تأملات روحية في زمن المجيئ

تأملات روحية في زمن المجيئ

كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك

لوس انجلوس-كاليفورنيا

 

تقديم

“تأملات روحية في زمن المجيئ هـو إضافة جديدة لما سبق إصداره في ديسمبر 2015 لـمجـموعـة من برامج الصلوات العائلية التي قـد أعددتهـا بارشاد الروح القدس لصوم الميلاد، ويتضمن صلوات صوم الميلاد لهذا العام مع تأملات لزمن المجيئ وذلك من اجل بنيان بعضنا البعض وتعميق الوحدة الأسرية فى المسيح يسوع وفى ضوء دستورنا السماوي وما حملناه من تقاليد تعلمناها وعشناها مع شفيعنا مثلث الرحمات الأنبا أغناطيوس يعقوب ومع والدينا وفى أسرنا. فأشكر الرب من أجـل نعمة وبركة وموهبـة روحـه القدوس التى منحنـا إياهـا مـن أجل الوصول معا الي وطننا السماوي. أطلب من الرب أن يكون هذا الكتاب سبب بركة روحيـة للجميع.                                                      

                                     الشماس نبيل حليم يعقوب

 

لوس أنجلوس فـى ديسمبر2016

 

الفهرس

  1. صلاة ليسوع المسيح
  2. خلق العالم
  3. خلق وسقوط الملائكة
  4. الملائكة الأبرار
  5. خلق الإنسان
  6. سقوط الإنسان
  7. الوعد الأول بالمخلّص
  8. المسيح الموعود به للآبـاء
  9. الشريعة على جبل سيناء
  10. نبؤة داود
  11. الحبل بيوحنا المعمدان
  12. التحية الملائكية
  13. بتولية ام الله
  14. آمـة الرب
  15. الفضائل الثلاث للبشارة
  16. في البدء كان الكلمة
  17. زيارة مريم لنسيبتها اليصابات
  18. انشودة التعظيم
  19. أنزل المتكبرين عن الكراسي
  20. عضّد إسرائيل
  21. فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَ اليصابات نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ
  22. ميلاد يوحنا المعمدان
  23. مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ
  24. لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ
  25. نبي العليّ
  26. الإكتتاب
  27. الميلاد العجيب
  28. القديسة مريم ام الله
  29. سيدعى اسمه عمانوئيل
  30. مزود ومغارة يسوع المسيح
  31. رعاة بيت لحم
  32. طفل المزود
  33. الصمت العجيب ليوسف ومريم
  34. اسم يسوع الأقدس
  35. تقدمة يسوع في الهيكل
  36. سمعان الشيخ
  37. نجم المجوس
  38. مجوس من الشرق
  39. حياة المنفى والغربة 
  40. عائلة الناصرة
  41. صلوات في صوم الميلاد 2016
  42. في منزل الناصرة (تأمل)    

 

 

صلاة للرب يسوع المسيح

يا يسوع، مخلّصي، الإله الحق والإنسان الحق، المسيح الحقيقي الذي وُعد به الآباء والأنبياء منذ بدء العالم وفي ملء الزمان ظهرت وأعلنت لتلاميذك المختارين بفمك الطاهر قائلاً: “وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ”(يوحنا3:17). بايمان تام لتلك الكلمات وبمعونة نعمتك يارب أجعلني متمسكا بهذه المعرفة لله ولك. كلما اقترب من تلك المعرفة بايمان قوي فأعرفك واعرف الله الاب السماوي فاجعلني عاملاً بها وليس فقط اقف عند المعرفة النظرية كما أعلنها تلميذك الحبيب: “مَنْ قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُهُ» وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ” (1يوحنا4:2). و كما أعلنتها انت بفمك الطاهر قائلا: “َالَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي».(يوحنا21:14). لكي اعرفك يارب المعرفة الحقيقية أدعوك ان تساعدني بنعمتك لكي أماثلك في كل شيئ تابعاً خطاك وطريقك وان أفهم وأتأمل في أسرارك وأيضا أن أعرف الله الأب السماوي والروح القدس هذا الذي ارسلته مع الأب ولكي أحبك بإيمان حقيقي

“الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ(غلاطية6:5). آمين.

خلق العالــم

 

اذا ما تأملت في نفسي فلن أرى سوى خطيئة، عدم كمال ولا شيئ ، وارى في نفس الوقت من فوقي طبيعة كاملة وسعيدة وأقول له مرددا في نفسي، قول المرّنم:” قُلْتُ لِلرَّبِّ: «أَنْتَ سَيِّدِي. خَيْرِي لاَ شَيْءَ غَيْرُكَ»(مزمور2:16). أنت يا الله القائل لموسى “أنا هو من هو”(خروج14:3) فحقا يا الله لا شيئ يعادلك او يساوي عظمتك فانت اعظم من كل العالم والعوالم الأخر. عندما صنعت العالم بعظمتك وصلاحك وحدك فلست انت المحتاج لذلك الكون بل من اجل كمالاتك الإلهية اوجدت كل شيئ بإرادتك فإذا شئت كانت واذا قلت “يكون” ، “فكانت” ولهذا يقول المرّنم: “إنه قال فكان وأمر فوجد”(مزمور9:33) ، “لأَنَّكَ أَنْتَ قُلْتَ فَكَانُوا أَرْسَلْتَ رُوحَكَ فَخُلِقُوا، وَلَيْسَ مَنْ يُقَاوِمُ كَلِمَتَكَ” (يهوديت17:14)
يا الله، ان كل الخليقة التي صنعتها وخلقتها ونظمت قوانينها بكل عدد ووزن ومقياس قد وصفتها كلمتك بانها “حسنة”.

يا الله، كم هي فقيرة نفسي فإنها في الحقيقة لا شبئ ولكنك شيئا فشيئا

ملأتها من صلاحك ومن نورك زدت ايماني بك وبشمس عدلك أنرتني وابهرتني بمحبتك ولولاك يا ربي لكنت مازلت في عالم الظلام. الهواء يحتاج الشمس ليضيئه فكم بالحري ما اريده انا لكي يظل النور مضيئا في نفسي انه هو انت وحدك فلتكن صلاتي لك يارب “فليكن نور”.     

 

خلق وسقوط الملائكة

ان الله روح طاهرة نقية أراد خلق أرواح

نقية تتمتع بالذكاء والحب ومباركة بالمعرفة ومحبة الله تعالى وتحمل بعض من الطبيعة الإلهية. فالملائكة هم الكائنات الروحية التي تمثل خليقة الله الروحية غير المنظورة، وهم أكثر إقتداراً وقوة وسرعة ونشاطاً من الإنسان، وأقدر معرفة على معرفة الأشياء، وأسرع إلى الوصول إلى حقائق الأمور من الإنسان ولهذا جاء في سفر نحميا:«أنت يارب وحدك صنعت السماوات وسماء السماوات وكلّ جندها والأرض وكلَّ ما عليها والبحار وكلّ ما فيها، وأنت مُحي هذه كلّها، جُند السّماء يسجد لك”(نحميا6:9).

خلقهم الله من العدم قبل خلقة الإنسان في اليوم الإول (حيث خلق الله

النور والملائكة من نور).

الملائكة هم جنود الله لأنهم خُلقوا منه وله” فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ”(كولوسي16:1)، وهم جميعهم أرواح خادمة ” أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!”(عبرانيين14:1). والسيد المسيح أكد لتلاميذه انه سيأتي في مجده ومعه ملائكته للحكم ودينونة الأحياء والأموات “فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ”(متى27:16)، وهم سيكون لهم دور كالفعلة في حقل الرب عند الحصاد ” وَالْحَصَادُ هُوَ انْقِضَاءُ الْعَالَمِ. وَالْحَصَّادُونَ هُمُ الْمَلاَئِكَةُ. فَكَمَا يُجْمَعُ الزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ، هكَذَا يَكُونُ في انْقِضَاءِ هذَا الْعَالَمِ:يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ”(متى39:13-41).

أما عن السقوط، فعلى الرغم من تلك القدرة للملائكة الا انهم ليسوا مثل الله فهم مخلوقات غير كاملة لهذا جاء عنهم” هُوَذَا عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً”(ايوب18:4). ان الله خلق كل شيئ في

احسن صورة ولكن كل شيئ قابل للتغيير ماعدا الله وحده لهذا فقد سقط

بعضهم بخطيئة التكبر وأصبحوا شياطين، ومنهم الرئيس “لوسيفر” زهرة بنت الصبح الذى قيل عنه:” كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟”(اشعيا12:14) فهو كان يحمل في ذاته كل حكمة وجمال ” أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ”(حزقيال15:28)

وجاء عن ذاك السقوط” “وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ”(اشعيا14:14-15).

 فالله خلق الملائكة في صورة نقية ولكن كان السقوط في خطيئة الكبرياء فعاقبهم الله، ولهذا جاء في رسالة القديس بطرس الثانية: لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ”(2بطرس4:2)، وقال يسوع عن ابليس:” ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ.

والآن ايها الإنسان المتكبر والمتمرد انظر وتأمل مثل أمير الكبرياء

والتمرد وما حدث له وخذ عِبرة كيف ان لحظة كبرياء واحدة أسقطته من علياء المجد هو وأتباعه. فالنتذكر دائما من نحن واننا مخلوقات من العدم فلنبحث عن الله خالقنا ولنتمسك به ونحبه من كل القلب والفكر والقدرة. آمين.

 

الـملائكة الأبرار

“ونشبت حرب في السماء، فإن ميخائيل وملائكته حاربوا التنين. وحارب التنين وملائكته، فلم يقو عليهم، ولابقي لهم مكان في السماء.” (رؤيا يوحنا 12 / 7- 9).

يا ترى اي نوع من الحرب تلك وما هي اسلحة تلك القوى الروحية؟ فالرسول بولس يقول:” فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ”(افسس12:6). لا ينبغي ان نتخيل هذه الحرب على انها مثل حروبنا الأرضية الجسدية اوبأسلحة مادية او تسفك فيها الدماء ولكنها صراع أفكار ومشاعر. ملاك الكبرياء وما يسمى بالوحش أقام ملائكته وقال لهم:”نحن سعداء بانفسنا ونحن مثل الله فلنفعل مشيئتنا”، ويعارضه رئيس الملائكة ميخائيل قائلا: “من مثل الله؟ ومن يستطيع ان يشابهه؟”. وهكذا سقطوا من السماء لكبريائهم وبقى الملائكة المتواضعين الذين يقفون يسبحون الله فهم كما قال السيد المسيح: “كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ (متى10:18) فهم في سعادة وخضوع أمام العلي يزدادون في العدد والرتب والدرجات وفي انتظار تلك الأرواح النقية الآتية من الأرض “الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَخْدِمُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ”(رؤيا14:7-15).

أيها القديس ميخائيل العظيم، رئيس الملائكة، المحامي والمدافع القوي عن شعب الله المقدس حيث صلاتك ترتفع الي الله مثل بخورا (رؤيا3:8)، اجعلني مثلك اردد دائما وبلا إنقطاع “من مثل الله”.

أيها القديس جبرائيل العظيم، رئيس الملائكة ويا قوة الله ويا من احضرت للقديسة مريم بشرى مجيئ الـمسيّا المنتظر كم أعلنتها من قبل لدانيال النبي، ألهمنا بالأفكار الطاهرة المقدسة حتى نتمتع ونتشوق دائما لمجيئ المسيح الرب.

أيها القديس روفائيل العظيم، رئيس الملائكة والذي يعني اسمك “طبيب

الله”، أشف نفسي من العمى الروحي الخطر كما ازلت عمى رجل الله

طوبيا، واربط شيطان الدنس هذا الذي يهاجم أبناء آدم حتى وهم تحت رباط الزيجة، قيده لأنك أقوى من ذاك العدو والله نفسه هو قوتك.

أيتها الملائكة القديسين، أنتم “أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ”(عبرانيين14:1) ومعاينين وجه الله وهو الذي اوصاكم “لِكَيْ يَحْفَظُوننا فِي كُلِّ طُرُقِنا”(مزمور11:91)، فاستخدمو كل الوسائل التي أعطاكم الله إياها لخلاص مختاريه وأقيموا ضعفاتنا.  

يا الله، أرسل لنا ملائكتك القديسين، هؤلاء الذين خدموا يسوع المسيح بعد صومه أربعين يوما، والذين جاءوا يعضدونه في نزاعه في البستان، والذين حرسوا واعلنوا قيامته المجيدة، فنحن الآن يارب في أشد الحاجة لجنودك ليشددوا ضعفاتنا ويعزوا نفوسنا وينصرونا على أعداء خلاصنا. آمين.

 

 

 

 

 

خلق الإنسان

 

 

 

هكذا شدا داود النبي عن خلق الإنسان قائلا:”فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ”(مزمور4:8-6). وهذا حق، الإنسان الذي خلقه الله جسدا وفي داخله روحا نقية محيية مملوء بالحب والجمال والذكاء والإرادة والنقاء والحق وكل ما هو “حسن جدا” (تكوين31:1). خلق الله الأنسان

وسلطته على جميع الخلائق وطالبا منه ان يستمتع بالعالم الذي خلقه بالشمس والقمر، بالنهار والليل وكل الفصول وبالأرض والبحر ولهذا قيل: “فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ”(تكوين27:1-28). لكم أنت عظيم يا الله لقد أعددت كل شيئ لخليقتك وكللته بالمجد والكرامة ووضعت فيه نسمة حياة وطبعت فيه صورتك وغرست فيه الحكمة وبدلّت ارادته قوة وبثثت في جسده الصحة والجمال والذكاء.

ولكن سقط الإنسان وفقد كل شيئ، فأين حكمتك الآن أيها الإنسان؟ وأين صورة بهاؤك؟ وكيف لم تحفظ سعادتك؟ وأصبحت شقي وبائس وعريان! 

يا الله العظيم الأبدي ارحمنا نحن خليقتك من كانت يوما ما “الحسنة جداً”. آمين.

 

سقوط الإنسان

“وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ”(تكوين1:3) نجد في هذا النص الكتابي بدء قصة سقوط الإنسان بصورة عجيبة -حيّة تتكلم وامرأة تسمع- انسان مخلوق كله ذكاء واستنارة يطيع في سذاجة. بهذا سقطت البشرية جمعاء مع ذلك الإنسان في الخطيئة والموت وقد يظهر هذا على انه سذاجة متناهية وجهل ويمكننا ان نعيد قول بولس الرسول:” لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ”(1كورنثوس25:1).

دعونا أولا نتامل في حدة ذكاء الحيّة ولا ننظر اليها على انها حيوان ذو ذكاء خارق ولكن هو ذكاء الشر والذي دخل في جسم هذا الحيوان بسماح الهي، فكما ظهر الله للإنسان في شكل محسوس وكما فعل ايضا الملائكة. لقد كلم الله آدم واحضر الله الحيوانات اليه واحضر له زوجته التي كونها من جنبه وظهر الله له كشخص يمشي في الجنة ففي كل تلك الظهورات كان هناك شكل خارجي فكما ان الانسان مكون من جسد وروح هكذا الله اظهر ذاته بالجسد والروح وبالاحساسات والفكر. نفس الشيئ مع الملائكة الذين سمح الله لهم بالتحول. ان حواء لم تندهش ان تسمع الحية تتكلم فالله  فهي عرفت ان ملاكا كان يحدثها ولكنها لم تقدر ان تميز اذا ما كانت خير ام شر.

«أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟»ثم بعدها بقليل: “لَنْ تَمُوتَا!”(تكوين 4:3) ان الشيطان رغب ان يقود حواء الى الخطأ ولكنه اذا بدأ بافتراض الخطأ والذي رغب اليه فسيظهر هذا على انه مضاد للوصية وكلمة الله ولكان أوحى لها بالرعب بدلا من الرغبة في الانصات اليه ولهذا فلقد زرع بذور الشك أولا فلم يقل لا هذا كذب او ليست الحقيقة او انها خدعة او فهمك للأمر غير حقيقي بل بادرها بسؤال يلمح بالشك بطريقة خادعة. على الفور وبدون ان يترك لحواء اية فرصة بادرها قائلا:” لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ»(تكوين5:3).

وبتلك الكلمات اقترح العدو بأن الله قد وضع في ثمرة هذه الشجرة بعض القوى الإلهية التي تمكنها ان تعرف كل ما هو خير او شر وكل السعادة او او التعاسة وبعدها قال:”تكونان كالله” وبهذا مدح الكبرياء وأثار حب الفضول. نظرت حواء عندئذ للثمرة المحرّمة وبدأ عصيانها فتلك الثمرة التي قد حرّمها الله أن تُلمس أو حتى النظر اليها او الإعجاب بها. وهنا ذُكر في الكتاب المقدس:”فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ”(تكوين6:3) وعندئذ “فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ.فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ”(تكوين6:3-7). وهذا يعني انهما بدأ ان يعرفا الشر وفكرهما اصبح ضد الله ولم يعد جسدهما كما كان من قبل وفي الحال ظهر سبب خجلهما بعد خطيئتهما.

ونحن جميعا مولودين من آدم وحواء ولهذا فميلادنا وحتى الحبل بنا موصوم بوصمة الخطيئة الأصلية وتبيعاتها.

يا الله أين نحن؟ وأي نوع أو حالة كان سقوطنا؟ آواه ياربي خلصنا من تبعات تلك السقطة وآثارها ووصمتها وخلصنا بمجيئك. آمين.

 

                   الوعد الأول بالمخلّص

بعد اليأس والعري واللعنـة، جاء الأمل والوعد بالخلاص: “سأجعل عداوة

بينكِ (الحيّة) وبين الـمرأة وبين نسلِك ونسلهـا،هو يسحق رأسِك وأنتِ

ترصيدن عقِبـه”(تكوين15:3).

لا يجب ان نفتكر بأن الله شاء أن يحكم أو يعاقب حيّة منظورة فما هي إلا حيوان فاقد الذكاء، فهذه حكاية رمزية حيث حُكم على الحيّة كصورة للشيطان فتلك هي الوسيلة التي استخدمها فكل ما قاله او يقوله او يستخدمه كما قال عنه الرب يسوع:” ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ”(يوحنا44:8).

المخلص الذي سيأتي من نسل المرأة فانـهـا نبؤة قد خرجت من فم الرب تضم الأم والإبن فـى عـمل الفداء. نسل الـمرأة يسحق رأس الحيـّة أي رأس الحيّة القديـمة وهى ابليس والشيطان (رؤيا2:20). نسل إمرأة لا نسل إنسان من رجل وامرأة. ولا بد ان نفهم ليس كل نسل المرأة هم الذين سينتصرون على الحيّة بل طفل سيأتي من امرأة هو الذي سيغلب الشر وكل أجناده. إذا لم يقل الله هذا الوعد لكان هناك عداوة أبديـة ما بين المرأة والحيّة أو الثمرة التي تحملها المرأة وبهذا يكون للمرأة وما تلده حرب مستمرة لا تنتهي مع أجناد الشر. فليس اذن كل نسل المرأة هم من سيسحقون رأس الحيّة بل “هو” وحده. ان وعد الله في القديم لإبراهيم:” وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ”(تكوين18:22) وتحقق ذلك في المسيح يسوع كما جاء في رسالة القديس بولس:” وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ”(غلاطية16:3).  والـمسيح جاء من امرأة بغير زرع بشر مولوداً غير مخلوق كما نقول فى قانون الإيمان:”اله حق من إله حق، مولود غير مخلوق..تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنسانـاً”.

