العدد الأول امجلة صديق الكاهن عام 1999

افتتاحية

أبا … يا أبت “أبَّا”: هذه هي الكلمة التي خاطبي يسوع بها الله . إن العهد الجديد مكتوب باللغة اليونانية ولكن نص العهد الجديد احتفظ بهذه الكلمة باللغة الآرامية، اللغة التي استعملها يسوع نفسه ، لأنها كما نطق بها يسوع تعبِّر عن صميم العلاقة التي بينه وبين الله أبيه ( انظر مر14/36 ) . لم تكن كلمة ” أبَّا ” كلمة المخاطبة الرسمية ( ” أيها الآب ” ) بل كلمة البساطة العائلية ، التي كان الأطفال يستعملونها، مثل كلمتنا اليوم: ” يا بابا “. لقد كان يسوع يعيش مع الإله العلي خالق السماوات والأرض، القدير الذي يعلو كل شيء، هذه العلاقة البسيطة البنوية التي تمثّل له كيانه. فأصبحت كلمة “أبَّا” تعبِّر عن كيانه وحياته. إذ يحيا ويعيش إنطلاقاً من هذه العلاقة بالآب وبفضلها : ” طعامي أن أعمل بمشيئة من أرسلني وأن أتمم عمله ” ( يو 34:4) … “تتركوني وحدي ولست وحدي، فإن الآب معي” (يو32:16). وحب الله الأبوي الذي يشكل بالنسبة ليسوع كل كيانه وحياته، هو ما يريد يسوع أن يوصله إلينا، لدرجة أن الله الغير المنظور يصبح منظوراً في شخصه والذي هو في ذاته محبة يصير ملموساً في حبه الذي بلغ إلى أقصى الحدود: “من رآني فقد رأى الآب” (يو9:14). إن ذات الحب الذي به يحب الآب الإبن والذي يمث بالنسبة ليسوع كل كيانه هو نفس الحب، الذي يحبنا يسوع: “كما أحبني الآب فكذلك أحببتكم أنا أيضاً: إثبتوا في محبتي” (يو9:15). رسالة يسوع كلها هي نتيجة حب الله الأبوي وهو عين ما يريد أن يوصله إلينا ، إنه يعطينا الإمكانية أن نعيش بعضنا مع بعض شركة الحب والوحدة ذاتها التي هي صميم حياة الله : ” ليكونوا واحداً كما نحن واحد : أنا فيهم وأنت فيّ ، ليبلغوا كمال الوحدة ويعرف العالم أنك أنت أرسلتني وأنك أحببتهم كما أحببتني” (يو22:17-23). وعندما أتم يسوع مسيرة هذا الحب الذي بلغ أقصى الحدود في سرّ موته وقيامته، في حبه المصلوب المنتصر على قوات الجحيم، منحنا روحه القدوس الذي هو حياته وحبه، الذي يعطينا حياة أولاد الله، يعطينا أن نحب كما هو أحبنا. إننا قد مُنحنا حياة المحبة الإلهية التي هي في يسوع طبيعته الحقيقية … طبيعة ابن الله ووُهبنا المشاركة فيها. إن يسوع ابن الله بطبيعته، إذ يعطينا روحه القدوس يمنحنا أن نصبح أبناء الله بالتبني، أبناء حقيقيين، محبوبين جذرياً بالحب ذاته الذي يحب الآب به يسوع. إنه يعطينا نحن ، خلائقه الضعاف الخطأة، أن ندخل في ذات البساطة البنوية التي هي حياة يسوع، فنقدر أن نخاطب- نحن أيضاً- الإله العظيم العلي، القدير خالقنا بالكلمة البنوية ذاتها: “أبَّا”، كما يقول لنا القديس بولس: “…فنحظى بالتبني . والدليل على كونكم أبناء أن الله أرسل روح ابنه إلى قلوبنا ، الروح الذي ينادي : ” أبَّا ” ، ” يا أبتِ ” . فلست بعد عبداً بل ابن، وإذا كنت ابناً فأنت وارث بفضل الله” ( غلا 5:4-7 ) . ويكررها في رسالته إلى أهل رومة : ” لم تتلقوا روح عبودية لتعودوا إلى الخوف، بل روح تبنٍّ به ننادي : أبَّا ، يا أبتِ ! وهذا الروح نفسه يشهد مع أرواحنا بأنَفا أبناء ” ( رومة 8/15-16 ) . ولكن خبرة أبناء الله هذه هي هبة الروح القدس لنا ، لا يمكن أن تثبت فينا لو لم نوصِّل نحن بدورنا- وبقوة الروح ذاته- هذا الحب الأبوي بعضنا لبعض، بل لكل واحد يضعه الله على طريقنا. إن سنة الآب تبقى مجرد ألفاظ جميلة لو لم يحاول كل واحد منّا أن يوصّل- كل واحد في مكانه الواقعي وفي ظروفه الحقيقية- هذا الحب الذي نحن محبوبون به للآخرين بواقع مواقفنا وحياتنا: أي بالكلمة الطيبة، وبالنظرة البنّاءة المشجعة، والمسامحة والمغفرة، والمشاركة والتضامن. فنصبح بذلك شهوداً حقيقيين لهذا الحب الأبوي العجيب الذي به نقول مع يسوع: “أبَّا”- “يا أبتِ

الكتاب المقدس

الأمثــال (11) مثل الكرّامين القتلة (مر33:11-12:12) الأب د./ كميل وليم يضع إنجيل القديس مرقس، وكذلك إنجيل القديس لوقا، مثل الكرّامين القتلة في إطار جدلي: يكلمهم (1:12أ) يعود الضمير هنا على الأشخاص الذين يوجه إليهم يسوع المثل، والذين بعد أن استمعوا للمثل “حاولوا أن يمسكوه” (12:12أ). إنهم عظماء الكهنة والكتبة والشيوخ (راجع 27:11). لقد وجّه هؤلاء سؤالاً إلى يسوع: “بأي سلطان نعمل هذه الأعمال؟ من أولاك ذاك السلطان لتعمل هذه الأعمال؟”(مر 28:11). وتم توجيه هذا السؤال في الهيكل بعد أن كان قد طرد منه الباعة (راجع مر 15:11-17). لم يكن السؤال متعلقاً بطرد الباعة، إنما يمتد إلى نشاط يسوع بأكمله وجميع تعاليمه. وبدلاً من أن يرد عليهم، وجه بدوره سؤالاً: “أمن السماء جاءت معمودية يوحنا أم من الناس؟” (مر 30:11). كان رفضهم الإجابة على سؤال يسوع: “لا ندري” (مر 33:11) دليلاً عن عدم صدق سؤالهم، عندئذ يقول لهم: “وأنا لا أقول لكم بأي سلطان أعمل هذه الأعمال” (مر33:11) فيسوع لا يرد على من لا يبحث بإخلاص عن الحقيقة. وبالرغم من رفضه إعطاءهم جواباً مباشراً، إلا أن يسوع لا يوصد باب النقاش بل يستمر فيه عن طريق الأمثال: “وأخذ يكلمهم بالمثال” (مر1:12). ولقد سبق ورأينا- في العدد الماضي- أن يسوع يوجه تعاليمه “للذين في الخارج بالأمثال” (مر11:4). أما السؤال الذي رفض يسوع أن يرد عليه فيتعلق بهويته ومن المنتظر أن يفصح يسوع، بالأمثال، عن هويته. ولكي يصل إلى ذلك لا يقدم تحديداً ولا موضوعاً، إنما يحكي قصة. صاحب الكرم والكرّامون حاول بعض المفسرين أن يثبتوا أن تفاصيل القصة حقيقية. قد يبدو هذا غريباً للبعض. ولكن الواضع الاجتماعي في فلسطين وفي البلاد المجاورة يشهد بذلك. فمعظم أراضي الجليل الزراعية كانت ملك عدد قليل من الملاّك الأجانب. وكان بُعد مكان إقامة المُلاّك عاملاً مساعداً لثورات الفلاحين، لا بل، إذا توافرت بعض الشروط، كانت تعتبر الأراضي متروكة وتصبح مِلك مَن يضع يده عليها. وهذا يجعل محاولة قتل ابن صاحب المِلك، للاستيلاء على الكرمة، أمراً ممكناً. تعتبر هذه الملاحظات هامة ولكنها لا تساعد كثيراً على فهم أوضح للمثل. لذلك علينا إتباع خطوتين هامتين. 1- تحليل دقيق لبنية المثل 2- الاستنارة بالإشارات الكتابية الأخرى. تقوم قوة المثل في التشابك الذكي للعلاقات على 3 مستويات: ‌أ- العلاقة بين صاحب الكرم والكرّامين. ‌ب- العلاقة بين العبيد وابن صاحب الكرم. ‌ج- موقف صاحب الكرم من الكرّامين. ويقتصر الحديث والعمل على صاحب الكرم والكرّامين. ويقتصر أمر العبيد والابن على ذكر مصيرهم. ولا يذكر لهم المثل قولاً أو عملاً… تدور القصة كلها بين صاحب الكرم والكرّامين. يأخذ صاحب الكرم الكلام في البداية والنهاية: فهو الذي يبادر بغرس كرمه وإرسال العبيد، كما أنه هو الذي يبادر بأخذ القرار بمعاقبة الكرّامين. وبين هاتين المبادرتين الخاصتين بصاحب الكرم يصف المثل إصرار عكسي مزدوج: إصرار صاحب الكرم على الحصول على الثمار، ومن ناحية أخرى إصرار الكرّامين وبوقاحة على عدم إعطائه أي شيء. من هم المقصودون بهذا المثل؟ يعطينا الإنجيلي مفتاح القراءة في العدد الأول، الذي يذكِّر بنشيد الكرم في كتاب أشعيا: “لأنشدت لحبيبي نشيد محبوبي لكرمه. كان لحبيبي كرم في رابية خصيبة وقد قلَّبه وحصّاه وغرس فيه أفضل كرمه وبنى برجاً في وسطه وحفر فيه معصرة وانتظر أن يثمر عنباً فأثمر حصرماً برياً” (أش1:5-2). إذا قرأنا المثل على ضوء نشيد أشعيا تضح المعنى وينجلي: قصة صاحب الكرم مع الكرّامين هي بدون شك قصة الله مع شعبه. فالله يرسل الأنبياء، بينما الشعب يصر على الرفض. لقد رفض الشعب الأنبياء، كما يرفض الكرّامون العبيد؛ وتعرّض هؤلاء كما تعرّض الأنبياء للضرب والقتل لا بسبب مطلب خاص بهم ولكن بصفتهم مرسلين من الله ولأنهم يحملون صوت الله للشعب. لذلك لا يتفوهون، في المثل، بكلمة واحدة ولا يقومون بأي عمل: إنهم ليسوا شخصيات مستقلة ولكنهم يمثلون رب الكرم. العبيد والابن ويقص المثل، من خلال العلاقة المتوترة بين صاحب الكرم والكرّامين، تاريخ بني إسرائيل: أمانة الله وخيانة الشعب والعقاب العادل. ولا شيء جديد في ذلك. ولكن الجديد يظهر في الجزء الثاني، أي في الصراع بين الابن والعبيد. يمكن التمييز في المثل، بين جزئين: الجزء الأول: إرسال العبيد (1:12ب-5). الجزء الثاني: وصف إرسال الابن (6:12-8). ويميّز الراوي جيداً بين الرسالتين. يمر الراوي مرور الكرام على إرسال العبيد ولكنه يعقب إرسال الابن بتفكير وتأمل صاحب الكرم (6:12ب)، كما يسبق رد فعل الكرّامين القتلة تفكير وتدبير. يقوم الطابع الخاص في رسالة الابن في شخص المرسل ذاته. إنه الإضافة التي تضفي على الأحداث الفرادة والخبرة، فلا نصبح مجرد حوادث تاريخية. إنه بالنسبة للأب ابنه الحبيب (6:12) وبالنسبة للكرّامين الوارث، ورسالته هي الأخيرة. مع ذلك فهناك تشابه عديد بين رسالة العبيد ورسالة الابن: المرسل هو ذاته، كذلك الواجب، المرسل إليهم وذات المصير. يقدم المثل عناصر جديدة وعناصر استمرارية. إذا كان المثل قد بدا في الوهلة الأولى كتاريخ إسرائيل يتضح الآن أنه قمة هذا التاريخ بالمقارنة بنشيد الكرم في أشعيا هناك أشياء جديدة. لم يكتفِ الله بإرسال الأنبياء بل يرسل ابنه، والشعب لم يرفض فقط الأنبياء، إنما رفض أيضاً الابن. يمكن أن يعيد المثل قراءة التاريخ كله ابتداءً من نهايته التي كان أشعيا النبي يجهلها. أمانة وعقاب يقوم الصراع الثالث داخل نفس صاحب الكرم ويقدم له الصراعان الأولان اللذان يمثلان موضوع الدينونة أو العقاب. ويهدف هذا أيضاً لإلقاء الضوء على تاريخ الشعب والعلاقة بين الله والإنسان. صاحب الكرم صبور وعنيد لدرجة أنه يرسل ابنه الحبيب. إنّه لا يفقد الأمل: “سيهابون ابني” (6:12). ولكن لصبره حدود، ولا يقبل أن يظل عنف الكرّامين بلا حدود. لم يتبق له سوى أن يذهب بنفسه ليوقع عقاباً صارماً: “يأتي ويهلك الكرامين ويعطي الكرم لآخرين” (9:12). إنها النهاية المحتومة التي ضمنها أشعيا النبي: “أي شيء يُصنع للكرم ولم أصنعه لكرمي؟ فما بالي انتظرت أن يثمر عنباً فأثمر حصرماً برياً؟ فالآن لأعُلمنكم ما أصنع بكرمي. أزيل سياجه فيصير مرعى وأهدم جداره فيصير مداساً وأجعله بوراً لا يُقضب ولا تُقلع أعشابه فيطلع فيه الحسك والشوك” (أش 4:5-6). العقاب، في رأي النبي، هو الإهمال أمّا المثل فيضيف شيئاً جديداً، ربما أضافه الإنجيلي أو الجماعة المسيحية الأولى: يعطي الكرم لآخرين. ويكشف هذا عن وضع ألم المسيحيين الأوائل كثيراً: لماذا انتقل الملكوت من بني إسرائيل إلى الأمم؟ أليس شعب إسرائيل هو صاحب المواعيد التي أقسم الرب أن يكون أميناً على تتميمها؟ والرد هو أن الله أمين ولكن أمانته لا يمكن أن تلغي العقاب العادل. لم يهمل الله شعبه ولكن الشعب هو الذي ترك إلهه. إعلان- دفاع- تحذير نحاول الآن أن نجمع أهم الملاحظات التي برزت من تحليل المثل. لا شك أن التعليم الرئيسي للمثل هو تعليم كريستولوجي: يريد المثل أن يكشف من هو يسوع. يسير المثل على نهج كتابات الأنبياء ولكنه يتخطاها. الأنبياء هم عبيد أما يسوع فهو الأمين؛ الأنبياء هم الإشارة ويسوع هو التحقيق. والتعليم الأساسي للمثل هو، بالإضافة لهوية يسوع، مصيره ذاته. ويمثل هذا الربط جدّة حدث يسوع. وفي ذات الوقت هو سبب صعوبة: إذا كان يسوع هو فعلاً ابن الله، فكيف يمكن أن يُصلب؟ ألا يُعتبر الفشل الذي لقيه علامة كذب إدعائه. يحاول المثل إعطاء ردود على هذه التساؤلات. وهو لا يكتفي بالإعلان ولكنه يتخطاه إلى التبرير. فهدف المثل دفاعي. يندرج مصير يسوع في سلسلة متواصلة من الأحداث: إنه مصير كل الأنبياء. إنه ليس بجديد كان يمكن أن يكون جديداً إذا كان عكس ذلك. يكتسب الصليب معناه من موقعه في أحداث الخلاص. فيسوع ليس غريباً على مصير الأبرار والأنبياء، ولكنه أعطى هذا المصير معنىً، بحياته وموته. في هذا الخط يجب البحث عن معنى الصليب ويصاحب هذا الخط جِدَّة غير متوقعة: لذلك لا يستطيع أن يفهم معنى الصليب، إلا من كان مستعداً أن يغيّر مفهومه عن معنى الاكتمال. لقد أشارت نهايات بعض الأمثال إلى هذه الحقيقة. لا يمكن أن نفهم الصليب بدون اهتداء وتوبة لاهوتية: ليس المسيا هو الذي يضع نهاية لتناقضات عديدة، كما يحلو للبعض أن يتصوره، ولكنه من يضع ذاته في قلب هذه التناقضات ومن هنا، من هنا فقط، يلقي الضوء على كل شيء. ويرد في المثل أيضاً موضوع العقاب. لذلك يتخذ المثل شكل التحذير. الله أمين وحبه صبور ولكن ليس بدون الحقيقة: عوقب الكرامون، وانتقل الكرم إلى آخرين. يعني العقاب أن الله يولي اعتباراً كبيراً لمسؤولية الإنسان. ولا يلغي الصبر الإلهي الحرية البشرية. ولكن هناك أيضاً لا تكون الكلمة الأخيرة للتهديد، بل للرجاء. “والحجر الذي رذله البناؤون قد صار رأس الزاوية. من عند الله كان ذلك وهو عجب في أعيننا ” (مز22:118-23). لا ينتمي هذا الاقتباس الكتابي إلى المثل بل إلى التعليق عليه. وقد يعود هذا التعليق إلى يسوع أو إلى الجماعة المسيحية. إنها إشارة واضحة إلى القيامة ، إلى أمانة الله: ليست الكلمة الأخيرة في تاريخ يسوع هي الرفض الذي تعرَّض له، ولكنها التدخل الإلهي لصالحه. إن تشبيه الحجر الذي رذله البناؤون واستعمله الله يكشف الفرق الشاسع بين تدبير الله وأفكار البشر: يختار الله ما يرفض البشر. ومن المدهش أن يتم هذا ليس بين الله والعالم، بل بين الله وشعبه

قمرانيات:

