القيامة حدث واقعي للحياة الأبدية

القيامة حدث واقعي للحياة الأبدية

الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

 نشر بتاريخ 24/04/2013

يطل علينا عيد القيامة المجيد مع إشراقة صباح  احد جديد  تأسس في خميس العشاء السري حينما أعد التلاميذ عشاء الفصح مع المسيح الذي أخذ الخبز وبارك وقدس وكسر وأعطى تلاميذ قائلاً “خذوا كلوا منه كلكم فهذا هو جسدى الذي يقسم عنكم وعن الناس أجمعين يُعطى لمغفرة الخطايا والحياة الابدية .وهكذا كأس الخمر من بعد العشاء وبارك وقدس وأعطى تلاميذه القديسين قائلاً لهم خذوا إشربوا منها كلكم فهذا هو دمي دم الاعهد الجديد الذي يسفك عنككم وعن الناس أجمعين لمغفرة الخطايا وللحياة الابدية ” إذا هذه هي الاشراقة الجديدة العهد الجديد المبرم بين الله والانسان في شخص المسيح يسوع شمس البر البر وهذا ما يدعونا دائماً وابداً الى أن  نقف دائماً باستعداد وفرح ومحبة مع من يستحق أن نفرح معه لإفراحه ونحزن لأحزانه، لأن المسيح قاسمنا هذا الهم واعطانا نعمة الفرح والسرور.ونمد يدنا لكل انسان فقير ومحتاج ونكون قدوة لكل طفلٍ ونتعطف على كبارنا ونتعلم منهم خبرة الأيام والسنين .ونعطي كما نحب أن نأخذ. ونسقي أرضنا بماء الطهارة ونلون صفحاتنا البيضاء بلون النقاء وننقش على بحر عمرنا أجمل الكلمات التي تبقى وتدوم .و نصغي باهتمام للمظلومين والمضطهدين وذوى القلوب الجريحة فنواسيهم فيما يحملون . و نلبس ثوب النور مِن مَن قد أشرق علينا بنوره لنعاينه ونحن في حال النعمة المسكوبة في داخلنا بفيض روحه القدوس «ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله، التي نتكلَّم بها أيضاً، لا بأقوال تُعلِّمها حكمة إنسانية، بل بما يُعلِّمه الروح القدس، قارنين الروحيات بالروحيات» إذا نُعيد عيد القيامة ومازالنا نرزح تحت نير الموت المصنوع بأيد البشر أونعيش في وسط عالم يموج بثقافة تصنع الموت  تحت ما يسمى الدفاع عن الله كرؤية دينية  أو شريعةٍ ما لا علاقة لها بشريعة الله والتى نفهمها نحن انها حياة .