ولهذا صرخت اليصابات بوحي الروح القدس:” «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!”(لوقا42:1).

يا مريم ها ان ثمرة أحشاؤك هو من سيسحق رأس الحيّة، وها أنت يا

يسوع، الثمرة المباركة الذي تحمل الإنتصار والفرح. أشكرك ياإلهي لأنك أعطيتني رجاء وعليّ أن أشدو لك مع داود مسبحاً:” يَا قُوَّتِي لَكَ أُرَنِّمُ، لأَنَّ اللهَ مَلْجَإِي، إِلهُ رَحْمَتِي”(مزمور17:59).

يا الله، أيها القادر على كل شيئ، يا آبا المراحم والرأفات، يا من أعلنت رحمتك لأبائنا الأولين وأرسلت مخلصنا الصالح ليحررنا كوعدك الصادق والأمين فإجعلنا مستحقين لخلاصك الأبدي. آمين.

 

يسوع المسيح الموعود به للأبـاء الأولين 

فسدت البشرية في القديم ولهذا قيل:” الَّذِي فِي الأَجْيَالِ الْمَاضِيَةِ تَرَكَ

جَمِيعَ الأُمَمِ يَسْلُكُونَ فِي طُرُقِهِمْ”(اعمال16:14)، فكل كان يرغب في

أن يكون له إلهه الخاص ويصنعه كحسب رغبة قلبه. ولكن الله الحقيقي الذي صنع كل شيئ أصبح «لإِلهٍ مَجْهُول» (اعمال23:17) والذي هو ليس ببعيد عنا “مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا”(اعمال27:17)، بأعماله ومواهبه وعطاياه للإنسان، ولكنه نُزع من فكر الإنسان واصبح مجهولا.

ولكن أراد الله أن يعيد الإنسان الى طبيعته الأولى وأن يصنع له شعباً

فأختار ابرام “وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ:«اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ»(تكوين1:12-3). وأعاد الله وعده مرة أخرى وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الّذِي ظَهَرَ لَهُ” (تكوين7:12). ونفس الوعد قيل لإسحق وليعقوب ولهذا قال الله لموسى “أنا إله إبراهيم واسحق ويعقوب”(خروج6:3).

منذ النبؤة التي قيلت بفم الله،إختار الله من كل البشريـة عائلة سام،ومن كل عائلة سام إختار الله ليكون من بذرة إبراهيم (تكوين1:12-3)، ومن كل عائلة ابراهيم اختار يعقوب اسرائيل (تكوين 3:26و4)، ومن كل عائلة اسرائيل اختار سبط يهوذا (تكوين9:49و10 و عبرانيين 14:7)،ومن كل عائلة يهوذا يختار داود(1 اخبار الأيام 12:17-14)،ومن جميع عائلة داود تتركز نبوات الـمسيا على اثنين هما سليمان الحكيم ومنه جاء يوسف خطيب مريم العذراء وهو الأب الإسمي ليسوع الـمسيح(متى6:1و16) وناثان ومنه جاءت العذراء مريم الأم الحقيقية ليسوع (لوقا31/3). 

ان الله لم يبارك فقط نسل إبراهيم واسحق ويعقوب او العبرانيين دون غيرهم من البشر، بل كل المؤمنين الذين تبعوا إيمان إبراهيم: بَلْ أَيْضًا يَسْلُكُونَ فِي خُطُوَاتِ إِيمَانِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ”(رومية12:4). فلنتقدم إذن بكل ثقة وإيمان الى ذاك الوعد الإلهي الذي قيل لأبراهيم واسحق ويعقوب نحن أبناء الوعد. وبما اننا أبناء الوعد فلنا الميراث الموعود به ولنا الخلاص بالإيمان في المسيح المنتظر.

 

الشريعة على جبل سيناء

عندما أراد الله أن يعطي شريعته لموسى على جبل سيناء ، صنع اربع أشياء هامة: صَارَتْ رُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَسَحَابٌ ثَقِيلٌ عَلَى الْجَبَلِ، وَصَوْتُ بُوق شَدِيدٌ جِدًّا”(خروج16:19)، و “الرُّعُودَ وَالْبُرُوقَ وَصَوْتَ الْبُوقِ، وَالْجَبَلَ يُدَخِّنُ” (خروج 18:20)، و حفر الله الوصايا العشر على لوحين حجر، وأعلن اقوال وأحكام أخرى عن الشريعة والوصايا بصوت عال ومسموع لكي  يسمع كل الشعب. لكن عند إعلان شريعة الأنجيل جدّد تلك الأشياء الأربعة بطريقة رائعة: في هذه المرة لم يظهر بروق ورعود ورهبة ودخان بل “وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ”(اعمال2:2-3). وظهر الروح القدس كألسنة نار وتغلغل في قلوب الرسل والتلاميذ ولم تُحفر الشريعة في حجارة. على جبل سيناء تكلم الله وحده بلغة واحدة ولشعب واحد، ولكن إعلان الأنجيل ظهر لعدة شعوب وألسنة ليوحد الشعوب كلها في إيمان واحد هو في المسيح يسوع “وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا صَارَ هذَا الصَّوْتُ، اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ”(اعمال5:2-6). هكذا وضع السيد المسيح شريعته في قلوب المؤمنين بطريقة عجيبة عن ما تم في العهد القديم أيام موسى.

فلنشكر الله القدير الذي وضع شريعته محفورة في قلوبنا وليكن فينا إذن

الرجاء في ان نستقبله بلا خوف ولا رهبة ولننصت لشريعته بكل حب

نبؤة داود

مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ”(مرقس10:11) و “أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!»(متى9:21). ان مزامير داود هي انجيل يسوع المسيح في اغنية، في شكر، في نقل المشاعر والرغبات والأشواق المقدسة.

“وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ”(يوحنا3:17).

رأي داود منذ القديم المسيح المنتظر: مجيئه الأول مزمور 89: 20، ألوهيته: مزمور 2: 7 و 11 ، 45: 6 و7 و11 ، 72: 8 ، 102: 24 – 27 ، 89: 26 و27 ، 110: 1 ، وناسوته: مزمور 18: 4 – 6 و50 ، 22: 22 و23 ، 89: 4 ، 29: 36 ، 132: 11 ، وسجود المجوس له: مزمور 72: 10 و15 ، ورسالته: مزمور21: 1 ككاهن مثل ملكي صادق: مزمور 110: 4، ولتجديد الأمم: مزمور 18: 49 ، 19: 4 ، 117: 1 وفضائله الروحية: مزمور 45: 7 ، وكرازته: مزمور 2: 7 ، 78: 2 ، وتطهيره الهيكل: مزمور 69: 9.

رأى آلامه: اليهود والأمم يرفضونه: مزمور 2: 1 ، 22: 12 ، 41: 5 ، 56: 5 ، 69: 8 ، 118: 22 و23 ، واضطهاده: مزمور 22: 6 ، 35: 7 و12 ، 56: 5 ، 71: 10 ، 109: 2، ودخوله الإنتصاري لأورشليم: مزمور 8: 2 ، 118: 25 و26، وان صديقه يخونه: مزمور 41: 9 ، 55: 13 ، واتهامات كاذبة: مزمور 27: 12 ، 35: 11 ، 109: 2 ، مزمور 2: 1 و2، وسكوته أمام مُتَّهميه: مزمور 38: 13، والسخرية به: مزمور 22: 7 و8 و16 ، 109: 25، وشتمه والتفل عليه وجلده: مزمور 35: 15 و21 ، وصلبه: مزمور 22: 14 و17، وتقديم المرّ والخلّ له: مزمور 69: 21، وصلاته لأجل أعدائه: مزمور 109: 4، وصرخاته على الصليب: مزمور 22: 1 ، 31: 5، وموته في ريعان شبابه: مزمور 89: 45 ، 102: 24، وإلقاء قرعة على ثوبه: مزمور 22: 18، وعدم كسر عظامه: مزمور 34: 20، وطعنه: مزمور 22: 16 ، وموته طوعاً: مزمور 40: 6 – 8، وقيامته: مزمور 16: 8 – 10 ، 30: 3 ، 41: 10 ، 118: 17 ، وصعوده: مزمور 16: 11 ، 24: 7 ، 68: 18 ، 110: 1 ، 118: 19، و حتى مجيئه ثانية: مزمور 50: 3 – 6 . وسلطانه شامل ودائم: مزمور 72: 8 ، مزمور 2: 6 – 8

، 8: 6 ، 110: 1 – 3 ، 45: 6 و7.

يا يسوع آت إليك مع داود لكي أوحد نفسي معك ومع جروحاتك وأمجدك وأنحني أمام عرش مجدك وأخضع ذاتي لقوتك. أنا أفرح يا إبن داود لأجل عظمتك لأنك أنت وحدك الذي تملك الى أبد الأبدين. آمين.

 

الحبل بيوحنا المعمدان

ان العناية الإلهية تعمل دومـا برفق، فحين تريد أن تفرض علينـا بعض الأسرار والتى تفوق إدراكنـا وطبيعتنـا الـمحدودة تهيئ نفوسنـا لقبول مثل هذه الأسرار تهيئـة بطيئـة وبحكـمة إلهيـة تفوق الوصف. ومن بين هذه الحقائق كان ولادة يوحنا المعمدان الصوت الصارخ في البريّة ليُعد الطريق لتجسد الإبن الأزلـي، والأمومـة الإلهيـة والفداء العجيب.

أُرسل الملاك جبرائيل الى زكريا الكاهن “وَقَالَ لَهُ: «أَنَا جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللهِ، وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهذَا”(لوقا19:1)، َ”بَيْنَمَا هُوَ يَكْهَنُ فِي نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ أَمَامَ اللهِ، حَسَبَ عَادَةِ الْكَهَنُوتِ، أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ وَيُبَخِّرَ”(لوقا8:1-9). “فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا اضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوفْ” وهذا الخوف طبيعي وخاصة لندرة الظهورات والتجليات السماوية في ذاك العهدٌ ولكن قال له الملاك:” «لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ، لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ. وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا» (لوقا13:1-17). ها قد جاءت لزكريا البشرى التي طالما صلى الى الله من أجلها فسيأتي يوحنا كثمرة صلاة كما جاء صموئيل النبي كثمرة صلاة أيضا من قبل. وهنا أوضح الملاك لزكريا من سيكون المولود، وما أسمه، وكيفية تنشئته، وما هي رسالته.

ولكن كان تساؤل زكريا: «كَيْفَ أَعْلَمُ هذَا، لأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَامْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللهِ، وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهذَا. وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتًا وَلاَ تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ هذَا، لأَنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلاَمِي الَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ». وَكَانَ الشَّعْبُ مُنْتَظِرِينَ زَكَرِيَّا وَمُتَعّجِّبِينَ مِنْ إِبْطَائِهِ فِي الْهَيْكَلِ. فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، فَفَهِمُوا أَنَّهُ قَدْ رَأَى رُؤْيَا فِي الْهَيْكَلِ. فَكَانَ يُومِئُ إِلَيْهِمْ وَبَقِيَ صَامِتًا.وَلَمَّا كَمِلَتْ أَيَّامُ خِدْمَتِهِ مَضَى إِلَى بَيْتِهِ”(لوقا18:1-23).

يا الله لقد عرفت من بشارة الملاك لزكريا كيف ان الصلاة الدائمة هي

مقبولة لديك ولهذا فساعدني على مداومة الإتصال بك وسماع كلماتك

والجلوس معك. ومن شخصية يوحنا المعمدان عرفّتني كيفية ان أتجنب الوقوع في مغريات العالم من خمر ومُسكرات وكيف انك ملأتني من روحك القدوس ووضعتني في كنيستك لأتأمل أعمالك وأعمل بها وأقود الآخرين الى ملكوتك، فساعدني أيها القدوس أن أتقدس في أسمك. أنت المالك مع ابنك الوحيد يسوع المسيح والروح القدس الى دهر الهور. آمين.  
التحيـة المـلائكيـة

ذُكرت حادثـة البشارة فى إنجيل القديس لوقـا بوضوح (لوقا26:1-38)

وفى البشارة وأحداثهـا نجد العديد من الدروس التى يلزم الوقوف أمامـها للتأمـل:

 

+ “فـى الشهر السادس“(لوقا 26:1) – أي بعد ستة أشهر من بشارة الـملاك جبرائيل لزكريـا الكاهن بميلاد يوحنا الـمعمدان.

+ “أُرسل جبرائيل الـملاك“(لوقا26:1)- جبرائيل أو غبريال إسم عبري معناه رجل الله،أو قوة الله،أو أظهر اللـه ذاتـه جباراً. وهو ملاك ذى رتبـة رفيعـة وأُرسل فى القديم لدانيال النبي (دانيال21:9-27) وأعطاه نبؤة السبعين اسبوعا لـمجيئ الـمسيّا. وأُرسل الى أورشليم ليحمل البشارة لزكريا الكاهن فى شأن ولادة يوحنا (لوقا11:1-22). وها هو الآن يحمل البشرى الى الناصرة ليبشر مريم بأنهـا ستكون أمـاً للـمسيّا. فهو ملاك البشارات الـمفرحـة.

انه ليس في اورشليم المدينة الملوكية، وليس لأنها كانت في الهيكل، وليس لأنها في قدس الأقداس وهو أقدس مكان في الهيكل، وليس لأنها جاءت عند ممارسة طقوس مقدسة، او ليس لأجل فضيلة رجل مشهور او لمكانته الكهنوتية كانت تلك الزيارة عظيمة من ملاك سكاوي ذو مكانة رفيعة. لقد أرسل الله جبرائيل الى قرية صغيرة في الجليل:”إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم” (لوقا27:1) – هنـا تحديد لإسم العذراء وعلاقـتهـا بيوسف،وانـه من بيت داود تحقيقـا لنبؤات العهد القديم أن الـمسيّا هو من بيت داود ومولوداً

من عذراء.

حضور ملاك من السماء هذا ليس لفضيلة ما لأليصابات او لمكانة زوجها، وأيضا ليس من أجل القديس يوسف وخطيبته والتي أختيرت لتكون أما ليسوع المسيح، فالقديس يوسف كان مجهولا ونجاراً فقيرا كان عليه العمل لكي يعول اسرته ولهذا كان يُعرف يسوع بأنه “ابن ذلك النجار” العامل الكادح.

هذه الزيارة والمهمة الثانية التي قام بها الملاك جبرائيل كانت تختلف عن الأولى فبادر مريم بتحية عجيبة:”السلام لكِ أيتهـا الـممتلئة نعـمة،الرب معكِ،مباركة أنتِ فى النساء” (لوقا28:1)

هنا قبلت مريم من الـملاك لقبـاً جديداً، فلم يناديها يا “مريم” بل أعطاها لقبا جديدا وهو “الـممتلئة نعـمة”. لم تكن هذه بالتحية العادية كقول “يوم سعيد” ولا حملت معنى “سلام” او “شالوم”بالعبريـة، لكن الكلمة اليونانية للسلام هنا “شيريـه” تعنى كمال معنى الفرح. لقد إستخدم بعض أنبياء العهد القديم ذات التحية موجهة الى “إبنـة صهيون” يسألونهـا أن تفرح جداً بل تصرخ علانية: “ترنمي يا إبنـة صهيون،اهتفي…افرحي (شيري) وابتهجي من كل قلبك يا إبنة اورشليم”(صفنيا14:3و17)

“إبتهجي (شيريـه) جدا من كل القلب والنفس يا إبنة صهيون هوذا ملكك

يأتيك…ويسكن فى وسطكِ” (زكريا9:9). فى القديم جاءت التحية “إفرحي يا إبنة صهيون” وعبريـا تعنى “راني نيوخانـاه”، وفى البشارة جاءت التحية للعذراء “إفرحي يا ممتلئة نعـمة” وعبريـا تعنى “راني شانيناه”،انـه تشابه عجيب. انهـا دعوة للفرح بالـمسيّا الآتـى،مريم صارت تجسداً لإبنـة صهيون التى تنتظر الـمخلص فلتفرح وتبتهج. مريـم هـى إبنـة صهيون فتمثل شعب الله الـمختار كلـه، فهى إذن مختارة بحسب تدبيـر اللـه السري العجيب لتكون أم الـمسيح كقول الـمرّنم”لإنك أنت نسجتني فى بطن أمي ولم تختف عنك عظامي حينما صنعت فى الخفاء”(مزمور13:139-14).

“الـممتلئـة نعـمة”، وباليونانيـة (خاريتون) وهى تعنى الإمتلاء من النعمة حتى الفيض وهذا الإمتلاء من النعمة هو عمل الرب فهو يملأ بنعمته كل محبيـه، وهذا الإمتلاء هو بدء التلامس بشخص الـمسيح.

هذا اللقب أثبت الوضع الحالي “ايتها الـممتلئة نعمة” وليس التى تمتلئ

نعمة.

ان حلول اللـه فى هيكل بشري يسبقه تقديس لهذا الهيكل كى يؤهـلها لهذا الحلول،وهنا كان الإمتلاء والتقديس لـمريم منذ البدء.

“ممتلئة نعمة” تعنى ان مريم مثال لعلاقة جديدة بين اللـه والإنسان،فلقد

حاول الإنسان منذ القديم أن يتقرب الى اللـه،فقّدم لـه ذبائح وتقدمات

إسترضاء وإستعطاف وإتقاء،غير ان اللـه لم يرتض بهذه الذبائح لأنهـا بقيت حاجزا بين اللـه والإنسان،وأعطى اللـه للإنسان عن طريق الوحي الطريق الوحيد لإرضاء اللـه وهو قلب الإنسان فيقدمـه ذبيحة للرب. فى القديم بعض الوسطاء قد جسدوا حضور اللـه للشعب بتابوت فيه عصا ولوحا العهد والذى كان رمزاً للعهد مع اللـه وكلامـه، وبعد بناء الهيكل وهو الـمثال الحي لوجود اللـه بين شعبه،وها الآن إختار اللـه من بين الذين أخلوا قلوبهم لإستقبالـه فحلّ فى أحشاء مريم الطاهرة ليدخل العالـم ويعيش بين الناس. هذه العلاقـة الجديدة بين اللـه والإنسان وهذا الـمثال وضح تماما فى مريم بنوع فريد وقد أرادهـا اللـه فى قلب كل إنسان وهو الإمتلاء من النعـمة والـمتاحـة لكل فرد منـا.