إيمان وتعليم جماعة قمران الأب/ د. كميل وليم أصل الجماعة وحياتها يعود أصل جماعة قمران إلى الأوساط الكهنوتية بأورشليم، التي كانت قد أخذت على عاتقها المحافظة الشديدة على أدق تفاصيل الشريعة. ويحتل الكهنة المكانة الأولى بين أفراد الجماعة حتى أن المسيح الذي كانت الجماعة تنتظره، هو مسيح كاهن إلى جوار المسيح الملك. ويرد كثيراً ذكر معلم العدل في التفاسير الكتابية. وهذا المعلم هو مؤسس الجماعة في نظرهم. ويجتمع حوله عدد من الكهنة واللاويين والمؤمنين الأتقياء المحافظين على الشريعة والذين يحاولون ضمان نقاء العبادة والمحافظة على التقويم الوحيد الصحيح في نظرهم. اتبع كهنة أورشليم تقويماً قمرياً بينما اتبعت جماعة قمران تقويماً شمسياً يتكون من 12 شهراً، يتكون كل منها من 30 يوماً، يضاف يوم بعد كل ثلاثة شهور. هكذا كان العام يبدأ دائماً بنفس اليوم: يوم الأربعاء، وهو يوم عيد رأس السنة، وكانت الأعياد تقع في ذات أيام الأسبوع كل سنة، ولا يقع أي عيد يوم سبت. ولكن الجماعة لم تتمكن من فرض هذا التقويم، الذي يساعد كثيراً على الحفاظ على قدسية يوم السبت. الكاهن الشرير وكان من الطبيعي أن تصطدم جماعة قمران مع رؤساء الكهنة الذين اتهمتهم بالإهمال في المحافظة على تنظيمات الشريعة. وقد أدى هذا التصادم مع رئيس الكهنة ، الذي أطلقوا عليه الكاهن الشرير، إلى طرد معلم العدل وجماعته من أورشليم وانسحابهم إلى الصحراء على ضفاف البحر الميت. وتتهم الجماعة الكاهن الشرير بأنه لا يحافظ على وصايا الله في ممارسة مهام وظيفته. “دعاه إلى هذه الوظيفة صوت الحق ولكنه “بعد أن حصل على حكم إسرائيل تكبر قلبه وترك الله وخالف دساتيره بسبب الغنى، ونهب وكنز أموال الأشرار الذين تمردوا على الله. أخذ غنى الشعوب مثقلاً نفسه بالذنوب وسلك طريق الأشرار القذرة. وظلم معلم العدل وعامله بعنف في مكان منفاه وفي أيام عيد الراحة، يوم التكفير، ظهر لكي يبتلع معلم العدل وأتباعه ولكي يقضي عليهم في يوم الصوم، يوم السبت يوم الراحة. ولكن الله عاقبه نتيجة ظلمه واضطهاده لمعلم العدل فأسلمه إلى أيدي أعدائه لكي يذلوه بضربات مميتة”. وتتفق هذه الإشارات إلى الكاهن الشرير مع الأحداث التي جرت أيام يوناثان المكابي، لقد خلف يوناثان أخاه يهوذا المكابي في قيادة الثورة وتزعم الحرب ضد سوريا فاغتصب لنفسه، وهو أول من فعل ذلك من الحشمنايين، كرامة الكاهن الأعظم حتى وإن لم يكن من نسل صادوق. ولم تكن ظروف حياته وحروبه تتفق ومتطلبات خدمة الكاهن الأعظم من استعداد وطهارة شرعية، ومات على أيدي أعدائه. معلم العدل أما شخص معلم العدل فإنه يظل مجهولاً ولا يرد ذكره في أي مكان آخر. إنه هو الذي قاد الجماعة إلى الصحراء مستوحياً هذا الاتجاه من أش 40:3 “في البرية أعدوا طريق الرب…” ويرد هذا النص في قانون الجماعة وبعده هذا التعليق: “إنها دراسة الشريعة التي أعلنها على يد موسى لكي يتم كل شيء قد أعلن عبر الأزمنة، كما أعلن الأنبياء وبواسطة الروح”. تعرف الجماعة أنها مدعوة لإعداد طريق الرب بدراسة الشريعة وطاعتها بأمانة، وتعرف أنها قادرة، بفضل روح الله، على فهم كلام الأنبياء، وبفضله، على تمييز الأزمنة. وكانت الجماعة الكهنوتية في قمران والمحرومة من الخدمة الطقسية في الهيكل، تنتظر الخلاص الآتي، والذي سينقي العبادة ويعيدها إلى بهائها الأول. إن ابتعاد الجماعة عن الهيكل لا يعني رفضها للعبادة الطقسية في حد ذاتها، بل كان رفضاً للطريقة التي تتم بها العبادة في هيكل أورشليم آنذاك. ظلت الجماعة دائماً على أهبة الاستعداد، تحت قيادة الكهنة، للصراع في الأيام الأخيرة لاستعادة شرعية العبادة. لذلك حافظت الجماعة كلها على الطهارة الشرعية المفروضة على الكهنة، وابتعدت عن كل نوع من النجاسة الشرعية عن طريق الغسولات الشرعية يومياً. ولم يكن الاغتسال وحده يكفي للحصول على الطهارة الشرعية، إنما يجب أن تصاحبه التوبة وطاعة الشريعة. “إنهم أولئك الذين تنجسوا لا يتطهرون إلا بالابتعاد عن الشر، لأن عدم الطهارة قائمة في كل المخالفين لكلمته (الله)”. لذلك تقوم التوبة في “الابتعاد عن عالم الشر والكذب، والاتجاه إلى الله، والبحث عنه بكل القلب والنفس، وعمل ما هو مستقيم أمامه، كما أمر بواسطة موسى وكل عبيده الأنبياء، وفي حب ما اختاره هو، وكره كل ما يرفضه، للابتعاد عن كل شر، والاتجاه لكل عمل صالح وممارسة البر والعدل والحق على الأرض”. نظام الجماعة والعقوبات وخضعت الجماعة لنظام دقيق لكي تستطيع محاربة أبناء الظلام. فعلى رأسها كان أبناء صادوق، الكهنة، يليهم اللاويون، ثم بقية المؤمنين، أبناء العهد وأخيراً المبتدئون. كان على المبتدئين المرور بفترة اختبار، لا يحق لهم أثناءها المشاركة في الوجبات الجماعية. وبعد مرور سنتي الاختبار يخضع المبتدئ لامتحان “بحسب رأي الكثيرين” (الجمعية العمومية)، فإذا كان الحكم في صالحه “يدخل ضمن الجماعة، ويُكتب اسمه في درجته بين اخوته في الشريعة والعدل والطهارة والشركة في الممتلكات”. وكان عليه أن يتلو قسماً محنثاً “أن يلتزم بشريعة موسى كما أمر الله بذلك بكل قلبه وكل نفسه على أساس كل ما كشف لأبناء صادوق، الكهنة الذين يحافظون على العهد ويبحثون عن إرادة الله، الذين أعلنوا استعدادهم لقبول حقيقته والسير بما يرضيه”. وعندئذ كان المرشح يضم كل ممتلكاته إلى ممتلكات الجماعة والتي كان يديرها مدبّر تُعيّنه الجماعة، وكان يمكنه ممارسة “طهارة العديدين”، أي الغسولات العامة للجماعة. كانت الطهارة الكهنوتية هي العامل المسيطر على حياة أعضاء الجماعة، كان عليهم أن يظلوا دوماً مستعدين متخليين عن الزواج “لكي لا يتنجسوا مع امرأة”. وكانت الجماعة الكهنوتية تجتمع للوجبات والعبادة ودراسة الكتب المقدسة: “يأكلون ويتلون البركات ويتشاورون جماعة. وفي كل مكان يوجد فيه عشرة رجال من مجلس الجماعة يجب أن يوجد فيه كاهن: يجلسون أمامه كلٌ حسب درجته ويستشيرونه في كل شيء. وعندما يمدون المائدة للأكل ويعدون النبيذ للشرب ليكن الكاهن أول من يمد يده بالبركة على بواكير الخبز والخمر. لا يجب أن يغيب عن مكان به عشرة أفراد من يبحث في الشريعة ليل نهار”. كانت الجماعة تخضع لنظام صارم. كان كل عضو منتمياً إلى درجة معينة وكان يعيش بموجب هذه الدرجة. وكل من يخالف نظام الجماعة ينال عقاباً مناسباً لمخالفته: “إذا أعطى أحدهم معلومات كاذبة عن ممتلكاته، يفصل من طهارة الجماعة لمدة سنة، ويعاقب بحرمانه من ربع حصته في الطعام”. حتى المخالفات الصغيرة كان لها عقابها الصارم: “من يتلفظ بكلمة زائدة، يُحرم 3شهور ومن يقاطع حديث غيره 10 أيام، من ينام أثناء الاجتماع 30 يوماً ومن يقهقه يعاقب بـ30 يوماً. أقسى ما في العقاب هو العزل عن الجماعة: فلا يتناول معها الطعام ولا يمكنه الحصول على طعام من الخارج، لأن الخارج على صلة بعالم الكذب، وبالتالي يتنجس فكان عليه أن يبحث في الصحراء عما يقيه شر الموت جوعاً إلى أن تضمه الجماعة ثانية إلى حضنها

قانون كنسي:

الزواج في القانون الشرقي الجديد (25) مانع العفة العلني الأب د. أيوب زكي تعريف المانع يُعرف هذا المانع، لدى العامة من الناس، بمانع الرهبنة، ولكننا أثرنا استعمال التسمية التي قُننت في القانون الجديد ، ألا وهي : “نذر العفة العلني الدائم” وينتج هذا المانع عن ارتباط سابق واختياري للانخراط في سلك الرهبنة. لقد درج المسيحيون منذ فجر المسيحية، رجالاً ونساء، على ممارسة المشورات الإنجيلية وذلك بالمحافظة على العفة. وفي الجيل الرابع ، كان زواج المقيدين بنذر رسمي زواجاً غير جائز تترتب عليه عقوبات كالحرم، ولم يعتبر هذا الزواج باطلاً. وفي الجيل الثاني عشر، وقبل انعقاد مجمع لاتران الأول سنة 1123 اعتبر زواج الرهبان والراهبات باطلاً في الكنيستين الشرقية والغربية. المانع في القانون الجديد يقول منطوق القانون 805 : ” غير صحيحة محاولة الزواج من قِبَل من أدّى نذر العفة العلني الدائم في مؤسسة رهبانية”. إن المقصود هنا بالنذر العلني هو الذي يقبله الرئيس المختص باسم الكنيسة، وهذا ما قرره القانون 889 البند4 : ” النذر هو علني إذا ما قبله باسم الكنيسة الرئيس الكنسي الشرعي ؛ وإلا فهو خاص” . كما أنه لا يدخل في نطاق هذا المانع أولئك المؤمنون الذين يلفظون نذورهم في المؤسسات العلمانية (ق563)، ولا جمعيات الحياة المشتركة وهي التي يعتنق أعضاؤها المشورات الإنجيلية بنوع من الارتباط والتكريس لكن لا بالنذور الرهبانية (ق554). يتحقق وجود هذا المانع الزواجي، عندما يكون النذر الرهباني صحيحاً، كما جاء في القانون 527-: “النذر الرهباني المؤقت بلزم لصحته: (1) أن يكون الابتداء قد تم على وجه صحيح؛ (2) أن يقبل الرئيس المختص الشخص المبتدئ للنذر، وفقاً للائحة الداخلية وبرضى مجلسه، ويتلقى الرئيس ذاته أو غيره النذر الرهباني؛ (3) أن يكون النذر الرهباني صريحاً ولا يُؤدى أو يُقبل بإكراه أو خوف شديد أو خدعة؛ (4) أن تتم سائر الزمور التي تقتضيها اللائحة الداخلية لصحة النذر الرهباني”. أما بالنسبة للراهب الذي أدى النذور المؤقتة، ففي حالة زواجه يُعتبر زواجه غير جائز وليس باطلاً، كما يقول منطوق القانون 529 البند1: “يجعل النذر الرهباني المؤقت الأفعال المضادة للنذور غير جائزة لكن لا غير صحيحة”. التفسيح في هذا المانع ويُعتبر مانع العفة العلني الدائم من الموانع التي قررتها الكنيسة ، لذلك يمكن التفسيح فيه من الكرسي الرسولي أو الرئيس الكنسي المحلي ما لم يتعلق الأمر بجمعيات ذات حق إيبارشي . أما في الكنائس البطريركية، فيقرر القانون 795 البند 2 : ” بوسع البطريرك أن يفسح في موانع قتل الزوج ونذر العفة العلني الدائم المؤدّى في جمعيات رهبانية أيّاً كان وضعها القانوني “. عقوبات كنسية توقع على الراهب الذي يعقد زواجاً دون الحصول على التفسيح في مانع العفة العلني الدائم، عقوبات كنسية، كما جاء في منطوق القانون 1453 البند3 : ” الراهب الذي نذر العفة العلني الدائم ، وليس مقاماً في درجة مقدسة ، إذا اقترف هذه الجرائم ( أي التسري والزواج الممنوع)، يعاقب عقوبة مناسبة”. علاوة على ذلك يعاقب الراهب بالفصل عن الرهبنة كما قرر القانون 497 البند1: “يعتبر بحكم القانون مفصولاً عن دير المتوحدين الراهب الذي: (2) احتفل بالزواج أو حاول (الزواج) ولو مدنياً فقط”. ويسري ما تقرر عن فصل الراهب- العضو في دير المتوحدين والذي احتفل بزواجه- على أعضاء المنظمات أو الجمعيات الرهبانية أيضاً (راجع القانون 551). تهاني بالسيامات في كنيسة ملكة السلام بالفكرية نال الشماس/ ثروت فرج الدرجة الكهنوتية باسم الأب/ أندراوس فرج عن يد الأنبا/ كيرلس وليم بالنيابة عن الأنبا أنطونيوس نجيب وذلك يوم الجمعة الموافق 27/11/1998 . وأسرة الإكليريكية توجّه إليه وإلى جميع أفراد الأسرة والإيبارشية بأطيب الأماني

تأملات

ينابيع) للأب أنطوني دي ميللو، تأملات الأب د. إبراهيم إسحق نواصل عرض ترجمة لبعض التأملات من كتاب وهي مختارات مأخوذة من الفصلين الثاني والرابع. التأمل الأول بعنوان “العودة إلى الوعي”، والثاني بعنوان “مجيء الرب” وهي تأملات مركزة كلها حول العلاقة بشخص يسوع المسيح، ونشرنا البعض منها في الأعداد السابقة وسوف نواصل نشر البعض الآخر. العودة إلى الوعي أتخيل أن شللاً أصابني من الكتف إلى أسفل القدمين… أتصور ما يحيط بي… وأختبر أفكاري وأحاسيسي… أراقب التغييرات التي حدثت نتيجة الشلل: على عملي ووظيفتي… علاقاتي… صورتي عن نفسي… حياتي الروحية، وعلاقتي بالرب… ومفاهيمي عن الحياة… أراقب ردّ فعلي، مثلاً على الأخبار، حوادث اليوم… مواقفي وتقديري للعمل… للوقت… للتحقيقات… الحب… النمو… الحياة… التقدم… الموت… أتأمل في أحداث يوم عادي منذ لحظة استيقاظي صباحاً حتى ذهابي إلى النوم: أول أفكاري عندما أصحو… وجبات طعامي… طريقة ارتدائي للثياب… عملي… علاجي… التسلية… الصلاة… وفي الليل أكرّس بضع دقائق للشكر: أعبر عن عرفاني بعطية الكلمة: فأنا أستطيع التعبير عن احتياجاتي أستطيع الدخول في علاقة مع الآخرين… أستطيع حتى مساعدتهم… بعطية السمع: أستطيع أن أسمع صوت الموسيقى ونشيد الطيور وأصوات الناس… بعطية النظر: أستطيع أن أنظر إلى الورود… إلى الشجر… إلى النجوم ليلاً… إلى وجه أصدقائي… أنا عارف بالجميل لنعمة الذوق… الشمّ… اللمس… الفكر… الذاكرة… الأحاسيس… والآن حانت اللحظة أن أكون عارفاً بالجميل للشلل ذاته: أراقب البركات التي حملها إليّ… لكي أنجح في أن أراه كنعمة… لو استطعت أن أحقق ذلك لتذوقت لحظة من التصوف الصافي، أي قبول كل ما هو كائن الآن أفكر في شيء من حياتي من الشلل أقاومه عيب في جسدي… مرض ما… حالة لا مفرّ منها… ظروف أعيشها… حدث من الماضي… شخص ما… وخطوة بعد الأخرى، أفعل نفس الشيء الذي فعلته مع “شللي” بشكل أنني، دون أن أطفئ رغبتي وقواي لأتحرر بقدر الإمكان، أصب إلى العرفان تجاه الأمور السابق ذكرها… تجاه كل الأشياء معاً… وكل شيء على حدة… مجيء الرب تحركت أحداث التاريخ بسبب مجيئي إلى هذا العالم، مثلما تحركت لمجيء المخلص. كان للأزمنة أن تنضج… وللمكان أن يكون ملائماً… والظروف مهيأة… قبل أن أولد… اختار الله والدين لابنه وحباهما الشخصية المناسبة للطفل الذي سيولد أتحدث مع الله، إله الرجل والمرأة اللذين اختارهما ليكونا أمي وأبي… فأفهم لماذا أرادهما الله على تلك الطينة البشرية التي كانا عليها، كي أصير أنا، ما كان ينوي الله أن أكون عليه. يأتي يسوع الطفل، ككل طفل آخر، ليحمل رسالة إلى العالم ما هي الرسالة التي أتيت لأحملها؟ أطلب نور الرب لكي أعبّر عن ذلك في كلمة… أو في صورة… يأتي المسيح إلى العالم ليقطع مسيرة ويتمم خطة معينة وقد أتمّ واعياً ومدركاً، ما جاء من أجله عندما أنظر إلى ماضي حياتي أرى بدهشة كيف تحققت إرادة الله في أحداث حياتي حتى الآن! وعن كل حدث، مهما كان صغيراً، أقول “شكراً” لكي أقدسه بعرفاني بالجميل أتطلع إلى المستقبل، بكل رجاء وتسليم أتطلع إلى ما سيأتي أيضاً ومثل المسيح أقول “نعم، لتكن مشيئتك…” في النهاية أستدعي النشيد الذي تغنت به الملائكة لقد أعلنوا السلام والفرح اللذين يمجدان الله هل سمعت أنا ذلك النشيد الذي تغنت به الملائكة عندما وُلدت؟ أنظر بفرح إلى كل ما أتمّه الله من خلالي، ليصيّر العالم مكاناً أفضل… وأنضم إلى الملائكة في نشيدهم للاحتفال بميلادي

