاة الشكر مقدمة الإفخارستيا والتناول.
ونستلهم من ذلك أصول تلاوتها بعد صلاة القسمة في الطقس القبطي الأصيل، لأن هناك تفسير قديم في طلب الصلاة الربانية: ” خبزنا الذي للغد أعطنا اليوم” فهذا الطلب إشارة إلى خبز الإفخارستيا أي جسد ودم يسوع المسيح.
فالإفخارستيا هي الخبز اليومي، وفي هذا الصدد وعلى غرار القديس ترتليانوس (150-220)، نجد القديس قبريانوس(248-258) يقول في معرض التعليق على عبارة”خبزنا اليومي” الوارد ذكرها في الصلاة في الصلاة الربانية: «نحن نسأل الله أن يعطينا هذا الخبز كل يوم، خشية أن نفترق ذات يوم عن جسد المسيح بارتكابنا إثمًا ثقيلاً يمنعنا من الاشتراك في الخبز السماوي، نحن الذين يقبلون الإفخارستيا كعربون خلاصي. وبما أن المسيح قد صرّح بأن من يأخذ من خبزه يحيا للأبد، فمن الواضح أن الذين يتناولون جسده في الإفخارستيا يحيون وبالتالي يجب أن نخاف الإساءة إلى خلاصنا بالابتعاد عن جسد المسيح، ولهذا نطلب الخبز اليومي، أي الإفخارستيا اليومية كضمان يومي لثباتنا في حياة المسيح».
علاوة على ذلك يقول الحبر الروماني قداسة البابا كورنيليوس (251-253) في شأن ذلك: «سيكونون محميين بجسد المسيح ودمه. إن الإفخارستيا يجب أن تكون درعًا للذين يتناولونها، لأولئك الذين نود أن نراهم محميين من العدو. أولئك سيكونون مسلحين بقوة غذاء يوم الرب».
ونستنتج من ذلك أن تلاوة هذه الصلاة في بدء رفع الذبيحة ونهايتها إضافة لا حقة. وأمّا من جهة تلاوتها في القداس فكان في أورشليم يتلوها الأسقف والشعب معًا.
وفي الغرب وشمال أفريقيا يتلوها مترئس الذبيحة الإلهية وحده ولا يشترك الشعب إلا في كلمة آمين (التي تعني بالعبرية: فليكن هكذا). ويقول القديس أغسطينوس(354-430) في إحدى عظاته: « وتتلى صلاة الأبانا يوميا على المذبح والمؤمنون يسمعونها» وتقريبًا من القرن السابع بدأ الكاهن والشعب يتلونها معًا في آن واحد.
خامسًا: إضافات الطقس القبطي للصلاة الربانية:
في الطقس القديم للقداس القبطي كان مترئس الذبيحة يتلوا الصلاة الربانية إلى أن يصل إلى المقطع: “نجنا من الشرير” وهذا هو النص الكتابي، وهنا يصرخ الشمامسة والشعب بأجمعهم باللغة اليونانية: “خين بخرستوس إيسوس بين شويس” أي بالمسيح يسوع ربنا” ومازال هذا التقليد بقاياه موجودة في طقسنا القبطي حتى يومنا هذا، فالبرغم من اشتراك الشعب كله في تلاوة الصلاة الربانية في يومنا هذا، إلا بعد تلاوتها كلّها كهنةً وشمامسةً وشعبًا، يعود الخورس ويلحن “خين بخرستوس إيسوس بين شويس”. ونتج عن ذلك إضافتين للصلاة الربانية في الطقس القبطي هما:
أ- بالمسيح يسوع ربنا.
ب- لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين.
وتمّ إضافة لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين. في وقت لاحق للمقطع بالمسيح يسوع ربنا.وعلى حسب دارستي في هذا الأمر أن” لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين” هي دخيلة من صلاة الربانية التي تتلى في الكنيس اليهودي وأيضًا من طقس البسخة المقدسة، أي أن في كل مقدمة ساعة من ساعات البسخة المقدسة كان المترئس هذه الساعة من صلاة البسخة يقول: «يا رب إرحمنا هلّلويا. باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. المجد للآب والابن والروح القدس: الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين. تسبحة الساعة الأولى من ليلة الثلاثاء من البسخة المقدسة. بركتها فلتكن معنا آمين. اجعلنا كلنا مستحقين أن نقول بشكر: أبانا الذي في السموات…وبعد نهايتها يقولون: لك القوة والمجد…”ثوك تي تي جوم نيم …”» ومن هنا دخلت الإضافة الثانية للصلاة الربانية، وأصبحب الصلاة الربانية لها جملتين أضيفت لها على مرحلين،
المرحلة الأولى: بالمسيح يسوع ربنا.
والمرحلة الثانية: لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين.
وأصبح نص الصلاة الربانية في يومنا هذا كما سطر في أول مقالنا البسيط والمتواضع جدًا كما دون آنفًا في البند ثالثًا: نص الصلاة الربانية في التقليد القبطي. فقد أضيفت “بالمسيح يسوع ربنا”، “لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين” في القرن الثالث الميلادي حتى أنها وردت في عدة مخطوطات طقسية قديمة جدًا. فأتمنى العودة للطقس القديم للصلاة الربانية أي الكل يقف في تلاوتها عند: “… لكن نجنا من الشرير” ثمّ بعد ذلك الشمامسة يرتلون: “بالمسيح يسوع ربنا”.

سادسًا: المراجع والمصادر:
1- أثناسيوس المقاري(القس)، «القداس الإلهي سر ملكوت الله»، الجزء الثاني، طقوس أسرار وصلوات الكنيسة 6/3، الدرة الطقسية للكنيسة القبطية بين الكنائس الشرقية، القاهرة،2008، ص896-903.
2- عبد المسيح دانيال، «الصلاة الربانية في الطقس القبطي»، مجلة الصلاح، السنة 78، يوليو ، القاهرة، 2007، 12-13.
3- فريدا حداد، «ذبيحة التسبيح»، منشورات النور، بيروت، لبنان، 1974، ص69-70.
4- فيكتور منصور مستريح الفرنسيسكانى (الأب)، يوحنا بن أبي زكريا بن سباع، «كتاب الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة»، دراسات شرقية مسيحية في الكنيسة المصرية، مؤلفات المركز الفرنسيسكانى للدراسات الشرقية المسيحية، القاهرة، 1969، ص 256.
5- متى المسكين (الأب), «بالإفخارستيا عشاء الرب بحث في الأصول الأولى لليترجيات ومدخل لشرح القداس وتطوره من القرن الأول حتى عصرنا الحالي», دير القديس أنبا مقار، برية شيهيت، القاهرة, 2000، ص757-759.
6- منقريوس عوض الله(القمص)، «منارة الأقداس في شرح طقوس الكنيسة القبطية والقداس»، الكتاب الثالث، القاهرة، 1972، ص70-71.
7- يؤنس ملاك(الأنبا)، «خولاجي كنيسة الإسكندرية»، روما، 1971، ص2 و193.
8- يوحنا سلامة(القمص)، «اللآليء النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة»، الجزء الأول، القاهرة، 1981، ص428-432.

بنعمة الله

مراسل الموقع بإيبارشة سوهاج
أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس
خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما