القديسة جيانّا بيريتا مولّلا

القديسة جيانّا بيريتا مولّلا

1922-1962
طبية أطفال، زوجة وأم وقديسة

إعداد ناجي كامل- مراسل الموقع بالقاهرة
حياتها:
*ولدت جيانّا بيريتا مولّلا في ماجينتا (ميلانو- إيطاليا) في 4 أكتوبر 1922 وسط عائلة ملتزمة، هي العاشرة من عائلةٍ مؤلفة من ثلاثة عشر فرداً بينهم راهبٌ وكاهنٌ كبوشي مُرسل في البرازيل، وراهبة مرسلة في الهند. وكان تهتم باليتامى والعجزة كما كانت كل يوم تشارك في الذبيحة الإلهية منذ طفولتها.

*في عام 1941 ، نالت بكالوريوس في الطبّ والجراحة من جامعة “بافي” فأنشأت في العام 1950 مستوصفاً في ميسيرو. تخصّصت في طبّ الأطفال في جامعة ميلانو وكانت تفضّل مجالسة الأمهات والأطفال والعجزة والفقراء.إلى جانب خدمتها في نشاطها الكاثوليكي كما تمنّت جيانا لو تشارك أخاها و كان كاهن و مُبَشِّر بالبرازيل في الخدمة هناك من خلال تخصصها لمساعدة السيدات الفقيرات بخبرتها في أمراض النساء و الأطفال. إلا أن هذه الخدمة لم تكن مناسبة لها بسبب الاعتلال المزمن في صحتها فاستمرت في عملها بإيطاليا

اتخذت الطبّ مهنةً ورسالة وقد جدّدت التزامها في العمل الكاثوليكي معطية ذاتها بدون حساب. وكانت تمجّد الخالق عبر مخلوقاته. ورغبت في تأسيس عائلة مسيحية، فأعلنت خطوبتها على المهندس بيار مولّلا وكانت في غاية السرور والسعادة.
* تزوّجت في 24 سبتمبر 1955 ، رُزِقا الزوجان بثلاث فتيات هن ماريا و زيتا و لورا بعدها تعرضت لفقد الحمل مرتين. وكانت تعي تماماً واجباتها كزوجة وأم من جهة وكطبيبة وأم من جهة أخرى

*في عام 1961 اختبرت سرّ الألم في حياتها. أثناء حملها الرابع، إتضح للأطباء أنها تعاني من مرض سرطان في الرحم مما يوجب استئصاله. وعلى رغم إدراكها الكامل لمخاطر إكمال الحمل في حالتها هذه ،فخيّرها الأطباء بين ثلاثة حلول: الإجهاض أو استئصال الرحم بالكامل أو استئصال الورم فقط، رغم أن الكنيسة الكاثوليكية سمحت باستئصال الرحم في حالات الأورام حفاظاً على حياة الأم إلا أن جيانا إختارت فقط إزالة الورم على أساس أنه الإختيار الوحيد الذي يحفظ حياة الجنين ، برغم أنه الإختيار الذي يُعَرِّض حياتها للخطر. قبل أن تخضع جيانا للجراحة ألزمت أسرتها بأنه في حالة الإختيار بين حياتها و حياة طفلها أثناء الجراحة أن يختاروا حياة الطفل، كما صلت
إلى الله كي ينقذ جنينها. وقبل إنجابها بيومين تضرّعت إليه بالقول ” يا ربّ إذا أردت أن تختار بيني وبين الطفل ، فلا تتردّد. أنا كلّي لك وأتوسّل إليك أن تنقذ حياته.
نجحت الجراحة دون أن تفقد حياة طفلها أو حياتها ، بعدها و برغم المتاعب قضت الشهور السبعة المتبقية لحملها في خدمتها بجمعية العمل الكاثوليكي وبعملها كطبيبة بقوة عمل الروح القدس بها.

*في 21 ابريل 1962 ، حانت ساعة الوضع الموافق للجمعة العظيمة لهذا العام
و كررت جيانا بإصرار رغبتها في حفاظ الأطباء على حياة الطفل و لو تطلب ذلك فقدها حياتها. و بعد جراحة قيصرية رُزِقَت بطفلتها الأخيرة (جيانا إيمانويلا) لكنها توفيت بعد الولادة بأسبوع أي يوم 28 إبريل 1962 بعد إصابتها بمضاعفات ما بعد الولادة. و كانت تردد آخر كلماتها : “أحبك يا يسوع” على حسب قول الأطباء الذين أشرفوا على حالتها و حضروا نزاعها الأخير.وقالوا إنها “إستودعت روحها بين يدي خالقها وسط آلام مبرحة وهي تردّد: “يسوع أنا أحبّك ، يسوع أنا أحبك”
“الضمير المُضَحّي” كان هو المصطلح الذي أطلقه البابا بولس السادس كتعريف لعمل الطوباوية جيانا مولاّ حيث أعلن فضائلها قداسته في23 أغسطس عام 1973 قائلاً عنها:”أنها أُم صغيرة من إيبارشية ميلانو أعطت حياتها لطفلتها في يوم وافق الجمعة العظيمة كأنها تعمل كرمز” لتُحيي تذكار ما صنعه سيدها و مُخَلِّصها على في حياتها الصغيرة.

