بمناسبة عيد الجسد تناولنا.. حقيقة إيماننا

بمناسبة عيد الجسد تناولنا.. حقيقة إيماننا

المونسنيور د. بيوس قاشا

أوصانا الرب يسوع في إنجيله المقدس أن نأكل جسده ونشرب دمه إذ قال:”مَن يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية” (يوحنا54:6). والفصل السادس من إنجيل يوحنا، من الآية 25 إلى الآية 59، يتكلم عن أن المسيح هو الخبز الحي. وكنائسنا تقيم قداديس يومية وتكرس يوم الأحد بقداس احتفالي كونه يوم الرب وجميل جداً أن يشارك المؤمنون في القداس ويتقدمون من المناولة من منطلق التقدم في مسيرة الحياة والقداسة والنمو الروحي.. فكل مناولة هي عيد، إنه عيد جسد المسيح الحي، عيد الخبز المحي ، عيد الايمان والرجاء والمحبة .إذ يقول البابا بندكتس “إن سر القربان ما هو إلا غذاء روحي يصعد بنا نحو عالم الألوهة حيث الرجاء والمحبة بالمسيح. فلا شيء يضاهي عظمة هذا السر المبارك من حيث سموّه وارتقاؤه وأهليته المطلقة في عالم الأسرار المقدسة”.

        نعم، إن القربان المقدس الذي نتناوله ما هو إلا الخبز الإلهي، خبز السماء، فقد كُسر من أجل خلاص العالم. فبتناولنا للقربان المقدس نتذكر تلك الليلة المقدسة وذلك العشاء الخلاصي في علية صهيون والذي فيه حوّل مادة الخبز والخمر إلى جسده ودمه، ” جسد ودم يسوع المسيح”( متى 26 : 26-29) ، وفي هذا كانا سرَّي التجسد والفداء. فبتناولنا نعيش بكل إيمان وعمق لحظات حياتنا. ويذكّرنا الخبز بتعددية القمح الذي يُصنَع منه كما أنّ العنقود يذكرنا بحبات العنقود الذي تُعصر حبّاته ، ففيهما غذاء للبشرية وعلى مدى التاريخ والأجيال، وهذا الغذاء ما هو إلا القداس اليومي أو العشاء الذي نحتفل به.

        نعم ، بتناولنا القربان المقدس ندرك عظمة المسيح الذي أعطى ذاته لأجلنا غفراناً وخلاصاً، لذلك يدعونا مار بولس أن نكون مستعدين لهذا العشاء استعداداً أميناً وليس شكلياً أو عادياً، بل استعداداً روحياً مليئاً بالتقوى” وإذ يقول” ليمتحن الانسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس ” ( 1كور 8:11) ، لأنه ليس حضور المسيح فينا حضوراً مادياً كما نراه بل حضوراً إيمانياً غذائياً روحياً عميقاً وعبر إنسانيتنا ليقول لنا إنه يحيا في داخلنا،  ويعلمنا أن الحقيقة هي في النمو الروحي ولا تكون إلا عبر تناول القربان كفيتامين إلهي لمسيرتنا المسيحية، لأننا لولاه لضعنا في مسالك الزمن ومتاهات الحياة بغمها وقنوطها، وعبر المناولة ننطلق إلى الأخوة الذين حولنا معلنين بشارة المحبة والفداء وحقيقة الايمان والاستحقاق .

فاليوم بإمكاني أن أقول: إن مسيرتنا من بيوتنا إلى كنائسنا للمشاركة في القداس وتناول القربان ما هي إلا مسيرتنا في درب الصليب نحو الجلجلة حيث تكتمل الذبيحة على مذبح الرب. فلنتقدم من المناولة ونتقاسم العشاء مع الرب الذي احبنا حتى الموت . مسيرتنا ماهي إلا مسيرة خير لننعم بخير الله وحضوره الإلهي فينا لكي نشهد بعد ذلك لسرّ الخلاص الذي رسمه المسيح لنا ليرافقنا في مسيرة الحياة الدنيوية فيجعل من دنيانا سماءنا، ومن مسيرة حياتنا الروحية أبديتنا، ومع إخوتنا باب خلاصنا.أما اليوم فمسيرتنا تغيرت بسبب فايروس كورونا واصبحت بيوتنا هذه جلجلة الحياة في مسيرة نحو القيامة الاكيدة. نعم أصبحت بيوتنا علية صهيون ومذبحَ لقائنا،  فيها نرفع صلواتنا وشوق تناولنا الروحي الايماني للاتحاد بالمسيح الحي وعيش حقيقة وجوده في قلوبنا . وهذا ما يدعونا الى ان لا يكون تقدمنا من المناولة عادة قد تعوّدنا عليها كما هو الحال أحياناً، فنأكل خبزاً ونشرب كأس الخلاص وننسى أننا بذلك نتقاسم جسد الرب ودمه  بل علينا أن نميّز الخبز العادي لملء البطون عن الخبز الحي  ” جسد الرب ” ( 1 كورنتس 29:11)،  كما هو دعوة لنا”  لنخبر بموت الرب الى ان يجيء ” ( 1كورنتس 26:11) .هذه حقيقة إيماننا بل حقيقة وجودنا . وإذ كلنا أعضاء في جسد المسيح السري فالمناولة تجعلنا ان نحتفل جميعا بضيافة المسيح،  بل اكثر من ذلك ، إنه ( اي المسيح) ربنا، يدعونا الى عشائه ووليمته، وما دعوته لنا إلا لأنه إحتفالنا ، إنه خبزنا وكأسنا، إنه حقيقة إيماننا،  وحقيقة مسيحيتنا، بل حقيقة مناولتنا، بل حقيقة عيدنا. نعم آمين وآمين .