تراث عقائدي

خبر المجمع الثامن 2 ولمّا كان في سنة ألف وأربعمائة وسبعة وثلاثين لتجسّد المسيح، أرسل الملك يوحنّا (المقدّم ذكره) رسالة إلى البابا إفجانيوس مضمونها تشتمل على المحبّة والاتّفاق ، وأن تصير كنيسة الشرق وكنيسة الغرب شيئاً واحداً في الأمانة، وأن يستعينوا ببعضهم بعض، ويخلّصوا المسيحيين من العبوديّة. فقبل البابا قول الملك بغاية الفرح والسرور . ثم أرسل للملك نفقة للطريق ومراكب للسفر، لأنّه كان في شوق عظيم لهذا الأمر. 3 ثمّ أرسل الملك لرؤساء كهنة الشرق والغرب مع العلماء والفلاسفة للحضور إلى عنده، إلى مدينة القسطنطينيّة، فحضروا إلى عنده، وهم: مطران درابزون، الفيلسوف الكبير، نسيب ملك درابزون، بيساريون مطران نيقية، ومطران الروس الممتلئ فلسفة وحكمة، وجرجس السخولاريون، وغيرهم كثيرون1 من رؤساء الكهنة والكهنة، مع يواصف بطريرك القسطنطينيّة. وكان الملك قد استحضر الستّ مريم ابنة رئيس الأجناد من مدينة درابزون، وكانت فائقة في الحسن والحكمة على سائر النساء في عصرها، فتزوجها، ×وجعلها ملكة وأحبّها كثيراً. 4 ثمّ اجتمع1 كلّ رؤساء الكهنة في القسطنطينية، وعملوا كلّهم قدّاساً2 في كنيسة أجيا صوفيّا. وكان عددهم ثلثمائة من رؤساء الكهنة والاكليروس3، وشرطنوا في ذلك اليوم مرقس النبيل نسيب الملك مطراناً4 على أفسس، وصيّروه اكسرخس هذا المجمع المزمع أن يصير. وأخذوا معهم هذا ديمتريوس الردئ العزم أخا5 الملك، لئلا يعمل في غيابهم أمراً رديئاً6 لعادته سابقاً. {السفر إلى رومة} 5 ثمّ دخلت المراكب إلى ميناء القسطنطينية ، ونزل بها الملك ، والبطريرك، ورؤساء الكهنة، والاكليروس وساروا في البحر وكان ذلك في أوان الشتاء. فثارت عليهم رياح عاصفة، وبمعونة الله وصلوا إلى بارنطروا، التي هي مقابل البندقية مسيرة مائة ميل . وإنّ مركب الملك سبق باقي المراكب، ووصل إلى البندقية خارج كنيسة مار نيقولاوس، نهار الاثنين عاشر شهر اشباط [فبراير]، وصلت مراكب البطريرك ورؤساء الكهنة يوم الأربعاء. {استقبال أهل البندقية} 6 فلمّا سمع1 أهل المدينة، أعني البندقية، بوصول الملك إلى عند الكنيسة المذكورة، خرج رهط2 لا يحصى3 لاستقبال الملك والسجود له، في مراكب كبار وصغار، حتّى غطُّو اللجّة من كثرتهم. ثمّ إنّ الدوكا وأكابر الدولة أرسلوا ليتضرعوا إلى الملك أن يمكث هناك إلى الغد، حتّى يخرج الدوكا وحاشيته لاستقباله، كما يليق وللسجود له، وهكذا صار. وبعد ساعة خرج الدوكا مع حاشيته إلى حيث كان الملك وسجدوا له، وهم مكشوفي4 الرأس5، ثمّ وقفوا في مكان واطيء على يمين كرسي الملك. وبعد ذلك جلس الملك وأخوه6 ديمتريوس. فأمر الملك أن يجلس الدوكا عن شماله. وتفاوضا بمحبّة وسلام وطمأنينة وأمثال ذلك. ولما أزمع الدوكا أن ينصرف، سجد للملك، وقال: “غداً سحراً7 نآتي إلى مُلْكَك، ونعمل ما يليق من الإكرام لسلطانك، ونستقبلك بإكرام جزيل”. وهكذا رجع الدوكا مع حاشيته، وكان الدوكا وقتئذٍ توما الموتزونيغوس. 7 ولمّا كان الغد خرج الدوكا مع حواشيه إلى استقبال الملك، مُوَشّحين سائر المراكب الصغار والكبار والمراكبية بأفضل زينة. وزيَّنوا المدينة بآسرها مع سائر أهلها بأجمل ما يكون من الاشياء الثمينة ، وأظهروا قدَّام الملك أشرف ما عندهم من عجائب الدنيا ومحاسنها التي ليس لها نظير في الدنيا كلّها صنائع وحِكَم، وأُمور تفوق على الوصف. وبمثل هذا الإكرام الجليل ادخلوا الملك إلى المدينة. وثاني يوم ذهب الدوكا مع كلّ حاشيته إلى عند الملك وجلسوا. وإذ علموا من الملك بأنّه قد حضر لأجل 225 المحبّة والاتّحاد بين المسيحيين فرحوا فرحاً ×عظيماً. وتضرعوا إلى الملك بأن يعمل المجمع في البندقية، وكلّ المصروف والخرج والمعونة تكون منهم. فلم يرض الملك بذلك، لكن قال بأنّه لابد عن ذهوبه إلى عند البابا لأمله بأنّه ينال منه جوائز عظيمة ومعونة قويّة. وإنّ الدوكا وحاشيته أغتموا لاجل أن الملك لم يؤثر أن يعمل المجمع عندهم، ثمّ تصرّعوا إليهم أن يعملوا عندهم قداس. 8 وإن البطريرك عمل قدّاساً مع الاكليروس ورؤساء الكهنة والشمامسة في يوم الأحد، في السادس عشر من اشباط [فبراير]. وكان حاضراً في هذا القدّاس الملك والدوكا والاراخنة وسائر الشعب من الكهنة والعمانيين2. ومن يقدر أن يصف أو ينعت حسن ذلك الترتيب والمجد والبهجة والزينة، التي صارت في هذا القدّاس الشريف. وذلك إنّهم وشوا الكراسي بالاثواب المذَهبة وكذلك الهيكل والكنيسة ذيَّنوهما3 بأشياء تفوق العقل والوصف. فجلس البطريرك على كرسي ثمين وسط الكنيسة. وأتى4 إليه رؤساء الكهنة اثنين اثنين ساجدين له، ليأخذوا منه كارون، ويلبسوا بدلاتهم، وبعدهم رؤساء الديورة بترتيبهم مع الاكليروس5 والشمامسة . وبعد ذلك ابتدأ البطريرك يلبس البدلة الجزيلة القيمة، وخرج6 سائر رؤساء الكهنة من الهيكل لابسين بدلاتهم مع الرؤساء والاكليروس، ووقفوا عن يمينه وشماله بترتيبهم. وابتدأ المصلون7 يرتلون8 بنغمة ملائكية. فمن هو كفؤاً9 أن يصف غزارة الدموع التي سكبوها والعبرات التي اهملها الناس ، وخرجوا من القدّاس في الساعة التاسعة من النهار. وأخذهم الدوكا إلى بلاطه لأنّه كان أعدّ لهم مائدة ملوكية. وأتوا وأكلوا شربوا وسرّوا. وبعد المائدة ذهب كل واحد إلى بيته وأقام الملك والبطريرك في البندقية عشرين يوماً10. وخرج الملك مع رفقته من البندقية في آخر اشباط. [فبراير] وأقام البطريرك في البندقية {البابا يستقبل موكب الملك} 9 والملك مضى إلى كاستولي، حيث تخرج هناك المراكب الصاعدة من البندقية، ليذهب من هناك إلى البرّ في مدينة فاران. وحضر هناك إلى عنده خمسون1 رجلاً ركّاب خيل، وسجدوا له مع لاغاطس البابا، الذي كان قد مضى من رومية بمركب ليحضر الملك من هناك، لكي ينظر عزم الملك، في أمر المجمع. وعند السحر أحضروا للملك مائة وخمسين فرساً فركب الملك مع رفقته ، واتوا إلى مدينة فارّارا بدالّةٍ وإكرام2 عظيم. وكان البابا قد خرج لاستقباله مع سائر حاشيته وخرج لاستقبال الملك أيضاً كثيرون3 من مطارنة البابا وأساقفة ، وحاكم المدينة ، وكهنة الملك ، 226 ×ومعلم اعترافه أول السناقلة بابا غريغوريوس وغيرهم نحو مائتي رجل بالطبول والزمور. وأحضروه إلى مدينة فارّارا وكلّ شعب المدينة استقبلوه بمجد عظيم وصنوف البهجة والزينة، وكان البابا وحاشيته: المطارنة والاساقفة والاكليروس مع كثير من الرؤساء والولاة والامراء راكبين قدّام الملك مع ديميريوس أخي4 الملك. دخلوا من الباب الكبير، الذي هو وسط بلاط البابا. وإنّ البابا لمّا عَرِف بقدوم الملك قام من كرسيه لاستقباله. فلمّا نزل الملك عن فرسه، وصعد إلى البلاط وجد البابا واقفاً. فأراد أن يسجد له ، فلم يتركه البابا ، بل احتضنه وأعطاه يده فقبّلها ثمّ جلس البابا، وجلس الملك عن يساره، والكردينالية جلسوا عند قدميهما، وقبّلوا بعضهم بعضاً تقبيلاً بالمسيح . وأمّا البابا فتكلم مع الملك بالسرُّ والسلامة. ثمّ قاموا، ولبث البابا في بلاطه، وخرج الملك راكباً ويتبعه5 حاشيته بالآت الطرب والبوقات، وذهب إلى البلاط، وكانوا يخدمونه كما يليق به. {استقبال موكب البطريرك} 10 وأما البطريرك فإنه خرج من البندقية مع رئيسي1 الكهنة واللابسين الصلبان وكافة الاكليروس ، وساروا في المركب ، وأتوا إلى فارّارا. وقبل وصولهم استقبلهم جماعة البابا بمركب عجيب جداً متوشح بصنوف الصنائع . وان البطريرك أرسل من البندقية اثنين من رؤساء الكهنة يتقدَّمونه في المسير إلى البابا ويسجدون له من قَبلَه وهما : مطران ايراكلية ومطران مونوفانيه . ثمّ إن البابا أرسل من الكردنالية خمسة وعشرين أسقفاً مع حاكم المدينة، ورؤسائها لاستقبال البطريرك، ومعهم خيل وبغال. فلمّا خرج البطريرك من المركب ركب هو وكلّ رؤساء كهنته والذين معه، ودخل بإكرام عظيم. وحضر البابا ومعه اثنين من الكردنالية لاستقبال البطريرك . فلمّا دنا البطريرك إلى البلاط نزل ماشياً مع جماعته حتى طلع إلى عند البابا فوجدوه واقفاً، فعانق أحدهما الآخر وقبلا بعضهما بعضاً2. ثم جلسا وكذلك رؤساء الكهنة سجدوا للبابا. وبعد ذلك خرج البطريرك وجماعته وذهبوا إلى البلاط الذي أعدّه لهم البابا. ويوم الأحد سحراً اجتمع3 كلّ رؤساء الكهنة والاكليروس الى بلاط البطريرك، ورسم البطريرك بأن يقدّس الكهنة والشمامسة في بلاطه، فقدّسوا، وكانوا نحو خمسة عشر من كهنة وشمامسة. ووقف4 رؤساء الكهنة في ترتيبهم وكذلك اللابسون الصلبان والمصليون وحاكم المدينة ورؤساؤها وشعب لا يحصى5 كانوا وقوفاً بكل ورعٍ. وبعد كمال القدّاس فرّق البطريرك الانديرارا ثمّ حلّوا الصلاة، وذهب كل واحد منهم إلى مكانه. {مكان المجمع وتاريخه} 227 11 وبعد أيام قليلة ، طلب الملك من × البابا بأن يصلح مجمعاً1 مسكونياً2 بحضور سائر الأساقفة وليس هؤلاء فقط ، بل ويحضر فيه جميع الأمراء والدوكات والرؤساء، ومن تعذّر مجيئه منهم يبعث عنه وكيلاً، فالتمس البابا من الملك مهلة أربعة أشهر، إلى أن يرسل يجمعهم. ثم بعث يستحضرهم، وعند عبور الاجل المرسوم ولم يحضروا، اتّفق رأي الملك والبابا أن يرسل يُعلم البلاد بخصوص المجمع المزمع أن يصير؛ وإنّه مجمع مسكوني، وأن يحضروا قبل ختمه وتمامه. 12 وهكذا أرسل البابا وأنذر بأن يكون المجمع في فارارا . وكان ذلك في تسعة من نيسان [أبريل] يوم الاربعاء العظيم، واتفقوا بأن تكون المحاورة بينهم لمجد الله. {تحديد مكان الجلوس} 13 وصارت المجادلة فيما بينهم قبل جلوسهم في المجمع من أجل ترتيب الكراسي التي للملك، والبابا، والبطريرك، ورؤساء كهنة المشرق والمغرب وكيف يكون جلوسهم في المجمع. فطلب البابا أن يجلس في جانب الكنيسة الواحد هو وأتباعه. وأن يجلس الملك والبطريرك وسائر تبّاعهم في الجانب الآخر. ويكون وقوف البابا مائلاً إلى الوسط فيما بين الجانبين بما إنّه الرأس. فقال الملك: “إنّ للملك يجب الوقوف في الوسط وليس للبابا”. وصار بينهم لاجل هذا جدال كثير. وبعده استحضروا كتاب المجامع ليعرفوا منه كيف يكون جلوس الملك والبابا والبطريرك وتبّاعهم. فقرأوا واتّفقوا أن يقف البابا وأتباعه من جانب الهيكل الشمالي، والملك والبطريرك وتبّاعهم من جانب الهيكل اليمين. وعملوا بحسب هذا الاتفاق. ووضعوا كرسي البابا من ناحية الشمال، تحت المائدة أربع باعات. ووضعوا كرسي قيصر ملك الامانيه أوطئ من كرسي البابا بباع واحد. ولم يكن الملك المذكور حاضراً2 بل كرسيه فقط، ودونه كراسي الكردنالية، ودونهم المطارنة والاساقفة على ترتيبهم، وعددهم مائة وخمسين. وأمّا الكهنة والشمامسة وما يتبعهم مع الرؤساء وأكابر بلاد الافرنج، فكانوا لا يحصون لكثرتهم. ومثل ذلك عملوا في الجانب الايمن أعدّوا كرسي الملك متوشح بثوب مذّهب أحمر، وتحته كرسي البطريرك، وكلاء البطاركة الثلاثة. وغيرهم من رؤساء الكهنة واكليروس3. وعلى هذا الرسم اتّفقوا أن يكون الجلوس هكذا، وتحالفوا على ذلك لتوكيد الرأي. وكان ذلك في يوم الاربعاء(4) العظيم كما قلنا. ثم اجتمعوا في كنيسة القديس الشاهد الكبير جوارجيوس