او من منطلق قومى وعرقي يهدف الى ابادة شعب على حساب الاخر  طمعا فى ارض أو خيرات أرضية قد وهبها الله لجميع الناس “كالارض التى تدر لبناً وعسلاً” أمام الاحداث التى نعيشها ونلمسها كل يوم واخبار نسمعها من هنا وهناك من قتل وارهاب وتفجير لا بل ابادات جماعية لشعوب بكاملها ونشتم دائماً منها رائحة الموت والفناء التى لايريدها الله . يأتي الينا عيد القيامة لنتنسم منه رائحة الحياة الحقيقة التى أٌنعم بها علينا مرة أخرى كنسمات الربيع المعّطر والمعّفم برائحة الورود كي نتخلص من رائحة الموت والحنوط البالية التى شبعنا منها هنا وفي كل مكان وكأنها الرائحة الوحيدة السائدة هذا العالم. لكن طالما هناك إيمان بالقيامة فهناك الرائحة الطيبة التى تنسم العالم بربيع الحب والامان والاستقرار والعيش المشترك وتقاسم خيرات الارض التى هي هبة الله للجميع “ففي البدء خلق الله السماوت والارض،ورأى الله أن كل ما صنعه حسنٌ جداً” جاء حدث القيامة ليعلن ان الميت حى وان ابن الانسان قد هزم الموت بالموت ليبزوغ فجر ثقافةٍ جديدةٍ تفوق كل ثقاة وفكرٍ وفلسفةٍ ،ثقافة محورها وأساسها يسوع المسيح معلم الناصرة  والنجار الفقير الوديع والمتواضع القلب،الذي صالح الجميع مع الله الاب، “صالح الارضيين مع السمائيين وفتح باب السماء ورأينا مجده كاإبنٍ وحيدٍ لأبيه ومن ملئه اخذنا نعمة فوق كل كل نعمة”  وهو صار رب الحياةفقال أتيت لتكون لهم الحياة ولتكن لهم أفضل”صار هو الطريق والحق والحياة، به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيئٍ مما كان،فيه كانت الحياة والحياة كانت نورللناس، والنور أضاء في الظلمة”مع يسوع فتحت ابواب السماء وشبابيكها وملائكة الله صاعدون ونازلون منها وإليها دون حجب او وسائط وبدون طقوس شكلية وضعت الانسان الذي خلق حراً تحت نير العبودية و فرائض اذ جلس ابن الانسان عن يمين العظمة فى الاعالى”وبعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس عن الى الابد عن يمين الله”(عبرانين 10: 12 ) ملكا متوجا باكليل من شوك ليشفع فينا ويمارس لنا ومعنا محبته ويشجعنا على ثقافة الحياة ويدفعنا فى طريق المحبة لله وللناس وينتظرنا على بوابة الابدية عبر أعتاب دهرية حيث السماء الجديدة والارض الجديدة والحياة الابدية بعهد المحبة الابدى مع كل من يؤمن به مخلصا شخصيا وفاديا محييا. ان حدث القيامة أكد لنا على امكانية الحياة فى ابعاد جديدة وافاق متجددة من جهة ومن جهة ثانية أكد على حاجة الانسان فى كل زمان ومكان الى فعل يدعم الحياة يحول الآمر  المستحيل  الى أمر ممكنا والصعب الى سهل وغير المستطاع مستطاعا وهذا ما قدمه يسوع للعميان مانحاً لهم البصر كونه هو نور العالم والعرج والسقم والمرضى كونه الطبيب الشافي القائل “تعالوا الى ياجميع المتعبين والمثقلين بالاحمال وأنا أريحكم”هو من دعى الفقراء والبسطاء لحمل رسالته وقال لكل من التقاهم “إتبعني” وجاوبوه بالقول ” ها إننا قد تركنا كل شيء وتبعناك” وجالس الخطأة والعشارين وقال “وقال جئت لأدعوا الخطأة الى التوبة فلا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى”. هو من ذهب للضالين والمشردين والمهمشين والمفقودين لأنه هو الراعي الصالح الذي يعرف خرافه وخرافه تتبعه “بهذا أعطت القيامة الُبعد الحقيقي لحياة الانسان وفتحت أنمامه امكانية الدخول الى الملكوت ورؤية المسيح والسبيل لتحقيق هذا العمل هو الممارسة الفعلية والمتواصلة لسر الشكران “الافخارستيا” طريق العبور من الطعام الفاني الى الطعام الباقي للحياة الابدية مع الصلاة المستمرة والسهر الروحي والعيش بثمر الروح القدس ومواهبه والنشاط والجدية مع تفعيل الوزنات وعدم طمرها في التراب بل المتاجرة والربح على غرار من من حصلوا على والزنتين والثلاث وزنات وربحوا مثلهما وكانت المكأفاة لهم وزنات مماثلة،وسمع صوت الرب لهم “نعماً أيها العبد الأمين، لأنك كنت أمين في القليل سأقيمك على الكثير ، ادخل الى فرح سيدك.

