القديس الرسول لوقا الانجيلي + القرن الأول

القديس الرسول لوقا الانجيلي + القرن الأول

هو ثالث الانجيليين، وواضع كتاب أعمال الرسل، ورفيق القديس بولس الرسول في أسفاره، وشريكه في رسالته وأتعابه، وشهيد المسيح الاله نظيرسائر الرسل القديسين

نشأته

خرج القديس لوقا من انطاكية عاصمة البلاد السورية. وكان طبيباً، ولم يكن يهودياً، بل كان يونانياً من عبدة الأوثان. والأدلة كثيرة على ذلك، منها أن بولس في رسالته إلى أهل كولسي يرسل إليهم التحيات من رفاقه أرسترخُس ومرقس ويسوع المسمى يُستس “الذين هم من أهل الختان”. ثم يردف قوله: “يسلم عليكم لوقا الطبيب”

وانتحل لوقا الإيمان على أيدي التلاميذ الذين نزحوا من أورشليم، وأتوا انطاكية وأخذوا يبشرون باسم الرب يسوع، نحو سنة 35، أي عقب الاضطهاد الذين أثاره اليهود على الكنيسة فقتلوا استفانس رجماً بالحجارة.

لوقا الرسول

ولقيه بولس في سفرته في مدينة ترواس (51 – 54)، فوجد فيه ضالته، وأحبه، واتخذه رفييقاً له،. ولكن يظهر أن لوقا رافق بولس إلى مكدونيا وإلى فيليبي ومكث هناك. لأنه في كتاب الأعمال يستعمل صيغة المتكلم في روايته إلى حين وصوله إلى مدينة فيليبي، ثم يعود فيستعمل صيغة الغائب في كلامه عن القديس بولس ورفاقه.

وفي أواخر سفرة القديس بولس الثالثة (54 – 58) يتقابل الرسولان معاً في فيليبي أيضاً، ومنذ ذلك الحين يعود لوقا إلى ملازمة بولس، وتعود صيغة المتكلم في كتاب أعمال الرسل. وبقي لوقا برفقة الرسول بولس ربما حتى آخر أيام هذا الرسول الاعظيم. فعاد معه إلى أورشليم، ولبث بالقرب منه في قيصرية، وتجرد وتفانٍ. ثم أقلع معه إلى رومة، لما ذهب بولس إليها مخفوراً، واحتمل معه شدائد الزوابع في البحر، وبقي بالقرب منه في رومة مدة الأسر الأول والثاني. إلا أن لوقا لم يُسجن مع بولس نظير أرسترخُس، بل بقي حراً طليقاً وكان الخادم الأمين والصديق الوفي الحبيب.

أما عن بقية حياته فلا نعلم شيئاً. وهذا دليل كبير على ما اتصف به ذلك الرسول الانجيلي من الفضائل السامية، وأخصها الغيرة الرسولية المقرونة بالتواضع العميق. لأنه رغم أنه كتب الانجيل الثالث، ووضع كتاب “أعمال الرسل” وذكر ببعض الاسهاب ما حدث للرسول بولس في حياته الرسولية، فإنه أغضى عن ذكر نفسه، وسكت عن أعماله، حتى لقد ترك شيئاً من الشك يحوم حول شخصه ورسالته.

انجيل القديس لوقا

ان لوقا لم يعاين الرب يسوع، ولا سمع كلامه، ولا تعلّم الإيمان منه بوحي خاص، كما جرى لبولس الرسول، لكنه اعتمد في كتابة انجيله على وثائق خطيرة ثابتة، منها كتابية ومنها شفهية.

أما الكتابية فهي أولاً انجيل متى وانجيل مرقس اللذين سبقاه في الكتابة. وثانياً بعض الكتب الخاصة التي منها استقى ما كان صحيحاً ومقبولاً في الكنيسة، ونبذ ما وجد فيها محرَّفاً ومختلفاً.

وأما الشفهية فهي ما سمعه من بشارة الرسول في رحلاته الرسولية، ومن كرازة الرسولين بطرس وبرنابا في انطاكية، ومن أحاديث الشماس فيليبس في قيصرية، ومن القديس يعقوب أخي الرب في أورشليم، ولا سيما ما استقاه من فم البتول مريم أم يسوع، كما يعتقده جمهور الكتبة والمفسرين. لأن ما تركه لنا من بدائع الكلام عن الحبل بالنبي السابق وولادته، وعن بشارة البتول مريم وزيارتتها لنسيبتها اليصابات، وعن التتجاء العيلة المقدسة إلى بلاد مصر الآمنة هرباً من حسد وغضب هيرودس، وعن حداثة يسوع في بيت يوسف ومريم، ولم يتوصل إلى معرفته بتلك الدقة والصراحة والأمانة في الرواية إلا من فم تلك التي “كانت تحفظ ذلك الكلام كله في قلبها(1)”

وكتب لوقا انجيله باسم “العزيز ثاوفيلس”. ولكن غلب على الظن أن ثاوفيلس هذا انما هو اسم مستعار، أراد به لوقا جماعة الأمم المتنصرة وجماعة اليهود الذين آمنوا أيضاً بالرب يسوع، وبوجه عام كل نفس تحب الله أو محبوبة لديه.