روحيات

مسيرة رهبانية في كنيستنا القبطية الكاثوليكية مع نهاية الثمـانينات ومطلع التسعينات، بدأت جماعة من شباب الكهنة وبعض من الشمامسة الإكليريكيين ، مسيرة نحو إكتشاف دعوة الرب لهم في طريق الرهبنة والحياة التعبّدية . وإسهاماً من الإكليريكية في توجيه أنظار القرّاء صوب هذه المسيرة الوليدة التي نضعها بين يدي الله والعذراء. تمثل الحياة الرهبانية ركيزة أساسية ، ودعامة لا غنى عنها في حياة الكنيسة. وبلادنا المصرية هي مهد الحياة الرهبانية، فعلى أرضها نبتت بذورها، ومنها امتدت شرقاً وغرباً، في ربوع الكون ومع ذلك فقد ظلت كنيستنا القبطية الكاثوليكية- وحتى يومنا هذا- تفتقر إلى وجود رهبنة (رجال) ويعوزها هذا السند الضروري لمسيرتها ونموها. خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، ظهرت في كنيستنا عدة محاولات لإقامة مؤسسة للحياة الرهبانية ( رجال ) ، ولكن ولأسباب مختلفة لم تستمر هذه المحاولات، ويبدو أن ملء الزمان لتحقيق هذا الحلم لم يأتِ بعد. ومع نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات، بدأت جماعة من شباب الكهنة وبعض من الشمامسة الإكليريكيين، مسيرة نحو إكتشاف دعوة الرب لهم في هذا الطريق. وقد إلتقينا مع أحد أفراد هذه الجماعة، وهو يعيش الآن بمفرده على حدود صحراء كنج مريوط المتاخمة لبرج العرب. * أشعر في أعماقي أن الله يدعوني لحياة رهبانية تعبدية على خطى آباء البرية، حياة شركة باخومية، يكون فيها البعد التعبدي هو الأساسي والأول. * لم تأتِ هذه الدعوة بالنسبة لي ، وليدة لحظة ، أو صدفة . . . ولكنها ثمرة مسيرة لبذرة نبتت في أرض صالحة… فنحن نجني ثمار تقوى الوالدين والأجداد، والدعوة الرهبانية- في حياتي- هي الأساس، وقد بدأت معي في عام 1982، وأعتقد لو كانت هناك رهبنة قبطية كاثوليكية، لكنت قد إتجهت إليها مباشرة. ولكن، ولأني لا أجد نفسي ودعوني خارج كنيستي القبطية الكاثوليكية التي رضعت حبها منذ طفولتي وأغار عليها غيرة الحبيب على محبوبته، لم يكن أمامي سوى الإكليريكية لتحقيق دعوتي… ولذلك بمجرد دخولي الإكليريكية في سبتمبر 1988، بدأت مع جماعة من الزملاء في فبراير 1989، بدأنا مسيرة لاكتشاف دعوة الله لنا في هذا الإتجاه. * بدأنا جماعة من الشمامسة والكهنة : إلتقينا بجماعة سابقة كانت أيضاً في مسيرة في نفس الإتجاه، وفي وقت من الأوقات وصل العدد لأكثر من عشرة أفراد.كنا في مسيرة لاكتشاف ماذا يطلب الله منّا وأين ينتظرنا. وبعد فترة من المسيرة الجماعية إكتشف البعض أن دعوتهم في الكهنوت الإيبارشي، والبعض دعوته في رهبانية رسولية وسط العالم. أمّا بالنسبة إلى فقد تأصل في داخلي الاتجاه التعبدي وحياة الصحراء. والآن ومع السنة الثالثة لوجودي في صحراء كنج مريوط ترسخ في داخلي هذا البعد، وتجذرت هذه الدعوة في أعماقي. وهذه دعوة لا أستحقها وهي نعمة مجانية من الذي دعاني. * هناك آمال عريضة وأحلام للمستقبل نضعها بين يدي الله ، مع رجاء أن يصير هذا الدير يوماً ما مركز شعاع للطائفة كلها… لكن هذا مرهون بوجود دعوات صادقة. * لست وحدي… فالثالوث كله معي، وشفيعة الدير العذراء تحرسني وكذلك القديس يوسف والقديسة تريزا الطفل يسوع، وهذه المسيرة تحملها صلوات العشرات بل المئات من الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين داخل مصر وخارجها، وتساندها السلطة الكنسية ممثلة في السينودس المقدس وعلى رأسه غبطة أبينا البطريرك… والرب يعمل معجزات في هذا المكان ولكن بالتأكيد، وجود جماعة أمر ضروري، والحاجة شديدة لوجود دعوات… حالياً يوجد معي شاب علماني يساعد في العمل والشغل لكنه ليس دعوة. * الباب مفتوح الآن أمام أي شاب يشعر أن الله يدعوه لحياة رهبانية، ليختبر على أرض الواقع هذه الدعوة ولا خوف من إحتمالات دخول دعوات غير صادقة فالصحراء كفيلة بأن تكشف صدق الدعوة، وليس في حياتنا أي بريق يجذب إنساناً ى توجد الدعوة فيه أصلاً. فمن السهل الدخول في مؤسسات قائمة وراسخة تكفل للشاب كل الضمانات ولكن في مسيرتنا هذه لا ضمانات مادية ولا بشرية ولا مؤسسة،… * لا شروط للانضمام للمسيرة سوى صدق الدعوة، وعلى من يشعر بالدعوة التوجه إلى الدير لمعايشة الحياة على الواقع لفترات، بعدها إذا ما قرر الإنضمام يعيش لمدة سنة تحت الاختبار، يبدأ بعدها مسيرة تكوين روحي ورهباني وفلسفي ولاهوتي يتخللها إبراز النذور الأولى وتنتهي بالنذور الدائمة. ويحق لمن أنهي كل دراساته الفلسفية واللاهوتية أن يصير كاهناً وإذا شاء يمكنه أن يظل أخاً… وفي حالة وجود دعوة صادقة ذات إمكانيات دراسية محدودة، لا تستطيع إتمام الدراسات المطلوبة يمكن للشخص حينئذ أن يحقق دعوته الرهبانية بأن يعيش كأخ داخل الجماعة له كافة الحقوق وعليه كافة الواجبات مع إدراك أن هناك رسالة وخدمات معينة تستلزم إتمام كل الدراسات. * أعتقد أن خطوة مثل هذه، تتطلب شجاعة وتعتمد كليةً على الثقة بالله، فكأن المدعو يقتلع جذوره ليغرسها في الهواء (في اللامنظور)، والضمان الوحيد والأكيد هو تأكيد الرب “أنا أكون معك”. والمؤسس الوحيد هو الروح القدس، ونحن وسائل يستخدمها، وما على الإنسان إلا أن يكون أداة طيّعة في يدي الله… . * يقع الدير في قرية السلام على الحدود الغربية لكنج مريوط… المدخل عند الكيلو 31 طريق الإسكندرية القاهرة الصحراوي ولمسافة 9كيلو متر على طريق برج العرب ودير مارمينا ثم 2 كيلو متر مدخل عمودي للأسف لا يوجد عنوان ولا تليفون ولكن المراسلات والاتصالات تتم عن طريق: دير العائلة المقدسة 28 شارع سيدي الوسطي- أبو الدرداء- الإسكندرية، ت: 4937549/03 ولأنه من الصعب على من يزور الدير للمرة الأولى أن يصل بمفرده لذلك يتطوع أحد من طرفنا بانتظاره في دير العائلة المقدسة ثم يرافقه للدير. * خلال العامين الماضيين استقبل الدير عدداً كبيراً من كهنة وشمامسة ورهبان وراهبات وعلمانيين أفراداً أو جماعات لعمل خلوات ورياضات روحية صامتة على النمط الإغناطي… ولكن ولقلة عدد الحجرات لا نستقبل سوى مجموعات صغيرة وبالتدريج يزداد عدد الحجرات. * الخروج من الدير للرسالة محدود (60 يوماً في السنة) ولرسالة محددة هي الرياضات الروحية لجماعات كهنوتية أو رهبانية أو علمانية… كما توجد رسالة كبيرة بداخل الدير وهي استقبال أفراد أو جماعات لعمل خلوات أو رياضات روحية، وجو السكون يساعد إلى أبعد الحدود في تحقيق هذا. * لا مجال للملل في الحياة اليومية فالبرنامج اليومي مشحون من الساعة 4.30 فجراً حتى 9.30 ليلاً وهناك أعمال كثيرة مؤجلة لعدم وجود أفراد. من واجبات الدير المحافظة على الناحية الطقسية وممارستها بأمانة والتزام. فالوقت موزع ما بين الصلاة والتأمل والعمل اليدوي والذهني. وإليكم البرنامج اليومي: الساعة 4.30 فجراً الاستيقاظ. من الساعة 5 حتى الساعة 7 صلاة باكر والتأمل والقداس. الساعة 7.00 حتى الساعة 7.30 الإفطار. من الساعة 7.30 حتى الساعة 12.30 ظهراً عمل يدوي (فلاحة وزراعة- المطبخ- أعمال نظافة…إلخ). من الساعة 12.30 حتى الساعة 1.15 سجود وصلاة منتصف النهار الساعة 1.15 الغذراء وراحة لمن يريد من الساعة 4.00 حتى الساعة 5.00 تأمل شخصي ثان الساعة 5.00 صلاة الغروب من الساعة 5.30-7.30 عمل ذهني الساعة 7.30 العشاء الساعة 8.30 صلاة النوم الساعة 9.30 نوم للجميع وليوم الأحد برنامج خاص يبدأ برفع بخور عشية مساء السبت والقداس الاحتفالي صباح الأحد. ما يطلبه الأب كيرلس تامر في نهاية اللقاء هو الصلاة…، الصلاة…، الصلاة…. لأجل هذه المسيرة ثم ألتمس من الآباء الكهنة أن يوجهوا أنظار الشباب نحو هذه المسيرة فنحن بحاجة إلى دعوات. ومجلة صديق الكاهن ترفع الصلوات القلبية إلى الله متمنية لهذه المسيرة الاستمرارية والثبات في طريق الرب

