القطمارس: وتحديد الصوم وعيد القيامة

القطمارس كلمة يونانية تعني إنجيل اليوم أو هو مصطلح كنسي من اللغة اليونانية وتعني نصيب كل يوم من القراءات خلال السنة الليتورجية الكنسية بناء علي تعليم الإيمان المسيحي وأساسه السيد المسيح وذلك من خلال بشارة الإنجيل المقدس وأعمال الرسل وكتاباتهم ومن خلال ظلال العهد القديم من المزامير أو النبوات. آخذين في الاعتبار حياة القديسين والأبرار كشهادة وتطبيق لهذا التعليم.

القراءات الكنسية

الأثر التاريخي للأعياد والمناسبات على تنظيم القراءات الكنسية

لقد تأثرت مناهج السنة الليتورجية بتواريخ المناسبات والأعياد. وهذه كان موضع جدل كثير في القرون الأولى للمسيحية. ولم تستقر الأمور نسبيًا إلا بعد مجمع نيقية. وحتى بعد ذلك حدثت تغيُّرات كثيرة في الأصوام والأعياد مما ترتب عليه التغيير في برامج القراءات. ومن أهم المناسبات التي أثَّرت على القراءات الكنسية، عيد القيامة والصوم الكبير
1ـ تحديد يوم عيد القيامة: لقد اِحتدم الجدل حول هذا الموضوع بين كنائس الشرق والغرب منذ مطلع القرن الثاني. ولم يُبَّت في الأمر نهائيا إلا في مجمع نيقيا عام 325م، حيث أخذ المجمع بتقليد كنيستي الإسكندرية وروما. فتقرر أن تحتفل كل كنائس العالم بقيامة السيد المسيح، في يوم الأحد الذي يعقب عيد الفصح اليهودي. (تاريخ يوسابيوس القيصرى الكتاب الخامس(
2ـ التغيُّر في بدء ومدة الصوم الكبير: تتلخص التطورات التي حدثت في الصوم المقدس في الأتي:
+ في القرون الأولى للمسيحية، كان الصوم الأربعيني يبدأ في اليوم التالي لعيد الغطاس، تمثُّلاً بالسيد المسيح، الذي بدأ صومه الأربعيني عقب المعمودية مباشرةً كما ورد في الأناجيل. وكان الصوم الأربعيني منفصلاً عن صوم الفصح (البصخة) وعيد القيامة.
+ صوم الفصح (البصخة) كان في البداية قاصرًا على صوم يوم الجمعة العظيمة، ثم أضيف إليه سبت الفرح. وفى بعض الأماكن كان الصوم أربعين ساعة قبل عيد القيامة وفى القرن الثالث الميلادي صار هذا الصوم أسبوعًا كاملاً هو أسبوع الآلام
+ يذكر ابن كبر أن البابا دمتريوس الكرام في القرن الثالث قام بضم الصوم الأربعيني إلى أسبوع الآلام.
+ من الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي، يتضح أن الصوم المقدس في مصر كانت مدته ستة أسابيع في بداية القرن الرابع الميلادي، والأسبوع الأخير منه هو أسبوع الفصح. فقد جاء في الرسالة الفصحية الثانية الصادرة عام 330م . “نحن نبدأ صوم الأربعين يومًا في 13برمهات (الاثنين( . وبعد أن نهب أنفسنا لصوم متتابع مستمر، فلنبدأ أسبوع الفصح المقدس في 18 من شهر برمودة (الاثنين) , وبعد ذلك نسكن فى23 من نفس الشهر برمودة (سبت النور)، ثم نعيِّد بعد ذلك في أول الأسبوع (الأحد) في يوم 24″. يلاحظ أنه حتى بعد ضم الصوم الأربعيني إلى صوم الفصح ظل كل منهما يذكر منفردًا ومتميزًا عن الآخر.
+ في الوقت الذي كانت فيه مدة الصوم في الإسكندرية ستة أسابيع يذكر سوزومين (7:1) صوم سبعة أسابيع في طقس الكنيسة السريانية، وفى روما يذكر سقراط ثلاثة أسابيع فقط (22:5) لهذا نجد أنه في بعض الرسائل الفصحية والتي كانت تُرسل لكل العالم، أغفل القديس أثناسيوس ذكر بدء الصوم الأربعيني، بينما كان يذكر موعد صوم الفصح وعيد القيامة
+ لأول مرة يرد ذكر صوم الثمانية أسابيع في يوميات رحلة الحج لإيجريا استغرقت رحلة الحج هذه أكثر من ثلاثة أعوام من عام 381م. إلى 384 م. تقول إيجريا في مذكراتها عن طقوس الصوم الكبير في أورشليم ” عندما يأتي موسم الفصح فهم يراعونه هكذا، بينما هذا الموسم عندنا هو أربعين يومًا تسبق عيد القيامة، فهو في أورشليم ثمانية أسابيع قبل العيد. والسبب في حفظ الثمانية أسابيع هو أنهم لا يصومون (إنقطاعيًا) يومي السبت والأحد باستثناء السبت الوحيد الذي فيه سهرة العيد الذي يعتبر الصوم فيه ضروريًا.” ثم تقول ” فإذا أنقصنا ثمانية آحاد وسبعة سبوت من الثمانية أسابيع يتبقى 41 يومًا تصام إنقطاعيًا “. هكذا تشرح إيجريا طقس صوم الثمانية أسابيع المتَّبع في أورشليم في أواخر القرن الرابع. هذا هو الشكل الأخير للصوم الذي حافظت عليه الكنيسة القبطية حتى اليوم. إن طقس الصوم الكبير كان له أثر كبير على تنظيم وضبط القراءات الكنسية لكل السنة.