إفرحي يا مريم وإبتهجي يا إبنة صهيون..يا ممتلئة نعـمة. ان الرب معكِ، انهـا نفس ما جاء على لسان اشعيا النبي “صوتـي وإهتفي يا ساكنة صهيون لأن قدوس اسرائيل عظيم فى وسطِك”(اشعيا16:12) ،إذا فيهـا سيكون قدوس اسرائيل. لهذا قال الـملاك لـمريم : “فالقدوس الـمولود منك يُدعى ابن الله”(لوقا35:1)، فها هـى البشرى من انهـا ستكون مسكناً لـمصدر النعـم، انهـا تابوت للعهد الجديد،وانهـا ستكون أم

لـمن دعاه الآب “ملئ محبتـه”.

عندما ظهر الملاك جبرائيل لزكريا قائلا: “لا تخف” ثم قال:”ان صلاتك استيجبت”، ولكن لم يبدأ كلامه مع القديسة مريم بنفس الطريقة فحياها بتلك التحية – تحية الفرح والسلام.

“فلما رأتـه اضطربت من كلامه وفكّرت ما عسى ان تكون هذه التحيـة” (لوقا29:1). اضطربت مريم فمنظر الملاك غير مألوف فى تلك الأيام،ومثل هذه التحيـة غير عاديـة أيضاً، ومثل هذا الخبر فوق الطبيعة.

+ فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم،لأنك قد وجدتِ نعمة عند اللـه وها أنتِ ستحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى ويعطيه الرب الإلـه كرسي داود أبيـه ويملك على بيت يعقوب

إلـى الأبد ولا يكون لـملكه إنقضاء”(لوقا30:1-33).

هنـا يؤكد ملاك اللـه انه لا داعي للخوف أوالقلق أو الإضطراب فهذا الأمر هو من الله، ويؤكد لهـا بسبب انهـا قد وجدت نعمة عند الله فلا يوجد اي مكان للخوف أو الإستغراب،ومن ان ما كُتب عنـه فى التوراة والأنبياء وما جاء من رموز وشخصيات وأحداث من قبل عن الـمخلّص الآتـي “ابن العلي” و “العظيم” و”إبن داود” و “الـملك” و “الـملك الذى لا

إنقضاء لـملكه”، ها هو سيأتـى الآن عن طريق مريـم.

يا إلهي، امنحني أن أتبع مثال مريم، فأحمل وألد وأعطي المسيح يسوع كما جاء عن لسان بولس الرسول:” يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ”(غلاطية19:4)، فالمسيح يسوع يلزم أن يُولد في قلوبنا ونفوسنا بفضائله المقدسة فنتمم مشيئته القدوسة فينا. يا يسوع أنت الذي يملك الى ابد الأبدين تعال في قلبي فلا أتوقف عن طاعتك وأن أسلم ذاتي بكليتها لتكون طوع مشيئتك. آمين.

 

بتوليـة أم الله

ان الله الذي أعدّ القديسة مريم العذراء ان تحيا في بتولية وطهارة لتحبل وتلد بمخلص البشرية ألهمها بحب البتولية وحينذاك “فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنـا لستُ أعرف رجلاً”(لوقا34:1)الـمنطق البشري يقول كيف يحدث هذا؟ وهذا ما أعلنته مريم “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً”. فمريم قد تقول فى نفسها (انا ناذرة البتولية..أنا كنت أخطط حاجة أخرى لحياتي..أنا كنت أريد ..وانا كنت أخطط..) انها كلهـا تخطيطات بشرية. انـه ليس تساؤل فيه شك وإرتياب. انـه ليس تساؤل يطلب علامـة كما فعل زكريـا. انـه سؤال للإستنـارة “كيف يكون

هذا”.  لقد عزمت مريم على نذر البتولية، فالبتولية كانت منتشرة أيام

الـمسيح وتُعد من علامات التقارب مع الله. فبتولية مريم اعطتها صفة التكريس وامكانية حياة التأمل وحياة الخدمة. والقديس يوسف ايضا نجد انـه قد نذر نفسه للبتولية إذ يذكر عنه الكتاب المقدس “كان باراً” ولهذا

فقد أطاع حكم الشريعة وقبِل أن يكون من عِداد من يتقدمون لخطبة

مريم لأنـه كان من بيت داود ورضخ لإرادة الله بعد أن شاهد علامـة إلهيـة كما ذكر التقليد فأتمم مراسيم الخُطبـة، وهو على يقين تام أنـه سيطلب من خطيبتـه الحياة معـا فى نذر وتكريس كامل لله وعندما أخبره الـملاك فى حلم عن من هـى مريم العذراء وابنهـا عـمانوئيل فرح وأطاع أمـر السماء و”أخذ امرأتـه ولـم يعرفهـا”(متى25:1). وكم كانت سعادة مريم عندما وجدت خطيبها بتولا مثلها ولهذا كانت إجابتها للملاك جبرائيل:”كيف يكون هذا وانا لا أعرف رجلاً”(لوقا34:1) فلو كانت على علم إن يوسف رجلهـا رجلاً ليس ناذراً للبتوليـة ما كانت تجيب ملاك الله بأنهـا لا تعرف رجلاً. فالبتولية ليست تهربـاً من مسؤوليات الحياة انما هى تعبير كامل عن حب الانسان لربـّه،والحب الحقيقي يـمتاز بالعطاء والتضحية ولا يشغل بال الانسان أحد سوى الله، فهو يُشابـه مثل ذلك الحب النقي الذى كان بين آدم وحواء قبل السقوط. القديس يوسف كان باراً كما يذكر الكتاب الـمقدس والبرارة تعنى القداسة والعيش فى الحق والعدل والعمل بوصايا الله “ان البتولية مع الفضيلة أجمل فإن معها ذِكراً خالداً لأنها تبقى معلومة عند الله والناس”

(حكمة1:3).

+ فأجاب الـملاك وقال لها الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تُظللكِ فلذلك أيضاً القدوس الـمولود منكِ يُدعى إبن الله”(لوقا34:1-35) –

أجاب الـملاك على تساؤل مريم “الروح القدس يحلّ عليكِ”

عرفت مريم ان هذه هي مشيئة الرب، وتذكرت إيـمـان ابراهيم وكيف ترك أرضه وعشيرته وعندما قدّم ابنه ذبيحة حسب إختبار الله لـه. وتذكرت ايضا إيـمـان موسى وقبوله قيادة شعب الله من أرض العبودية الى أرض الـمـوعد. وتذكرت معنى حلول الروح القدس ومجد الرب يحل فى مكان ما.فتذكرت خيمة الإجتماع “غطت السحابة خيمة الإجتماع وملأ بهاء الرب الـمـسكن فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الإجتماع” (خروج 35:40)..

أن قوة العلي ستظللهـا (لو35:1)، إذن “انه ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله” (يوحنا 23:2). انه أمر سماوي، وإرادة سماويـة. “مـا أبعد أحكامك عن الفحص وطرقك عن الإستقصاء يارب”.

ان الطهارة والعِفة سر من أسرار المسيحية فكيف يجب أن نكون أطهاراً

وأنقياء ونحيا دائما ونمارس كل أعمالنا طوال حياتنا بأمانة ونقاوة قلب

فنحن في العالم ولكننا ليس من العالم “فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ”(فيليبي20:3).

                

آمـة الرب

واستمر الملاك قائلاً:”وهوذا اليصابات نسيبتك هى أيضاً حُبلى بإبن فى شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك الـمدعوة عاقراً لأنـه ليس شيئ غير ممكن لدى الله”(لوقـا 36:1-37).

لـم تطلب مريم علامة لتؤمن مثل موسى لكي يصدقه فرعون والشعب العبرانـي” انهم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي بل يقولون لم يتجل لك الرب” (خروج7:4). ولـم تطلب علامة مثل جدعون كما جاء فى سفر القضاة “ان كنت قد أصبت حظوة فى عينيك فأعطيني علامة على انك انت الذى كلمني “(قضاة 17:6) وكان أن الرب أعطاه من جزاز الصوف فى البيدر وسقوط الندى وغيرها من العلامات. ولـم تطلب علامـة مثل بني اسرائيل عندما طلبوا من يسوع آية لكى يؤمنوا به “أيـّة آيـة تصنع لنراها ونؤمن بك”(يوحنا30:6). مـريم لم تطلب،ولكن أعطاها الـمـلاك العلامة،ان نسيبتها أليصابات العاقر حبلى فى شيخوختها. كانت تلك العلامة لنا نحن الذين سيُعلن لنا سر البشارة وان الملاك قال مثل ذلك.

لقد رأت مريم من قبل كيف ان العاقر تحبل وتلد، وها هي معجزة أخرى متكررة فالله يشاء ان يصنع شيئاً جديدا طفل يولد من عذراء فقالت في استسلام عجيب وإيمان صادق:“فقالت مريـم هوذا أنـا أمـةُ الرب ليكن لي كقولك. فمضى من عندهـا الـملاك”(لوقـا 38:1)

هنا جاءت اللحظة الحاسمة التى تنتظرهـا البشريـة. ماذا ستقول مريـم؟. ان اللـه يحترم تمامـا إرادة الإنسان،و قبول هذا الأمر ليس بالهيّن، لهذا لم يتركها الـملاك حتى يسمع قبولهـا أو رفضهـا للدعوة والخدمـة والخضوع لـمشيئة الله ومن أنهـا ستقبل طائعـة وبكامل إرادتهـا أن تصبح أمـا لقدوس اللـه والـمسيّا التى تنتظره هـى أولاً وباقـى البشر. وقبلت مريـم أن تكون خاضعـة للـه كعبدة بكل كيانها وقلبها وجسدها وفكرها. 

يا يسوع، أنت تملك الى الأبد فساعدني على أن أتوب وها أني خاضعا لك ولمشيئتك فقدني أنت يا سيدي بك وفيك ومعك الى حيث أنت الآن. آمين.

 

 

الفضائل الثلاث في البشارة

ان البتولية المقدسة هي أول ترتيب إلهي قد نالتها أم الله، فالطهارة الملائكية كانت ضرورية لكي يتحد الأب الأزلي بها لتحبل بالإبن. هذا الترتيب قد أعدها لأن يُظللها ويحلّ عليها الروح القدس. ولأن الملائكة الساقطون وهم أرواح خلقت في الطهارة ولكن قد القاهم الله في الجحيم من اجل خطيئة الكبرياء، فكان ضروريا ان تكون مريم متوضعة لتستحق هذا الحلول الإلهي، لهذا قالت “ها آنذا آمة الرب” ولأجل تواضعها العظيم لمشيئة الله استحقت أن تكون أما للمسيح. اما الترتيب الثالث فكان الإيمان ولهذا أعلنت مريم “ليكن لي حسب قولك” ومن تلك اللحظة كما يقول آباء الكنيسة تجسد الإبن في أحشائها.

فليكن لنا ايمان ثابت وعميق وليكن لنا رجاء أكيد في المواعيد الإلهية فالكلمة سوف تتجسد فينا وسنشترك في الكرامة ومجد والدة الإله كوعد المسيح القائل:«أُمِّي وَإِخْوَتِي هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِهَا» (لوقا21:8)

في البدء كان الكلمة

في دهشة تقف النفس لتشهد في سكون عميق الإنجيلي القديس يوحنا الحبيب وقد صار أشبه بنسرٍ طائرٍ، يحلق لا في جو السماء المنظورة، بل في جو الإلهيات التي لا يُنطق بها. إنه كمن يدعونا أن نعبر معه إلى ما وراء الزمن لنرى كلمة الله ويدعونا لنرى ونلمس واهب الحياة ومصدر النور، خالق الزمن، ومُوجد كل خليقة في السماء وعلى الأرض فبدأ انجيله:” فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ”(يوحنا1:1)، فبدأ ان يعرفنا بالمسيحَ من هو وعلينا ان نعود الى ما قبل البشارة لمريم العذراء. “في البدء كان الكلمة فلماذا قال هذا عن من ليس له بداية؟

لقد أورد لنا يوحنا اللاهوتي: “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. 2 هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. 3 كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.4 فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ،5 وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ”.

-كان ولا يزال الأزلي: “في البدء كان الكلمة” [يو1:1].

– كان ولا يزال الأقنوم المتمايز عن أبيه: “وكان عند الله” [يو1:1].

– كان الكلمة ولا يزال هو الله [2].

– هو شريك مع الآب في الأزلية [2].

– هو خالق المسكونة [3].

– هو مصدر كل حياة ونور [يو4:1، 5، 9].

– الإله الذي يعلن عن ذاته للعالم الساقط [يو10:1].

– دخل إلى عالم الإنسان، وخاصته لم تقبله [يو11:1]، أما الذين قبلوه فنالوا ميلادًا جديدًا [12-13].

– وهو ابن الله الوحيد “َالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا”(يوحنا14:1).

– وهو الذي خبّرنا عن الله “اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ”(يو18:1).

يا إلهي ما هذه العجائب ؟ كيف انت الكائن تتجسد لكي تؤهلنا لملكوتك فلا أملك إلا ان أقول آمين ثم آمين.  

 

 

 

 

 

زيارة اليصابات

أليصابات وبيت زكريا الكاهن

بعد ان مضى الملاك جبرائيل بعد سماعه قبول مريم العذراء، جلست مريم تتأمـل وحدها فى هذا السر العظيم.

اولا عادة شرقيـة،وثانيـا واجب تلزمـه أمومتهـا للـمخلّص العجيب،

وثالثـا دفعهـا الروح القدس لأن تذهب

حتى يتقدس إبن زكريـا بسلامهـا

وهو فى بطن أمـه كما تنبأ الـملاك

“ومن بطن أمـه يمتلئ من الروح القدس”

(لوقا15:1).

+ “ودخلت بيت زكريـا وسلّمت على اليصابات“(لوقا40:1) – قد نتسآل يا تُرى ما هذا السلام؟،وما هو مضمونـه؟. لـم ينقل لنا الكتاب الـمقدس هذا الـمضمون،ولكن يمكن إفتراضـه: (السلام عليكِ ايتهـا الـمباركـة الحاملة فى بطنهـا ولداً مباركاً)،وكأننا بهذا نذكر قول الرب يسوع لتلاميذه: “اي بيت دخلتموه سلّموا عليـه فإن كان البيت مستحقاً فليأت

سلامكم عليـه”(متى12:10)،وايضاً نتذكر قول الرسول بولس:”ما أجمل

أقدام الـمبشرين بالسلام. الـمبشرين بالخيرات”(رومية15:10). ان كتاب

العهد الجديد هو كتاب السلام فقد تكررت كلمة سلام 88 مرّة وهى تستخدم كثيراً فى التحيـة وتترجم بمعنى الفرح.

+ “فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين فى بطنها وإمتلأت اليصابات من الروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنتِ فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنكِ فمن أين لي هذا ان تأتي أمُّ ربّي إلـيّ فهوذا حين صار صوت سلامك فى أذنيّ ارتكض الجنين بإبتهاج فى بطني فطوبى للتى آمنت ان يتم ما قيل لها من قِبلِ الرب” (لوقـا41:1-45) – هنا كانت القديسة اليصابات تحت تأثير الروح القدس الذى كان يتكلم بفمها. يوحنا ابتهج بقدوم مريم الحاملة للرب يسوع فإرتكض فى بطن امـه،تماما مثلما رقص داود بكل قوة امام تابوت الله حين دخوله اورشليم. مريم تنشر البشرى،تنشر السلام والفرح وتحمل المسيح للآخريـن. عندما تلاقت اليصابات ويوحنا بالمسيح فرحا وتهللا ونطقت اليصابات بالتسابيح “مباركة أنتِ فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنكِ” هذه التحية مشابهة لتلك التحية التى استقبل بها المسيح فى اورشليم “مبارك الآتى بإسم الرب”(متى29:21) و”مبارك الآتي بإسم الرب ملك اسرائيل”(يوحنا13:12) وهنا تحية لأم الـملك.

“الـمبارك”  كان يستعمل عند اليهود للتعبير عن الله الذى لا يجرؤ احد

ان يلفظ اسمه، فزكريا يبدأ تسبحته “مبارك هو الرب إلـه اسرائيل”(لوقا18:1)،وفى محاكمة يسوع سنجد رئيس الكهنة يسأل “هل أنت الـمسيح إبن الـمبارك”(مرقس7:14)،ونحجها ايضاً فى تحية ملكيصادق لإبراهيم “مبارك ابرام…ومبارك الله العلي”(تكوين19:14). وفى سفر يهوديت سنجد نفس الـمباركـة “مباركة أنتِ فى النساء”(يهوديت18:13)، وها هى بركة العذراء “مباركة أنتِ فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنكِ”.

واكملت اليصابات هتافهـا وهى مملوءة من الروح القدس  قائلة: “فمن أين لي هذا ان تأتي أمُّ ربّي إلـيّ” وهنا كلمة “رب” أي “كيريوس” هى التى استعملتها اليصابات فلا مجال للـمجادلـة بأن÷تا لم تكن تقصد وانهـا كانت تقصد كلمة (ربّونـي) يعنى الـمعلّم أو السيد. وهذا يعنى ان مريـم هـى أم الإلـه فسوف تلد عمانوئيل اي اللـه معنـا.

وهناك تطابق عجيب بين ما نطقت به اليصابات وبين ما نطق به الـملاك أثناء بشارته للعذراء مريم بالحبل الـمقدس.

 

 

انشودة التعظيم

“تعظّم نفسي الرب،وتبتهج روحي بالله مخلّصي،لأنـه نظر إلـى إتضاع أمتِـه. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطّوبني،لأن القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوس،ورحمته الى جيل الأجيال للذين يتقونـه. صنع قوة بذراعـه. شتت الـمستكبرين بفكر قلوبهم. أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع الـمتواضعين. أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين. عضّد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة،كما كلّم اباءنـا لإبراهيم ونسله إلـى الأبد”(لوقا46:1-55)

أنشدت مريم العذراء نشيدها هذا كنبيّة فتعتبر أخر نبيـة فى العهد القديم وأول أنبياء العهد الجديد.

انها تسبحة تبين ان مريم كان ذهنها مملوء من الأسفار المقدسة فهى تشابه تسبحة حنة ام صموئيل النبي (1ملوك11:1) ولكن تسبحة حنة انتظار للمسيا واما تسبحة العذراء مريم فهى فلرح بتحقيق هذا الأمل.

تسبحة تشبه ترنيمة التعظيم لاشعيا النبي “فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بالرب..”(اشعيا10:16-11).

لا تنسب مريم لنفسها شيئا بل ان كل شيئ هو من نعمة الله.

ها هى ابنة الناصرة القرية الفقيرة والحقيرة يحبها الله “نظر الى تواضع أمتـِه”. لقد ترك الله كل الخراف وبحث عن خروف واحد وعن درهم واحد وعن مريض واحد فى بركة.

