القيامة إشراقة العهد الجديد

القيامة إشراقة العهد الجديد

 الأب اسحق مقار

إنها إشراقة العهد الجديد المبرم بين الله والانسان في شخص المسيح يسوع شمس البرّ وهذا ما يدعونا دائماً وابداً الى أن نقف باستعداد وفرح ومحبة مع من يستحقّ أن نفرح معه لأفراحه ونحزن لأحزانه، لأن المسيح قاسمنا هذا الهم واعطانا نعمة الفرح والسرور وإلى أن نمدّ يدنا إلى كل انسان فقير ومحتاج ونكون قدوة لكل طفلٍ ونتعطّف على كبارنا ونتعلّم منهم خبرة الأيّام والسنين .وأن نعطي كما نحبّ أن نأخذ ونسقي أرضنا بماء الطهارة ونلّون صفحاتنا البيضاء بلون النقاء .وهذا ما يدعونا إلى أن نصغي باهتمام إلى المظلومين والمضطَهَدين وذوي القلوب الجريحة فنؤاسيهم في ما يحملون «ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله ». إذاً نحن نُعيّد عيد القيامة وما زلنا نرزح تحت نير الموت المصنوع بأيد البشر أو نعيش في وسط عالم يموج بثقافة تصنع الموت تحت ما يُسمّى الدفاع عن الله كرؤية دينيّة أو شريعةٍ لا علاقة لها بشريعة الله ثقافة ابادة شعب لحساب آخر لا بل ابادات جماعيّة لشعوب بكاملها ونشتمّ دائماً منها رائحة الموت والفناء التي لا يريدها الله. أمامنا احداث نعيشها ونلمسها كل يوم واخبار نسمعها من هنا وهناك من قتل وارهاب وتفجير

يأتي الينا عيد القيامة لنتنسّم منه رائحة الحياة الحقيقيّة التي أٌنعم الله بها علينا ، طالما هناك إيمان بالقيامة فهناك الرائحة الطيّبة التي تنسّم العالم بربيع الحبّ والامان والاستقرار والعيش المشترك وتقاسم خيرات الأرض التي هي هبة الله للجميع “ففي البدء خلق الله السماوت والأرض، ورأى الله أنّ ما صنعه كلّه حسنًا جداً”. جاء حدث القيامة ليعلن أنّ الميت حيّ وانّ ابن الإنسان قد هزم الموت بالموت ليبزغ فجر ثقافةٍ جديدةٍ تفوق كلّ ثقافة وفكرٍ وفلسفةٍ، ثقافة محورُها وأساسُها يسوعُ المسيح معلّم الناصرة والنجّار الفقير الوديع والمتواضع القلب، الذي صالح الجميع مع الله الآب، “صالح الارضيّين مع السمائيّين وفتح باب السماء ورأينا مجده كابنٍ وحيدٍ لأبيه ومن ملئه اخذنا نعمة فوق كلّ نعمة” وهو صار ربّ الحياة فقال “أتيتُ لتكون لهم الحياة ولتكون لهم أفضل”. صار هو الطريق والحقّ والحياة. به كان كلّ شيء وبغيره لم يكن شيءٌ ممّا كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نورَ الناس، والنور أضاء في الظلمة “مع يسوع فتحت السماء ابوابها وشبابيكها وملائكة الله صاعدون ونازلون منها وإليها.

أكّد لنا حدثُ القيامة إمكانيّة الحياة فى ابعاد جديدة وآفاق متجدِّدة كما أكّد حاجة الإنسان فى كلّ زمان ومكان الى فعلٍ يدعم الحياة ويحوّل الأمر المستحيل الى أمر ممكن والصعب الى سهل وغير المستطاع إلى مستطاع وهذا ما قدّمه يسوع للعميان مانحاً إيّاهم البصر كونُه هو نورُ العالم ومانحًا السير للعرج والشفاء للسقم والمرضى كونه هو الطبيب الشافي.

هو من ذهب إلى الضّالين والمشرّدين والمهمّشين والمفقودين لأنه هو الراعي الصالح الذي يعرف خرافَه وخرافُه تتبعه”. بهذا أعطت القيامةُ الُبعدَ الحقيقيّ لحياة الإنسان وفتحت أمامه إمكانيّة دخول الملكوت .

القيامةُ كسرت حاجز الخوف:

يوم عُلِّق المسيح على الصليب، انطبع في ذهن الجماعة المحيطة به ذكرى أليمة وحدثٍ قويّ لا يستطيع الزمن أن يمحوَه من الذاكرة.ّ أتت القيامة وحطّمت حاجز الخوفَ واليأسَ والتردُّد والعجزَ وضياعَ الأمل، فتبدّد الخوف وانقشع الظلام وسرى النشاط والحيويّة. الرب قائمٌ وحيّ في جسدٍ ممجَّدٍ يستطيع أن يخترق الحواجز “فقد كسر المتاريس النحاسيّة” وتحرّر الإنسان من كل قيود الجسد. نال الحريّة وصار الجسد هيكلاً للروح القدس وروحُ الله ساكنًا فيه.