اسلاميات

التعاون المسيحي الإسلامي لبناء المستقبل الأب د./ كرستيان فان نسبين يقدم الكاتب نموذجاً واقعياً ملموساً للتعاون المسيحي الإسلامي لبناء المستقبل وذلك في المجال التربوي . إذ يقدم ما يتم في المدارس اليسوعية المنتشرة في أرجاء العالم كنموذج تربوي مسيحي يفيد ويساهم بفاعلية في بناء التعاون المسيحي الإسلامي لبناء المستقبل. نص محاضرة أُعدت ليلقيها الأب د./ كرستيان فان نسبين في الملتقى الدولي حول الإسلام والدراسات المستقبلية المنعقد بمدينة وهران بالجزائر. بسم الله الأحد ، الحيّ القيّوم، الخالق الرحيم، الذي نعبده جميعاً والذي هو رجاؤنا في بناء مستقبل عالمنا، والذي نحن جميعاً منه، وإليه راجعون. وبعد، أشكر من صميم فؤادي منظمي هذا الملتقى حول “الإسلام والدراسات المستقبلية ” أنّهم دعوني ، أنا المسيحي مع مسيحيين آخرين ، إلى المشاركة في هذا الملتقى . ومن الأكيد أن هذه الدعوة تنبع من الاقتناع أنّا، نحن المسيحيين والمسلمين ، لنا كلمة سواء في مواجهة مستقبل عالمنا وفي المساهمة في بنائه. مدخل في العرض الموجز لفكرة الملتقى يذكر المنظمون أن الإسلام أمام المخاطر النابعة من “قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية أحادية، انفردت بالهيمنة على مقدرات الشعوب ومصائرها” “ظل قوة روحية فكرية”. ويترتب على كون الإسلام هذه القوة الروحية الفكرية أن التقاء الإسلام بالقوة الروحية الفكرية التي هي المسيحية يسمح بالقيام المشترك بهذه الرسالة العظيمة وهذه المسؤولية الجسيمة ألا وهي الدفاع عن الإنسان وقيمه باسم الله سبحانه وبفضل الإيمان به تعالى. إننا جميعاً، مسلمين ومسيحيين، نرى في الله- الذي هو خالق الكون بكل ما فيه ورب البشر (“رب الناس، ملك الناس، إله الناس”، كما يقول القرآن الكريم)- الأساس لعالم يليق بالإنسان والغاية لكل تجديد يخدم حقيقة بناء الإنسان ويحترم كرامته. إن إيماننا جميعاً، مسيحيين ومسلمين- مهما تكن اختلافاتنا فيه ودون الإغفال عن أهميتها-، إن هذا الإيمان الذي نلتقي فيه رغم الاختلاف هو إيمان بالإله الحي القيوم، الأحد الواحد، الخالق، الرحيم، والذي يهتم بالبشر. ويريد من كل منّا، كلّ بحسب اعتقاده وضميره، أن يتجاوب باسم هذا الإيمان، تجاوباً حياتياً مع دعوة الله تعالى للإنسان. ولإيماننا بالله هذا- وصفاته تعالى المذكورة في رؤيتنا جميعاً- نتائج في الحياة الاجتماعية ومجهودنا الدنياوي. – نؤمن بالإله الحي القيوم: أمام كل النظم الفكرية والأيديولوجية القاتلة المدمّرة والكاذبة العابرة. – نؤمن بالإله الأحد الواحد: أمام كل الأصنام المعاصرة، من المال والسلطة والهيمنة واللذة والكبرياء والأنانية، والتي تحاول أن تسيطر على قلب الإنسان وتحرمه من حريته الحقيقية. – نؤمن بالإله الخالق، الذي خلق الإنسان “على صورته ومثاله” (بحسب تعبير الكتاب المقدس) وجعله “في الأرض خليفة” له (بحسب العبارة القرآنية)، والذي أعطى الإنسان كل شيء والذي يجب أن يكون هو تعالى المرجع الأول والأخير في استعمال كل الخلائق: أمام كل ما هو في عالمنا من الإنغلاق على الذات ومن الاكتفاء بالذات الرافض أي مرجع غير الذات. – ونؤمن بالإله الرحيم الذي يحب البشر جميعاً: أمام عالم يفقد الرحمة والاهتمام بالآخر والانتباه إلى المستضعفين في الأرض. – ونؤمن بالإله الذي يهتم بالبشر: والذي يريد أن يتخلق الإنسان بخلق الله فيهتم لذلك هذا الإنسان بغيره من البشر باسم الله كما يقوم ببناء أرض البشر باسمه تعالى. كما يجعلنا هذا الإيمان ندافع عن حقوق الإنسان- من أي جهة وفئة كان هذا الإنسان- وخاصة جميع المظلومين من البشر، وهذا من حيث أننا نعتبر أن حقوق الإنسان هذه هي من صميم حقوقه. وأعتقد أن الإيمان الإسلامي لا يرفض قول القديس إيريناوس (أسقف ليون في القرن الثاني الميلادي) عندما قال: “إن مجد الله هو الإنسان الحي ” . ولذلك يدفعنا إيماننا هذا إلى المجهود الجادّ في سبيل التنمية الشاملة المتكاملة، والتي تهدف كرامة كل شخص بكل أبعاده كما يقصد مصلحة الجماعة وبناء المجتمع وترابطه. وضمن العناصر الأساسية في بناء مجتمع المستقبل الذي يهتم المؤمن به باسم إيمانه هذا، هناك بُعد التربية والتنشئة والتكوين. وأرى أنه ليس من الصدفة أن خطة هذا الملتقى تذكر هذا البُعد بكونه محوراً من المحاور الرئيسية للملتقى (“استراتيجية التربية والتكوين”). أنا مقتنع أن استراتيجية التربية والتكوين هذه هي مجال متميز للحوار بل للتعاون بين المسيحيين والمسلمين، حيث يوجد بيننا عدد من القيم المشتركة هي من القيم الأساسية في كل مشروع تربوي سليم يبني الشخص الإنساني حقاً. ولذلك سأحاول عرض بعض ملامح مشروع تربوي موجود في الكنيسة الكاثوليكية هو مشروع الرهبنة اليسوعية التربوي، هذه الرهبنة التي أنتمي إليها أنا شخصياً والتي لها عدد من الجامعات والمدارس والمؤسسات التربوية الأخرى فيها عدد لا بأس به من الطلبة المسلمين- مع كامل الاحترام لهويتهم الدينية، لعقائدهم وممارستهم، بل فيها أيضاً عدد من الأساتذة والمدرسة المسلمين يشتركون مع الرهبان اليسوعيين في تربية النشء. 1. خدمة الرهبنة اليسوعية للتربية والتكوين خلال القرون كان هناك في الكنيسة- ومازال- عدد كبير من الخبرات التربوية المتنوعة، شرقاً وغرباً. في القرن الثاني الميلادي اشتهرت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية (والتي من أشهر ممثليها هو العلامة أويجينوس) وكانت هذه المدرسة تهتم بالجانب الثقافي مع اهتمامها الديني، واستمرت هذه المدرسة قروناً طويلة. كما وجدت مدارس مماثلة أخرى في الشرق المسيحي. وكان كبار علماء الكنيسة في القرون الأولى- الذين نسميهم آباء الكنيسة- يتميزون بعمق ثقافتهم الإنسانية مع امتيازهم في العلوم الدينية، ومن أشهرهم القديس أوغسطينوس أسقفHippo (عناية). وفي أوروبا الغربية، وبعد انهيار الجزء الغربي من الإمبراطورية الرومانية وتحوّله إلى دويلات بربرية (جيرمانية وغيرها)، ظهرت رهبنة القديس بيندكتوس (مبارك) فصارت هي التي تقوم بتثقيف الشعوب البربرية هذه وتربيتها، وكانت المدارس الوحيدة هي مدارس الأديرة ثم أضيفت على ذلك مدارس الكنائس الكبيرة فأصبحت هي مصدر الانطلاقة للحضارة والثقافة في أوروبا الغربية، خاصة من القرن الحادي عشر الميلادي، ونشأت منها الجامعات، مثل جامعة باريس وأكسفورد وبولونيا وبادوفا الخ… وكانت لهذه المدارس والجامعات مناهجها التربوية وبرامجها التعليمية الدقيقة في سبيل تكوين النشء المتكامل دينياً ومدنياً. استمرت المؤسسات التربوية في أوروبا الغربية لمدة طويلة في كونها غالباً مؤسسات دينية مدنية في الآن ذاته، وإن تنوعت وتعددت أشكالها في أواخر القرون الوسطى وعصر النهضة الأوروبية. وساهمت هذه المؤسسات في تكوين العصر الحديث بما فيه من إبراز أنماط ثقافية جديدة ومن الثورة العلمية التي هي الأساس للعقل الحديث (مع تغيرات جذرية في النظرة إلى الكون ومكان الإنسان فيه والتمييز بين اللاهوت والفلسفة والعلوم ومناهج جديدة في العلوم والتركيز على الاختبار إلخ…). في هذا الإطار بكل ما فيه من الانفتاح الثقافي والتركيز على دور الإنسان يظهر في القرن السادس عشر وفي وسط الأنماط المتعددة للتربية نمط الرهبنة اليسوعية. إن الرهبنة اليسوعية ظهرت في وسط القرن السادس عشر إنطلاقاً من مجموعة من الطلبة في جامعة باريس كرسوا حياتهم لله سنة 1534 ووصلوا إلى تكوين رهبنة جديدة سنة 1540 وكان مرشدهم في هذه المسيرة والذي انتخبوه أول رئيس لهذه الرهبنة هو القديس إغناطيوس دي ليولا الأسباني الأصل. سمى أول الأعضاء المنتمون لهذه الجماعة أنفسهم “(جماعة) رفقاء يسوع”، أي رفقاء المسيح، مما جعل الناس يسمونهم “(الرهبان اليسوعيين” أو “الرهبنة اليسوعية” Jésuites. كان قصد إغناطيوس الأساسي هو أن يجد الله في كل شيء، ويجد كل شيء في الله. يسمح هذا القصد بالربط العميق بين جميع مجالات الحياة والإيمان وبتنمية هذه المجالات باسم الله، كما يسمح برفع القيم الإنسانية الحقيقية وتقديسها. ونتيجة ذلك أيضاً أن الراهب اليسوعي لا يعيش تكريسه لله في الصلاة وسائر العبادات فقط بل في خدمته لترقية الإنسان والقيم الإنسانية باسم الله ولتمجيد الله في المجالات الإنسانية. إذ يبحث الراهب اليسوعي عن “المزيد” من تمجيد الله في كل هذه المجالات والخدمات والأنشطة، يحاول أن يترجم ديناميكية حبه لله في ديناميكية خدمته تنشئة الإنسان- كل إنسان وكل الإنسان: أي كل الناس دون تمييز وكل أبعاد الشخصية البشرية. على هذا الأساس قبل إغناطيوس ورفقاؤه خدمة التربية والتكوين، وخاصة من خلال فتح مدارس عندما طُلب منهم هذا. فأصبحت خدمة التربية في المدارس بعد سنين قليلة من أكثر الأنشطة التي تهتم بها الرهبنة اليسوعية. وانتشرت مدارسها لا في أوروبا فقط بل في عدد من المناطق خارج القارة الأوروبية أيضاً. واشتهرت هذه المدارس بأنها لا تحصر المجهود التربوي في التدريس، بل تهتم بكل الجوانب الثقافية التي تسمح للنشء بأن ينمو وينشرح. ومن أمثلة ذلك هناك اهتمام المدارس اليسوعية منذ القرن السابع عشر بالمسرح وبالخطابة… ومن خلال ذلك ساهمت هذه المدارس مساهمة مهمة في تكوين العالم الحديث وأثبتت بذلك أن المؤمن يمكن أن يمارس دوره كاملاً في إبراز القيم الإنسانية وتنميتها (وهذه من سمات العالم الحديث) وأن هذا ليس من شأن الملحدين وحدهم، وبالتالي لا يوجد تناقض بين الدين وقيمه وبين الحداثة. يستمر مجهود الرهبنة اليسوعية التربوي هذا من خلال عدد كبير من المدارس بل أيضاً وعدد لا بأس به من الجامعات في مختلف البلدان. وفي عدد متزايد من هذه المدارس والجامعات يوجد عدد من التلاميذ والطلبة المسلمين- يصل أحياناً إلى أغلبية التلاميذ، كما هو الحال في مدارسنا في مصر، بل يساهم في هذه الخدمة التربوية عدد من المدرسين المسلمين. وإنطلاقاً من قصد الرهبنة اليسوعية الأساسي من ناحية ومن رصيد خبرتها التربوية الطويلة من ناحية أخرى، اكتسبت التربية اليسوعية عدداً من النماذج والمناهج تتميز بها، أريد الآن أن أبرز بعضها إذ قد تكون المجال للحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين في هذا الشأن. 2. بعض المميزات للمنهج التربوي الإغناطي اليسوعي إذ اهتم القديس إغناطيوس دي ليولا، مؤسس الرهبنة اليسوعية، بالإنسان في كل أبعاده نتج عن ذلك أن يأخذ في الاعتبار ملكات الإنسان وطاقاته المختلفة في التربية فلا يحصر المربي اليسوعي (ومن يشاركه في هذا المشروع التربوي) تكوينه في تكوين العقل وحده بل يحاول أن يجمع بين تكوين العقل بالتعليم وبين تكوين الإرادة والوجدان والحواس المختلفة. ومن ضمن الطرق لتحقيق ذلك هناك توصيل التلاميذ إلى المثابرة وعدم الخضوع للمزاج بل القدرة على التغلب على الذات. يتحقق هذا أيضاً بالتربية الرياضية السليمة، كما تسمح التربية الرياضية أيضاً بتكوين الروح الجماعية والقدرة على التعاون، بل ذات تكوين ما يسمى بـ “الروح الرياضية” هو جزء من تكوين احترام الآخر والإحساس به. وفي الآن ذاته تساعد التربية الرياضية على الاكتشاف المتزن والسليم لقيمة الجسد. ويدخل أيضاً في هذه التربية المتكاملة تكوين الحس الجمالي، في الآن ذاته بالتذوق للفنون الجميلة المختلفة وبالممارسة الفعالة لها أيضاً. ووجد دائماً في التقاليد اليسوعية الاهتمام الكبير بالآداب (إن كان الشعر أو النثر أو المسرح الخ). يساعد كل هذا أيضاً على تكوين “الشعور” العميق (الذي اهتم به كثيراً القديس إغناطيوس)، هذا الشعور العميق الذي يتميز تماماً عن العواطف السطحية العابرة. ثم يركز المنهج اليسوعي على دور متلقي التربية الفعال أكثر منه على التلقين. يعتبر هذا المنهج أن كل ما يقدر التلميذ أن يكتسبه بنفسه هو أفيد بكثير مما يتلقاه بمجرد التلقين دون مساهمة فعالة منه. لذلك تسعى التربية اليسوعية أيضاً إلى مساعدة الشخص على الوصول إلى اقتناعات شخصية بدلاً من كل ما هو مجرد أفكار محفوظة دون اقتناع وتمحيص. وفي سبيل ذلك يركز هذا المنهج أيضاً على التحليل والتفكير الشخصي والتركيب: بالتحليل يصل التلميذ إلى اكتشاف ما هو موجود حقيقة في نص أو حوادث أو خبرات وليس مجرد انطباعات، وهذا كله يوصله إلى فهم شخصي. ويسمح له هذا التحليل أن يفكر تفكيراً منظماً مرتباً دقيقاً، تفكيراً شخصياً يتجاوز مجرد تكرار ما يسمع. وانطلاقاً من التحليل والتفكير يقدر أن يحقق تركيباً متكاملاً شاملاً لكل عناصر المعضلة التي أمامه فيصل من خلال العناصر المتعددة المتنوعة إلى رؤية موحدة تربط بين جوانب خبرته وتفكيره المختلفة. ونتيجة ذلك أن يُصبح هذا الشخص قادراً على الإبداع والابتكار، وبالتالي أيضاً على مواجهة ظروف جديدة وغير متوقعة. وهذا في غاية الأهمية لمواجهة المستقبل (بكل ما فيه من المجهول) بل لبناء المستقبل الفعال والمساهمة الواعية في إنشاء عالم الغد. بالمنطق ذاته يُعتبر هذ المنهج أن المهم في التعليم ليس كثرة المعلومات بل العمق، كما تقول العبارة اللاتينية المعروفة: “non multa sed multum” “أي نعلم ليس الكثير بل كثيراً”، ليس الكم بل الكيف. أي أن ما يتكون خلال كل ذلك لا يقتصر على “مخزن معلومات” ولكن بنية فكرية. رأينا أن محبة الله في حياتنا مصدر ديناميكية ، تدفع دائماً إلى أبعد، ولذلك تبحث هذه الديناميكية دائماً عن “المزيد”، عن المزيد من مجد الله، وكذلك عن المزيد في بناء الإنسان (لأن “مجد الله هو الإنسان الحي”، كما ذكرنا آنفاً). لذلك تعلم التربية اليسوعية التلميذ ألا يكتفي بالمتوسط بل يبحث دائماً عن ما هو أفضل، كعمل وخدمة. ومن ضمن متطلبات هذا المزيد هو الإتقان في العمل: أن يعمل التلميذ عملاً جيداً متميزاً لأن هذا يسمح بخدمة أفضل (مبدأ “الامتياز” وتجاوز الذات). بالمنطق ذاته تُلّح التربية اليسوعية دائماً على الربط العميق الذي يجب أن يوجد بين العلم والفضيلة، إذ إن العلم دون الفضيلة يصبح تكبّراً، والفضيلة بدون العلم تفقد البصيرة. تهدف أيضاً التربية اليسوعية إلى تكوين أشخاصٍٍ أحرارٍ؛ ولكنها لا تتصور الحرية كإباحية وعدم تقيّد والتزام و “مزاج”؛ بل الحرية في هذه النظرة هي القدرة على إقامة علاقات حقيقية ناضجة، لأن الإنسان يحقق ذاته الحقيقية في مثل هذا النوع من العلاقات (والتي لا توجد دون التزام وتضحية). إن التربية تعني التكوين للوصول إلى هذا النوع من الحرية، والذي يحقق فيه الإنسان ذاته تحقيقاً صحيحاً غير مزيف. في مثل هذا النوع من الحرية يجب أن يتعلم الإنسان كيف يكوّن علاقات بالآخر من حيث هو آخر، قيمته في ذاته وليس كوسيلة لتحقيق كسب ذاتي على حساب الآخر. إذ يُفترض في مثل هذه العلاقات قبول الاختلاف، قبول حق الآخر في أن يكون مختلفاً عني وأن يختلف معي. وفي التربية اليسوعية يتم تكوين الإنسان بهدف إيصال الشخص إلى النضوج عن طريق قبول “الغيرية” كعنصر مهم وفي الآن ذاته من أصعب الأمور. والخطوة الأساسية في هذا القبول هي احترام الآخر من حيث هو آخر مختلف. وعلى أساس هذا من الاحترام يقدر الإنسان أن يتعاون مع الآخر (حتى إن كلّفه هذا التعاون جهداً كبيراً)، كما يتعلم هكذا التضامن الإيجابي والبنّاء مع الآخر، ليس تضامناً ضد طرف آخر بل من أجل الجميع ومع الجميع. إن قيمة شخص الآخر توصل أيضاً إلى عظمة الخدمة. فعندما أعتبر الآخر مهماً في حد ذاته، حينئذ لا أعتبر خدمته إذلالاً ونقصاناً لكرامتي بل أرى فيها عنصراً من صميم كرامتي وخطوة لتنميتي. فالإنسان عظيم بحسب قدرته على الخدمة. لذلك يُعتبر أهم أهداف التربية اليسوعية تكوين “بشر لأجل الآخرين” (بحسب تعبير الأب بدرو أروبه الرئيس العام السابق للرهبنة اليسوعية). إنها تريد أن تكوّن أشخاصاً لا يعيشون لأنفسهم ولمصالحهم الخاصة بل أشخاصاً يعتبرون خدمة الآخر عنصراً أساسياً من تحقيقهم لذواتهم ويجدون سعادتهم في إنماء غيرهم. ويمثل هذا الهدف مقاومة صريحة لأهداف مجتمع الاستهلاك الذي يرغِّب الإنسان في البحث المستمر عما يشبع نفسه وما ينافس به زميله في الرفاهية. أليس مجتمع كهذا من أكبر المخاطر في العالم المعاصر، إذ يجعل الإنسان يغفل نظره عن حاجات غيره ويقع في الإحباط كلما لا يقدر على الحصول على ما هو موجود عند غيره من الوسائل والإمكانات؟ وبالمنطق ذاته تؤمن التربية اليسوعية بالعلاقة الوثيقة بين الإيمان والعدالة، أي أن الإيمان لا يكتمل إلا بممارسة العدالة، وأن الإيمان يولي تنمية العدالة جدية كبيرة وبعداً مقدساً. فعندما نكوّن الطلبة دينياً نساعدهم على اكتشاف أنهم في طريقهم نحو الله تعالى يجدون الإنسان الآخر الذي له حق عليهم والذي يحتاج إلى تضامنهم الفعال. فنساعدهم على فتح عيونهم كي يروا الفقير الذي على طريقهم. ولا ينظرون إلى الفقراء والمهمشين وجميع المستضعفين في الأرض كمجرد موضوع عمل خيري وتعاطف وإحسان ولكن بكونهم أصحاب حقوق علينا. فيصبحون هكذا أيضاً “أشخاصاً (يعملون ويخدمون) مع الآخرين”. على هذا الأساس دخل الاختيار التفضيلي للفقراء وللعمل مع الفقراء في صميم أهداف التربية اليسوعية. ولا يناقض هذا الاختيار الواقع أن عدداً لا بأس به من تلاميذ هذه المدارس من الطبقات الراقية، حيث تمثل هذه الطبقة في كثير من الأحوال النخبة الاجتماعية والثقافية ذات التأثير الكبير في المجتمع والتي بوسعها أن تغيّر وتُصلّح بعض الأمور لصالح الفقراء والمهمشين، فيكونون هكذا من “المكثرين” للإصلاح في المجتمع. بالتالي فإن اختيارنا التفضيلي للفقراء وللعمل معهم يجعلنا نتعامل مع هذه النخبة ونعتمد عليهم لتنمية العدالة في المجتمع المحلي والعالمي أيضاً فيكثرون حولهم ما أخذوا وتلقوا من التربية والتكوين في مدارسنا. حيث نحاول أن نوعي شباب هذه النخبة بمسؤوليتهم عن سائر أعضاء المجتمع، وخاصة الفقراء منهم. وهذا حتى يصير هذا المجتمع مجتمعاً يليق بالإنسان ويتفق وقصد الله في خلقه للإنسان. 3. منهج تربوي هو موضوع التقاء بين مسيحيين ومسلمين إن المبادئ التربوية التي عرضناها على أنها مبادئ أساسية من المنهج اليسوعي الإغناطي للتربية، تنبع للرهبنة اليسوعية من صميم رؤيتها الإيمانية للعلاقة التي بين الإنسان- فرداً ومجتمعاً- وبين الله خالقه ولذلك أصبحت الخدمة التربوية التي تحاول تحقيق هذه المبادئ جزءاً مهماً من تكريس الراهب اليسوعي الكلي لله رب حياته وسيد قلبه فيعتبر أنه يكون بهذا خادماً لقصد الله في خلق الإنسان، خادماً لله الذي يريد أن يحقق قصده من خلال الإنسان ومن أجل الإنسان. وبالتالي فاعتماد هذه المبادئ التربوية للمشروع اليسوعي التربوي على رؤيه إيمانية للعلاقة بين الإنسان والله، يدعونا ألا ننكر خاصية الرؤية الإيمانية المسيحية والاختلاف الموجود بين الإيمان المسيحي والإيمان الإسلامي. ولا يخدم الإغفال عن هذا الاختلاف قضية الحوار والتقارب والتعاون بين المسيحيين والمسلمين. ولكن هذا الاختلاف في العقيدة لا يمنع في الآن ذاته الالتقاء في الإيمان أيضاً، وبالتالي وجود الأساس الإيماني لإخائنا ولتعاوننا ولقيامنا المشترك بمسؤوليتنا المشتركة عن تنشئة الإنسان وتشييد المجتمع الإنساني، كما حاولت أن أوضحه في مدخل هذه المحاضرة. مهما تكن اختلافاتنا العقائدية وأهمية هذه الاختلافات، فلا يمنع هذا أن يكون- قبل كل شيء- الإله الذي نؤمن به جميعاً والذي نعبده ونخدمه جميعاً هو الإله ذاته، الإله الحي الخالق الذي يعلو جميع خلائقه علواً مطلقاً. من نؤمن جميعاً به هو هو، وإن وُجد اختلاف مهم في ما نعتقده في شأنه. وإن كان أساس التقائنا الإيماني هو الله الأحد الواحد سبحانه وتعالى ذاته فبالتالي ينبع من ذلك عدد من المبادئ الإيمانية التي نقدر أن نلتقي فيها والتي حاولت أن أبرزها في المدخل ذاته. إن كان هذا هو الأساس الإيماني لالتقائنا، ومن ثم لحوارنا وتعاوننا، فبالتالي ينبع من ذلك إمكانية الالتقاء في المبادئ التربوية النابعة من رؤانا الإيمانية. إن كل المبادئ التربوية التي أبرزتها في المشروع التربوي اليسوعي، أتوقع أن يقدر المؤمن المسلم أيضاً أن يقبلها ويؤكدها ويجتهد من أجلها، وإن وجد في تأسيسه لهذه المبادئ أي الحقائق التي يؤسس ويبني عليها هذه المبادئ اختلافاً أيضاً. على سبيل المثال: للمؤمن المسلم تتأسس قدسية الإنسان في أن هذا الإنسان خليقة لله التي جعلها الله خليفة له في الأرض وأن الله يخاطبه ويرحمه بل يحبه. وهذا حيث للمؤمن المسيحي تتأسس قدسية الإنسان في أن الله خلق الإنسان على صورته وكمثاله، وإذ أخطأ الإنسان وسقط، افتداه الله وخلّصه من جراء حبه للإنسان وتضامنه معه إلى أقصى الحدود في شخص ابن الله المتجسد من أجلنا، يسوع المسيح. لا ينفي أحد أهمية الاختلاف بين الرؤيتين والتأسيسين. ولكن مع ذلك نلتقي في هذا الإيمان أن الإنسان له قدسية باسم الله تعالى، تمنح كل شخص بشري قيمة غير قابلة للإهدار وتجعل من خدمة تنشئة الإنسان جزءاً أساسياً من خدمتنا جميعاً لله تعالى. وانطلاقاً من هذا الالتقاء الإيماني، تصبح جميع المبادئ التربوية التي ذكرتها موضعاً لحوار خصيب حتى نتعمق معاً في التجسيد المفصل والواقعي لهذه المبادئ في واقع ظروف مجتمعاتنا، ثم تصبح هذه المبادئ أرضية مشتركة لنتعاون في تحقيق هذه المبادئ في مجهود تربوي مشترك: إن كان هذا من خلال الخدمة المشترك لمدرسين ومربين مسيحيين ومسلمين في المدارس ذاتها، أو كان هذا من خلال الدراسات التربوية المشتركة والبلورة المشتركة لبرامج تربوية متجددة باستمرار، وتجمع مثل هذه البلورة بين الأمانة للتراث باسم الله وعلى أساس الإيمان به وبين الإبداع المبتكر المتجدد باسم الله وعلى أساس الإيمان به تعالى. خـــاتمة إن استراتيجية التربية والتكوين في مواجهة مستقبل عالمنا الواقعي تعطينا حقاً فرصة ذهبية للحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين بموجب إيمان كل واحد منّا وأمانته له تعالى، الذي يريد منّا هذا الحوار والتعاون إنقاذاً للإنسان: إذ إن الإنسان يقدر أن يجد في العالم المعاصر فرصة فريدة لتحقيق قصد الله في خلقه تعالى للإنسان، كما يجد هذا الإنسان في العالم المعاصر ذاته مخاطر قاتلة يمكن أن تدمر الإنسان فنخون رسالة الله لنا في خدمة الإنسان، هذه الرسالة التي يكلفنا الله بها معاً، نحن المسيحيين والمسلمين. يتوقف علينا، نحن المسلمين والمسيحيين، هل يتمجد الله فينا ومن خلالنا، إذ إن “مجد الله هو الإنسان الحي