القيامة غيّرت مجرى الحياة

إن ما قدمة يسوع في حياته على الارض من معجزات وآيات “فكان يجول في المدن والقرى يصنع خيراً،يشفى المرضى،يقيم الموتي،يمنح البصر للعميان،والحرية للمقيدين ومع كل ذلك كله فلم له موضع يسند عليه رأسه،شارك الانسان في ظروف حياته كافة،فجاع وعطش ، وطمئن الانسان بقولة ” طوبى للجياع والعطاش الى البر، وأنه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ” وحزن،وبكي،على قبر لعازر صديقه وصرخ له صرخة الحياة ألعازر هلما خارجاً.وكان يسوع ايضاً يثور فثار على الباعة في الهيكل لأنهم حولوا بيت الصلاة الى مغارة للصوص والمتاجرة الخسيسة. وهو أيضاً قد تألم وصلب ومات ولكنه قام وبقيامته أحدث نقله نوعية في حياة البشر،إذ قد قدم نموذجاً فريداً وحقيقياً في عمل المصالحة التى جاء من أجلها كي يصلح الانسان مع الله فدعاه أولاً الى التوبة “توبوا وآمنوا،فقد اقترب ملكوت السماوت”وفي تبشيره كان دائماً يدعوا الناس ويقول لهم “تعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب”. قد قاد يسوع المسيح الانسان قيادة حكيمة مبنية على أساس متين ليضع دائماً وابداً في قلبه السلام . “سلامي أعطيكم سلامي أترك لكم” وكم نحن بحاجة الى هذا السلام الذي يفوق كل عقل وكل تصور سلام يحفظ الفكر والقلب غير سلام العالم الوقتي والزائل والمبني على بولس الرسول المصلحة .

قدمت لنا القيامة الحياة الافضل فى أجمل صورها كصورة من هو أبرع جمالاً من بني البشر وحولتنا كما حولت التلاميذ من مجرد متلقين لتعاليم المسيح الى مختبرين لحقيقة والى مفاهيم حياتية نختبرها كل يوم كشركاء معه  شريك فى رحلة الام حتى كغ إختبار بولس الرسول القائل  “لاعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبها بموته (فى 3: 10 ). وهنا قد جمع بين آلام الرب وموته وقيامته،حيث انه قد اكتشف عمق  أعماق علاقته بالمسيح واختباره وغاية رجائه «لعلِّي أبلغ إلى قيامة الأموات» (في 3: 11). و هو مَّن تقابل  مع المسيح وآمن به واعتمد باسمه وصار رسولاً مختاراً وكارزاً بملكوته؛ إلاَّ أنه يسعى جاهداً لكي ينمو أكثر فأكثر في معرفته. » وكي ينمو في معرفة المسيح، كان عليه أن يتنازل عن كل شيء، مهما كان غالياً وثميناً عنده، «لكن ما كان لي ربحاً فهذا قد حسبته من أجل المسيح ومن أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي أحسب كل شيء نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه»  إذاً حياتنا بقيامة المسيح صارت حياة  ثرية وغنية فى نوعية المعرفة وعمق الشركة وعدم الخوف من الموت اذ قد كسرت شوكته وابطلت سطوته” أين شوكتك ياموت وأين غلبتك ياهاوية”  مع المسيح القائم من بين الاموت الاشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا حتى كما اقيم المسيح من الاموات هكذا نسلك نحن فى جدة الحياة(رومية 6: 4)).  مع قيامة المسيح تغيرت حياة العالم فبعدما كانت حياة مبنية على التجارة والربح والخسارة صارت حياة مليئة بالخدمة والمحبة والكرازة والتبشير والشراكة بين المؤمنين  في حياة الكنيسة والمجتمع .(وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات (اع 2: 42 ).والتحول الجرئ من الانانية والانعزالية  والحياة الروتينية القلقة المتحيرة بين الحين والاخر الى حياة  الانفتاح  والتقدم والمليئة بفعل الروح القدس الذي وهبنا نعمة الشهادة الحقيقة لمحبته “لكنكم ستنالون قوة (للشهادة) متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لى شهودا فى اورشاليم وفى كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض (اع 1: 8 )

القيامة كسرت حاجز الخوف:

يوم أن عُلق المسيح على الصليب وصار الصليب حدثٌ بارز إنطبع في ذهن الجماعة المحيطة بالمسيح يسوع كذكرىّ أليمة وحدثٌ قويٌ لايستطيع أن يمحوه الزمن من الذاكرة واللحظات لاتنسى  التى فيها تم القبض على يسوع وتسليمة الى رؤساء الكهنة وعظماء الشعب ،ورفعه على عود الصليب وطعنه بالحربة أتت القيامة وحطمت كل هذه الحواجز وجاء المسيح القائم من الموت منتصراً الى العلية حيث التلاميذ مجتمعين وهم خائفون لقد حطمت الخوف واليأس والتردد والعجز وضياع الأمل ،ودخل يسوع اليهم والابواب مغلقة والعقول مشتته والقلوب ممزقة وزع فيهم نسمات الحياة من جديد فتبدد الخوف وانقشع الظلام وسرى النشاط والحيوية إذ الرب قائم وحي في جسد ممجد يستطيع أن يخترق كل الحواجز وكل الابواب والمتاريس “إذ أنه قد كسر المتاريس النحاسية” وقد تحرر الانسان الذي بقي منذ خلقه سجين المكان و حبيس الجسد ،نال مع قيامة المسيح التى أعطت وأعتقت الروح والجسد  وصار الجسد هو هيكل للروح القدس وروح الله ساكن فيه . اذاً قد وجد الانسان فى قيامة المسيح ضالته المنشودة ووطريقه المفقودة واماله المعهودة اذ أنار المسيح بقيامته الى الابد الحياة والخلود والى ابد الابدين لان يسوع هو البداية والنهاية وهو الالف والياء،الأول والأخر .