لم تتكلم مريم عن الله باسمه ولكن بصفاته فها هى تدعوه القدير و

القدوس و اله الرحمة.

قيل ان هذه التسبحة هى تمهيد للموعظة على الجبل التى سيعلن المسيح فيها طوبى للمساكين والودعاءوالحزانى والجياع(متى5)

هذه التسبحة تعلن عن ما فى نفس مريم من عمق الشركة مع الله

 

 

أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ

لقد قالت مريم العذراء عن قوة الله التي ظهرت في تجسد ابن الله “صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ”(لوقا51:1-52). المستكبرين هم إبليس وجنوده، واليونان بفلاسفتهم، واليهود غير المؤمنين والرومان بقوتهم الغاشمة. فإبليس هبط للذل والمسكنة، واليهود تشتتوا في العالم كله. الأعزاء من ملائكة أشرار وبشر أنزلهم الله من كبريائهم، والفريسيون نزلوا من على كراسيهم. ورفع الله المؤمنين وأعطاهم سلطاناً أن يدوسوا الحيات والعقارب (لو19:10). بهذا العمل اظهر الله قوته كما جاء:” اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِياء وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ، لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ”(1كورنثوس27:1-29) ولذلك فكل شيئ يجب ان يُعزى الى قوة الله وحده. وهذه المعرفة لقوة الله نراها أيضا عندما قال الرب يسوع:” «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ”(متى25:11). فالقديسة مريم عظّمت قوة العلي لأنها عاينتها ولمستها وعاشتها ما قبل التجسد واثناؤه وما بعد التجسد حتى قيامة ابنها المجيدة.

                

 

“عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ».

لكم نحن سعداء ان الله ارتبط بنا بوعود وربما قد اعطانا كل ما نحتاجه

ولكن ما أهمية ان يعدنا بتلك الأشياء؟ الا اذا انها كانت تلك هي مشيئته وكما قال مريم :” وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ” ليخلصنا بنعمة منه استمرت طوال الأجيال من خلال آباؤنا الأولين. لنبقى مع مريم امنا لوعود الله التي لا تتغير فاعطان ابنه الوحيد يسوع المسيح لخلاصنا ولنردد قول اليصابات “فَطُوبَى لنا نحن الذين أمنا  أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَنا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ”. اذا كان الوعد بالمسيح تحقق بعد مئات السنين فهل لدين أي شك ان مواعيد الله الأخرى ستحقق في نهاية الأجيال!

اذا آمن اباؤنا بالمسيّا قبل مجيئه فكم ينبغي نحن ان نؤمن بالمسيح يسوع كضمانة لتحقيق وعود الله، فلنضع كل ثقتنا ورجاؤنا في تلك الوعود ولهذا الرجاء المبارك ولننزع عنا كل رجاء خادع يعطيه لنا العالم ومباهجه. فنحن كما هو مكتوب:”أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ”(غلاطية28:4) و “وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ. بَلْ «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ»أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ، بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلاً”(رومية7:9-8). فابراهيم آمن ” وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا”(رومية21:4). ونحن أولاد الايمان والنعمة حسب وعده وليس حسب اعمالنا ولكن حسب رحمة الله وُلدنا وتجددنا وهذا ما رأته مريم العذراء في الأجيال القادمة لأبراهيم ونسله لهذا قالت “ليكن لي حسب قولك”(لوقا38:1) فلقد حملتنا جميعا في احشائها مع يسوع المسيح والذي نحن فيه.

فلننشد إذن مع مريم نعيمها وفرحتها والتي هي فرحتنا نحن ولنعلن انها

مباركة ولنتحد مع كل من اتخذها اما ولنطوبها في كل الأجيال ولنصل الى حواء الجديدة التي التئمت جرح حواء الأولى ولترينا بدلا من الثمرة المحرمة التي جلبت لنا الموت ثمرة احشاؤها المباركة. فلنوحد نفوسنا مع نشيدها المقدس والتي انشدته مريم لخلاصنا الآتي ولنردد دائما

“تعظم نفوسنا الرب خلاصنا”. آمين.  

 

فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا

الخدمة يجب الا تكون عابرة فمكثت مريم مع اليصابات لثلاثة اشهر فمن يحمل النعمة لا يجب ان يهرب بها ولكن يجب ان يعطى فرصة لتعمل النعمة عملها. فليس كافيا ان يرتكض الجنين في الرحم او لأن تبارك اليصابات مريم فكان من الضروري ات تعمل النعمة وتتقوى في يوحنا. إن كان حضور مريم عند أليصابات وسلامها لها كافي أن أن يجعلا الجنين يرتكِض مبتهجًا، وأليصابات تتنبَّأ بعد أن امتلأت بالروح القدس، إن كان هذا قد تّم في ساعة واحدة، يمكننا أن نتخيَّل التقدَّم العظيم الذي أحرزه يوحنا خلال الثلاثة شهور التي مكثتهم مريم عند أليصابات. فإن كان في لحظة واحدة أو على الفور ركض الطفل في أحشاء أُمه، أو بمعنى آخر قفز متهلَّلًا وامتلأت أليصابات من الروح القدس، أفليس من المعقول أن أليصابات ويوحنا قد ازدادا في النمو خلال الثلاثة أشهر، وهما بالقرب من والدة الإله، والمخلِّص نفسه حاضر! في هذه الأشهر الثلاثة كان يوحنا يتقوَّى ويُعد وهو في بطن

أُمه لميلاد عجيب وتثقيف أعجب.

مريم مكثت ثلاث شهور لدى اليصابات” جلست العذراء مريم بل أقامت ثلاث شهور لدى اليصابات في بيت زكريا لتخدمها، وتهتم بشئون المنزل والمعيشة، ولتصلي معها وخاصة في هذه الفترة الحرجة من حياة اليصابات حيث أن ظروفها الصحية لا تسمح لها بالوضع الجديد وهو الحمل وهكذا دعوة المؤمن في الانسحاق والانسكاب والتفاني في خدمة الآخرين ولأجلهم، العذراء مريم في بيت اليصابات، تقوم بخدمتها وتتحمل مسئوليتها ومسئولية شئون إدارة حياتها في ذلك الوقت وهكذا يجب أن يكون المؤمن في حياته مع الآخرين

فلنتمس من العذراء أن تزور بيوتنا كما زارت أليصابات، مثالها تابوت

العهد الذي مكث في بيت عوبيد ثلاثة أشهر فبارك الرب عوبيد وكل بيته (2صم 6: 11). آمين.

 

ميلاد يوحنا المعمدان

وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ، فَوَلَدَتِ ابْنًا.وَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأَقْرِبَاؤُهَا أَنَّ الرَّبَّ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا“(لوقا57:1-58).

 

الله الّذي وعد من خلال الملاك يفي بوعده لزكريا واليصابات وللبشرية أيضاً. فالبشارة بحبل اليصابات اكتملت اليوم بولادة يوحنا، والفرح الذي غمر قلبها عمَّ قلوب الأقارب والجيران، لأنهم اكتشفوا حنان الله لهما من خلال الطفل يوحنا وهذا الحنان ربما لم يعرفوه من قبل، من هنا معنى الإسم وهو يعني “ألله تحنَّن”.

ولم يتحنَّن الله على اليصابات وزكريا فقط، بل تحنَّن على الجماعة التي طال انتظارها فأعطى هذا الطفل أهمية ودور في التهيئة لمجيء المخلص. فهذا الطفل سيكون الدليل الذي سيشير على المسيح وسيكون الصوت الصارخ في البرية: “… أعدّوا طريق الرب”.
والملاحظ أيضاً أنَّ هذا الإسم يوحنا أتى من الله مباشرة ليعلن أن الله حنون، خالقاً لدى العائلة نوعاً من التغيير في التقاليد الموروثة (ما من

أحد في العشيرة يُدعى يوحنا).

في ذاك الحدث تجمع عائلي وأصدقاء وجيران للإحتفال برحمة الله التي أظهرها لهم، وهذا ما يجب ان يحدث الآن بين العائلات المسيحية لتعبّر عن فرحتهم برحمة الله الواسعة وبدون هذه الرحمة فلا معنى للتحية والبهجة ولا لتجمع الأصدقاء وأفراد العائلة فالرحمة الإلهية هي سبب الفرح والإبتهاج.

بتدبير الهي قد وُلد يوحنا المعمدان بطريقة عجيبة ليُعد الطريق للمسيّا ليظل هذا الحدث محفورا في قلوب شهود فيعلنون ويتذكرون مجد يوحنا المعمدان: “وَتُحُدِّثَ بِهذِهِ الأُمُورِ جَمِيعِهَا فِي كُلِّ جِبَالِ الْيَهُودِيَّةِ، فَأَوْدَعَهَا جَميعُ السَّامِعِينَ فِي قُلُوبِهِمْ قَائِلِينَ: «أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هذَا الصَّبِيُّ؟» وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُ”(لوقا65:1-66).

“وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ جَاءُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ، وَسَمَّوْهُ بِاسْمِ أَبِيهِ زَكَرِيَّا. فَأَجَابَتْ أمُّهُ وَقَالَتْ: «لاَ! بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا». فَقَالُوا لَهَا: «لَيْسَ أَحَدٌ فِي عَشِيرَتِكِ تَسَمَّى بِهذَا الاسْمِ».ثُمَّ أَوْمَأُوا إِلَى أَبِيهِ، مَاذَا يُرِيدُ أَنْ يُسَمَّى. فَطَلَبَ لَوْحًا وَكَتَبَ قِائِلاً: «اسْمُهُ يُوحَنَّا». فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ”(لوقا59:1-63)، وهذا الحدث جعل الجميع يدركون ان هذا الاسم جاء ما اعلى

“َفوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى كُلِّ جِيرَانِهِمْ”(لوقا65:1).

اما زكريا والذي كان يتكلم بالإشارة فلم يكن فقط ابكم بل لم يسمع نتيجة لعلامة الملاك له لشكه فيما اعلن له وعاد السمع والكلام له “وَفِي الْحَالِ انْفَتَحَ فَمُهُ وَلِسَانُهُ وَتَكَلَّمَ وَبَارَكَ اللهَ”(لوقا64:1) عندما اعطى اسم يوحنا لأبنه معلنا طاعته، فالطاعة داوت الشرالذي كان سبب عدم إيمانه.

 

مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ

بعد ان كان زكريا غير قادر على الكلام لمدة طويلة فجأة يصيح ويعلن بفرح  ان المسيح قد جاء وسيظهر قريبا: مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ، وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاه”(لوقا68:1-69).

عندما امتلأ زكريَّا من الروح القدس، هذا الرجل الصامت زمانًا طويًلا

يتنبَّأ، فتنبَّأ نبوَّتين عامِّتين: الأولى خاصة بالمسيح، والثانية خاصة

بيوحنا المعمدان وظهوره. ويظهر من كلماته أنه يتحدَّث عن المخلِّص كقائم فعلًا وموجود في العالم، يليه الحديث عن يوحنا ودوره في العمل العظيم للمخلّص. هذه الشهادة لكاهن حكيم وتقي يعلن امام شعبه عن المخلّص المنتظر من انه قد جاء بالفعل ولهذا يعطي المجد ليسوع المسيح فكل كلمات تسبحته تشهد بان الوعد الذي قيل للأباء والأنبياء في القديم قد ظهر” كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ، خَلاَصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ، الْقَسَمَ الَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا: أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلاَ خَوْفٍ، مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، نَعْبُدُهُ بِقَدَاسَةٍ وَبِرّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا(لوقا70:1-75).

كلماته عرّفت العالم بابن مريم التي هي من بيت داود فهو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم فهذه هي مهمة المخلّص ابن داود لخلاص البشرية. ان الكاهن التقي جعلنا نرى شيئان في هذا الخلاص: التحرر من الشر والنِعم التي نحصل عليها. في الأولى-“كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ، خَلاَصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا”  فمن هم اعداؤنا من نحتاج ان نتحرر منهم؟ ليس المقصود هنا الأعداء الجسديِّين، بل الأعداء الروحيِّين،الغير منظورين (الشيطان واعوانه وقواته) الذين أسرونا في خطايانا ورذائلنا وآثامنا وشهواتنا وكل رغباتنا الشريرة. وأيضا يحررنا الرب يسوع المسيح من أعداؤنا المنظورين (الجسد والعالم وأصدقاء السوء والمعلمين الزائفين) بتعاليمه فيلزم ان نخافهم ونتجنبهم ونقهرهم بالمحبة والصبر كقول بولس الرسول:” لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ”(رومية21:12).

هذا هو الطريق الذي علمنا إياه المخلّص لكي نقهر اعداؤنا، واذا ما كان يلزم هزيمتهم سيضعهم الله تحت اقدامنا كما فعل هو مع الطاغية هيرودس الذي كان يضهده عند الهروب الي مصر.

عندما يسمح الله ان شعبه ينجحون ضد اعداؤهم الذين يضطهدوهم فيلزم ان ننظر الى هذا النجاح السعيد كأنه نِعمة وجائزة لكي نتبه الله ونخدمه بصورة أقوى.

ان اعداؤنا الحقيقيون الذين تم الوعد لنا بهزيمتهم اتى من مخلصنا يسوع المسيح وهم الأشرار ومن غلبنا في بدء العالم ورغباتنا واشواقنا التي تحاربنا وخطايانا التي تغرقنا وضعفاتنا التي تقتلنا ورعب ضمائرنا والتي لا تدعنا في راحة، فكل تلك الشرور قد حررنا منها المسيح حتى نسير معه بلا خوف أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلاَ خَوْفٍ، مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، نعبده”(لوقا74:1). انه ليس فقط حررنا من الشرور بل أيضا ان ملكوت يسوع المسيح جلب لنا القداسة والتي لها ميزتان:” نَعْبُدُهُ
بِقَدَاسَةٍ وَبِرّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا”(لوقا74:1-75) وليس فقط القداسة في اعين الناس بل امام الله. ان ملكوت يسوع المسيح ليس  في القداسة والتطهير الخارجي او في احتفالات بلا قيمة او عدالة سطحية ظاهرية بل يجب ان نكون كلية قديسين ونحفظ انفسنا امام الله في طهارة وبر وقداسة ونفعل كل شيئ من عمق قلوبنا وبكل افكارنا وعقولنا لكي نسر الله وان نداوم على هذا بلا دمدمة او تذمر او رجوع للخلف فلا نكون مثل هؤلاء “الَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ: الَّذِينَ حِينَمَا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ يَقْبَلُونَهَا لِلْوَقْتِ بِفَرَحٍ”(مرقس16:4). ان الثبات هو البرهان الحقيقي للمسيحية والنعمة التي وهبنا إياها يسوع المسيح هي التي تعمل فينا بكل قوة، فلنبدأ حياة جديدة في ملك يسوع المسيح ولنكن امامه صادقين ولنبيد كلية كل وصمة قد تبعدنا عن اتباعه ونتحلى بكل فضيلة ونتمسك بها وننمو فيها بثبات حتى نلتقي به في السماء يوما ما.

 

الرحمة الموعودة للأبــاء

لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ، الْقَسَمَ الَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا”(لوقا72:1-73) ان من الضروري ان نتذكر رحمة الله نحونا والتي وعد بها اباؤنا ولهذا ذكر زكريا ان الله هو الذي رحمنا ليس لبر فينا ولا لأعمال مارسناها ولكن من اجل اباؤنا الذين سُر بهم. لقد خلصنا الله بصلاحه وحده وليس عن استحقاق لنا بل لأجل وعده فبرحمته ومحبته للإنسان قدم لنا خلاصا مجانيا واذا ما حصلنا على نعمة ما او فضيلة ما فهي منه وحده فنعمته هي التي تعمل فينا وكما هو مكتوب:” لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ. حَتَّى كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَنِ افْتَخَرَ

فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ”(1كورنثوس29:1 و31).

طبقا للقسم الذي اقسمه الله لأبونا إبراهيم فلا يمكن ان نفهم معنى تلك الكلمات الا اذا ما تأملنا بما جاء في رسالة العبرانيين:” فَإِنَّهُ لَمَّا وَعَدَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْظَمُ يُقْسِمُ بِهِ، أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ” (عبرانيين13:6) ولقد ثابر وصبر ابرهيم لهذا جاء:”تَأَنَّى نَالَ الْمَوْعِدَ” (عب15:6). “فَإِنَّ النَّاسَ يُقْسِمُونَ بِالأَعْظَمِ، وَنِهَايَةُ كُلِّ مُشَاجَرَةٍ عِنْدَهُمْ لأَجْلِ التَّثْبِيتِ هِيَ الْقَسَمُ. فَلِذلِكَ إِذْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُظْهِرَ أَكْثَرَ كَثِيرًا لِوَرَثَةِ الْمَوْعِدِ عَدَمَ تَغَيُّرِ قَضَائِهِ، تَوَسَّطَ بِقَسَمٍ،حَتَّى بِأَمْرَيْنِ عَدِيمَيِ التَّغَيُّرِ، لاَ يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِبُ فِيهِمَا، تَكُونُ لَنَا تَعْزِيَةٌ قَوِيَّةٌ، نَحْنُ الَّذِينَ الْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا”(عب16:6-18).

فلننصت ونتأمل تلك الكلمات ونتعمق فيها ونتذكر دائما وعد الله، فالله وعد بغفران الخطايا للتائبين ووعده هذا بلا حدود فقط للذين يعترفون بخطاياهم “إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ”(1يوحنا9:1).

نبي العليّ

“وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى”(لوقا76:1)

ها ان زكريا الكاهن بوحي من الروح القدس يتنبأ عن يوحنا من كونه نبي ونبي عظيم وكما شهد عنه بعد ذلك الرب يسوع: “لكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ، وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ”(متى9:11) فهو ليس فقط يعلن عن المخلّص الذي سيأتي بل سيشير اليه لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ(لوقا76:1).  فلنتأمل كيف ان زكريا تكلم عن يسوع المسيح يدعوه “العلي” و”الرب” ففي آية واحدة يدعوه مرتان “الله”

اما عن شخصية يوحنا المعمدان ورسالته كما قال زكريا فانه يتقدم امام الرب ليعد له الطريق وهذا تحقيقا لنبؤتان جاءت في العهد القديم: “صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا(اشعيا3:40)، ولهذا ذكرت في كتابات العهد الجديد: فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً»(متى3:3) وكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي، الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً”(مرقس3:1) و” كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ أقْوَالِ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ : «صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً.(لوقا4:3)

اما النبؤة الثانية فكانت من ملاخي: «هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ»(ملاخي1:3)

وهكذا شرح زكريا الكاهن رسالة ابنه وشخصيته بالرجوع الي نبؤات العهد القديم وهي: “لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُم ْ”(لوقا77:1)، وهي رسالة مناسبة ليوحنا المعمدان والذى قال عنه القديس بولس:” إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ، قَائِلاً لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ، أَيْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ»(اعمال4:19).