لاهوت أدبي

لاهوت أدبي السلوك المسيحي وفقاً للتعليم المعاصر للكنيسة وتطبيقه في الشرق (3) الأب/ أنطون فرنسيس 2- الوصايا يعلمنا يسوع المسيح، أساس إيماننا: “لا تظنوا أني جئت لأبطل الشريعة وتعاليم الأنبياء: ما جئت لأبطل، بل لأكمل” (مت17:5). وفي لقائه مع الشاب الغني يؤكد يسوع حقيقة هامة: “إذا أردت أن تدخل الحياة فاعمل بالوصايا” (مت17:19). والحياة ليست فقط حياة ما بعد الموت، بل الحياة الأرضية أيضاً، حيث يبدأ ملكوت الله، ملكوت الحب(1). لذلك ليس المقصود هنا، حياة الفرد المتقوقع في عزلته، بل حياة الإنسان في مجتمع يتفاعل أعضاؤه ويحتكون بعضهم مع بعض في الأسرة والكنيسة والعمل والوطن؛ وبالتالي فالهدف من العمل بالوصايا هو الحصول علي الحياة لكل شخص(2). وتظهر أهميتة الوصايا في الحياة المسيحية من خلال كلمات يسوع: “الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الشريعة حتى يتم كل شيء” (مت5:18). وهنا تظهر العلاقة الوثيقة بين الحياة الأبدية والعمل بالوصايا الإلهية، فوصايا الله تهدي الإنسان إلى طريق الحياة وتوصله إليها. ولذلك يعلن المسيح للبشر، مرة أخرى، الوصايا العشر ويثبّتها ويضعها أمامنا كطريق وشرط للخلاص(1). ويوضح الإرشاد الرسولي “تألق الحقيقة”: “أما في العهد الجديد فموضوع الوعد “ملكوت السماء”، كما أعلن يسوع في “العظة على الجبل”- عظة تحوي الصيغة الأشمل والأكمل للشريعة الجديدة (مت5/7)، المتفقة اتفاقاً جلياً مع الوصايا العشر التي سلمها الله لموسى على جبل سيناء. وتتطابق العبارة “الحياة الأبدية” مع مضمون كلمة ملكوت، إنها الاشتراك بحياة الله ذاته، شركة تبلغ كمالها فقط بعد الموت، بيد أنها بالإيمان منذ الآن، نور الحق، ومصدر معنى الحياة، وهي بدء الاشتراك بالملء في اتباع المسيح”(2). كما تحتل الوصايا مكاناً كبيراً في التعليم المعاصر للكنيسة، الذي يستند على الكتاب المقدس، ويوجه لنا دعوة لقراءة الوصايا بمفهوم يعمق مسيرتنا نحو الله من خلال الحياة العصرية. ففي اللقاء مع الشاب الغني، يوجه يسوع الدعوة إلى هذا الشاب ليفهم أن الجواب على السؤال: “ماذا أفعل من الصلاح، لتكون لي الحياة الأبدية؟” نجده فقط عندما نوجه روحنا وقلبنا نحو الله: “لا صالح إلا الله وحده” (مت 17:19) (3)، ويقول الإرشاد الرسولي تألق الحقيقة في هذا الصدد: “يسوع يرد الفعل الصالح إلى جذوره الدينية، إلى الاعتراف بالله، الصلاح الأوحد، ملء الحياة الأبدية، غاية العمل البشري الأخيرة، والسعادة الكاملة… يتضح للإنسان من هو وما عليه أن يفعل عندما يظهر الله نفسه. فالوصايا العشر ترتكز على هذه الكلمات: أنا الرب إلهك الذي أخرجتك من أرض مصر، من دار العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي (خر 20/2-3)” (1). أراد يسوع في حواره أن يجذب الشاب إلى نقطة الارتكاز لكل وصية من الوصايا العشر، وهي ما تعنيه الآية: “أنا الرب إلهك”. وبعد أن يُعدد الوصايا يكملها بوصية محبة القريب: “أحبب قريبك كنفسك” (مت 19:19)(2). وهكذا في الحوار مع الشاب الغني، يوضح يسوع أن الله هو الأساس الذي يرتبط به الإنسان، وأن القريب هو طرف حب يعيش معه الإنسان بما يستقبله من الله. ولذلك فهذا الحوار يذكرنا بإجابة يسوع على معلم الشريعة بخصوص الوصايا: “يا معلم ما هي أعظم وصية في الشريعة؟. فأجابه يسوع: أحب الرب إلهك بكل قلبك، وبكل نفسك، وبكل عقلك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والوصية الثانية مثلها: أحب قريبك مثلما تحب نفسك. على هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها وتعاليم الأنبياء” (مت36:22-40). عندما نقرأ في سفر تثنية الاشتراع “اسمعوا يا بني إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد. فأحبوا الرب إلهكم بكل قلوبكم” (تث 4:6)، يمكننا القول إن الالتزام بالحياة الأخلاقية هو إجابة حب على مبادرات الله تجاه الإنسان. وعلى أساس هذا الحب، يوضح يسوع أن الوصايا يجب ألا تؤخذ كحد أدنى لا يجب أن نتجاوزه، بل كخطوة منفتحة على المسيرة الروحية والأخلاقية نحو الكمال، الحب روحها. وهو يدعونا إلى هذا الانفتاح في العظة على الجبل: “سمعتم إنه قيل لآبائكم: لا تقتل، فمن يقتل يستوجب حكم القاضي. أما أنا فأقول لكم: من غضب على أخيه استوجب حكم القاضي، ومن قال لأخيه: يا جاهل استوجب حكم المجلس، ومن قال له: يا أحمق استوجب نار جهنم… سمعتم إنه قيل لا تزن. أما أنا فأقول لكم: من نظر إلى امرأة ليشتهيها، زنى في قلبه (مت 21:5-22، 27-28). هكذا يريدنا يسوع أن نتجاوز حرفية الوصية، وأن يكون الحب هو أساس سلوكنا الأخلاقي تجاه القريب، وبالتالي تصير الوصية “لا تقتل” دعوة إلى حب يعطف على حياة القريب، يحميها ويغذيها. والوصية التي تحرّم الزنى تصبح دعوة إلى احترام الإنسان في كيانه الجسدي(1). فحفظ الوصايا، كما يريد المسيح، يتضمن احترام حياة الآخرين والعمل على إنمائها، ويتضمن أيضاً محبة القريب بقدر محبة النفس(2). بهذه المفاهيم تصبح الوصايا نوراً يضيء للإنسان مسيرته نحو الله ، وتكون له سنداً في الأوقات التي يبحث فيها عما يجب أن يفعله تجاه الله والقريب، وتتحوّل من مجرد قوانين وشرائع إلى وسائل تنمّي الحب في عمق الإنسان. وكل هذا يغيّر من نظرتنا لمعنى الخطيئة الذي كان يُقاس بأنه فعل ضد وصية أو شريعة ما، ويصل بنا إلى مفهوم عميق لمعنى الخطيئة الذي يتجسّد في كل فعل ضد حب الله وحب القريب. وبالتالي، من خلال الوصايا، يصبح الحب أساساً لمسيرتنا نحو الله؛ وعندما نخطئ لا نتوب بسبب الخوف أو العقاب وإنما تكون توبتنا بدافع الحب الذي يحررنا ويقودنا إلى الحياة. 3- الحرية والشريعة تكثر معاني الحرية بكثرة المجالات المختلفة في الحياة. فهناك الحرية السياسية، والحرية الدينية، وحرية الاختيار فيما يخص طريق الدعوة، وحرية الاختيار بين الأشياء…الخ. ونحصر حديثنا هنا عن الحرية الشخصية وارتباطها بالشريعة وتأثيرها على السلوك الأدبي المسيحي. إن اللاهوت الأدبي لا يتحدث عن الحرية الشخصية بصفتها إمكانية اختيار بين الخير والشر، وإنما يوضح أن الحرية الحقيقية تتحقق عندما يوجّه الإنسان طاقاته وإمكانياته نحو الخير. وترتبط الحرية بهذا المعنى بكرامة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. ولذا يحتاج الإنسان للشريعة لتضيء له الطريق وتوجه إلى الخير بحرية داخلية وتساعده لتحقيق إنسانيته وحريته، ويقول المجمع الفاتيكاني الثاني: “الحرية الحقيقية هي للإنسان علامة مميزة لصورة الله فيه لأن الله أراد أن يترك للإنسان مبادرته الذاتية حتى يستطيع أن يبحث عن خالقه من تلقاء نفسه وبالتصاقه به بحرية يحقق ملء السعادة. فكرامة الإنسان تقتضي إذن منه أن يتصرف وفق اختيار واع حر، يحركه ويحدده الاقتناع الشخصي وليس فقط الدوافع الغريزية أو الإكراه الخارجي ويصل الإنسان إلى هذه الكرامة حين يتحرر من عبودية أهوائه بالاختيار الحر للخير فيسير قدماً نحو مصيره مستعيناً بابتكاره في الوصول إلى وسائل تحقيق هذا المصير”(1). في هذا النص، يوضح المجمع أن حرية الإنسان من الله، وكرامته تتطلب- في مسيرة العي إلى الخالق- السلوك الأدبي وفق اختيار واع؛ ويحقق الإنسان كرامته بالاختيار الحر للخير. لذلك يركّز تعليم الكنيسة على أهمية الحرية كعلامة مميزة لصورة الله في الإنسان، لأن الله يريد أن يتمتع الإنسان بالحرية- داخلياً وخارجياً- في التصرفات الحياتية. وهنا تكون الحرية الحقيقية عاملاً أساسياً لتعميق الإيمان والارتباط بالله. من هذا المنطلق، لن يتجنب الإنسان الخطأ لأنه حرام، أو أنه يعمل الصواب لأنه حلال(2)، وإنما سيتجه إلى الصواب لأن حريته توجه طاقاته وإمكانياته إلى الخير والحق حسب قول القديس بولس: “كل شيء يحل لي، ولكن ما كل شيء ينفع. كل شيء يحل لي، ولكن لا أرضى أن يستعبدني أي شيء” (1كور 12:6). لكي تتحقق هذه الحرية ، يحتاج الإنسان إلى الشريعة التي توضح له متطلبات الطريق في علاقته بالله وعلاقته بالقريب؛ وبالتفاعل الإيجابي بين الحرية والشريعة يجد الإنسان نفسه في انطلاقة في الحياة الاجتماعية ويعيش تصرفاته بحرية داخلية ملتزماً بمسؤولياته تجاه الجماعة كما يوضح المجمع الفاتيكاني الثاني: “تنتعش الحرية عندما يتقبل الإنسان التضحيات التي تقتضيها الحياة الاجتماعية ويتحمل التبعات الكثيرة التي يفرضها التضامن عليه عندما يضع نفسه في خدمة الجماعة”(1). من هذا النص، نستنتج أن الإنسان في تفاعل مستمر مع الجماعة. فإذا كان هذا التفاعل إيجابياً، فالإنسان يحقق ذاته بشخصيته من خلال الجماعة، وإذا كان التفاعل سلبياً، فالنتيجة تؤثر على الشخص ذاته وعلى الجماعة بطريقة سلبية. وهذا الاستنتاج يصل بنا إلى ما يركز عليه اللاهوت الأدبي الحديث، وهو البُعد الجماعي والاجتماعي للخطيئة. ففي الماضي كان التركيز على البعد الفردي والخطيئة الشخصية، وبالتالي ارتبط هذا المفهوم بالخلاص الفردي؛ أما اليوم فالتعليم المعاصر للكنيسة يضع في اعتباره ارتباط الخلاص الفردي بالخلاص الجماعي، ويوضح العلاقة بين الخطيئة الشخصية (البعد الشخصي) والخطيئة الاجتماعية (البعد الجماعي): “ما من خطيئة، ولو كانت على أكبر قدر من الحميمية والسرية والفردية، تعني فقط من ارتكبها وحده. لأن كل خطيئة كبُر أم صغُر حجمها، كثُر أو قلّ أذاها، بنعكس أثرها على الجماعة الكنسية كلها، وعلى العائلة البشرية جمعاء”(2). إنطلاقاً من هذا التعليم، نؤكد أن الخطيئة بالمعنى الحصري، هي فعل الفرد وهي إهانة ضد حب الله وحب القريب في ذات الوقت. لذلك تتجسد الخطايا الاجتماعية في كل فعل ضد العدل، وما يمس حقوق الإنسان وخاصة الحق في الحياة، وفي كل فعل ينقص من حرية الآخرين، وكل فعل يُرتكب ضد الخير العام(3). غير أن الكنيسة عندما تتحدث عن الخطيئة الاجتماعية، حتى وإن كانت لمواقف جماعات بأكملها، فهي تعلن أن خطايا اجتماعية من هذا النوع هي نتيجة عدة خطايا شخصية متراكمة مترابطة: “إنها خطايا شخصية يقترفها من يتسبب بالظلم ويسانده أو يستغله، ومن كان بإمكانه أن يعمل على تحاشي بعض الأضرار الاجتماعية وإزالتها، أو على الأقل وضع حد لها، وتقاعس عن ذلك، إهمالاً وخوفاً وممالقة وسكوتاً مخزياً، وتواطؤاً مقنّعاً أو لا مبالاة، ومن يختبئ وراء الإدعاء باستحالة تغيير العالم، ومن يريد أيضاً اجتناب المشقة أو التضحية بإختلاقه أسباباً هامة. إن المسؤولية الحقيقية تقع إذن على عاتق الأشخاص”(1). إن هذا البعد الجديد في تعليم الكنيسة يجعلنا ندرك أهمية تكوين الحرية الحقيقية داخل المؤمنين. وذلك لكي يشعر هؤلاء بمسؤولياتهم الشخصية والجماعية، وعندما توجه هذه الحرية الطاقات والإمكانيات نحو الخير العام والخاص، يحقق المسيحيون دعوتهم الموجهة إليهم من السيد المسيح بأن يكونوا “ملح الأرض”، و “نور العالم” (مت 13:5-14). 4- الضمير يضع التعليم المعاصر للكنيسة مكانة مميزة لموضوع الضمير، لما له من أهمية كبرى وتأثير عميق على السلوك المسيحي، فهو صاحب القرارات التي تجعل الإنسان في تقدم نحو غايته أحياناً، وتجعله يبتعد عنها أحياناً أخرى. وتضاعف الاهتمام بموضوع الضمير، لأنه يعمق الحوار بين البشر- مؤمنين وغير مؤمنين- بصفته الشريعة التي وضعها الله في قلب كل إنسان. ويركز اللاهوت الأدبي الحديث على أهمية الضمير لارتباطه بالحرية الشخصية والشريعة، كما أن الإنسان بوحي الضمير ينطلق في مسؤولياته الشخصية والأسرية، ومسؤولياته تجاه الكنيسة والمجتمع. بسبب هذه الأهمية، انطلق كثيرون ووضعوا الضمير في المكانة الأولى، وآخرون قيدوا الضمير بطريقة تجعل من الإنسان آلة تنفذ ما تأمر به الشريعة بدون وعي وفهم للحقائق. وتعليم الكنيسة لا يذهب في إتجاه أي من هذين التيارين، ويوجز لنا تعريف الضمير فيما يقوله المجمع الفاتيكاني الثاني: “يشعر الإنسان في أعماق ضميره بقانون لم يفرضه على نفسه ولكنه عليه الامتثال له- وهذا الصوت الذي لا يتوقف عن ملاحقته يحثه على محبة الخير وعمله، وعلى تجنب الشر، يردد في الوقت المناسب في أعماق قلبه “افعل هذا وتجنب ذاك”- ولا غرو فإن اله قد سجل هذه الشريعة في قلب الإنسان فإذن كرامة الإنسان في الخضوع لها وهي التي تحاسبه وتدينه. إن الضمير هو المركز الأكثر سرية في الإنسان، هذا الهيكل الذي يختلي فيه بالله وحيث يستمع إلى كلام الله- وهذه الشريعة التي تتحقق في حب الله والقريب يكشفها الضمير بصورة عجيبة”(1). إن هذا النص يوضح لنا بُعداً في غاية الأهمية، وهو أن التفاعل مع الضمير يمكّن الإنسان من إدراك الشريعة الإلهية، وأن الإنسان يصل إلى غايته التي هي الله باتباعه هذه الشريعة بإخلاص في سلوكه اليومي(2). وبناء على ذلك يحذر المجمع من إكراه الإنسان على ما يخالف ضميره، ويقول: “لا يجوز أن يكره الإنسان على ما يخلف ضميره، ولا يجوز أيضاً أن يمنع من القيام بما يملي عليه ضميره وبنوع خاص فيما يمس شئونه الدينية، وممارسة الدين في صميمها ترتكز قبل كل شيء على أفعال باطنية اختيارية حرة، يقوم بها الإنسان ليتصل بالله مباشرة، ومثل هذه الأفعال لا تملك أية سلطة بشرية أن تفرضها أو أن تمنعها”(3). إنطلاقاً من هذا، يوضح تعليم الكنيسة القوة الإلزامية لكم الضمير ومسئولية الإنسان في الخطأ إذا خالف هذا الحكم، ويبين أن حكم الضمير يضع القاعدة المباشرة لتقييم أخلاقية فعل الإرادة بتطبيق الشريعة الموضوعية على حادث معين(1). وتُظهر الرسائل البابوية في الآونة الأخيرة ضرورة إتباع حكم الضمير، فنجد في الإرشاد الرسولي تألق الحقيقة: “لحكم الضمير قوة إلزامية، كما للشريعة الطبيعية وأي معرفة عملية، وعلى الإنسان أن يعمل بموجبه. وإذا خالف هذا الحكم أو ارتكب فعلاً معيناً لم يقتنع باستقامته وصلاحه، فإنه يدان من ضميره ذاته، محك أخلاقية كل إنسان”(2). بناءً عل ما سبق، فاللاهوت الأدبي الحديث في تركيزه على أهمية الضمير، يلفت نظرنا ويوجهنا إلى عنصر له أهميته في هذا الموضوع، وهو تربية الضمير. فإذا كان الضمير هو الحكم الأخير، فلا يجوز أن يُترك علي سجيته؛ فكما أن عقل الإنسان يحتاج إلي التربية والتثقيف بالعلوم المختلفة لينمو في المعرفة وينمي إمكاناته ويتقدم في اختراعاته، كذلك يحتاج الضمير للتربية والتثقيف ليستطيع توجيه تطور العلم في سبيل خير البشرية كلها(3). وهذا يوضح لنا أن الضمير ليس المصدر الوحيد لتقرير ما هو خير وما هو شر، بل إن فيه دافعاً، طُبع عليه، إلى التقيد بشريعة موضوعية، عليها ترتكز وتتكيف استقامة ما يأخذ من قرارات، على ضوء الأوامر والنواهي التي تنظم الحياة البشرية(4). إن تربية الضمير مسئولية خطيرة في عالم اليوم، وخاصة تربية الضمير على التمييز، فالإنسان قد يخطئ في تقدير الخير، فيمزج بين الخير ومصلحته الشخصية، ولا ينظر إلى نتائج عمله على نفسه وعلى المصلحة العامة وعلى غيره من الناس(5). وتربية الضمير هنا لا تعني التحرر من الشرائع، وفي ذات الوقت لا تعني الخضوع للشرائع خضوعاً جزئياً: “فالإنسان الذي يرفض الشرائع ويريد أن يتبع فقط نزواته لا يقوم بعمل أخلاقي، والإنسان الذي يكتفي بالخضوع للشرائع دون أن يقنع ضميره بأن ما توصي به الشريعة هو منير لا يقوم بعمل أخلاقي”(1). من هذا المنطلق، فتربية الضمير تحقق في مساعدة الإنسان على الوصول إلى الحرية الناضجة، ليكون هو نفسه صاحب القرار والمسؤول عن أعماله، فلا يتجنب الشر عن خوف من العقاب، بل يتجه إلى الخير من معرفة واقتناع وإحساس بالمسؤولية تجاه هذا الخير. وهنا يمكننا القول إن تربية الضمير هي فعل مزدوج: تربية الحوار أي تثقيف الإرادة والمسئولية، وتربية العقل أي تثقيفه على إدراك الخير ومعرفته(2). إن هذا المفهوم عن تربية الضمير يناسب كل إنسان، ولكن اللاهوت الأدبي الحديث يضيف إليه المزيد عندما يوجه النداء للمسئولين عن تربية الضمير في الكنيسة، ويوضح أن تربية الضمير- حسب روح الإنجيل والعهد الجديد هي تربية الإنسان على أن يقوم بكل أعماله وهو ينظر إلى الآخرين نظرة الله نفسه، أي نظرة المحبة(3)، وعليه أن يفسر كل الشرائع في إطار هذه النظرة، وبالتالي يزول التناقض بين الشريعة والضمير(4). هكذا يصبح الضمير قوة في الإنسان تنظم له العلاقة بين حريته والشريعة، ويصبح بالفعل المركز الأكثر سرية في الإنسان والهيكل الذي يتقابل فيه مع الله ويستمع إليه(5)؛ وفي هذه الحالة يقود الإنسان ليمجد الله ويشهد له أمام الآخرين ويشاركه حياته الإلهية أي يقوده إلى التألّه

تهاني

أسرة الإكليريكية تهنئكم بالعيد السعيد والسنة الميلادية المباركة، أعادها الله عليكم بالفرح والسلام. في عيد الميلاد يأتي يسوع المسيح لكنه يأتي كل يوم وكل لحظة في أولئك الأشخاص العظماء منهم والعاديين وهو حاضر بالأكثر في المهمشين الذين نلتقي بهم على دروب حياتنا ألا اعترفت بحضوره ليبارك مجيئه حياتك أسرة المجلة