القراءات الكنسية الثابتة والمتغيِّرة
لما كان عيد القيامة مرتبط بالفصح اليهودي، الذي يتبع التقويم العبري القمري، لذلك فهو يختلف عن التقويم القبطي الشمسي. لذلك في كل عام نحتاج إلى تحديد موعد عيد القيامة بالنسبة للفصح اليهودي، ثم توقيعه على السنة القبطية. وبعد ذلك يتحدد بدء الصوم الكبير، وصوم يونان، ثم الخماسين المقدسة، وعيد حلول الروح القدس. إن هذه المناسبات يتغيَّر تاريخها من سنة إلى أخرى بسبب اختلاف التقويم العبري عن التقويم القبطي. لهذا فإن هناك قراءات كنسية ثابتة التاريخ، وهى المرتبطة بتاريخ قبطي ثابت. وهناك قراءات متغيِّرة، وهى القراءات المرتبطة بعيد القيامة الذي يتبع عيد الفصح عند اليهود.

القراءات الكنسية الثابتة:

هي القراءات التي تتبع التقويم القبطي ولها موعد محدد من السنة، لا يتغير وتشمل الآتي:
1ـ قراءات الفصل الأول من العام الليتورجي الخاص بالآب وتدبير الخلاص في سر التجسد. هذا الفصل مدته أربعة أشهر من شهر توت إلى شهر كيهك. ويحتوى هذا الفصل على المنهجين الأول والثاني من العام وكل منهج مدته ثمانية آحاد (شهران)
2ـ قراءات المنهج الثالث من العام وهو منهج انتقالي ما بين الفصل الأول والثاني من العام الليتورجى ومدته شهران (8 آحاد)، هما شهري طوبة وأمشير، ويعقب هذا المنهج مباشرةً القراءات المتغيِّرة. ويُترك لها فراغًا من الأحد الأول لشهر برمهات حتى منتصف شهر بشنس. وهذه الفترة تقع دائمًا في الصوم والخماسين مهما تغيَّر موعد عيد القيامة.
3ـ قراءات الفصل الثالث الخاص بالروح القدس وتتميم الخلاص في سر الكنيسة. ويحتوى هذا الفصل على المنهجين السابع والثامن ويبدأ هذا الفصل من منتصف شهر بشنس حتى نهاية العام ويشتمل البرنامج على 15 يوم أحد.

القراءات الكنسية المتغيِّرة:

تشمل قراءات الفصل الثاني من السنة القبطية، وهو الفصل الخاص بالابن وفعل الخلاص في سر الفداء. يبدأ بسبت وأحد الرفاع، وينتهي بعيد العنصرة . ويحتوى هذا الفصل على ثلاثة مناهج هي:
1ـ المنهج الرابع: قراءات الصوم الكبير، من أحد الرفاع إلى أحد السعف، 8 آحاد بينهم 7 أسابيع.
2ـ المنهج الخامس: قراءات أسبوع الآلام (البصخة)، ومدته سبعة أيام من أحد السعف، حيث يختتم بعيد القيامة في اليوم الثامن.
المنهج السادس: قراءات الخماسين المقدسة، من أحد القيامة إلى أحد العنصرة، 8 آحاد بينهم 7 أسابيع.