فلنتعلم اذن ماذا علمنا إياه المخلص العجيب من ضرورة التوبة الصادقة

والنمو في الفضائل الروحية والثبات حتى النهاية في المسيح يسوع ولهذا فالرسول بولس يقول مشيرا لما انشده داود النبي:” طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً»(رومية7:4-8) و”طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. طُوبَى لِرَجُل لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً، وَلاَ فِي رُوحِهِ غِشٌّ”(مزمور1:32-2). فلنتعلم من الرب يسوع كيف نطهر انفسنا اكثر واكثر في كل يوم كما قال النبي داود:” اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي”(مزمور2:51). فليس بمعرفتنا ننال الخلاص بل بيسوع المسيح وحده ننال البِر والخلاص:”وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا”(اشعيا11:53). فلنقضي بقية أيامنا في الندم والتوبة واعمال الرحمة ولنصنع “أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ”(متى8:3).

ويستمر زكريا الكاهن موضحا رحمة الله وعمل المخلّص العجيب: “بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلهِنَا الَّتِي بِهَا افْتَقَدَنَا الْمُشْرَقُ مِنَ الْعَلاَءِ.لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ”(لوقا78:1-79)». فبيسوع المسيح النور الآتي الى العالم تضيئ ظلمات نفوسنا:”كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى

الْعَالَمِ”(يوحنا9:1)، وكما يقول بولس الرسول:” لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً،

وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ. اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ”(افسس8:5)، فبنور المسيح نستمر في اتباع طريقه لنصل به ومعه الى السماء البدية.

 

الإكتتـــاب

وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ

وَهِيَ حُبْلَى” (لوقا1:2-5).

كان للإكتتاب نظامان:

– نظام رومانـي وهو يجيز لكل فرد أن يكتب أو يسجل اسمه فى محل إقامتـه،أو فـى مكان ما يمتلك من أملاك حتى يسهل تحديد مخصصات

   كل فرد تجاه الحكّام.

  • نظام يهودي وهو يجبـر كل فرد أن يرجع الى مكان ولادتـه حتى لا تختلط الأسباط بعضهـا بالبعض.

ولقد أصدر الإمبراطور الروماني الأمر بالإكتتاب ليكون عاماً ويشمل كل الأراضي التى تحت سلطان الإمبراطوريـة وذلك من أجل ترتيب إدارتهـا وتقنين الضرائب. وبهذا تضافرت القوة الرومانيـة واليهوديـة على تتميم الـمقاصد الإلهيـة،فلقد صدر الأمر من السلطة الرومانية وتم الإكتتاب على الطريقة اليهوديـة،وبهذا انتقل يوسف ومريم إلـى بيت لحم “لكونـه من بيت داود وعشيرتـه”(لوقا4:2). ولقد حدد الإنجيل انه الإكتتاب الأول ليميزه عن اي اكتتاب آخر غير رسمي صدر أو أي إكتتاب آخر جاء بعد ذلك كما جاء فى سفر أعمال الرسل (أع37:5). ولقدد حدد النص أيضاً انـه كان فى زمان كيرينيوس والي سوريـة وهو قد تعيّن قنصلاً رومانياً سنة 12ق.م.،وتعيّن والياً على سوريـة مرتين:الأولى من سنة6-4ق.م. والثانيةمن 6-9بعد الـميلاد ومات سنة 21 بعد الـميلاد.

 

مريم الـمخطوبـة

“لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى”. (لوقا5:2)

العقد الرسمي بين يوسف ومريم قد سمح ليوسف بأن يأخذهـا الى بيتـه وأن تنطلق معـه الى حيث شاء فهى إمرأتـه رسميـا وهذا ما أعلنـه الـملاك “لا تخف أن تأخذ أمرأتك”(متى20:1). لقد أدرك يوسف بالروح ومن إعلان الـملاك لـه بأنـه قد أصبح مسئولاً أمام الله والتاريخ عن العذراء وإبنهـا الـمنتظر وهو الـمخلّص ورجاء كل اليهود والعالـم،وكلّفه رسمياً بأن يـمثل نفسه أباً للطفل عندما أمره أن يأخذ العذراء الحامل وهى مخطوبة إمرأة له رسمياً،ذلك بحسب الله،ليتصدى أمام العالـم بأنـه رجل مريم وهكذا تسّجل فى سجلات الدولـة رسميـاً وبأنـه أباً ليسوع أمام العالـم.

لهذا أجمع بعض الـمفسريـن ان يوسف حرص أشد الحِرص على أن يولد الـمخلّص فى بيت لحم اليهوديـة حسب النبوات وحسب رجاء كل اليهود،الأمر الذى جعله يسرع لأخذ العذراء وهى حُبلى فى شهرهـا الأخير ليتم ميلاد الطفل فى بيت لحم مهما كلّفه هذا من جهد ومخاطر.

+”وهـى حُبلى – هكذا قال الـملاك لـمريم”ها أنتِ ستحبلين فى البطن وتلدين إبنـاً”(لوقا28:1)، وهكذا تتم نبؤة صفنيـا “فى وسطك الرب الهك الجبار فهو يخلّص”(صفنيا17:3) اي فى داخل إبنـة صهيون والتى تعنى سُكنى اللـه فى هيكله، ويوئيل النبي القائل:”فتعلمون أنّي فى وسط إسرائيل وأنّ الرب إلهكم وليس غيري”(يوئيل27:2)،وكذلك زكريا النبي القائل:”هآنذا آآتي وأسكن فى وسطك يقول الرب”(زكريا10:2)،واشعيا النبي القائل:”إهتفي ورنّمي يا ساكنة صهيون فإن قدّوس إسرائيل فى وسطِك عظيم”(اشعيا6:12).

              

 

الـميلاد العجيب

 

وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ”(لوقا6:2-7).

تلقب الكنيسة العذراء مريـم “بوالدة الإلـه- ثيئوتوكوس” لأنهـا ولدت

الله الذى صار جسداً، فبولس الرسول يعلن:”أرسل الله إبنـه مولوداً من إمرأة”(غلاطية4:4). وقول القديس لوقا هنا “فولدت إبنها البِكر” فهذا بحسب الفكر اليهودي يعنى فاتح رحم،وليست كلمة بِكر تدل على ان للعذراء أولاداً آخرين غير الـمسيح،بل تدل على انـه فاتح رحمها وذلك لأنـه من الضروري توضيح انـه البِكر لأن البِكر له الـميراث بحسب الشريعة، وهناك طقوس خاصـة بحسب الناموس يلزم إجرائها للإبن البِكر (خروج12:13و19:34). فكان من الضروري توضيح ذلك، فهو إذن بالضرورة وارث لـمملكة أبيـه داود كقول الملاك للعذراء “ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيـه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لـملكه نهاية”(لوقا32:1و33).

يقول التقليد الكنسي على لسان القديس الشهيد يوستين(150م)،إن القديس يوسف ومعه العذراء مريم عندما بلغا بيت لحم لم يكن لهما فيها أحد،إذ كانا قد استوطنا الناصرة منذ زمن بعيد. فإتجها الى الخان (الـمنزل أو النزُل) وهو مكان يشبه اللوكاندة تستقبل الـمسافرين،فلما لم يجدا فى الـمنزل مكاناً إلتجأ الى المغارة الـملحقة والتى كانت مخصصة للدواب وباتا فيهـا وهناك ولدت إبنها البِكر وقـمّطته وأضجعته فى الـمزود.

                

القديسة مريم العذراء ام الله

“وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ:«هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا” (متى22:1-23)

انه مجد للكنيسة المسيحية لا يعادله مجد آخر فأي مجتمع يمكنه ان

يقول ان مؤسسه هو ابن لعذراءّ! وهذا اللقب لم يحدث مطلقا في عقل

البشرية من قبل وحُفظ ذاك المجد للمسيحية، وهي الديانة الوحيدة والفريدة التي تؤمن وتعلم بالبتولية الدائمة تكريما وتكريسا لله تعالى ومن اجل ذلك تعاني وتتألم وتُضطهد حتى الموت للدفاع عن هذا الايمان. انه الرب الذي اعلن منذ القدم هذا الإعلان: “وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»(اشعيا14:8).وايضا هو القائل:”فَلاَ يَتَكَلَّمِ ابْنُ الْغَرِيبِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِالرَّبِّ قَائِلاً: «إِفْرَازًا أَفْرَزَنِي الرَّبُّ مِنْ شَعْبِهِ». وَلاَ يَقُلِ الْخَصِيُّ: «هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ». لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي: «إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُبًا وَاسْمًا أَفْضَلَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمِ اسْمًا أَبدِيًّا لاَ يَنْقَطِعُ”(اشعيا3:56-5).

لقد الهم يسوع المسيح رسوله فيعلن البتولية المقدسة كشرط وحيد لتكريس كليّ الى الله وقلب لا يمكنه ان يتجزأ ما بين العالم والله:” فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلاَ هَمٍّ. غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ،
33 وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ. إِنَّ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْعَذْرَاءِ فَرْقًا: غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ تَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ لِتَكُونَ مُقَدَّسَةً جَسَدًا وَرُوحًا. وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَتَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ تُرْضِي رَجُلَهَا. هذَا أَقُولُهُ لِخَيْرِكُمْ، لَيْسَ لِكَيْ أُلْقِيَ عَلَيْكُمْ وَهَقًا، بَلْ لأَجْلِ اللِّيَاقَةِ وَالْمُثَابَرَةِ لِلرَّبِّ مِنْ دُونِ ارْتِبَاكٍ”(1كورنثوس32:7-35). ابن عذراء وبتولا هو أيضا واختار سابقه المعمدان بتوليا ورسله الذين اختارهم تركوا كل شيئ لكي يتبعوه حتى زوجاتهم.

ابن لله و ابن لعذراء هما شيئان متلازمان ومتلاحمان حتى يمكن ان يقال ان الابن طاهرا منذ الازل وهو في الأب وهو ايضا عندما كان في رحم العذراء مريم.  

بتوليـة مريـم الدائـمة كانت هى العقيدة الثانيـة التى أعلنتهـا الكنيسة

عن مريم العذراء، بعد أن أعلنت أمومتهـا الإلهية فى مجمع افسس سنة431م فحددت ذلك بقانون أصدره الـمجمع اللاترانـي ايام البابا مارتن الأول عام 649م واعتبرت من لا يؤمن بذلك يكون  “محرومـا”، ومن قبل ذلك جاء ذكر “مريم دائـمة البتوليـة” فى مجمع القسطنطينيـة الثانـي (553-554). وجاء فى قانون الإيـمان الذى يؤمن به جميع الطوائف المسيحية والذى تم وضعـه فى مجمع نيقيـة أولاً (325م) ثم فى مجمع القسطنطينيـة الأول (381م) عن ملخص إيـمانـنا بشخص الـمسيح يسوع وطبيعتـه: “الذى تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء“.

وجاء المجمع المسكوني اللاتراني الرابع فى عام 1215 ليؤكد عقيدة بتولية مريم الدائمة، ومن بعده مجمع ليون الثاني عام 1274.

وشرح القديس البابا Hormisdas (مات 523) هذه العقيدة بقوله:”ان ابن الله اصبح ابن الإنسان ولد فى الزمن بطريقة بشرية فاتحا رحم امه لتلد (لوقا23:2) وبقوة الله لم يُزل بتولية امه”. وأكد المجمع الفاتيكاني الثاني (1964) هذه العقيدة فأعلن:”ان الإبن البكر ابن مريم لم يُزل بكورية امه العذراء بل قدّسها”.

 

سيُدعى اسمه عمانوئيل

“وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ”(اشعيا14:7) و

“وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا”(متى23:1) .

عندما جاء الـملاك جبرائيل للقديسة مريم ليبشرها بالـميلاد العجيب قال لها “ها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلي يدعى” (لو 32:1)، فالذى ولدته العذراء هو يسوع (يهوة يخلص) وهو ابن العلي،الله الكلمة الـمتجسد، وعند ظهور الـملائكة للرعاة فى بيت لحم قالوا: “أنـه قد وُلد لكم اليوم مُخلص وهو الـمسيح الرب فـى مدينة داود”(لوقا11:2)، وكما جاء فى رسالة القديس بولس الرسول:”فلّما بلغ ملء الزمان ارسل الله إبنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس”(غلاطية4:4). 

انّ تدخّل الله ليكوّن بقدرته الإلهيّة طبيعة يسوع الإنسانيّة في أحشاء مريم العذراء التي لم تعرف رجلاً هو علامة لتدخّله الخلاصي في شعبه وفي العالم أجمع. فالمولود اسمه يسوع الذي يعني بالعبريّة “الله يخلّص”. وستقوم رسالته على أنّه “هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم” (متى 21:1). فخلاص البشر لا يمكن أن يأتي من إنسان، فالإنسان محدود في الزمان والمكان، ولا يمكنه أن يحقّق بنفسه المصالحة مع الله القدير الذي يفوق كل زمان ومكان. خلاص البشر ومغفرة خطاياهم لا يمكن أن يحقّقهما إلاّ الله وحده: “من يقدر أن يغفر الخطايا إلاّ الله وحده؟” (مرقس 2: 7). “والله هو الذي صالح في المسيح العالم مع نفسه ولم يحسب عليهم زلاّتهم”(2 كورنثوس 5: 17). وبما أنّ الخلاص لا يمكن أن يأتي إلاّ من الله، فالقول إنّ يسوع هو مخلّص إشارة واضحة إلى ارتباط خاصّ بين يسوع والله. رسالة يسوع هي إذًا فريدة بين البشر: إنّه هو المخلّص، وتكوين طبيعته الإنسانية أيضاً فريد بين البشر. إذ لم يُسمعَ قطّ أنّ امرأة تلد ابنًا من غير رجل. فمن فرادة الرسالة نخلص إلى فرادة الرسول. إنّه ليس مجرّد رسول كسائر الرسل البشر، وليس مجرّد نبيّ كسائر الأنبياء البشر. إنّه إنسان، ولكنّه أيضاً أكثر من إنسان. وهذا ما يعبّر عنه يوحنّا بقوله: “والكلمة صار جسدًا وسكن في ما بيننا. وقد شاهدنا مجده، مجدًا من الآب لابنه الوحيد” (يو 1: 14). إنّه “ابن الله” الكائن منذ الأزل مع الله. إنّه ابن الله المخلّص. ومريم هي أمّ ابن الله المخلّص.

ولقد اطلقت الكنيسة هذا اللقب “ام المخلص” على القديسة مريم أم يسوع عندما اعلنه البابا يوحنا بولس الثاني فى رسالته فى 25 مارس 1987.

فيا يسوع، يا عمانوئيل، يا أيها المخلّص، يا الله معنا، يا غالب الخطيئة وقاهرها، يا أيها الوسيط ويا من وحدّ السماء بالأرض، انا بالإيمان انتظر هذا اليوم المبارك والذي ستأخذ فيه الإسم يسوع، اليوم الذي ستكون فيه عمانوئيل لي ودائما معي والذي يحيا فيّ مبعداً كل التجارب والشكوك. احميني بنعمتك ووحدني بك وليكن كل ما فيّ مطابقاً لمشيئتك القدوسة. آمين.

 

 

 

 

 

المغارة والمزود ليسوع المسيح

لقد أعد الله مشهد جديد وعظيم للعالم عندما تسبب ان يولد ملك فقيراً وكان من الضروري ان يُعد له قصر ومهد ملائم “إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ.”(يوحنا11:1).

لم يكن له موضع عندما جاء، الحشد وأعيان الأرض ملئوا الخان، وكل الذي وُجد متاح ليسوع مزود مهجور ومعلف فارغ ليرقد فيه”إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ”(7:2). انه مأوى مناسب لشخص عندما يكبر ليقول:”لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ”(لوقا58:9).  انه لم يتخذ ذلك كسبب للشكوى بل لقد اعتاد على مثل ذلك التجاهل والهجر منذ لحظة ميلاده حيث لم يكن له موضع او مأوى يسند فيه رأسه. لقد شاء هو ان تكون حياته على الأرض بتلك الطريقة فلندع القصور مسكونة بالبشر ولندع الخانات او الفنادق والمنازل حيث يسكنوها الجميع ولنبحث اكثر على منزل بسيط نلتقي فيه بمولود هو قدوس الله. لقد وجدنا أخيرا مكان صالح يوجد فيه غير المرغوب من البشر، فتعال أيها الطفل السماوي فكل شيئ مُعد ليُعلن فقرك. لقد اتى مثل البرق وكشعاع من الشمس وامه تعجبت ان تراه ظاهرا في الجسد فميلاده كان حراً من بكاء الحزن

او الألم، ميلاد معجزي عجيب.

لم يُوضع يسوع في مزود بالصدفة فهو له معنى روحي عظيم. ان الحيوانات تذهب للمزود لتناول طعامها في مواعيد محددة، ولكن عندما وُضع يسوع في مزود لكي نأتي اليه طالبين الطعام الروحي. يسوع هو طعامنا الروحي الدائم والذي يمكننا ان نذهب اليه في أي وقت وحتى في أي مكان. انه يغذينا بكلمته وأسراره المقدسة في انجيله وسر لاتناول المقدس، فيسوع يريدنا ان نلتهم كلمته متأملين بتروّي فيها وعاملين بها: “وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي”(ارميا16:15) و”فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، كُلْ مَا تَجِدُهُ. كُلْ هذَا الدَّرْجَ، وَاذْهَبْ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ».  فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي ذلِكَ الدَّرْجَ. وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَامْلأْ جَوْفَكَ مِنْ هذَا الدَّرْجِ الَّذِي أَنَا مُعْطِيكَهُ». فَأَكَلْتُهُ فَصَارَ فِي فَمِي كَالْعَسَلِ حَلاَوَةً”(حزقيال1:3) و”فَذَهَبْتُ إِلَى الْمَلاَكِ قَائِلاً لَهُ: «أَعْطِنِي السِّفْرَ الصَّغِيرَ». فَقَالَ لِي: «خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرًّا، وَلكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْوًا كَالْعَسَلِ». فَأَخَذْتُ السِّفْرَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِي حُلْوًا كَالْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرًّا”(رؤيا9:10-10).  ان كلمة يسوع ليست كأي طعام آخر ففيها القوة لتحفظ نفوسنا وأرواحنا كقول الرسول يعقوب:”فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ

الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ”(يعقوب21:1)، فيسوع هو

خبز الحياة “أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا”(يوحنا35:6) وهو ايضاً القائل:”َأنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ»(يوحنا51:6).