القيامة أنهت الموت

قبل القيامة إرهتنت حياة الانسان بالموت ولاسيما منذ أن حكم على ذاته بالموت بعدما خالف وصية الله له بعدم الاقتراب الى شجرة معرفة الخير وقد قال له الله يوم أن تأكلان من هذه الشجرة فموتاً تموتان ومن هنا خرج الانسان  عن طريق الحياة سالكاً الموت لابل صار الموت هو الشبح الرابض دائماً امام الانسان كنهاية حياة له وفناءه تماماً ،ولكن مع قيامة المسيح يسوع من بين الاموات تغيير الموقف وتبدلت الاحوال  ولم يعد الموت نهاية بل صار بداية حياة جديدة وطريق عبور من الفناء الى البقاء والرب يسوع المسيح القائم من بين الاموات  كرس ودشن هذا الطريق فقد قال “أنا هو الطريق والحق والحياة “،وأنا هو القيامة والحياة ومن أمن بي وإن مات فسيحيا” طريق كرسه يسوع بجسدة ودمه الاقدسين “من يأكل جسدي ويشرب دمي تكون له الحياة الابدية”.

في حياتنا يمكننا أن نعيش باشياء كثيرة ونستغنى عن اشياء كثيرة ولكن لايمكنا العيش بدون الرجاء “نترجي قيامة الاموات وننتظر حياة الدهر الاتي” فالرجا هو أحد أركان مثلث الفضائل المسيحية سر حياة الانسان الايمان والرجاء والمحبة حسب ما عبر بولس الرسول في رسالته الى اهل كورنتس 14 .

لماذا القيامة؟

نحن نؤمن بالقيامة لآنها  تشهد لقوة الله العظيمة الخالق الذي أوجد الانسان والكون من العدم ،والقادر على كل شيء القادر على أن يقيم من الحجارة أولاٍدا لإبراهيم ،وأن يقيم الموتى من بين الاموت كما فعل وأقام ابنة يائيرس،وابنة أرملة نائين،وأقام لعارز من بعد أن أنتن في القبر ،فقيامة المسيح تعني بالنسبة لنا قيامتنا من موت الخطيئة التى صرنا عبيد لها بشهواتنا وزلاتنا.وقد سمرها تماماً المسيح على خشبة الصليب وهناك على عود الصليب انهزم سلطان الشر والموت وانتصر ملك المجد والخير والحياة. وان لم يكن هناك قيامة للأموات. 1) فباطلة كرازتنا وباطل إيماننا ونعد انفسنا شهود زور، لن يفدي أحد من الخطيئة ويهلاك كل الذين رقدوا في المسيح  ولكنه حقاً قام من بين الأموات “ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين” (عدد 20)، ووعد كل من يؤمن به بالقيامة والحياة الأبدية.وكلمة الله الموحاة تضمن قيامة المؤمن من بين الأموات “أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟إذا القيامة هي الأنتصار الممجد الذي منحه يسوع المسيح لكل مؤمن بموته وقبره وقيامته في اليوم الثالث كما هو مدون في الكتب. وتؤكد لنا أن الذين يؤمنون بالمسيح لن يظلوا موتي،بل سيقاموا للتمتع بحياة أبدية.وهذا هو رجاؤنا وما يؤكده بولس الرسول بالقول “لأعرفه، وقوة قيامته، وشركة آلامه، مُتشبِّهاً بموته”(في 3: 10).