الضمير الإنساني والمؤثرات الخارجية

الضمير الإنساني والمؤثرات الخارجية

 بقلم الأب بيوس فرح ادمون فرح

القاهرة, 17 يناير 2014 (زينيت) – أعتقد أن الضمير ليس من صوت الله للإنسان ، لأن الضمير يمكن أن يخطئ وأن ينحرف. وصوت الله لا يمكن أن يخطئ…

الضمير في الإنسان كالعقل والروح، فالعقل يمكن أن يخطئ. وكذلك الروح يمكن أن تخطئ، وأيضًا الضمير. فالضمير كأي جهاز من أجهزة الإنسان يمكن أن يضعف وأن يقوى. يمكن أن يستنير بالدراسة والتعليم والنمو الروحي . كما أنه يمكن أن يضعف وأن ينحرف، وتطغى عليه المصلحة، وتطغى عليه الإرادة الرخوة .

ما أسهل أن يختل الضمير، وتتغير أحكامه وتنقلب موازينه. كالطالب الذي يدفعه ضميره ليغش من زميل له في الامتحان. أو كالطبيب الذي شفقة منه على فتاة يجهضها، أو يعمل عملية ليستر فتاة فقدت بكوريتها. أو يكتب شهادة مرضية لشخص غير مريض ليساعده. أو كالأم التي تستر على أولادها لكي تنقذهم من عقوبة أبيهم، فتغطى أخطاءهم بأكاذيب!

إذا مات الضمير يُصبِح كل شئ مباح : كلام الزور ، الخيانة ، القتل أو السكوت عن الانحرافات والهمجية .
وحين يموت الضمير يصبح طعم الدم لذيذ كعصير البرتقال …….  تهون الأوطان وتكثر الخيانات ويُزيف التاريخ ،،،، والعجيب في كل هؤلاء أن ضمائرهم لا تتعبهم ولا تبكتهم. بل على العكس يشعرون أنهم عملوا شيئًا حسنًا يفرح قلوبهم..! يقول لنا  ” يسوع سيأتي أيام يظن الذي يقتلكم أنه يقدم لله ذبيحة ” ( يوحنا 16 / 1-2 ) إن عدم تبكيت الضمير على الخطأ يدل على خلل فيه. أما كونه يفرح بالخطأ، فهذا يدل على انحرافه عن الحقيقة .

إن الضمير موجود قبل الشريعة المكتوبة. وفيه تسامى ضمير يوسف الصديق عن خطية الزنا، ولم تكن هناك خطية مكتوبة وقتذاك تقول لا تزن.. وبالضمير وُجد في العالم الوثني فلاسفة يدعون إلى الخير والفضيلة، ولم تكن تقودهم شريعة إلهية…

ولكن لاختلاف مفاهيم الناس، ولاختلاف تربيتهم ونفسيتهم،،، اختلفت هنا الضمائر…

فيوجد ضمير صالح مثل ميزان الصيدلي، حيث الزيادة تضر، والنقص يضر. وضمير آخر ، يهتم بالحرف لا بالروح. وهناك ضمير منحرف، وضمير لا يبالى. وقد يوجد إنسان له ضميران، واحد يحكم به على غيره بكل عنف. وواحد يحكم به على نفسه بكل رقة ومجاملة!

وهناك ضمير واسع يمكنه أن يجد تبريرًا لأخطاء كثيرة، وضمير آخر ضيق، يظن الشر حيث لا يوجد شر، ويضخّم من قيمة الأخطاء. وهو ضمير موسوس يقع في (عقدة الذنب)، ويرى الشخص نفسه مسئولا عن أمور لا علاقة له بها، وتملكه الكآبة أحيانًا واليأس. ويظن أنه لا فائدة من كل جهاده، وأنه هالك لا محالة !

والضمير تؤثر عليه العادات والتقاليد .

فعابد الوثن كان يتعبه ضميره إذا لم يبخّر أمام الوثن ويسجد له. وفي بعض البلاد كان الأب الذي لا يقتل ابنته إن فقدت بكوريتها، يثور عليه ضميره لأنه لم يغسل شرف الأسرة من العار!