فيا أيها القدوس، أدخل الي عرشك الفقير فستأتي الملائكة بعد قليل ليعلنوا مجدك، فلقد قيل انه عند تقديمك للعالم من فم العليّ “مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ”(عبرانيين6:1).  فمن يشك انه “الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ”(رومية5:9). فلا تفكر ان تاتي لهذا العرش الفقير بمحبة المال والرِفعة فلتنكر نفسك وتجرد ذاتك يا من تاتي الى المخلص في هذا المزود. هل تفتقد الشجاعة ان تترك كل شيئ لكي تتبع ملك الفقراء؟ فلنترك اذن على الأقل كل شيئ محبوب للنفس ولا نمجد ما نمتلك ونعظمه من كل ما يحيط بنا ولنخجل امام المسيح العريان والمهجور.

لقد “قمطته” امه مريم (لوقا7:2) بيديها الطاهرتين، فيا مريم يا من غطيت جسده الطاهر وحملتيه بين ذراعيك وارضعتيه من ثدييك المباركتين وخدمت سيدك والهك ووليدك بكل حب فاحملينا انت بين ذراعيك الحانيتين مثل يسوع. آمين

 

 

رعــاة بــيــت لــحــــم

وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ». فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ… ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ”(لوقا8:2-20).

حادثة صاحبت ميلاد الرب يسوع عن رعاة ظهر لهم ملاك الرب وأعلن لهم بشرى ميلاد المخلص المسيح الرب، وأُعطيت لهم علامة عن طفلاً مضجعاً فى مزود، وصاحب هذا الإعلان العجيب ظهور جمهور من الجند السماوي يسبحون الله.

ترى من هذا الملاك؟ ما اسمه؟ دعونا ان لا نكون مثل منوح والد شمشون والذي سأل الملاك عن اسمه وهنا يمكن للملاك ان يجيبنا قائلا:«لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟»(قضاة17:13-18)، ولا يمكننا ان نأمل انه الملاك الذي ظهر لزكريا وللعذراء القديسة ولكن يكفي ان قد ذُكر عنه:”وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا”(لوقا9:2)

ان كل الأشياء السماوية تصيبنا نحن البشر بالخوف فنحن قد طردنا من الفردوس ونحمل طبيعة تميل للشر ولهذا فالخوف أصاب آدم بعد السقوط، ولكن طمأنهم الملاك قائلاً: لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». ومضى الرعاة الى بيت لحم  قائلين “تعالوا نذهب لنرى هذا الحدث الذى أخبرنا به الرب”،ووجدوا العلامة-مريم ويوسف والطفل مضجعا فى المزود-“فلمّا رأوه أخبروا بما حدثهم الملاك عنه”، فكل من سمع “كان يتـعجب من كلامهم”، وبعدها “رجع الرعاة وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما رأوا كما أخبرهم الـملاك”. 

بعلامة منفردة وحيدة لطفل موضوع في مزود ستتعرفون على المسيح الرب “لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ”(اشعيا6:9)

وفجأة “وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ

وقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ

الْمَسَرَّةُ»(لوقا12:2-13).

الآن نرى رباً جديداً ونحن له وهو يمتلكنا، رباً وإلهاً ينال الإسم العظيم والمهوب “المسيح”، انه الشخص الممسوح من الله والذي أنشد له داود النبي:” مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِدُهْنِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ”(مزمور7:44).

الرعـــــاة هـم جماعة من اليهود كانوا على مقربة من بيت لحم،ظهر لهم ملاك،فخافوا خوفاً شديداً , وأعلن لهم البشرى وأعطاهم العلامـة. علامة للإيمان كما هى عادة الله مع بني إسرائيل لأنه يعرف قساوة قلوبهم, فتشاوروا وذهبوا مسرعين ووجدوا العلامة فآمنوا. وأخبروا بما سمعوا.وعادوا يـمّجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوا ورأوا.

أيها الرعاة ماذا تطلبون؟، هـاكم علامة سماوية قد ظهرت فلماذا وقفتم

امام الـمزود مشدوهين من ان ما قيل لكم كان حقيقة وعليه سردتـموه لـمريم ويوسف لمجرد السرد؟.

قصة،روايـة،مشهد.. أهكذا كان فقط تأثير البشرى والعلامة ثم الرؤية؟

رعــاة فى بادية..فى صحراء هذا العالم..أتتهم البشرى مثلما اتت لنا

نحن الذين نحيا فى العالم،وأخذنا نفتش مثلهم عن العلامـة،عن يسوع

ونحن متشككين.

أحقاً هو الـمخلص؟،أحقاً انه الـمسيح الرب؟

أحقاً هو الـملك؟،أحقاً هو الـمنتظر؟،أحقاً هو القدوس وإبن العلـي؟. أحقاً

هذا هو الطريق والحق والحياة؟،وأحقاً هذا الطفل سيحل جميع مشاكلي

الأرضية والنفسية والروحيـة؟.

مــاهذا الذى رأيناه؟

طفل فقير لا حول له ولا قوة مولود فى مزود،لـم نشعر بـملكه،

ولم نشعر بقوتـه.

ولكن أهذا حقاً الـمسيح الرب كما أعلنته السماء؟؟؟

“ولد لــكــم مخلص”..هل نعي تماما معنى ان يولد مـخلص؟… واين هذا

الخلاص ؟… وأين نذهب لنرى الـمخلص؟..اين بيت لحم هذه؟؟ مــاذا

نعرف عن يسوع؟..وماذا نريد مــنــه؟

            

طفـل الـمزود

“لكنـه أخلـى ذاتـه آخذاً صورة عبد صائراً فـى شِبـه البشر وموجوداً كبشر فـى الهيـئة”(فيلبي7:2).

نزل السيد الـمسيح الى العالـم هادئـاً بدون ضجة، وفـى خفـاء لـم يشعر بـه أحد، ولـم يعلن من قبل موعد مجيئـه إلاّ فـى نبؤات العهد القديـم. لـم يشعر العالـم بـه، ولـم ينـزل فـى مركبـة نورانيـة يحيط بـه الشاروبيم أو الساروفيم.

الجند السماوي ظهروا لعدد قليل من الرعـاة وأخبروهـم، وأعطوهـم علامـة، وذهبوا الرعاة وتأكدوا من العلامـة ومضوا وبهذا إنتهت مهمتهم دون أي إعلان.

النجم السماوي، نجم الـمشرق، ظهر للمجوس، ولـم يعرفـه سواهم فقط

لأنهـم كانوا علماء فى الفلك، ولـم يشعر بهذا النجم أحد حتى وهو

يرشدهـم الى مكان الصبي، ومضوا عائديـن إلـى بلادهـم بدون إعلان.

وُلـد الـمسيح من أم فقيرة، يتيـمة، وسكن فـى الناصرة تلك التى قال عنهـا نثنائيل “أيمكن أن يخرج منها شيئ صالح”، وعاش حتى فـى حياتـه فـى بيت نجـّار بسيط.

وُلـد فـى مزود ولـم يولد فـى قصر ملكي، حتى أن الـمجوس عندما أتوا من بعيد ذهبوا للقصر الـملكي يبحثون عن “ملك اليهود”.

وُلـد الـمسيح، وُلـد مُـشتهـى كل الأمـم.

ولد لكم اليوم فـى مدينـة داود مخلّص هو الـمسيح الرب وهذه لكم العلامـة تجدون طفلاً مقمطا مضجعـا فـى مزود”(لوقا12:2).

مدينة داود، بيت لحم، بيت الخبـز، فليس غريبـاً ان بيت لحم هذه

تعطى للعالم كله خبز الحيـاة، الـمن الحقيقـي “يوحنا48:6)، ألـم يقل العهد القديـم انـه من نسل داود ومن بيت لحم القريـة التى كان داود فيهـا سيأتـى الـمسيح(يوحنا42:7).

بيت لحـم، الـمكان الذى وُلد فيـه داود من قبل (1ملوك15:17)، وهو الـمكان الذى مُسح فيـه ملكـاً (1ملوك13:16).

وُلد لكم اليوم“، أي ان الـميلاد قد تـم، وأتـى قدوس اسرائيل.

انـه لحكـمة أن يولد فـى مغارة ويكون فقيراً لا حول له ولا مورد.

لـم يشأ الله الآب أن يعرف الناس بإبنـه بواسطة طرق التعارف العاديـة، كتبشير رجال الديـن أو دعايـة العلـماء، ولكنـه أراد أن يعلّم الناس أن التواضع هو طريق الإرتقـاء “رفع الـمتواضعيـن”(لوقا52:1).

ولادة عجيبة من بتول “الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تظللكِ” (لوقا35:1).

ميلاد غير عادي، طفل إلهـي يولد فـى مزود. أهذا هـو مشتهى كل الأمم؟

رفضـه أبنـاء بيت لحم، والرعـاة أتوا ومضـوا، والـمجوس سجدوا لـه ثـم مضوا، ولـم تحدث دعايـة وصرخـات تقول “الـمسيح هنـا”، كما فعلت السامـريـة “هلّموا وانظروا ألعـل هذا هو الـمسيح”(يوحنا29:4)، لأنـه لا يريد شهادة أحـد “لأنـه لـم يكن محتاجـاً أن يشهد أحد عن الإنسان لأنـه علم كان يعلـم فـى الإنسان”(يوحنـا25:2).

كان وحيداً فـى ميلاده، فلـم يأت مخوفـاً “لأنكم لم تدنوا الى جبل يمسّ ولا الى نار متقدة وضباب وظلام وزوبعـة وهتاف بوق وصوت كلمات…”(عبرانيين18:12-19).

“عظيـم هو سر التقوى اللـه ظهـر فـى الجسد”. وُلـد الـمسيح فـى أرض الجليل، أو جليل الأمم كى يعطى بشارتـه للعالـم أجمع.

فلنفرح ونبتهـج بهذا الطفـل العجيب ولندع ميلاده فـى قلوبنـا وليس فـى

مغارة من ورق أو فـى ركن من الأركان، ولنعش معـه دائـماً لنصـل بـه

إلـى السمـاء لنكون معـه الى أبد الآبديـن. آمين.

 

                الصمت العجيب لمريم ويوسف

لقد راينا رعاة قد أتوا من حقولهم يمجدون الله وكل من سمعهم كان يمجد الله أيضا “وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ”(لوقا18:2)، ولكن هنا أيضا شيئا آخر عجيبا “وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا”(لوقا19:2) وبعدها جاء “وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ”(لوقا33:2). اليس من المستحسن ان نتحد مع صمت مريم بدلا من محاولة ان نشرح حالتها في كلمات! ماذا يمكن ان يكون اكثر تعجبا بعد البشارة والميلاد وسماع الجميع يتحدثون عن المولود الا بالصمت فهي حملت في احشائها ابن العليّ ورأته وهو يخرج من رحمها كشعاع نورنقي ومضيئ فما الذي شعرت به امام حضوره وان تقترب منه وتحمله بين يديها! ان يوحنا ارتكض في احشاء امه اليصابات من الفرح فكم كان شعور فرح العذراء المباركة عند ولادتها بالكلمة الأزلية الذي حلّ فيها بقوة الروح القدس! فبماذا تتكلم او تقول عن ابنها الحبيب؟ فبغض النظر عما تشعر به فهي تسمح ان يسبحوه ويمجدوه من الكل. سمعت من الرعاة ولم تتكلم، وسمعت فيما بعد من المجوس الذيت أتوا وسجدوا لأبنها ولم تفتح فاها، وسمعت من سمعان الشيخ ومن حنة النبية ولكنها تكلمت فقط امام اليصابات لتعظم الرب.

والقديس يوسف الصامت الكبير شارك مريم في صمتها كما شاركها سرها العجيب، هذا الذي ظهر له الملاك وتكلم معه عن أشياء خارقة وشاهد كيف ان العذراء تحبل وتلد.

 كان الله يظهر للآباء والأنبياء وسط هالة وأبهة عظيمة تليق به عزّ وجلّ، وقد خاطب شعبه وانزل عليهم الشريعة بواسطة موسى وسط الغمام والبروق والرعود، لكن لما قام بأعظم ظهوراته وظهر جسدياً بواسطة كلمته ابنه يسوع المسيح، صنع ذلك فى صمت عجيب.

فى ظل يوسف الرجل البار خطيب مريم البتول، نرى كثيراً من الأسرار المخفية مع بعض الإمتحانات والتجارب، وحيرة نفس، وقلق

وإضطراب لا نظير لهم، ثم إنتظاراً وصبراً ووحياً فى الليل المظلم،

وأوامر بالتحفظ والتيقظ والإحتياطات اللازمة. وفى ذلك الجو نشأ إيمان أول مسيحي، إيمان يوسف ابن داود، النجّار الذى أُعطى له أن يستقبل فى بيته كلمة الله المتأنس ويعطيه اسماً “فسّميه يسوع لأنه هو الذى يخّلص شعبه من خطاياهم”(متى21:1)

ان يوسف كان اكبر رجل روحاني فى العهد الجديد، ومن ميزة الإنسان الروحاني ان يبقى فى جو الصمت، متحداً فى معبد الصمت مع الله خالقه، يعيش فى دنيا الإيمان ويغتذى بالإيمان”اما البار فبالإيمان يحيا”(حبقوق4:2) و(عبرانيين38:10). انه يفضل الصمت على الظهور لكي يتفرغ كليّة لتغذية إيمانه وحياته الروحية الداخلية. كان بإمكان يوسف ان يقول للناس: “ان المسيح المنتظر اصبح عندي وقد أُقمت وكيلاً عنه”، ولكنه لزم الصمت والكتمان لأنهما يؤلفان جزءاً من الحياة الروحية الداخلية.

ان الأشياء العظيمة التي صنعها الله في مخلوقاته تمت طبيعيا في صمت وسادت على أي كلمات يمكن ان يُنطق بها. لم تستطع ان تنطق مريم بسرها العجيب وأيضا يوسف فلزما الصمت إلا اذا فتح الله شفاههما لينطقا ويعلنا هذا السر المكتوم كما فعل مع اليصابات وزكريا.

                     

 

 

 

اسم يسوع المقدس

وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ”(لوقا21:2)

 

لقد عانى يسوع عندما وضع نفسه في مصاف الخطأة، لقد جاء كعبد

ذليل يحمل في جسده شخصية موصومة بوصمة الخطيئة الأصلية ويظهر امام الناس على انه ابن لآدم مثله مثل باقي البشر. في الحقيقة كان من الضروري ان يحمل هو أيضا علامة الخطيئة كما سيحمل نتيجتها، ولكنه بدلا من ان يشابهنا في كل شيئ ما عدا الخطيئة لأنه من الأصل هو مقدس وحُبل به بالروح القدس الذي يقدس كل شيئ ويتحد اتحادا وثيقا بإبن الله والذي هو قدوس القديسين. ان الروح القدس الذي يقدسّنا عند تجديدنا وولادتنا الجديدة هو الذي حلّ على العذراء وحبلت بالمسيح يسوع وبه تكوّن جسده المقدس واتحد به اتحادا كلياً وبناء عليه كان ليس عليه التزاما بشريعة الختان. لقد خضع لتلك الشريعة لكي يعطي العالم مثالا للطاعة الكاملة وبغض النظر عن خضوعه لشريعة الختان لقد كما قال القديس بولس: “أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ أَنْ يَعْمَلَ بِكُلِّ النَّامُوسِ”(غلاطية3:5).

كان الختان علامة الدخول في عهد مقدس مع الله لذا كان لزامًا على كل ابن ذكر من نسل إبراهيم أن يختتن وبداية دخوله في عضوية الجماعة المقدسة (تك 17: 9-14). لذلك تقدم فادينا ومخلصنا يسوع ليتمم الناموس. والمسيح أتى خاضعًا للناموس، إذ هو وحده غير كاسر للناموس (غلاطية3:4-5). هنا نرى المشرع ملتزمًا بالقانون الذي سَنَّهُ. وختان النفس من (الخطية) بالمعمودية. بحفظه وصايا الناموس. وبعبارة أخرى أطاع المسيح الفادي عِوضًا عنَّا الله الآب، إطاعة تامة، كما هو مكتوب: “لأنه كما بمعصيّة الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا” (رو 5: 19).

سلَّم المسيح نفسه للناموس أُسوَة بنا، لأنه يليق به أن يكمِّل كل برّ، واتَّخذ صورة عبدٍ وأصبح واحدًا منَّا نحن الذين بطبيعتنا تحت نير الناموس.

ان اسم المخلّص هو ضمان الثقة لنا فيسوع انقذنا محرراً ايانا من الخطيئة وبدمه ضمن لنا الخلاص”بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا”(عبرانيين12:9).

ان الصيغة العربية للاسم العبري “يشوع” ومعنى الاسم “يهوه مخلص”.

يسوع المخلص: وقد تسمى يسوع حسب قول الملاك ليوسف (مت 1 : 21), ومريم (لو 1: 31). ويسوع هو اسمه الشخصي. أما المسيح فهو لقبه. وقد وردت عبارة “الرب يسوع المسيح” نحو 50 مرة في العهد الجديد. ويسوع المسيح أو المسيح يسوع, نحو مئة مرة. بينما وردت كلمة المسيح أيضًا بالمخلص (لوقا 2 : 11). ووردت لفظة يسوع وحدها على الأكثر في الأناجيل, ويسوع المسيح, والرب يسوع المسيح في سفر الأعمال والرسائل.

فيا يسوع انك مستحق لهذا الأسم فلك “تَجْثُوَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ”(فيليبي10:2)،

 

تقدمة يسوع في الهيكل

وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ.  وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ”(لوقا21:2-24)

تحتفل الكنيسة بعد مرور اربعين يوما من عيد ميلاد الطفل يسوع، اي في الثاني من شهر فبرايرمن كل عام بعيد تقدمة الرب، هذا العيد الذي قربت فيه مريم ويوسف الطفل يسوع الى الهيكل، لا ليؤدي ما تفرضه الشريعة فحسب، بل ليلاقي شعبه المؤمن.

جاءت العائلة المقدسة، لتقدم رب الشريعه، حسب طقوس الشريعة، يسوع الطفل للهيكل، لكي يبارك من قبل الرب، وليفتدى بزوج من الحمام كسائر فقراء الشعب علما ان الاغنياء كانوا يقدمون الثيران، وهذا يعلمنا تواضع يسوع وعائلته التي هي بالاساس ليست بحاجة لكل هذا لانها عائلة مقدسة ولكنها قبلت بذلك لتتحد البشريه مع الله من خلال الطفل المتجسد ولكي يكتمل الناموس.

ليتنا نقدم في الهيكل وفي كل حين، قلوبنا وهمومنا ومتاعبنا، لله ملك المجد الرب العزيز الجبار، بكل تواضع وحب وثقه وثبات، لكي ينعم الله علينا ويباركنا كل يوم ويريحنا، وخاصة عندما نشارك في الذبيحه الالهيه بالقداس الذي يمثل ذبيحة الخلاص.