أما غايته فهي تاريخية ودفاعية معاً، بحسب ما جاء في فاتحة انجيله، إذ يقول: “إذ كان كثيرون قد أخذوا في ترتيب قصص الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا معاينين منذ البدء وخادمين للكلمة، رأَيت أنا أيضاً، بعد أن أدركت جميع الأشياء من الأول بتدقيق، ان اكتبها لك بحسب ترتيبها أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي وُعظت به(2)”

ولا يُعرف بالتدقيق متى وضع لوقا انجيله. ولكن من المؤكد أنه وضعه قبل السنة السبعين. واختلف الرواة في أمر المكان الذي كتبه، لكن هذا شيء لا قيمة له في نظر التاريخ.

ومن مميزات هذا الانجيل الثالث انه يصلح أن يُدعى بحقٍ انجيل الرحمة، لأنه يذكر كثيراً من الحوادث التي تدل على حنان يسوع ورحمته نحو الخطأة، والتي تبيّن على الأخص عطفه نحو الأمم، وذلك لكي يصبّ في قلب الأمم المتنصرة عواطف الرجاء والثقة بالسيد المسيح. ان انجيل القديس متى يبيّن أن يسوع هو المسيح وانجيل القديس مرقس يقدمه للرومانيين بكونه ابن الله الحق. أما انجيل القديس لوقا فهو رسم بديع للرب يسوع بصفته طبيب البشرية ومخلص العالم.

ويُقسم انجيل لوقا إلى مقدمة وأقسام أربعة. فهو يتكلم أوّلاً عن طفولة يسوع وحداثته ثم عن ظهوره للناس وبشارته في الجليل، ثم عن شخوصه الأخير من الجليل إلى أورشليم، وأخيراً عن آلامه وموته وقيامته. وذلك كله بلهجة رائعة تأخذ بمجامع القلوب ببساطتها وصراحتها وجمال معانيها.

كتاب “أعمال الرسل(3)”

هو مجموعة الحوادث التاريخية التي أوحاها الله، ووضعها القديس لوقا الرسول بالكتابة ليبيّن كيف نشأت الكنيسة، وكيف انتشرت بين اليهود والأمم، وماذا كان إيمانها وتعليمها.

لكن اسم الكتاب هو أعم من الموضوع الذي يُعنى به. لأن هذا الكتاب لا يحتوي على تاريخ أعمال الرسل أجمعين، بل يقتصر على ذكر بعض الحوادث التي جرت للهامتين بينهم، أعني بطرس وبولس. فشخص بطرس يملأ الفصول الاثني عشر الأولى، وأعمال بولس هي موضوع لافصول الستة عشر الباقية.

وان عمل لوقا في وضع هذا الكتاب لعمل خطير، لأن كتاب الأعمال هو تتمة لكتب الأناجيل، وهو نور يضيء ما غمض وصعب فهمه من كتب الرسائل، ولا سيما رسائل القديس بولس، وهو مجموعة بديعة للعقائد المسيحية كما بدأ الرسل يبشرون بها وينشرونها بين الشعب. وهو كتاب يجد فيه المؤمن المتعبد أسمى التعاليم الروحية، وصورة حية للفضائل المسيحية التي امتاز بها الرسل القديسون والمؤمنون الأولون، نظير الغيرة والتجرد والسخاء وكرم النفس والصبر على الشدائد. فمطالعة هذا الكتاب لذيذة على القلب شهية، فلا يملّ القارئ من العودة مراراً إليها، والاستفادة منها.

وهكذا يبقى القديس لوقا صاحب الفضل العميم في ما تركه للأجيال التي تعاقبت وسوف تتعاقب على المسكونة، من كتاب الانجيل البديع وكتاب الأعمال الفريد في بابه، الأكيد في رواياته وتعاليمه. فضلاً عن أنه الرسول الغيور والقديس الممتاز بفضائله وجميل كمالاته.

الحواشي:
1- لوقا 2: 51
2- لوقا 1: 1 – 5
3- Πράξεις ‘ АПοστόλων.