 

يقول الاب فرانسوا فاريون في كتاب “فرح الايمان بهجة الحياة: القيامة سر البقاء في الله”: “المحبة أقوى من الموت”. وتكون كذلك شرط أن تكون أولاً أقوى من الحياة، وهذا يعني التضحية والموت. وبكلمات أخرى: إن التضحية، وهي موت جزئي؛ والموت، وهو تضحية تامة؛ يحوِّلان الحياة بحسب اللحم والدم إلى حياة بحسب الروح. ذلك بأن سرّ الفصح – الموت والقيامة – هو سرّ تحوُّل، تحول الإنسان البشري إلى إنسان روحيّ.

يقول غبطة البطريرك ابراهيم اسحق في رسالة القيامة لهذا العام

القيامة هي أساس حضارة الحياة

 

يوم قيامة يسوع من بين الأموات هذا العام كصوتِ منادٍ بالخلود والفرح والسلام والسعادة في برية حضارة الموت وثقافته التي تملأ العالم ظلاما وحزنا وفزعا. إنها صوتُ شهيدٍ بشّر العالم أجمع، قبل أن يُذبح، بصلاة شفتيه الطاهرتين وعينيه المغمضتين بثقة في إله الحياة. إن صورة يسوع القائم قد أسست لحضارة الحياة التي تغافل عنها العالم، أما صورة الشهيد المصلّي فقد صدمت ضمير الكثيرين ممّن ينشرون حضارة الموت، وقوَّت كثيرا من الرُكَب المرتعشة لمؤمنين كان إيمانهم يحتضر. عجيب هو إله الحياة، فمنطقه دائما هو الحياة التي تولد من رحم الموت.

لا بدّ للمؤمنين من أن يكسروا دوائر العنف وسلاسله المنتشرة في جوانب حياتنا، لا بد من أن يتقدّموا رافعين رايات إنجيل المحبة التي تجعل شمس الخالق تشرق على الأشرار والأبرار. فالله سيد التاريخ هو إله حياة وليس إله موت، وإله جثامين ونعوش تملأ الكون حزناً وبكاءً وعويلا. أنه يمنحنا النعمة والقوة، بقيامته من بين الأموات، لنسهر على حراسة الحياة بمحبّتنا لإله الحياة، وحراسة السعادة بمحبتنا للقريب الذي هو شريكنا في الحياة. فقط بالمحبة نفوز وننتصر، بالمحبة نتمتع بالحياة كعطية من الله.

القيامة تفتح باب الرجاء

يقول البابا: “إن موت يسوع وقيامتنه من بين الأموات يشكلان قلب رجائنا، بدون الإيمان بموت يسوع وقيامته يكون رجاؤنا ضعيفا، ولن يعود رجاء. “وإِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فإِيمانُكُم باطِلٌ” (1 كور15، 17). فالقيامة تنير واقعنا اليومي بنور جديد لأنها هي قوتنا وتفتح أمامنا أفق الرجاء، لأنها تفتح أمام حياتنا وحياة العالم الباب على مستقبل أبدي مع الله، على السعادة التامة والثقة بإمكانيّة التغلب على الشر والخطيئة والموت. وهذا الأمر يحملنا على عيش واقعنا اليومي بثقة.

(البطريرك) قام المسيح ليعطي السلامَ لقلب المؤمن، إنه هو ذاته السلام، إن العالم يمر بين زمن وزمن بالحروب والكوارث والصراع وليس غير المسيح يخلّص العالم من آلامه وأحزانه إذا سادت شريعة المحبة، وسَرَت روح التضحية والفداء، وأحب الإنسان أخاه الإنسان كنفسه، فهنا يسقط الخوف من الحاضر والمستقبل، فقيامة المسيح أرست الأمن في قلوب المؤمنين وعمّقت الرجاء بالخلاص في حياتهم.

ختاماً :

نرفع صلواتِنا متّحدين مع غبطة البطريرك وقداسة البابا وكل الاباء البطاركة والأساقفة من أجل جميع الذين يحملون أمانة مسؤولية بلدنا الحبيب، في هذه الفترة التاريخيّة الدقيقة والحاسمة. نتضرّع إلي الربّ أن ينيرَهم ويساندَهم ليقودوا مسيرة مصر الغالية إلى ميناء الأمن والأمان، والاستقرار والتقدّم. فيحقّقوا للأجيال الحاضرة والمستقبلة أمانيهم الغالية، ونرى مصر ولبنان منارتان للفكر المستنير، والعمل البنّاء، والقلب المتفتّح، والسلام النابع من العدالة والحرّية والمساواة. ولتتكلل جهود كل من يعمل من أجل البناء، بالتضامن والمحبة، وليعمّ الأمن والأمان والسلام والحب الشعوب جميعَها.

تحتاج مصر وطنُنا الغالي، أرضُ الشعب الطيّب، باني الحضارة للعالم كافة، إلى تضامن أولادها وإخلاصهم في العمل مشاركين ومساندين لرئيسنا المحبوب عبد الفتاح السيسي.

نصلّي من أجله ليظل على الدوام قائداً انسانياً، ورئيساً وطنياً، ومصلحاً شجاعاً، حفظه الله وأيّد مسعاه مع المخلصين المتعاونين معه كلّهم والعاملين بكلّ أمانة من أجل بناء مستقبل أفضل لبلدنا مصر.

وكل عام ومصر بخير – قام المسيح .. حقاً قام ..