شذرات

الميلاد… الأب/ يوسف المصري الميلاد… هو لله الذي يريد أن يولد في حياتي، هو سر الحب الإلهي غير المتناهي الذي صار طفلاً مثل البشر، هو الطفل الذي يأتي ليصنع بسمـة ونوراً في حياتنا البائسة الميلاد هو رضى وابتسامة كالسماء التي تزيل عني الحزن وتدعوني للفرح. هو انقلاب وثورة حب جنوني لمفاهيم وقيّم العالم. هو الطفل الذي يسود على الكبار والذي يستغيث به العظماء. هو عيد ابن الله الذي سكن بين البشر، هو عيد الإنسان الذي أصبح من أسرة الله القدير. الميلاد… هو عيد الأسرة التي تدوم وتثبت، هو عيد الختان، هو الذي يعطي طعماً للحياة، هو ثمرة الحب والعطاء هو عطية الله وينبوع الحياة. الميلاد… هو دعوة للولادة الجديدة دعوة للرجاء والفرح، دعوة للمشاركة والمقاسمة مع كل إنسان لأن في هذا العيد العظيم وحّد اله السلام البشرية وجعل من الإثنين واحداً. الميلاد… هو عيد كل يوم وكل ساعة لأن عمانوئيل معنا دائماً هو شهادة حية للحضور الإلهي الساكن فينا ومعنا، وهو تجلّ إلهي يستمر في الكون وفي قلوبنا

تاريخ الكنيسة

الصفحة التاريخية (11) الجذور الرئيسية للانشقاق بين الشرق والغرب القمص/ إسكندر وديع “تم الإنشقاق الأول الداخلي الذي حدث في الشرق سنة 451 بين مؤيدي مجمع خلقيدونية ومعارضيه . وكان سبب الاختلاف في التعابير اللاهوتية عن طبيعتي السيد المسيح . ولم تتأصل هذه الاختلافات اللاهوتية الدقيقة في عقول العامة إلا بفضل ما أثير حولها من نعرات قومية وطنية تحمّس لها الأقباط والسريان والأرمن، وهدفها مقاومة دولة الروح المستعمرة. وبقي الملكيون والبيزنطيون وحدهم- وهم من أنصار مجمع خلقيدونية- مشتركين مع روما والغرب في وحدة الكنيسة الجامعة. وكانت دعائم هذه الوحدة الإيمان بالمعتقدات نفسها التي أقرتها المجامع المسكونية ، والاشتراك في الأسرار الكنسية ذاتها، والاعتراف بأسبقية البابا بين مصاف البطاركة الخمسة وبزعامته العليا. وكانت هذه الوحدة الدينية تقبل كثرة الطقوس وتعدّد مظاهرها، واختلاف التشريعات الكنسية في تفاصيل الأمور، كما أنها لا تتنافى مع الاستقلال الإداري الداخلي الذي كانت تنعم به كلّ من البطريركيات الخمس. ولم يكن البابا يمارس سلطته الروحية في الشرق إلا في ظروف خاصة يقتضيها الدفاع عن صحة المعتقد وتدعو إليها المجامع المسكونية ، والنظر في الدعاوي الهامة التي تُرفع إليه. فكانت الكنيسة تتلاءم مع أطباع كل من الشعوب المسيحية وأنظمتها الخاصة. وكانت هذه الشعوب كلها تساهم بنشاطها وتكامل إيمانها في تقوية وحدة الكنيسة وإنماء ثروتها الروحية. إلا أنه كانت هناك منذ البدء عوامل خفيّة تهدد الوحدة المسيحية بالإنشقاق وليست هذه العوامل كما يظن البعض اختلاف الطقوس واللغة واستقلال البطاركة الشرقيين من الناحية الإدارية. إن هذه الأمور التي تميّز الشرق عن الغرب لهي ضمان للوحدة المسيحية داخل نطاق المحبة. لكن العوامل الحقيقية التي فصلت الشرق عن الغرب تعود كلها إلى أمر واحد. وهو أن الشرق كان يفهم الحياة الكنسية بمعنى مختلف عن الغرب وبأسلوب آخر، كانت نظرة الشرقيين إلى البابا والإمبراطور تختلف عن نظرة الغربيين إليهما(1). 1) فالشرقيون يعترفون بسلطة البابا . ولكنهم يعتبرونها سلطة عليا بعيدة . لا تتدخل في شؤونهم الخاصة إلا في ظروف معيّنة جددتها الأحداث التاريخية : وأما الغربيون فكانوا يعتبرونها سلطة مباشرة ، متواصلة ، يمارسها البابا في كل وقت وفي كل مناسبة بحق إلهي . ومن المؤسف أن هذه القضية الهامة في حياة الكنيسة لم يوضحها مجمع ما في وقت كانت فيه الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية تنعمان بالوئام والصفاء . لقد درس الآباء المجتمعون أموراً أقل منها أهمية ، ولم يتطرّقوا إليها قط. فانشقت الكنيسة ولما يبحث فيها مجمع مسكوني. 2) كان الإمبراطور البيزنطي يتدخل في الشئون الدينية تدخلاً متواصلاً. فيصدر المراسيم العقائدية، ويدعو إلى المجامع المسكونية، ويسّن القوانين الكنسية، وينصب البطاركة ويعزلهم. فيتصرف في الكنيسة وكأنه رئيسها ومصدر الوحدة الدينية في الإمبراطورية . أما في الغرب ، فكان البابا هو الذي يحدد القضايا الدينية بسلطته الرسولية التي استمدها من السيد المسيح، ويمارس مهام الوحدة في الكنيسة فيشعر الناس بأنه هو المسؤول الأول عن كيان الكنيسة جمعاء وعن وحدتها المنظورة. لقد ارتبطت الكنيسة الغربية بالبابا كما ارتبطت الكنيسة الشرقية بالإمبراطور. وهذا ما سبّب في الكنيسة الجامعة إصطدامات كثيرة بين الإمبراطور والبابا. شقتها إلى شطرين، مرات متعددة. وكانت هذه الإنشقاقات تزول وتعود الوحدة إلى مجراها الطبيعي. وكانت هذه الوحدة في أمان ما دامت الإمبراطورية الرومانية قائمة تجمع بين شطري الكنيسة الشرقي والغربي، فلما إنقسمت الإمبراطورية نفسها وانفصلت عنها الشعوب البربرية في الغرب، أصبحت الوحدة المسيحية في خطر عظيم. وجاء وقت إنحلت الوحدة فعلاً وانشطرت الكنيسة الجامعة شطرين متنافسين. تطبيقاً لهذه المبادئ نسرد بعض الأحداث التاريخية التي سبّبت إنفصالات ولو مؤقتة بين الكنيستين: – بسبب إتساع الإمبراطورية وصعوبة إدارتها قسّم الإمبراطور ديوكلسيانوس سنة 285 الإمبراطورية إلى قسمين: الإمبراطورية الشرقية والإمبراطورية الغربية. وأضاف إلى كل إمبراطور مساعداً باسم قيصر: ثم سقطت روما على يد الغزاة البربر سنة 455. وظل الإمبراطور الشرقي يحمل إسمياً لقب إمبراطور الإمبراطورية الرومانية. محافظاً بذلك على الوحدة السابقة . إلا أن البربر بعد هدايتهم إلى المسيحية طالبوا أن يكون لهم إمبراطور غربي وتوّج البابا لاون الثالث شارلمان إمبراطوراً على الغرب سنة 800م. مما أثار حنق الشرقيين. وتدخّل شارلمان في الأمور الكنسية طالباً من البابا لاون الثالث إضافة التعبير “الروح القدس المنبثق من الآب والابن” إلى قانون الإيمان. كذلك وقف شارلمان في وصف محطمي الصور مقاوماً المجمع المسكوني نيقيا الثاني سنة 787 الذي أقرّ إكرام الصور لا عبادتها. – وقبل هذا التاريخ تمت خلافات أخرى بمناسبة مجمع القبة سنة 692 الذي إنعقد في القسطنطينية وطعن هذا المجمع الذي لا يدخل في نطاق المجامع المسكونية في التقاليد الأرمنية وكذلك في التقاليد الرومانية : كإلزام الكهنة بالعزوبية وفرض الصيام يوم السبت وذلك تحت طائلة الحرم الكنسي. وأقرّ القانون 36 أن للقسطنطينية، روما الجديدة – الامتيازات نفسها التي تمتعت بها روما القديمة، ولها امتيازاتها في الشئون الكنسية. فأبى البابا سرجيوس، مع كونه شرقي الأصل، أن يصادق على هذا المجمع ولم يرض أن يفرض المجمع تقاليد الشرق على الكنيسة جمعاء. وأن تتساوى روما والقسطنطينية في الشؤون الكنسية. وظل هذا المجمع في عُرف البيزنطيين مجمعاً مسكونياً فاستندوا إلى قراراته مراراً لينتقدوا تقاليد الغربيين وعاداتهم. – كذلك تسرّبت إلى روما في أواسط القرن التاسع مفاهيم جديدة للسلطة البابوية جعلت منها سلطة تتنافى مع الفكرة التي إكتسبتها القسطنطينية في إستقلالها الإداري. وأصبحت البابوية في القرن العاشر ألعوبة بأيدي الحكام الزمنيين وأباطرة الحرمان خصوم البيزنطيين فضعفت هيبتها في نظر الشرقيين وطغت قوى الانفصال على عوامل الوحدة. كل هذه الأحداث ولو بسيطة في حدّ ذاتها تدل على وجود تيار فكري في كلتي الكنيستين بعدم الثقة في معتقد الكنيسة الأخرى. وهذا التيار لا يبشر بالخير في سبيل الوحدة

نبضات

وصية الأب دو شرجيه إلى الرهبان الذين قتلوا في الجزائر ترجمة وإعداد الأب/ بولس جرس الأب كريستيان ماري دي شرجيه واحد من الرهبان السبع الذين قُتلوا في الجزائر منذ عامين، وهو رئيس رهبان دير سيدة الأطلس. وكان قد كتب قبلها بثلاث سنوات وصيته الروحية، ووضعها في مظروف مغلق، وسلّمها إلى أحد أعضاء أسرته ، وأوصى بأن تُفتح بعد وفاته. ولعظمة وقوة الشهادة المسيحية التي تقدمها هذه الوصية فكرنا في نشر النص ليكون بين يدي القراء شهادة عن عمق الإيمان الذي يقود إلي محبة شاملة وأخوة عالمية وعظمة الصفح الذي يصل إلى الغفران لقاتليه وغزارة العطاء الذي يتسامى إلى بذل الذات ذبيحة عن حياة الآخرين. “إذا حدث لي يوماً ما وقد يكون هذا اليوم قريباً، أن أصير أحد ضحايا الإرهاب الذي يريد أن ينال من كل الأجانب الذين يعيشون في الجزائر الآن فسيسرني أن تتذكر كنيستي وجماعتي الرهبانية وأسرتي أن حياتي قد قُدمت من أجل مجد الله وخير هذا البلد (الجزائر). وأن يقبلوا أن رب كل حياة لا يمكن أن يكون بعيداً عن هذا أو غريباً عن هذه الميتة الشنيعة. وأن يصلّوا من أجلي: كيف شرّفني الرب بأن أقدّم هذه الذبيحة. وأن يربطوا هذه الميتة بكثيرات أكثر عنفاً منها ذهبت في طي الكتمان، في اللامبالاة… ليست حياتي أثمن من حياة الآخرين، ولا تساوي أكثر أو أقل. وهي على كل حال ليست في براءة الأطفال. لقد عشت بما فيه الكفاية حتي أعتبر نفسي شريكاً في الشرّ الذي يبدو، وياللحسرة، مسيطراً على العالم. وشريكاً حتى في الشرّ الذي قد يصيبني في أية لحظة. يسرني في تلك اللحظة متى أتت أن يكون لدي فرصة استنارة تسمح لي بطلب المغفرة من الله ومن إخوتي في البشرية، وأن أغفر من كل قلبي لمن جرحني. لا أستطيع أن أطمح إلى ميتة كهذه. ويبدو لي من الأهمية أن أعلن ذلك. فإني لا أرى كيف أستطيع أن أفرح لأن الشعب الذي أحبه متهم كله بقتلي إنه ثمن رهيب، لما يمكن أن نسميه بـ”نعمة الشهادة” الذي سأكون مديناً به لأخ جزائري أيّاً كان وبالذات إذا ما كان يعتقد أنه يسلك بأمانة نحو ما يعتقد أنه الإسلام. أعرف جيداً مقدار الاحتقار الذي نسم به الشعب الجزائري. وأعرف أيضاً الصيّغ الكاريكاتورية للإسلام التي تشجعها التيارات المتطرفة. من السهل أن نعطي راحة لضميرنا بأن نعتقد أن الإسلام هو التطرف الذي تتسم به بعض الجماعات الإسلامية. إن الجزائر والإسلام بالنسبة لي شيء آخر، إنها جسد وروح. لقد ناديت وأعلنت كثيراً وأمام الجميع عما منحوني إياه. فقد وجدت من خلالهم الطريق الذي يقودني نحو الإنجيل والذي تعلمته على حجر أمي “كنيستي الأولى”. في الجزائر بالذات وفي وسط إخوتي المؤمنين المسلمين. أعرف أن موتي سيعطي فرصة للشماتة لكل من اعتبرونني ساذجاً وحالماً ولعلهم يتسالؤون داخل قلوبهم: كيف ترى الأمر الآن؟ لكنهم يجب أن يعرفوا أن أعظم طموحاتي قد تحققت حيث سأستطيع، بمشيئة الله أن أغوص بنظري في نظرة الآب السماوي، لأتأمل معه أبناءه المسلمين كما يراهم هو، مغمورين بمحبة المسيح حيث أنهم أيضاً ثمرة من ثمار آلامه الخلاصية، مشمولين بعطية الروح القدس الذي سيثبت فرحه السري الكامن في الشركة والمؤكد في التشابه، حتى عبر الاختلافات. شكراً لله لهذه الحياة المبذولة، حياتي كلها وحياتهم جميعاً، لأني أردتها كاملة لهذا الهدف السعيد، برغم كل شيء وعكس جميع الظروف. شكراً وفي كلمة “شكراً” التي لخصت فيها حياتي كلها، أتضمنكم أنتم أيضاً أصدقاء الأمس واليوم وأنتم أصدقاء هذه المسكونة مع أمي وأبي وأخواتي وإخوتي، الذين يبلغون مائة ضعف حسب الوعد الإنجيلي، وأنت أيضاً صديق اللحظة الأخيرة من حياتي أنت الذي لا يعرف ما يصنع ، نعم من أجلك أنت أريد أن أطلب هذا الشكر وهذا الوداع . فليعطنا الرب أن نتقابل، كاللص اليمين في الفردوس . إذا شاء الله أبونا جميعاً . آمين إنشاء الله

لمسات

من هو الكاهن… ليس الكاهن… * موظفاً يؤدي خدمة ويتقاضى معاشاً لقاء خدمته، “مجاناً أخذتم مجاناً اعطوا”. * ولا متسولاً، ينتقل من بيت إلى بيت، يتسول، “بل يبقى في البيت يأكل ويشرب مما عندهم لأن الفاعل يستحق أجرته”. * ولا صاحب مصلحة ، يقتات منها، “وأن يك لخادم المذبح أن يعيش من المذبح”. * وليس طفيلياً يعيش على حساب غيره، “لأنه إذا زرع في الشعب الروحيات فليس بكثير أن يحصد منهم الزمنيات. * ليس مسلطاً على شعبه، يستغله لمصلحته: “وإبن الإنسان ما جاء ليخدم بل ليخدم”. إنما الكاهن… * رجل دعوة. دعاه الله ليتبعه دعوة شخصية فلباها بملء حريته. دعوة إلى الكمال وعمل الرسالة. * رجل رسالة، يحملها إلى الشعب باسم المسيح: “كما أرسلني الآب أنا أرسلكم…”. * رسالة تعليم يمليها عليه الروح القدس: “لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم هو المتكلم فيكم…” ورعاية، يسلمه قطيعه لأنه يحبه، أتحبني؟ ارع نعاجي”. * بل عليه كالراعي الصالح أن يبذل نفسه عن القطيع… وأن يقدس، بالصلاة والأسرار جميع المؤمنين. * وهو أب، يلدهم في المسيح بالعماد ويلد المسيح فيهم. فله عليهم حق الطاعة والاحترام ولهم عليه حق العناية والاهتمام. * مأخوذة من نشرة صادرة عن مركز الدعوات، مطرانية أنطلياس المارونية، لبنان. * ولا هو مع الغني على الفقير ، ومع القوي على الضعيف ، ” إنما جاء ليخلص ما قد هلك”. * ليس من العالم وإن يك في العالم: “لستم من العالم ولو كنتم من العالم لأحبكم العالم لأن العالم يحب من له”. * ولا يهمه أن ينتسب لهذا البلد، وتلك العائلة وذاك الحزب، لأن المسيح أرسله إلى العالم، وهو للجميع. * وسيط يقف بين الله وشعبه يأخذ مما لهم ويقدمه لله ويعطيهم مما لله نعمة غفران وتقديس وخلاص. * خادم للجميع في شتى حاجاتهم من المذبح إلى البيت إلى الحقل والمصنع. * هو كاهن وذبيحة، وكيل يوزع الطعام في حينه، وخبز يوزع ، يكسر على مائدة الجميع. يكسر للجميع جسده بالطهارة والنقاوة، والغيرة والإماتة، والتضحية اليومية. إنه رجل أوجاع، يحمل هم الجميع وأمراضهم. من يتألم ولا يتألم معه، ومن يشكو ولا يحترق معه، إنه رسول خلاص وذبيحة فداء مسيح آخر