وبنفس الوضع كان الابن الذي لم ينتقم لقتل أبيه بقتل قاتليه، يعذبه  ضميره!

أحيانا يحب شخص إنسانًا أخر، فيدافع عنه في كل تصرفاته مهما كانت خاطئة! دون أن يتعبه ضميره، بل قد يعذبه ضميره إن لم يدافع عنه. ويسمّى هذا الدفاع الخاطئ لونًا من الوفاء والواجب ،،، كما يقول المثل : ” الشعبي حبيبك تبلع له الظلط ، وعدوك تتمنا له الغلط ” فأين الضمير المتزن .

والضمير تؤثر عليه الرغبات والعواطف، حبًا كانت أم كرهًا.

يقع إنسان في مشكلة، يرى أنها لا تُحل إلا بالكذب! فتراه يسّمى الكذب ذكاء أو دهاءً أو حيلة. وإن حاول ضميره أن يلومه، فإنه يخفف حكمه عليه، ويلتمس لنفسه ألف عذر. وقد يسّمى بعض الكذب كذبًا ابيض. ويعيش بمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة )

الضمير قد يضعف من جهة أحكامه

فلا يبكته في حالات تستحق التبكيت، أو يوبخه بأسلوب هادئ جدًا في أمور خطيرة. وقد قال البعض “إن الضمير قاضٍ عادل ولكنه ضعيف، وضعفه واقف في سبيل أحكامه”. ولكن الصعوبة الكبرى أن يكون الضمير ضعيفًا، وفي نفس الوقت أيضًا يكون غير عادل!

لأنه لا يصح للإنسان أن يعتمد على ضميره وحده.  بل عليه أن يلجأ لتحكيم ضمائر أناس آخرين تكون ضمائرهم سليمة ومحايدة، وبعيدة عن تأثير الأغراض شخصية. وهنا تظهر أهمية الإرشاد الروحي من مرشد موضع ثقة، يمكنه أن يقوّم مسيرة الضمير وينميه ويجعله يقظا . لأن هناك طرقًا تبدو للإنسان مستقيمة، بينما تقود إلى طريق خاطئ.

الضمير أيضًا يتأثر بالإرشاد الخاطئ:

فالمعرفة السليمة تجعل الضمير يستنير بالفهم. لأنه ما أكثر الذين يخطئون عن جهل. فإن استناروا بالمعرفة، يمتنعون عن الخطأ.

لهذا أرسل الله الأنبياء والرسل، وأوجد المعلمين والمرشدين، لكي ينيروا للناس الطريق السليم، لأن ضمائرهم لم تعد كافيةً لإرشادهم، أو لأن ضمائرهم قادتهم إلى طرق معوجة …

فمثلا : هناك معلمون يدعون تلاميذهم إلى الجدية الكاملة وعدم الضحك إطلاقا، على اعتبار أن هذه من علامات الرزانة، وهى من صفات الرجل الكامل. ومعلمون آخرون يدعو تلاميذه إلى حياة البشاشة والمرح، لأنهم بهذا يكسبون محبة الناس والتفافهم حوله. وهكذا بنوع المعرفة والإرشاد يتأثر الضمير.

وهناك معلمون يقولون إن تحديد النسل ضد إرادة الله. وهكذا تتعب ضمائر الذين ينظمون النسل. بينما معلمون آخر يقولون إن هذا محلل ونافع، ليمكن تربية الأولاد تربية سليمة. فيستريح بذلك ضمير من يكتفون بعدد قليل من الأبناء تكون في قدرتهم تربيتهم وتعليمهم.

لذلك على الإنسان أن يحترس من نوع التعليم والمعرفة التي يتلقاها سواء كانت من المعلمين أو عن طريق الكتب أو المنشورات المنحرفة ، لقد نبهنا يسوع المسيح من المعلمين الكذبة الذين يظهرون للناس بلباس الحملان ، بل علينا أتباع تعليم الكنيسة ، التي استمدت المعرفة الكاملة من شخص يسوع المسيح الينبوع الحي ، والرسل الأطهار وخلفائهم .