الله يحقق وعده الخلاصي بتجسده – مقال الاب انطونيوس ابراهيم مقار  – راعى الاقباط الكاثوليك بلبنان.

الله يحقق وعده الخلاصي بتجسده – مقال الاب انطونيوس ابراهيم مقار – راعى الاقباط الكاثوليك بلبنان.

الميلاد فعل حبّ:

    أرسل الله ابنه في ملئ  الزمان مولودًا من إمرأة  وصار في شبه الإنسان وهكذا أحبّ الإنسان الخاطئ، المقهور من الشيطان، المغلوب من الخطيئة، الضعيف العاجز عن إنقاذ نفسه! أحبّ مَن لا يفكّر في حبّ نفسه حبًّا حقيقيًّا، ولا يسعى إلى خلاص نفسه، فصار ضائعًا وتائهًا. جاء الله ليعبّر عن حبّه للإنسان لأنّه لا يشاء موته بل يريده أن يرجع ويحيا، جاء الله لا ليدين الإنسان بل ليخلّصه، وهو في الحقيقة قال: “ما جئت لأدين العالم، بل لأخلّص العالم” (يو47:12).

الميلاد مسيرةٌ نحو السلام:

    ليس الاحتفال بالميلاد أمرًا متكرِّرًا إنّما هو مسيرة مستمرّة للإنسان ليعيش السلام الحقيقيّ ويجد السعادة. نلتحق بهذه المسيرة من مبدأ المحبّة والسلام والفرح والتغلّب على العالم بما فيه من أموال ورغبات وشهوات ومناصب وها نحن نرى العالم البعيد عن الله يتخبّط في خضمّ الشهوات والمال ولا يجد أمامه سوى الضياع والفراغ والخيانة والكراهية والحروب والدمار.

يبدو أن المسيرة نحو السلام تجعلنا نحصل على السعادة الحقيقيّة التي نستمدّها من ملك السلام الذي جاء إلينا ليعطينا الحياة الأفضل، فميلاده هو ميلاد البشرى السارّة الحاملة، بشرى مولد طفل إله، رضيعٍ يحملنا على الانتصار على الخوف والظلام وهذا ما أعلنته الملائكة للرعاة الساهرين على قطعانهم: “لا تخافوا فها إنا  نبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. لقد ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّصٌ هو المسيح الرّبّ”.


الميلاد تجسيدُ للرحمة والحقّ:

    منذ تجسّد كلمة الله، كانت دعوة الإنسان لعيش المحبّة والحقّ والرحمة والإيمان، ولنشر السلام على الأرض. خلّص يسوع المُنتظر الإنسانَ من سطوة الشيطان والخطيئة والموت وردّه إلى الفردوس مصالحًا إيّاه مع الآب السماويّ، أبيه. بالتالي فإنّ المسيح وهبنا، بحلوله بيننا، نعمةَ البنوّة والتبنّي لندعوَ اللهَ أبانا ونحيا الأخوّة الإنسانيّة بكلّ ما فيها من محبّة للآخرين كما لو كانوا أنفسنا “وصيّة جديدة أعطيكم، أن تحبّوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم” لا بل إنّ يسوع أوصانا أن نحبّ حتّى أعداءنا – ولهذه الكلمة ثقلها الذي يضيع أحيانًا في الاستعمال الشائع – لنكون كاملين. جاء المسيح ليعلمنا أن نبادر إلى الحبّ وعمَلِ الخير وعيشِ الحقّ بقوله تعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم “فكلّ ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم لأنّ هذا هو الناموس والأنبياء”(مت 7 : 12).

    كم نحن بحاجة إلى أن نعود إلى المبادئ السامية التي علّمنا إيّاها المسيح المتواضع والوديع والرحيم، لنحيا حياة أفضل نعيش فيها سلامًا عادلًا ودائمًا، ونجدَ الفرح والسعادة ونحيا المحبّة بدل الصراع، والإخاء بدل التنافس غير الشريف، والمساواة عوضًا عن الاستعلاء والظلم، والخلاصَ من الخطيئة والانتصار على الشيطان وغلبة الحياة على الموت ونعمةَ البنوّة لله، فالذين قبلوه (المسيح)، أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناءَ الله.

الميلاد دعوةٌ لنفتح قلوبنا مسكنًا لله:

    دعوتنا إخوتي الأحبّاء في هذا العيد هي أن نستعدّ الاستعدادَ اللائق لاستقبالِ مسيحِنا القدّوس في قلوبنا وبيوتنا، وأن نستقبلَه فيها بفرح. دعونا ننأى بالعيد عن أن يكون مجرّد مظاهر إحتفاليّة من مأكلٍ ومشربٍ وملبس، دعونا نعيشه كما هو: إتّحاد بالمحبّة والإيمان بمن اتّحد بطبيعتنا ليرفعنا إليه، وجاع ليشبعَنا، وعُلِّق على الصليب ليحملَ عقاب خطايانا. فخرنا في  حياتنا المسيحية هو الطاعة والتواضع في حضرة كلمة الله… فخلاص الإنسان لا يأتي من عظمته هو، بل من محبّة الله ورحمته المجّانية. لذا لا بدّ من أن تختُمَ علامةُ تنازلِ الله قلوبَنا بختمٍ أبديّ، وهي علامة الخلاص، وهي إخلاءُ الله ذاتَه ليكونَ معنا على الدوام. إذًا، دعونا لا نخَفْ لأنّه صادق وأمين في وعوده ها أنا معكم كلَ الأيّام إلى انقضاء الدهر آمين “(مت 28 : 20).

    وإن كان لنا ضيق في العالم واضطهاد، لنثق أنّه معنا “عمّانوئيل” (الله معنا) وأنّه معنى حياتنا، هو يهبنا الغلبة والخلاص ويضع على روؤسنا أكاليل المجد والانتصار ويقودنا في موكب النصرة كل حين لذا قال لنا  ” قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام. سيكون لكم، في العالم ضيق، ولكن ثقوا، أنا غلبت العالم”(يو 16 : 33).
    لنفحص ضميرنا ونسأل ذواتنا: هل نحن مستعدّون لنفتح لله قلوبنا ليسكن فيها بالإيمان؟

    هل نريد أن نتعلّم من تواضع المسيح وصبره لنكون على مثاله تجاه بعضنا البعض؟

    كيف لنا أن ندعوه ليدخل قلوبنا وبيوتنا ونفرح به ونقدّم له مكانًا في حياتنا؟     لنرفع صلاتنا في هذا الاحتفال ونقول: آمين تعال أيّها الرّب يسوع وطهّر قلوبنا من كلّ غشّ ومن كلّ رياء وأبعد عنّا كلّ تجربة وكلّ فعل الشيطان ومؤامرة الناس الأشرار وقيام الأعداء الخفيّين والظاهرين وارزقنا الخيرات والصالحات والنافعات فتمتلئَ حياتنا نعمةً وسلامًا ومحبّة، وتحلَّ أنت فيها راعيًا صالحًا تعرف خرافك وخرافك تتبعك فتقودها بتواضعك ورحمتك إلى المراعي الخضراء ومياه الراحة لترتويَ من ماء الحياة، من روحك القدّوس الذي به نحيا ونتحرّك ونوجد.

وكل عام و الجميع بخير