* في 24ابريل 1994 أعلنها البابا يوحنّا بولس الثاني طوباوية، لأنه قد تحققت في البرازيل في السنة العالمية للعائلة، وكانت الأعجوبة التي اعتمدت، تلك التي جرت مع والدة برازيلية استطاعت متابعة حملها إلى النهاية بالرغم من ظروف طبّية صعبة للغاية ، وذلك بفضل شفاعة القديسة جيانّا مولّلا، وكان ذلك سنة 1977.

* وفي 17 مايو 2004 أعلن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني قداستها .بسبب أن أم برازيلية شابة ، طلبت هي أيضاً شفاعة القديسة ، واستطاعت إنجاب طفلة أمام دهشة الأطباء ، لأن تمزّق الأغشية في الشهر الرابع من الحمل جعل الجنين ينمو بدون السائل الاسلوي (ما يعرف في اللغة العاميّة ب”ميّة الرأس”). لقد ولدت الطفلة يوم 31 مايو 2000 ، في الشهر الثامن بجراحة قيصرية ، كانت تزن 1820جرام ، ولكن من دون أي مضاعفات حتى التنفسيّة منها، وسمّيت جيانّا ماريا.

يُذْكر أنه حدثت معجزة أخرى بشفاعة القديسة (جيانا مولاّ) عام 2003 لسيدة أخبرها الأطباء و هي في الأسبوع الرابع عشر من الحمل بأن إحتمال ثبات الجنين أصبح معدوماً بسبب جفاف سائل المشيمة و إذ تشفعت بالقديسة (جيانا مولاّ) إستمر الحمل حتى أكمل الأسبوع الأربعين بعدها رُزِقَت بطفل يتمتع بصحة جيدة برغم إستمرار حالة الجفاف بالمشيمة لآخر لحظة. و من هنا أصبحت شفيعة للأمهات .

لذلك نفهم حماس الحجاج البرازيليين وعددهم الكبير في ساحة القديس بطرس يوم إعلان قداستها. فقد أصبحت هذه الوالدة القديسة ، التي عرفت ألم الإجهاض العفويّ مرّتين، حاميةً وشفيعةً للأمهات البرازيليات.

عندما أعلن البابا يوحنّا بولس الثاني قداسة الطبيبة، جيانّا بيريتا مولّلا بحضور زوجها وأولادها في ساحة بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان، صبيحة الأحد 16 مارس 2004 ، مع خمسة قديسين آخرين ينتمون إلى السلك الكهنوتيّ والرهبانيّ ، بينهم القديس نعمة الله كساب الحرديني ، أظهر للعالم أن الدعوة إلى القداسة موجّهة للجميع، وهي ليست حكراً على الرهبان والكهنة ، والراهبات ، وأن الإجابة عن هذه الدعوة لهي أمر ممكن لمن يعيش الحبّ في وجه من وجوهه المتعدّدة. لقد قدّم البابا هذه القديسة كرسولة بسيطة متواضعة لحبّ الله المتجسّد ولكن رسالة حبّها هذه معبّرة للغاية في عالم اليوم منهمك بحضارة الموت من الإجهاض إلى ما يسمّى القتل الرحيم

الكنيسة تقدم للعالم المسيحي، عبر إعلان قداسة جيانّا بيريتا مولّلا بحضور زوجها وأولادها، شهادةً حيّة للأزواج المسيحيين ليؤسّسوا زواجهم على يسوع المسيح الربّ، الذي يعلّم الإنسان الحبّ الحقيقي والتضحية بالذات لأجل من نحبّ. إن العمل البطولي الذي قامت به هذه القديسة، مقدّمةً حياتها في سبيل إنقاذ حياة طفلها ، لم يكن حدثاً بالمصادفة ولا قراراً منفصلاً ولد في ساعته، بل كان نتيجة حياة حبٍ بنيت على المسيح، حياة كانت تتغذّى يومياً من هذا الحب ومن كلمة الربّ وجسده ألقرباني.