لنصلي مع القديسة مريم والقديس يوسف البار، صلاة الحب والايمان، لكي نرى يسوع كما راّه سمعان الشيخ، نورا لانفسنا ومجدا لحياتنا، ولنردد مع القديس لوقا بايمان قائلين: رأت عيناي خلاصك الذي اعددته في سبيل الشعوب كلها. اّمين.

                 

سمعان الشيخ

وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ،  الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ.  نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ»….. “وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضًا

يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ»”(لوقا25:2-35)

فى ميلاد السيد المسيح نجد أن السماء تُسَبِّح والأرض تفرح وتتهلل بميلاد رب المجد، حيث سَبَّحَ الملائكة وتهلل الرعاة وسجد المجوس للطفل المولود فى بيت لحم.

وبعد أربعين يوماً نجد أن بقية البشرية تشترك فى التسبيح والتمجيد. فإن كان الشيوخ لم يتمكنوا من الذهاب الى بيت لحم فها هم ينتظرونه فى الهيكل يقودهم سمعان الشيخ وحنة بنت فنوئيل ليقدموا له التسبيح والتمجيد.

من هما سمعان وحنة؟

لما ملك بطليموس الملقب بالغالب حوالي سنة 269 قبل الميلاد. أرسل بتدبير من الله إلى أورشليم، واستحضر سبعين رجلا من أحبار اليهود وعلمائهم، وأمرهم إن يترجموا له أسفار العهد القديم من العبرية إلى اليونانية (وهى الترجمة المعروفة بالترجمة السبعينية).

ولكى لا يتفقوا علي ترجمة واحدة، عزل كل اثنين منهم في مكان منفرد، حتى يضمن نسخة صحيحة بعد مقارنة هذه الترجمات. وكان سمعان الشيخ من بين السبعين رجلاً الذين قاموا بهذه الترجمة.

وقد حدث انه لما وصل إلى ترجمة قول أشعياء النبى “ها العذراء تحبل

وتلد ابنا” (أش 7: 14) خشي أن يكتب “عذراء تحبل” فيهزأ به الملك فأراد إن يكتب كلمة “فتاة” عوض كلمة “عذراء” ولما تألم في داخله لهذه الترجمة غير الصحيحة، أعلن له الله في رؤيا انه لا يرى الموت قبل إن يرى مسيح الرب المولود من العذراء. وقد تم ذلك وعاش هذا البار نحو ثلاثمائة سنة حيث ولد السيد المسيح. وكان بصره قد كف فلما حمل الصبي علي ذراعيه أبصر واعلمه الروح القدس إن هذا هو الذي كنت تنتظره “فبارك الله وقال الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لان عيني قد أبصرتا خلاصك. الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك إسرائيل” (لو 2: 25-32).

أما حنة بنت فنوئيل فهى أرملة من سبط أشير يتجاوز عمرها المئة عام. كانت تزوجت لمدة سبع سنوات ثم مات زوجها فبقيت أرملة لم تتزوج لمدة أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلا ونهارا. ويقول الكتاب أنه عندما أتى يوسف ومريم بالطفل يسوع الى الهيكل لممارسة طقس ختانه “وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم” (لو 2: 36-38).

تسبحة سمعان:

“الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا

خَلاَصَكَ الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ وَمَجْداً لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ” وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: “هَا إِنَّ هَذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وأنْتِ أيْضاً يَجُوزُ فِى نَفسِكِ سِيْفٌ لِتُعلَنَ أفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ.” (لو 2: 29-35)

ويلاحظ في تسبحة سمعان الشيخ الآتي:

أولاً: يعلن عموميّة الخلاص وجامعيّة الكنيسة، فإن كان شعبه إسرائيل الذي تجسّد منه وحلّ في وسطه قد تمجَّد، وقبِلَ بعض اليهود الإيمان به، لكن إسرائيل الجديد ضم من كل الأمم.

ثانياً: إن كان الله الآب قد أرسل ابنه لخلاص العالم (يو 3: 16) خلال علامة الصليب، لكن ليس الكل يقبل هذه العلامة ويتجاوب مع محبَّة الله الفائقة، بل يقاوم البعض الصليب ويتعثَّرون فيه. هذا ومن ناحية أخرى فإنَّ سقوط وقيام الكثيرين يشير إلى سقوط ما هو شرّ في حياتنا لقيام ملكوت الله فينا، فعمل السيِّد المسيح أن يهدم الإنسان القديم ليُقيم الإنسان الجديد؛ يقتلع الشوك ليغرس في داخلنا شجرة الحياة.

ثالثاً: إن كان السيِّد المسيح الذي جاء لخلاص العالم قد صار موضع مقاومة، فإنَّ القدِّيسة مريم تشارك ابنها الصليب بكونها تمثِّل الكنيسة، التي تحمل صورة عريسها المصلوب المقاوَم. وكما يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [يُراد بالسيف الألم الشديد الذي لحق بمريم وهي ترى مولودها مصلوبًا، ولا تعلم بالكليّة أن ابنها أقوى من الموت، وأنه لابد من قيامته من القبر، ولا عجب أن جهلت العذراء هذه الحقيقة فقد جهلها أيضًا التلاميذ المقدَّسون، فلو لم يضع توما يده في جنب المسيح بعد قيامته، ويجس بآثار المسامير في جسم يسوع لما صدق أن سيِّده قام بعد الموت.] وجاء في قطع الساعة التاسعة: [عندما نظرت الوالدة الحمل والراعي مخلِّص العالم علي الصليب معلَّقا، قالت وهي باكية: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي.]

 

نجم المجوس

ما هو هذا النجم:- يقول القديس فم الذهب أنه لم يكن نجمًا حقيقيًا كسائر النجوم، إنما هو ملاك ظهر في هيئة نجم ليهدي المجوس العاملين في الفلك وذلك:

1-   لأن مسار هذا النجم الذي ظهر مختلف مع مسار حركة النجوم الطبيعية.

2-   كان النجم يسطع في الظهيرة والشمس مشرقة.

3-   كان يظهر أحيانًا ويختفي في أحيان أخرى.

4-   كان يرتفع حينًا وينخفض حينًا فهو قادهم إلى البيت الذي فيه المسيح تمامًا.

أما أوريجانوس فيرى أنه أحد المذنبات، وهذا الاحتمال بعيد للأسباب السابقة.

متى جاء المجوس إلى المسيح: يرى البعض أن النجم ظهر قبل مجيء المسيح للعالم ليلة ميلاده بمدة تكفي لسفر المجوس من بين النهرين إلى بيت لحم، وهم أتوا تمامًا ليلة الميلاد، ويرى البعض أن النجم ظهر ليلة ميلاده للمجوس وهم أتوا بعد فترة (ويقول أصحاب هذا الرأي أن ما يدعمه قول الكتاب أن المجوس أتوا إلى البيت آية (11) ولم يقل المذود. وقال الصبي ولم يقل الطفل. وأن هيرودس قتل كل من كان أقل من سنتين)

لماذا استخدم الله النجم؟

1- الله يكلم كل إنسان باللغة التي يفهمها، فكما تحدث مع التلاميذ عن طريق صيد السمك الوفير وتكلم مع قسطنطين الملك المحارب وأراه علامة الصليب قائلاً بهذا تغلب فعرف المسيح وآمن به، وتحدث مع اليهود بالنبوات ومع اليونانيين بالفلسفة يكلم الله المجوس الذين لا يفهمون سوى لغة النجوم عن طريق نجم، وهكذا يكلمنا الله من خلال أعمالنا ودراساتنا ومنازلنا كل اليوم.

2- حين وصلوا لليهودية توقف النجم عن إرشادهم فسألوا اليهود ليرشدوهم فذاع الخبر، وبهذا تكلم الله مع شعبه من اليهود ليعرفوا نبأ الميلاد فلا يكون لهم عذر.

3-   الله كلم المجوس عن طريق نجم، وكلم الرعاة عن طريق ملائكة، الكل تكلم من السماء.

4- ربما شعر المجوس أن تعاويذهم قد أبطلت حين ولد المسيح، فأدركوا أن أمرًا يفوق السحر قد حدث في العالم، وتذكروا نبوة بلعام، فطلبوا أن يروا نجمًا هو كوكب يعقوب الذي حدثهم عنه أبوهم بلعام (عد17:24)، ليدركوا أين هو هذا المولود فيذهبوا إليه فأراهم الله بحسب طلبهم، وحسب ما يفهموه. فهم بحسب مفاهيمهم فهموا نبوة بلعام حرفيًا. فهم فهموا قوله كوكب من يعقوب أن هناك نجمًا سيظهر.

5-   ربما هم عرفوا موعد مولد المسيح من نبوة دانيال الذي كان كبيرًا للمجوس.

6- الله أخرج من الجافي حلاوة، فالمجوس استخدموا النجوم بطريقة

خاطئة ولكن ها هو الله يرشدهم عن طريقها على مكان المسيح. وهؤلاء المنجمون يعتقدون أن لكل شخص نجمًا يُسَيِّر حياته، ولكن نرى هنا أن النجم لم يحدد مصير المسيح، بل أن المسيح هو الذي كان يقود النجم.

 

مــجــوس مـــن المـــشرق

الـمــجــوس. .جـاء  فى إنجيل متى (7:2-13)  ذكراً لحادثة زيارة مـجوس من المشرق الى أرض اليهودية باحثين عن” المولود ملك اليهود” لأنهم رأوا علامة ..”نجمـه فى المشرق” ، فجاءوا “للسجود له” وإضطربت أورشليم وملكها هيرودس من تلك الزيارة ..وإستمع المجوس لتلك النبؤة عن مكان ميلاد المدبر الذي يرعى شعب إسرائيل وعن مكانة بيت لحم و أيضا أصغوا الى رغبة هيرودس الخبيثة من ان يذهب هو ايضا للسجود..وغـادروا أورشليم وأرشدهم النجم الذى ظهر لهم فى الشرق الى مكان الصبي ..”ورأوا الصبي مع مريم امه

فخـروا وسجدوا لـه ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولبانا ومراً”

….وإنصرفوا فى طريق اخرى الى كورتهم بعد ان أُوحي اليهم فى حلم ان لا يرجعوا الى هيرودس.  المجــوس….من هم؟ ولأي غرض جاءوا؟ وما هى حقيقة النجم الذى ظهر؟ ولماذا ظهر لهم دون غيرهم؟  وما هذا النجم الذى يظهر ويتحرك ويختفى ثم يعاود الظهور؟..

المجوس  تضاربت الأقوال عنهم فمن قائل إنهم حكماء من أهل العلم المشتغلين بأمور الفلك وكانوا فيما يقال ملوكــاً وأسماؤهم غضبار وبلطاشصر وملكيور والبعض يقول انهم من بلاد العرب والبعض يقول انهم كانوا من دولة الفرس وكانوا ينتظرون مخلصا فى معتقداتهم مولود من بتول وكانوا ينتظرونه كل الف سنة، وهؤلاء كانوا من رتبة الكهنة وهم ليسوا ملوكا بل هم طبقة ما بين الملوك والشعب، برعوا فى علم الفلك والنجوم وكان كل همهم رصد النجوم وظهر لهم نجم غريب لم يشاهدوه من قبل فرجعوا لكتبهم وعرفوا بالنبؤة فتبعوا هذا النجم بكل شغف ليعرفوا هذا المولود المخلص. ففوجئوا بانه يتحرك ويسير بخلاف عادة النجوم فى حركتها العادية وسار هذا النجم حتى بلاد فلسطين ثم اختفى. ظهر النجم للمجوس بعد مقابلتهم لهيرودس وارشدهم لبيت الطفل “ووقف حيث كان الصبي”..نجم غريب حقا. ان ظهور النجم للمجوس كان تأثيره عجيب عليهم فهم كانوا لن يصدقوا اى شيئ لكن نجم مثل هذا دفعهم للسفر والترحال الى اليهودية وإجتياز أخطار الطريق ثم اخطار مقابلة ملك اليهودية ..”اين هو ملك اليهود لقد رأينا نجمه فى المشرق وأتينا لنسجد له”..جاء المجوس ليسجدوا بعدما رأوا العلامة..جاء المجوس لتعليم اليهود، فها هم اهل نينوى والمرأة السامرية والنعانية وملكة التيمن صدقوا مارأوه وآمنوا ، ولكن اليهود أهل النبؤات قست قلوبهم. نجم واحد ساروا ورائه..آمنوا وتجرأوا وتحدوا الملك..إنها شجاعة الإيمان..ونحن من ندعي اننا نؤمن بيسوع، نخاف ان نذهب للكنيسة أو حتى رشم علامة الصليب؟؟؟. عجيب أمر هؤلاء المجوس.. انهم توقعوا ان يلقوا ملكاً من اجل هذا سألوا عليه فى بيت الملك، ولكنهم وجدوا طفلاً فى أقماط بدون حرس ولا جيوش..اي خير كانوا يترجونه وقد أبصروا أمامهم كوخا وأماً مسكينة..! ولكن الكتاب يقول عنهم “فخروا وسجدوا وقدموا له عطاياهم”.. “خروا” معناه إنسكاب القلب..”سجدوا” معناه إنسكاب الجسد..”قدموا” معناه إنسكاب النفس. لم يخافوا كما قلنا غضب او إضطهاد او تعذيب او هزء ، ولم يكن عندهم وعد إلهي بالخلاص بل أقوال حكيمهم زرادشت ولكنهم بحثوا عنه وفتشوا. أن المجوس هم اول من آمن من الأمميين بالمسيح. إن هذا لا يعني مطلقا ان علم الفلك والسحر ورصد النجوم قد دفع هؤلاء المجوس لأن تؤمن، انهم كاموا حكماء وعرفوا بحكمتهم من هو المسيا الآتي لخلاص العالم أجمع.  وعندما تقابلوا مع هيرودس، إضطرب هو وجميع من فى أورشليم..أهذه الدرجة ينزعج العالم من خبر ظهور المخلص؟؟.  وأراد هيرودس ان يختبر صحة أقوال المجوس فطلب منهم الذهاب والتحقق وفى نفس الوقت أرسل جواسيسه وراءهم..فإن كان حقا هناك مولود سيصبح ملكا لليهودية بدلا منه ومن أولاده فليقتل. وبالفعل أصدر أوامره بقتل أطفال بيت لحم وكان هؤلاء الأطفال يتراوح أعمارهم ما دون العامين وبلغ عددهم بالألاف حسب أقوال بعض المفسرين هم أول شهداء المسيحية.  ويقول هيرودس للمجوس “افحصوا بالتدقيق عن الصبي ومتى وجدتموه أخبروني لكي آتي انا أيضا وأسجد له”..ألم يقدر هذا الملك ان يذهب وحده لهذه البقعة ويسجد؟..عندما نسنع نحن عن آيات او ظهورات أو معجزات احيانا تنتابنا نفس أفكار هيرودس التدقيق..والشك. لماذا لانـقـل ليتمجد الرب دائما وابداً. 

يذكر الكتاب المقدس ان المجوس “قدموا عطاياهم”..ذهباً ولباناً ومـراً.. إنها رموز للملك والكهنوت والألم..فكأنهم يعلنوا ان هذا المولود هو ملك الملوك والكاهن الأعظم وعن طريق الألم سيملك ويخدم.

ونحن ماذا قدمنا لطفل المـغارة؟ هل إعترفنا بملكه على حياتنا؟ فقدمنا كنز قلبنا له،.. هل آمنا بسلطته على نفوسنا وأرواحنا؟ فقدمنا له بخور صلواتنا وعبادتنا له وليس لألهة اخرى؟.

وهل تحملنا الألم،ألم الغربة و مشاق الحياة كما تحملها هو من أجلنا؟ وحملنا صليبنا وتبعنـاه؟؟.

ويذكر لنا الكتاب المقدس ايضا انهم بعد اللقاء بيسوع “إنصرفوا فى طريق أخرى الى كورتهم” ، انه ليس هربا او تخوفا ولكنهم تغيـروا،جاءوا عن طريق وعادوا من طريق آخر ، تغيرت حياتهم.

“إذ أوحي اليهم فى حلم”..حلم ورؤيا يعني انهم امتلئوا نعمة وتغيروا فمن قبل اللقاء كان نجم يتحرك فى السماء وبعد لقاء يسوع كلمتهم السماء فى حلم كما كلمت يعقوب ويوسف ودانيال.

اللقاء ومقابلة يسوع يعني التغيير والتجديد ، فلاوي العشار تقابل فأصبح متى الرسول وشاول الطرسوسي تقابل فى رؤيا فأصبح بولس رسول الأمم،والـمرأة السامرية تلاقت فهتفت لأهل بلدتها “تعالوا

وانظروا”.

ونحن هل نقف موقف المجوس فنبحث عنه بالتدقيق ونلقاه ونسكب القلب والجسد والنفس ونقدم تسليمنا الكامل بسلطانه على حياتنا؟

هل لنا إيـمان الرعاة؟، أم إيـمان توما ..إيمان العلامات والآيات

هـل لنـا إيـمان مريم؟.. إيـمان التسليم و العـمل.

 

حياة المنفى والغربة

تكلّم الـملاك مع يوسف فى حلم ليوجه له

أمراً غريبـا أنـه الرحيـل والهروب إلى مصر

قائلاً له:”قم وخذ الصبي وأمه وإهرب إلى أرض

مصر وكن هناك حتى أقول لك فإن هيرودس

مزمع أن يطلب الصبي ليهلكـه فقام وأخذ

الصبي وأمه ليلاً وإنصرف إلى مصر”

(متى13:2). وكان الرحيـل حسب أمـر الرب. لقد أمر الرب ابرام فى القديم أن يترك أهله وعشيرتـه، وها هو يطلب الآن من مريم ويوسف أن يتركا الأهل والعشيرة الى أرض غريبـة ووثنيـة. لابد من التضحيـة إذن ولا بد من حياة الكمال من فضيلة التجرد ولا بد من حمايـة

الطفل. وسار يوسف ومريم الى الطريق الـمؤديـة الى مصر.

– انـه نفس الطريق القديـم الذى سار فيـه ابراهيم وسارة أيام الجوع

– انـه نفس الطريق القديـم الذى سار فيه يوسف إبن يعقوب وهو مُباع

وهارب من إخوتـه.

  • انـه نفس الطريق القديـم الذى سار فيه إخوة يوسف ثلاث مرّات

ومعهم بنيامين ويعقوب.

– انـه نفس الطريق الذى سار فيـه موسى كليـم اللـه.