أثر حركة القراءات المتغيِّرة على مناهج القراءات الثابتة:
الفصل الثاني من العام الليتورجي يشمل القراءات المتغيِّرة. هذا الفصل له الأسبقية على منهج القراءات الثابت السابق عليه وهو المنهج الثالث وكذلك على منهج القراءات التالي له وهو المنهج السابع. كلا المنهجان مرنان ويسمحان باستقطاع أجزاء منهما تتغيَّر من سنة إلى سنة حسب موعد عيد القيامة. عندما يبدأ الصوم الكبير، يتوقف العمل بالمنهج الثالث. ولا يبدأ العمل بالمنهج السابع إلا بعد نهاية الخماسين المقدسة، دون اعتبار للتاريخ القبطي ولا لتنظيم القراءات الثابتة.
1ـ المنهج الثالث: عندما نُقِلت قراءات الصوم الكبير من موعدها الأول عقب عيد الغطاس، لتلتحم بأسبوع الآلام، فقد تحولت من القراءات الثابتة إلى المتغيِّرة. هذا التغيير أوجد فاصلاً زمنيًّا وفراغًا بين الفصل الأول والثاني من قراءات السنة اليتورجية. وكان لا بد للكنيسة من أن تملأ هذا الفراغ ببرنامج انتقالي مَرِن، يتناسب مع وضعه بين الفصلين الأول والثاني. موضوع الفصل الأول؛ الآب وتدبير الخلاص في سر التجسد، وموضوع الفصل الثاني؛ الابن وفعل الخلاص في سر الفداء. لذلك رأت الكنيسة المرشدة بالروح القدس أن تملأ الفراغ بين الفصلين ببرنامج انتقالي عن أسرار الكنيسة. إن أسرار الكنيسة هي الخلاصة العملية للإيمان بالمسيح التي تحمل لنا بركات سر التجسد وسر الفداء. يبدأ هذا المنهج من الأحد التالي لعيد الميلاد، أي الأحد الأول من طوبة، حتى نهاية أمشير (8 آحاد). هذا المنهج عادتا لا يكتمل إلا نادرًا فهو ثابت البدء متغيِّر في نهايته، فيتوقف العمل به يوم أحد الرفاع أيًا كان اليوم من الشهر القبطي.
2ـ المنهج السابع: كما أثَّرت القراءات المتغيرة في بدايتها على المنهج الذي يسبقها ، كذلك تؤثر على المنهج الذي يليها وهو المنهج السابع الخاص بالروح القدس. فيتقلَّص هذا المنهج ويمتد طبقًا لحركة عيد القيامة. فيتغير موعد بدايته من عام لآخر، بينما هو ثابت النهاية . فيبدأ العمل به اعتبارا من الأحد التالي لعيد العنصرة المتغيِّر التاريخ. البرنامج الموضوع لهذا المنهج يبدأ من الأحد الثالث من بشنس حتى نهاية بؤونة ويشتمل على ستة آحاد فقط. نلاحظ أن هذا المنهج يُكَمِّل الحديث عن الروح القدس الذي يبدأ عقب عيد الصعود، أي اعتبارًا من الأحد السادس من الخماسين. أما الأحد السابع فهو عيد حلول الروح القدس. بإضافة هذان الأحدان للمنهج السابع (6 آحاد) يكتمل البرنامج عن الروح القدس إلى ثمانية أحاد مثل باقي المناهج . وبذلك فإن الأحدين السابع والثامن من الخماسين مشتركان بين منهج الخماسين المقدسة (المنهج السادس) ومنهج الروح القدس (المنهج السابع). ولكن من الناحية العملية لا يبدأ العمل بهذا لمنهج، إلا بعد عيد العنصرة المتغير التاريخ. لقد رتبت الكنيسة برنامجًا مرنًا يسمح بحركة عيد القيامة وكل قراءات الفصل الثاني معه، دون تأثير على البرنامج الروحي واللاهوتي المطلوب تقديمه خلال العام الليتورجي. فالأجزاء التي تستقطع من المنهج الثالث والسابع نجد لها نظير في برنامج القراءات كما سنوضح فيما بعد.

حركة عيد القيامة في السنة الشمسية:
يقع عيد القيامة في الفترة ما بين 26 برمهات إلى 30 برمودة أي من 4 إبريل إلى 8 مايو، ولا يمكن أن يتجاوز هذه الحدود. وبذلك فإن أحد الرفاع لا يمكن أن يقع بعد يوم 4 برمهات وبالمثل فإن عيد العنصرة لا يمكن أن يقع قبل يوم 15 بشنس. لذلك فالبرنامج الثابت لأيام الآحاد في القطمارس الدوار يتوقف ابتداءً من الأحد الأول من برمهات حتى منتصف شهر بشنس. وبذلك فالبرنامجان السابق واللاحق للفصل الثاني من السنة يغطيان تماما القراءات لكل السنة مهما تغير موعد عيد القيامة. كلا المنهجان مرِّنان ويسمحان باستقطاع أجزاء منهما تتغير من سنة إلى سنة، حسب موعد عيد القيامة. كلما استقطع من قراءات المنهج السابق (الثالث) تزداد قراءات المنهج اللاحق (السابع) والعكس صحيح. مجموع عدد الآحاد المتاحة للمنهجين الثالث والسابع معا هو 10 أو 11 يوم أحد . فمثلاً عندما يبلغ المنهج الثالث إلى ثمانية آحاد (الذروة) فإن عدد الآحاد المتوفرة للمنهج السابع هي اثنان فقط وهذه الحالة نادرة تحدث عندما يوافق عيد القيامة يوم 8 مايو. وآخر مرة حدث ذلك كان في عام 1983 والمرة السابقة كان في عام 1736. وعندما يبلغ المنهج السابع الذروة، أي ستة آحاد، فإن عدد الآحاد المتوفرة للمنهج الثالث هي أربعة فقط. وهذه الحالة هي أيضًا نادرة تحدث عندما يوافق عيد القيامة يوم 4 إبريل. وقد حدث ذلك في عام 1915، والمرة التالية لها في عام 2010. ومن كل ذلك نرى أن المنهج الثالث تتراوح مدَّته من أربعة إلى ثمانية آحاد. وكذلك المنهج السابع الخاص بالروح القدس، فإن مدَّته تتراوح ما بين أربعة إلى ثمانية آحاد، بعد إضافة له قراءات الأحد السادس والسابع من الخماسين المقدسة.