من الحياة

التحدي الكبير اللواء/ سمير قلادة كانت دولة ” بولندا ” ، من بين الدول التي تدور في فلك النظام الاشتراكي الشيوعي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1946 وحتى تفكك النظام الشيوعي في التسعينات. في أوائل الخمسينات، أقامت السلطات مسبكاً ضخماً للمعادن ، في إحدى نواحي مدينة “كراكوف” ليعمل فيه حوالي مائة ألف عامل، كما شرعت في إنشاء مدينة سكنية بكامل المرافق اللازمة لإقامة عائلات هؤلاء العمال. أطلقت على هذا المشروع الضخم اسم ” نوفا هوتا ” أي ” مدينة مسبك المعادن الجديد”، قامت وسائل الدعاية البولندية بالإعلان عنه لاعتباره أحد ثمار النظام الاشتراكي، وتبين من التخطيط الذي تم لهذا المشروع أنه تجاهل إقامة مبنى للكنيسة، عند انتهاء العمل في إنشاءات المدينة الجديدة بدأت السلطات في تعيين العمال، وكان معظمهم من أهالي القرى. وجاءوا إلى المدينة الجديدة مع عائلاتهم للإقامة في المساكن التي تم إعدادها لهم. كان الأهالي الذين جاءوا إلى هذه المدينة المدينة الجديدة من المسيحيين الكاثوليك المتدينين والمتمسكين بالعبادة، بحثوا عن كنيسة لهم فلم يجدوا ، عرفوا أن أقرب كنيسة لهم تقع على مسافة من مفترق الطرق للمدينة وهي كنيسة صغيرة قديمة بنيت منذ القرن التاسع عشر، إتجهوا إليها وتقرر أن يأتي إليهم كل يوم أحد كاهناً من مدينة “كراكوف” لإقامة القداس، ونظراً لضيق مبنى الكنيسة كان الألوف من الأهالي يتجمعون حولها في الحقول لسماع القداس. لم يقتنع الأهالي بهذه الحالة ، طالبوا السلطات بإنشاء كنيسة لهم ، بعد فترة أعلنت السلطات أنها قد خصصت لهم قطعة من الأرض لكي يقام فيها مبنى للكنيسة، ومن أجل أن يطمئن الأهالي لذلك الوعد تقرر وضع صليب خشبي كبير في وسط مساحة قطعة الأرض التي خُصصت لهذا الغرض، وكان ذلك في شهر مارس 1957. ظلت السلطات تماطل في إعطاء الترخيص بإقامة المبنى لمدة سنتين ونصف تقريباً. في أواخر شهر أبريل 1960 أعلنت السلطات أنها في حاجة لقطعة الأرض من أجل إقامة مدرسة، بعد أيام وصلت سيارتان محملتان بالرجال إلى موقع الأرض وشرع الرجال في إنتزاع الصليب الخشبي الذي كان قائماً في وسطها. فثار الأهالي وتجمهروا واعترضوا الرجال واشتبكوا معهم في مشاجرات عنيفة، استمرت المشاجرات والاشتباكات ساعات وجاءت رجال الشرطة، استخدموا خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع وفضوا الاشتباك وقاموا باعتقال بعض الأفراد، لكن الصليب ظل قائماً مكانه، واضطرت السلطات لإقامة المدرسة في مكان مجاور للأرض المخصصة لإقامة الكنيسة. مع استمرار السلطات في عدم منح ترخيص إقامة الكنيسة، تقدم رئيس أساقفة كراكوف بطلب لمنحه قطعة أرض أخرى، أعطته السلطات قطعة أرض مجاورة لموقع الكنيسة القديمة لكنها رفضت منحه ترخيص للبناء، عندئذ طلب الإذن بترميم الكنيسة القديمة فوافقوا وعين الآب “جوزيف غور زيلاني” كاهناً لكنيسة المدينة، كان هذا الكاهن من رجال المقاومة الوطنية في بولندا أثناء الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب إتجه للكهنوت. عندما عين في هذا المكان كان قد بلغ من العمر خمسين عاماً وما أن تسلم الآب “جوزيف” الترخيص بترميم الكنيسة حتى إتجه إلى المهندس “فويتشيك بيترزيك” وهو من أشهر المهندسين في بلاده، طلب منه عمل تصميم لبناء كنيسة تتسع لخمسة آلاف شخص، ويدخل ضمنه مبنى الكنيسة القديمة. شعر المهندس أن في هذا العمل مخاطرة ضد السلطات. لكن القس “جوزيف” شجعه. بعد تردد، وافق المهندس، وأتم عمل التخطيط، ومن أجل صرف أنظار السلطات عن هذا المشروع، تم عمل تخطيط لأبراج عالية لسكنى العمال حول موقع الكنيسة ، بحيث يبدو مبنى الكنيسة غير ذي أهمية بالنسبة لهذه الأبراج. أعلن الآب “جوزيف” للجميع عن مشروع تجديد الكنيسة، طالب الجميع بالتعاون والتضامن، انتشر المتطوعون في كل أنحاء البلاد لجمع تبرعات أو مواد للبناء من أخشاب أو حديد، أو أسمنت، وسافر الأب “جوزيف” للخارج لجمع تبرعات، التقى بقداسة البابا بولس السادس ومنحه عشرة آلاف دولار لأجل هذا المشروع. في 10 مايو 1968 بدأت أعمال البناء، تقدم 200 متطوع من عمال مصنع الفولاذ للعمل، واستمرت أعمال الحفر لمدة سنتين حيث كان المتطوعون ينقلون مخلفات الحفر في عربات يدوية بدائية. كان “الأب جوزيف” يجتمع كل مساء مع المشرفين على العمل ويراجع الخطوات معهم. لاحظت السلطات هذه التجاوزات التي بدأ فيها الأب “جوزيف” بالنسبة لعملية الترميم التي سمحت بها، لاحظت تضامن الآلاف من العمال والأفراد حوله، خشيت من حدوث إضرابات أو تمرد إذا اعترضت على ما يجري في هذا المشروع فتجاهلته واستمر العمل في بناء الكنيسة، ورأت السلطات أن يقيم العقبات أمام العمل. مثلاً عندما كان العمل يجري في إعداد الحديد ولحامه، كان التيار الكهربائي ينقطع من أجل تعطيل العمل وكذلك ينقطع عند استخدام أي جهاز كهربائي، لكن العمل استمر. جاء وقت إقامة الجدران، كان تصميمها على أساس أنها قطعة واحدة متصلة، أعدوا قالب خشبي كبير له لكي يتم صب الأسمنت فيه بدون توقف. ظل العمال يتعاونون لمدة أسبوعين في تشغيل آلة صغيرة لخلط الأسمنت، يقومون بحمل الأسمنت على عربات صغيرة، يرفعون حمولتها بالأيدي ويصعدون بها على سلالم متنقلة وتم بناء الجدران. أراد الأب “جوزيف” كسوة الجدران من الخارج بنوع من الحجارة الناعمة، طلب من الشعب المعاونة، إتجه الآلاف إلى مجاري المياه الجبلية في جنوب بولندا، نقلوا الآلاف من هذه القطع التي تتواجد في هذه المواقع. عندما تم بناء الجدران، كان لابد من رفع القبة الفولاذية التي تم إعدادها للكنيسة، كان وزنها يزيد على تسعين طناً، وكان السبيل الوحيد لرفعها حتى تستقر في المكان المخصص لها فوق الجدران هو جهاز رفع ضخم موجود في مصنع الفولاذ. ذهب القس “جوزيف” للسلطات. إستأذنهم في إعارته جهاز رافعة المصنع وإلا سوف يضطر هو ومئات العمال إلى إقامة “تل” من الأتربة بجوار جدار الكنيسة حتى يمكن للعمال سحب القبة بالحبال لرفعها فوق الجدران وفي هذه الحالة سوف يتعطل الطريق العام مؤقتاً لفترة طويلة. انطلت عليهم الحيلة، سمحوا له باستعمال جهاز الرفع، وتم رفع القبة وكان ذلك في 15 مايو 1977، بعد عشر سنوات من العمل المخلص. تحدد يوم 15 مايو لتكريس الكنيسة باسم “سيدة بولونيا” وفي الليلة السابقة على الاحتفال تطوعت أربعون سيدة للعمل من أجل تنظيف أرضية الكنيسة من بقايا مواد البناء، استغرق هذا العمل الليل بأكمله. في يوم 16 اكتوبر 1978، جاء إليهم رئيس أساقفة “كراكوف” “الأسقف كارول فويتيلا” الذي أصبح فيما بعد البابا يوحنا بولس الثاني، لإقامة القداس الإلهي، احتشد حوالي خمسون ألف شخص لاستقباله وحضور القداس، وألقى عليهم كلمة قال فيها “إن الشروط الاقتصادية تعجز وحدها عن تقييم الإنسان وتاريخه، إن الإنسان أكبر من ذلك… وفهم الجميع مغزى كلامه… وأن قيود الدنيا كلها تقف عاجزة أمام عظمة الإيمان

ابحاث الخريجين

قضية الأمية* تقديم/ ريمون صبحي دوافع إختيار الموضوع من أهم المسئوليات المُلقاة على الكاهن والعلماني معاً(1) مسئولية تقديس النفوس وحمل البشرى السارة للجميع، وعندما أقول للجميع أقصد كل شخص في المجتمع مسيحياً كان أو مسلماً، فالكنيسة في المجتمع عليها أن تهتم بالجميع. من أجل هذا شغلني سؤال: لماذا لا يكون للكنيسة المحلية دور إيجابي في قضية مهمة وخطيرة وهي قضية الأمية؟ خاصة وأن الحديث الرسمي عنها لا ينتهي، والمجهود المبذول لا يتناسب وحجم المشكلة وخطورتها واستجابة لهذا السؤال فكرت في الإهتمام بقضية الأمية بعمق وبأسلوب منهجي. – ما هو دور الرعية والراعي في مكافحة الأمية إذن؟ – إلى أي مدى تقوم الكنيسة بدور فعّال وإيجابي في القضية؟. سنحاول إذن إبراز قضية الأمية والمشاكل الناجمة عنها ، وتوضيح مدى ارتباطها بكثير من العوامل الاجتماعية بل ومع شخصية الأمي نفسه وظروفه المعيشية ، لنصل إلى تحديد دور الكنيسة في هذه القضية الحيوية بحيث تقوم بدورها كاملاً . وقد تمت معالجة الموضوع في ثلاثة فصول: الفصل الأول: تعليم الكنيسة الكاثوليكية بخصوص الأميين: الجميع يحتاجون إلى تلقين التعليم المسيحي: وهذا التعليم يخص أساساً المهمشين وقد اعتبرت أن هؤلاء الأميين مهمشين لكونهم منعزلين فكرياً وأيضاً نفسياً عن المجتمع الذي يعيشون فيه. إن الاهتمام بحياة الإنسان هي الرسالة التي أوكلها الرب إلى الكنيسة حتى توصل بشارة الخلاص إلى كل الناس وبالأخص الأميين، فلا يمكن أن تصل رسالة الخلاص كاملة إلى البشرية دون الاهتمام بمختلف جوانب حياة الشخص. فولادة المسيحي من الماء والروح تعطيه الحق في التربية المسيحية، وهذه التربية توفر له النضج الإنساني وتُدخله إلى معرفة سر الخلاصة وهو واعٍ لهبة الإيمان. لذا يذكّر المجمع المقدس الرعاة بأهمية واجبهم التربوي حتى يفيدوا كل المهمشين وبصفة خاصة الشباب الذين هم أمل الكنيسة حيث توجد بينهم نسبة كبيرة من الأميين، فإذا كان الشباب أمل الكنيسة، يعانون من الأمية فكيف يكون مستقبل الكنيسة؟. التربية المسيحية تعلمنا الإهتمام بحاجات الناس ، فرسالة كل واحد منّا إذاً هي تحقيق العتق والتحرر للمضهدين. والمسيح أتى ليحرر الإنسان(2)، ومواجهتنا للأمية تجعلنا نقترب من عالم واقع فريسة للظلم والعزلة وعدم المساواة، فالأمية تحرّم العديد من الفقراء من وسائل التقدّم وتحجب الحرية عنهم. إن الحرمان من التعليم ليس أقل من الحرمان والجوع إلى الغذاء، فالأمي هو روح ناقصة التغذية، فحيثما توجد الأمية يسود الجوع والمرض ووفيات الأطفال وكما يوجد أيضاً الذل والاستغلال والمعاناة بكل صورها. الفصل الثاني وضع الأمية في مصر وسيكولوجية الأمي بصفة خاصة يعرّف د. إسحق قطب (3) الأمي فيقول : إن الأمي هو كل من لا يحصل على أي نوع من التعليم ولا يتقن القراءة والكتابة ، والعمليات الحسابية ، وتجاوز سن المرحل الابتدائية أي 15 سنة فيما فوق. ومن واقع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يتضح لنا (4): 1- أن محافظات الصعيد (بني سويف- الفيوم) أكثر معاناة من الأمية عن محافظات القاهرة والإسكندرية. 2- تنتشر الأمية في الريف أكثر من الحضر وهذا مؤشر على إهمال تطور الريف من حيث تشييد المدارس والاهتمام بالتعليم فيها. 3- انتشار الأمية بين الإناث أكثر من الذكور، على أساس أن مكان الأنثى الطبيعي هو المنزل وهو في غالب الأحيان لا يحتاج إلى تعليم في رأيهم. وبهذا نجد أن مكانة المرأة متدنية بالنسبة للرجل ولما كان المستوى التعليمي للمرأة من أهم العوامل المؤثرة في مستوى الخصوبة، بمعنى عدد أفراد الأسرة، فليس من الغريب إذاً أن تكون السياسات الداعية إلى تنظيم الأسرة غير مجدية، مادام حوالي 80% من النساء مازلن أميات وشبه أميات. 4- إنه لمن المدهش أن عمر نظام التعليم في مصر يفوق المائة والخمسين عاماً وقد احتفلت مصر منذ سنتين بمرور مائة وعشرين سنة على افتتاح أول مدرسة لتعليم البنات ورغم ذلك فإن معدلات الأمية تقدر بأكثر من 50%. والواقع أن هذا الرقم يخفي حقيقة الأمية في مصر، حيث يقوم على افتراض أن إتمام أربع سنوات من التعليم الابتدائي يكفي لمحو أمية الفرد. ولكن تشير كل الدلائل المتاحة إلى أن إتمام هذه السنوات الأربع لا يكفي لاكتساب أساسيات القراءة والكتابة والحساب وإنما يصل بالفرد إلى مجرد “الأمية الهجائية”. * أسباب عجز النظام التعليمي الحالي عن معالجة مشكلة الأمية تتطلب معالجة مشكلة الأمية في مصر تحقيق أمرين أساسيين هما: 1- ضمان تعميم التعليم الابتدائي للصغار. 2- محو أمية الكبار. فإذا أمكن جعل التعليم الابتدائي ذي مستوً جيد وقادر على الوصول إلى كل الأطفال في سن الإلزام لأمكن سد منابع الأمية وبالتالي وقف الزيادة المستمرة في إعداد الأميين. ولو صاحب ذلك نظام لتعليم الكبار يمكنه جذب الأميين إلى التعليم ومنع ارتدادهم إلى الأمية ، لأمكن القضاء على الأعداد المتراكمة من الأميين. إلا أن نظام التعليم في مصر قد عجز عن تحقيق أي من هذين الأمرين، ويرجع هذا إلى ما يمكن تسميته باختلال إستراتيجيات التنمية في مصر، فقد انحازت هذه الإستراتيجيات بصفة عامة لتنمية القطاعات الحديثة في الاقتصاد القومي التي تقوم على الاستخدام الكثيف لرأس المال ولا توفر عملاً منتجاً إلا لقلة محدودة من السكان يستلزم إعدادهم تعلماً طويلاً ومتخصصاً. وقد أهملت هذه الاستراتيجيات في نفس الوقت القطاعات التقليدية التي تستوعب الجزء الأكبر من القوى العاملة، والتي تقوم أساساً على استخدام أساليب إنتاج بدائية لا تتطلب أي قدر من التعليم وذلك إعتقاداً بأن تنمية القطاعات الحديثة سيكون من شأنه أن يؤدي إلى تنميو القطاعات التقليدية تلقائياً. وقد أدى هذا التوجه إلى آثار انعكست على التعليم وعلى مشكلة الأمية ومن أهمها: أ‌- تخلف البيئة الثقافية في الريف فالأمي عاجز عن الوعي بأهمية التعليم في ظل أوضاعه الحالية. ب‌- اختلاف أولويات النظام التعليمي فالنظام التعليمي يتوجه نحو إعداد فئة محدودة العدد من السكان لتولي الوظائف التكنوقراطية(5)، وبذلك أصبحت المستويات الدنيا من التعليم لا هدف لها في حد ذاتها، إلا الإعداد لاستكمال المستويات العالية من التعليم. * سيكولوجية الأمي إن عجز الأمي عن القراءة والكتابة يبعده عن الانخراط في الواقع ، فهو بعيد عن مصادر صنع القرارات التي تتحكم في مصيره؛ وبذلك يعيش في قهر وهامشية فالأمية ترتبط بالتخلف ارتباطاً وثيقاً. كما أن الأمي معوق للإنتاج لأنه ليس لديه القدرة على فهم وتنفيذ التعليمات والإرشادات المتعلقة بالإنتاج المتصور؛ وعندما يفشل صاحب العمل في الحصول على نوعية من القدرات البشرية قادرة على استيعاب وفهم كيفية تشغيل الآلة، يضطره حرصه على عمله إلى طرد الأميين الغير قادرين على مواكبة التطور إذاً هو عاجز عن المجابهة ويقع فريسة التوقع والانتظار والتلقي الفاتر لما قد يحدث. وينتج عن هذا إنعدام الثقة بالنفس إذ لا شيء مضمون؛ ويستسلم للقدرية أو التفسير الغيبي (الخرافات) للأحداث. إن الأمي لا يحتاج إلى كم من المعلومات بل يحتاج إلى آداة تمكّنه من فهم ما يدور حوله، إنه يحتاج إلى مفتاح يكشف له سر العالم الذي يعيش فيه ويحتاج أكثر من ذلك كله إلى إعادة اكتشاف قدراته الذاتية وتحديد مصيره. الفصل الثالث: قضية الأمية والعمل الرعوي نتائج الاستبيان (6) • تبلغ نسبة أمية في الرعايا توجد في شبرا الخيمة وإمبابة. • تبلغ نسبة إجمالي عدد الأميين في الرعايا موضع الدراسة- إجمالي المؤمنين المنتمين لهذه الرعايا حوالي 27.2% وهي أقل من نسبة الأمية على المستوى الوطني التي تبلغ في القاهرة 31.5% والإسكندرية 34% والجيزة 45% والفيوم 66.5% وبني سويف 63%. • من الملاحظ أيضاً أن عدد كبير من الرعايا موضع الاستبيان ويبلغ عددها (37 رعية) لا توجد بها أي خدمة مكافحة الأمية. وأن عدداً كبيراً من الكنائس ليس لديها برنامج مكافحة الأمية. • في هذا الفصل حاولت أن أوضح مدى إهتمام الرعايا موضع الاستبيان بالأميين وكانت النتيجة 18.75% فقط. فالكنيسة لا تقوم إذاً بالدور الفعّال المتوقع منها في المجتمع أو بمعنى آخر أنها لا تتعايش مع ما يجري في حياة كل شخص مسيحياً كان أو مسلماً. وهنا نذكر بأن واجب تحرير الإنسان يعكس قصد الله لخليقته فيسوع المسيح يعطينا الرؤية والوعي بعالم جديد” وعلى الرعاة أن يشجعوا الأميين على الإنضمام لفصول محو الأمية. وهكذا يستطيع كل صاحب معرفة أو خبرة أن يقدم معارفه وخبراته. إلا أن ذلك يحتاج إلى خطة واعية وتنظيم مثمر مبني على الرغبة والإيمان قادر على تجاوز الشكليات ويكون شعارها ” لمن لم يتعلم حق على من يتعلم