التوقيع الزمني لمناهج السنة الليتورجية على أشهر السنة القبطية

الجدول التالي يوضح توقيت وزمن مناهج السنة الليتورجية حسب ترتيب الكنيسة القبطية:
الفصل
المنهج
الموضوع
الشهور أو الفترة الزمنية
عدد الآحاد
البدء
النهاية
الأول
الله الآب
الأول
لقاء الله الآب بالإنسان في المسيح وحاجة البشرية لهذا اللقاء
توت وبابة
8 آحاد
ثابت
ثابتة
الثاني
لقاء الله بالبشرية في سر التجسد
هاتور وكيهك
8 آحاد
ثابت
ثابتة
منهج انتقالي
الثالث
أسرار الكنيسة – منهج انتقالي ما بين سر التجسد وسر الفداء
طوبة وإمشير
8 آحاد
ثابت
متغيرة
الثاني
الله الابن
الرابع
شركة جهاد، الصوم الكبير
7 أسابيع*
8 آحاد
متغير
متغيرة
الخامس
شركة آلام و موت، أسبوع الآلام
7 أيام تختم بالقيامة
7 أيام
متغير
متغيرة
السادس
شركة قيامة ، عيد القيامة و الخماسين المقدسة
7 أسابيع
8 آحاد
متغير
متغيرة
الثالث
الروح القدس
السابع
الروح القدس – مدته 6 آحاد + أحدان مشتركان مع الخماسين
نصف بشنس وبؤونى
8 آحاد
متغير
ثابتة
الثامن
الكنيسة في العالم
أبيب ومسرى**
8 آحاد
ثابت
ثابتة

التوقيع المناهج التغيرة

الجدول التالي يوضح المدى الزمني الذي تتحرك فيه المناهج المتغيرة في بدايتها ونهايتها والتي تتبع تحرك عيد القيامة:
المنهج
ملاحظات
مدى البداية
مدى النهاية
من
إلى
من
إلى
الثالث
يتوقف العمل بهذا المنهج يوم سبت الرفاع المتغير التاريخ
أول طوبة
أول طوبة
28 طوبة
2 برمهات
الرابع
من سبت الرفاع إلي أحد السعف سبع أسابيع (8 آحاد)*
29 طوبة
3 برمهات
19 برمهات
23 برمودة
الخامس
من أحد السعف مساءًا إلى سبت النور سبع أيام تختتم بالقيامة
19 برمهات
23 برمودة
25 برمهات
29 برمودة
عيد القيامة
يتحكم في كل القراءات المتغيرة وبالتالي في كل قراءات السنة ويقع ما بين
26 برمهات
4إبريل
30 برمودة
8 مايو
السادس
من أحد القيامة إلي عيد العنصرة سبع أسابيع (8 آحاد)*
26برمهات
30 برمودة
15 بشنس
19 بؤونى
السابع

يبدأ العمل بهذا المنهج عقب عيد العنصرة المتغير التاريخ
16بشنس
20بؤونى
آخر بؤونى
آخر بؤونى

* منهج الصوم الكبير يبدأ من سبت الرفاع حتى يوم جمعة ختام الصوم. بينما يوم سبت لعازر وأحد اشعانين يعتبران ضمن أسبوع الآلام إلا أن القراءات لهذين اليومين تتبع طقس الصوم الكبير. لذلك رأينا اعتبارهما ضمن طقس الصوم بالنسبة للقراءات.
* الشهر الصغير (النسي) يحتوي على من 5 إلى 6 أيام موضوع قراءات الأحد الذي قد يقع في تلك الفترة هو نهاية العالم.