وتفاصيل رحلة العائلة المقدسة الى مصر قد ذكرها البابا ثيوفيليس الثالث والعشرون من بطاركة الكرسي الإسكندري (376-403م) بعد ان ظهرت له العذراء فى رؤيا. ولقد إستمرت الرحلة حوالـي 40 يومـا حتى وصلوا الى الـمطريـة قرب القاهرة حاليـا ومن هناك الى بابليون ناحية مصر القديمة (كنيسة أبى سِرجة)،ثم الى منطقة المعادي (كنيسة المعادي) ثم الى قريـة البهنسة فى بنى مزار ثم عبرت الشاطئ الى جبل الطير بسمالوط ثم الى الأشمونين قرب ملوي ثم الى بلدة قسقام (الدير الـمحرّق) ومكثوا فى هذه الـمنطقة حوالـى 6 أشهر.  بعد ذلك وجه الملاك أمراً ليوسف بالعودة قال له:”قم وخذ الصبي وأمـه وإذهب إلى أرض إسرائيل لأنـه مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي فقام وأخذ

الصبي وأمـه وجاء الى أرض إسرائيل”(متى20:2-21).

– نجد فى حديث الـملاك ليوسف انه قد تغيرت كلماته بعد ولادة

العذراء للسيد الـمسيح عما كان قبلها. قبل أن تلد العذراء الـمسيح كان يـمكن للملاك أن يدعوها إمرأة يوسف حيث لم تكن مريم لهـا ولد، أما بعد أن ولدت الـمسيح لم يقل له قم خذ إمرأتك والصبي أو قم خذ الصبي وإمرأتك إنـما قال له “قم خذ الصبي وامه”(لوقا13:2) وهنا أصبحت العذراء منـتسبة للسيد الـمسيح،إلاّ ان الكتاب الـمقدس دعاه ابن يوسف دون مريم(متى 16:19)، والجميع كانوا يقولون عنه:”اليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذى نحن عارفين بأبيه وأمـه” (يوحنا42:6).

– ان الله يكلمنا بطرق كثيرة،فقديما كلّمنا بالآباء والأنبياء” (عبرانيين1:1) ثم كلّمنا أخيـرا فى هذه الأيام فى الإبن وكلمته موجودة بيننا. وهو أحيانا يكلمنا فى الرؤى والاحلام والإلهامات فهل ننصت الى الروح الساكن فينا ونصنع كما صنع يوسف كما أمره ملاك الرب؟

– كلام الله فى الأحلام هى موهبة تمنح لأصحاب القلوب التقية والنقية ولقد صدق يوسف قول ملاك الرب فى الحلم ولم يشك فيه.

– ان الـملاك لم يظهر للعذراء فى حلم وإنـما ظهر ليوسف وأبلغه بأوامر إلهية بالنسبة للصبي وأمه وهذا إبراز لقيمة يوسف ومكانته امام الله. ان دوره ليس دورا هامشياً أو ثانويـاً وإنـما شاءت إرادة الله ان يجعل يوسف خادما للتجسد الالهي وان يكون له دور إيجابي فعّال وإنـما تعامل معه مباشرة وأمره بتنفيذ تدبيـره مشركاً إيـاه فى العمل والتنفيذ وكلها اوامر الهية.

– رحلة العائلة المقدسة تعطينا مثل الى حياتنا فى وادى المنفى هذا ويلزم ان يكون لنا الشوق الى وطننا السماوي،فوطننا هذا الأرضي لا نمتلك فيه شيئا “لاتكنزوا لكم كنوزاً على الأرض”،ووطننا هذا ملئ بالمتاعب والـمشقّات والآلام فيجب ان نعمل للوطن الآخر كما يثول القديس بطرس:”أنتم ضيوف غرباء فى هذا العالم”(1بطرس11:2).

– رحلة العائلة المقدسة تعطى لنا درسا كيف يمكن ان نحيا فى هذا العالم فيلزم ان يكون رجاؤنا فى الرب فيسوع كان معهم طوال الرحلة “فنحن فى العالم مثلما المسيح فى العالم”(1يوحنا17:4).

– هذه الرحلة اكدت ايمان مريم وبرارة يوسف،فالإيمان هو “الوثوق بما نرجوه وتصديق ما لا نراه”(عبرانيين1:11).

– هذه الرحلة تأكيد للنبوة القائلة “من مصر دعوت إبني”(ميخا)

– هذه الرحلة باركت ارض مصر وهى البلد الوحيد الذى زاره يسوع وهذا يعطينا نحن المصريين الثقة ان بركة يسوع مازالت قائمة.

– هذه الرحلة فيها تشابه ما بين 40 يوم عبور ارض سيناء وعبور بنى اسرائيل الى ارض الميعاد فى 40 سنة.

– هذه الرحلة بدأ فيها حياة الألم عند العذراء حسب نبؤة سمعان الشيخ لها فى الهيكل:”وأنتِ سيجوز سيف فى نفسِك”(لوقا35:2).

– يقول بعض الـمفسرين للكتاب الـمقدس أن حادثـة مجوس المشرق الذين حضروا وسجدوا للطفل وقدّموا لـه “هدايا من ذهب ولُبَان ومُر”(متى12:2)،كان هذا قبل رحيل العائلة الـمقدسة الى أرض مصر وان تلك الكنوز قد ساعدت العائلة الـمقدسة فى مصاريف الرحلة،وهذا يوضح ان العناية الإلهيـة قد دبرّت مجيئ الـمجوس لإحضار مصاريف رحلة الهروب،بالإضافـة الى الـمعانـى الأخرى الروحيـة وأهـمية العطايا للآخريـن والتى قد تحل مشاكل قد لا نراهـا نحن.  وبعد الرحلـة الـى مصر عادت العائلة الـمقدسة إلـى الناصرة بعد أن سمع القديس يوسف أن أركيلاوس قد ملك على اليهوديـة مكان هيرودس أبيـه فخاف أن يذهب إلـى هناك “فأتـى وسكن فى مدينـة تُدعى نَاصرة ليتم الـمقول بالأنبياء إنـه يُدعى ناصريـّاً” (متى33:2). بعد عودة العائلة الـمقدسة من مصر عاشت فى مدينة الناصرة حياة منطويـة كلها عمل ولـم يُذكر فى الأناجيل شيئاً عن هذه الفترة سوى ما ذكره لوقا الإنحيلي من حادثـة إختفاء يسوع فى الهيكل وعمره 12 عاما.ويذكر القديس لوقا أن يسوع “كان يتقدم فى الحكمة والسِن والنِعمة عند الله والناس”(لوقا52:2)،وكان “خاضعـا” ليوسف ومريـم(لوقا51:2). وقبل بدء يسوع حياتـه العلنيـة “كان لـه نحو ثلاثين سنة”(لوقا23:3)، ذهب إلـى الأردن وهناك أعلن الآب السماوي انـه “الإبن الحبيب” وحلّ الروح القدس عليـه على هيئة حمامـة (لوقا22:3)،وبعد هذا قصد يسوع إلـى البريـّة حيث صام أربعين يوما (لوقا1:4-13)،ثم عاد الى الجليل.

                           عائلة الناصرة

لنتأمل بعائلة يسوع الأرضية، المتكونة من رب

العائلة ” القديس يوسف” ومن ربة العائلة

” العذراء مريم ” ومن الصبي ” يسوع “،

وذلك عبر أحداث البشارة للعذراء مريم

والبشارة لمار يوسف، وولادة يسوع المسيح في بيت لحم، وتقدمة يسوع في الهيكل، والهروب إلى مصر أمـام الطاغية هيـرودس، والعـودة إلى الوطن والسكن في الناصرة مدة ثلاثين سنة، وذلك لكي تقتدي بها العوائل كافة، فإنها قدوة كل عائلة.
دون شك لهذه العائلة خصوصيتها، التي تميزها عن سائر العائلات، بسبب أصل الطفل”يسـوع” ورسالتـه التي تنتظره ؛ ولكـن هـذه الخصوصية لا تظهر للعيان ؛ لان تجسد إبن الله تحقق في الإطار البشري، لذا كان مواطنو يسوع يقولون ” أليس هذا هو إبن النجار ؟ أليست أُمه تسمى مريم….. ” (متى 55:13).

كانت عائلة يسوع شبيهة بسائر العائلات البشرية، إذ إن يسوع مثل سائر الصبيان ؛ ولد بين زوجين تربطهما محبة طاهرة، يحبان ولدهما محبة غامرة، فترعرع يسوع في جو المحبة العائلية ومحبة الله ومحبة القريب ؛ إن نجاح حياة كل وليد متعلقة بأجواء المحبة العائلية التي يولد فيها ويترعرع ويشب.

لم تكن حياة هذه العائلة خالية من الصعوبات، بل كانت تشبه سائر العائلات البشرية، تخللتها الصعوبات كولادة يسوع في ظروف إستثنائية واللجوء إلى مصر والعودة إلى الوطن وغيرها، ولكن في خضم هذه الصعوبات كلها كانت العائلة المقدسة مؤمنة بالله إيمانًا لا يتزعزع وتغمرها ثقة مطلقة بالعناية الربانية والطاعة البنوية لأوامر الرب.
إن دعوة كل عائلة هي أن تكون صورة للعائلة المقدسة، تسودها فضائل الإيمان والرجاء والمحبة.

القديس يوسف مثال كل أب

إن ما يسترعي إنتباهنا في حياة القديس يوسف هو صمته العميق والمستمر طيلة فترة ظهوره على مسرح أحداث طفولة يسوع المسيح، لا نجد في الإنجيل عبارة واحدة قالها.

إن المواقف التي إتخذها يوسف ازاء أوامر الله، تعبّر بأسلوب بليغ عن سمو شخصيته. إن الإنجيلي متى والإنجيلي لوقا حينما يضعان شخصية القديس يوسف في قلب أحداث سر التجسد، يريدان أن يعبّرا عن موقف الكنيسة الناشئة، كان المسيحيون الأولون ينظرون إلى يوسف الرجل الأول في روحيته وفضائله وعليهم الإقتداء به.
ان الله الذي ألهم الإنجيل المقدس، يُطلق على يوسف صفة ” البار” قائلاً:” كان يوسف رجلها باراً” (متى 19:1)، إنها شهادة الله ذاته، فيا لها من شهادة خطيرة.

يطلق الكتاب المقدس صفة “البار” على الإنسان الذي همّه الوحيد إتمام مشيئة الله بدون تردد وفي الظروف كلها، خاصة أبّان الظروف الصعبة، منها حالما سمع مار يوسف رغبة الله من الملاك قائلاً:”لا تخف يا يوسف أن تأخذ مريـم… صنــع مــا أمـر بــه، فــأخــذ إمـرأتـه ولم يعـرفها حتى ولـدت إبنها البكـر… ” (متى 20:1-24).

وأستمر طائعًا لأوامر الله طيلة حياته، فحين أمره الملاك أن يغادر الأرض المقدسة ويهرب إلى مصر لإبعاد يسوع الطفل مـن الطاغية هيرودس قائلاً له : ” قم فخذ الطفل وأمه وأهرب إلى مصر وأقم هناك حتى أعلمك، لأن هيرودس سيبحث عن الطفل ليهلكه، قـام فـأخذ الطفـل وأمه ليـلاً ولجأ إلى مصر وأقام فيها إلى وفاة هيرودس ” (متى 13:2-14).
” وما أن توفي هيرودس حتى تراءى ملاك الرب في الحلم ليوسف في مصر وقال له : قم فخذ الطفل وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل، فقد مات من كان يريد إهلاك الطفل فقام فأخذ الطفل وأمه ودخل أرض أسرائيل ” (متى 21:2).

يقدم القديس البابا يوحنا بولس الثاني القديس يوسف مثالاً لآباء العائلات كلهم، وذلك في إرشاده الرسولي : حارس المخلص Redemptoris Custos التي أصدرها بتأريخ 15 اغسطس1989 قائلاً:” في (العائلة المقدسة) يوسف هو أب، لا تأتي أبوته من أصله، إنها ليست ظاهرة، ولكنها تتحلى تحليًا صادقًا بصفات الأبوة البشرية

وتعبر عن دوره كأب العائلة”.

إن العذراء مريم التي تعرف أن يسوع حبل به من الروح القدس توجه كلامها ليسوع قائلة:”ها أنا وأبوك كنا نبحث عنك متلهفين ” (لوقا 48:2) ؛ يعلق البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته آنفة الذكر على هذه الآية قائلاً:”إن هذه الآية ليست عبارة مجاملة، إن ما تقوله أم يسوع يعبر عن حقيقة التجسد كلها، الذي يعود إلى عائلة الناصرة”.
لم يتظاهر يسوع بالتجسد، بل أصبح إنسانًا حقيقيًا مثل سائر الناس لذلك ” كان يسوع يتسامى بالحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس ” (لوقا 52:2). أدّى يوسف دوره كمربٍ للصبي يسوع قام بمهمته بتوفير حاجاته المادية كالمأكل والملبس والمسكن ومهنة النجارة وتعلم الشريعة.
هكذا تقدم الكنيسة القديس يوسف مثالاً لكل أب عائلة، في تكميل إرادة الله في الظروف والأوقات كلها.

العذراء مريم مثال كل ربة بيت

تدعونا الكنيسة خلال هذه الأيام أن نتأمل مريم العذراء وهي تؤدي رسالتها كربة بيت. إن القليل الذي تذكره الأسفار المقدسة يكفي لكي يعطينا فكرة عن حبها لعائلتها، هذا الحب الذي كانت الأعمال كافة التي تقوم بها متحلية بها : صبرها، وداعتها، فرحها، وخاصة إندهاشها إزاء طفلها الإلهي المسجود له، لنستعرض الآيات المقدسة التي تساعدنا في اكتشاف دورها الرائد.

” ها أنا أمة الرب “ (لوقا 38:1) : إن عظمة مريـم تكمـن في كونها خادمـة الرب، الدور الذي قامت به، ليس فقط يوم البشارة، ولكن دومًا وفي مفردات حياتها كلها.

– ” إن القدير صنع إليّ أمورًا عظيمة ” (لوقا 49:1) : إن نشيد مريم ” تعظم نفسي الرب…. ” هو نشيد شكر، رفعته السيدة التي ستصبح أمًا. يجب على الزوجات، وعلى مثال مريم، أن يكتشفن أن الأمومة هي أمر رائع، وكل طفل يولد هو هدية من الله ؛ وأمام كل طفل يولد ليُرفع الشكر لله، شكرانًا شبيهًا بشكران مريم ” إن القدير صنع إليَّ أمورًا عظيمة “.
– ” لجأ يوسف إلى ناحية الجليل، وجاء مدينة يقال لها الناصرة، فسكن فيها، ليتم ما قيل على لسان الأنبياء، إنه يدعى ناصريًا ” (متى 22:2-23) :

إن الناصرة في أيامنا هذه مدينة يبلغ عدد سكانها 30.000 نسمة، ولكن قبل ألفي سنة لم تكن إلاّ ضيعة صغيرة، كما تظهر التنقيبات التي أُجريت فيها، رابضة بين تلال، تزينها أشجار الزيتون وبساتين

الكروم وحقول الحنطة، يزودها نبعُ ماء.

كانت مريم تقوم بواجباتها كربة عائلة فقيرة بكل تفان،ٍ كانت تذهب يوميًا إلى النبع لتنقل الماء إلى بيتها، حاملة الجرّة على مثال سائر النسوة ؛ كانت تعد الطعام وخاصة الخبز بأساليب بدائية ؛ وزادت صعوباتها ومسؤولياتها عندما توفي القديس يوسف.

– ” هناك عند صليب يسوع، وقفت أمه ” : رافقت مريم إبنها في مراحل حياته التبشيرية كلها، وخاصة في ساعة موته على الصليب، بدون تشكٍّ ولا تذمّر، وذلك طاعة لله لأن دعوتها كانت أن ترافق إبنها وهو يكمل رسالته، فرافقته طيلة حياته الأرضية إلى الأخير.
” هذه أمك ” (يوحنا 27:19) : إن أمومة مريم تتعدى أمومتها البشرية، فلا تنحصر بيسوع، بل تشمل جميع البشر، تهتم بهم بكل حنان وتنزل عليهم غيث النعم السماوية، هذا ما ظهر خاصة خلال ظهوراتها في مدينتي لورد وفاطمة وغيرها ؛ إنها تواصل أمومتها نحونا.
الصبي يسوع مثال كل البنين

يذكر الإنجيلي لوقا حادثتين هامتين جرتا ليسوع حينما بلغ الثانية عشرة من عمره : صعوده إلى هيكل أورشليم للإشتراك في مراسيم الفصح وبقاؤه في الهيكل بين العلماء دون علم العذراء مريم والقديس يوسف (لوقا 41:2-50)، والعودة إلى مدينة الناصرة ونمط حياته الأسرية في هذه القرية (لوقا 51:2-52).

“يسوع في هيكل أورشليم بين العلماء”:

فلما بلغ إثنتي عشرة سنة، صعدوا إلى (أورشليم) جريًا على السنة في العيد، فلما انقضت أيام العيد ورجعا، بقي الصبي يسوع في أورشليم، من غير أن يعلم أبواه. وكانا يظنان أنه في القافلة، فسارا مسيرة يوم. ثم أَخذَا يبحثان عنه عند الأقارب والمعارف. فلما لم يجداه، رجعا إلى أورشليم يبحثان عنه. فوجداه بعد ثلاثة أَيام في الهيكل، جالسًا بين المعلمين يستمع إليهم ويسألهم.

وكان جميع سامعيه معجبين أشد الإعجاب بذكائه وجواباته. فلمّا أَبصراه دُهشا، فقالت له أمه : ” يا بني لِمَ صنعتَ بنا ذلك ؟ فأنا وأبوك نبحث عنك متلهفين “. فقال لهما : ” ولمَ بحثتما عني ؟ ألم تعلما أَنه يجب عليَّ أن أكون عند أَبي ؟ فلم يَفهما ما قال لهما”.
إن بلوغ يسوع الثانية عشرة من عمره يعني بلوغه عمر النضوج الديني في التقليد اليهودي، يؤهله أن يصعد إلى أورشليم للإشتراك في مراسيم العيد ويصبح مسؤولاً لأداء الرسالة الإلهية الموكلة إليـه ؛ بهذا العمر بدأ النبي صموئيل يتنبأ (1 صموئيل 3)، وبهذه السن أصدر النبي دانيال حكمًا حكيمًا (دانيال 45:13-64).

يكشف الحديث الذي دار بين يسوع وبين ذويه ثلاثة أمور هامة جدًا : هويته البشرية، هويته الإلهية، رسالته الخلاصية :

إن قول العذراء : ” فأبوك وأنا كنا نبحث عنك ” يكشف هوية يسوع البشرية وانتسابه إلى العذراء مريم وإلى القديس يوسف الذي هو بمثابة أبيه البشري حسب السجلات المدنية، فإنه إنسان كامل.
وقول يسوع ” ألم تعلما أنه يجب أن أكون عند أبي ؟ “، مشيرًا بذلك إلى كونه إبن الله الوحيد، فهو إله كامل. وسوف يستمر يسوع يستعمل عبارة ” أبي ” طيلة حياته الأرضية ليبيّن علاقته الفردية مع الآب السماوي، ” أحمدك أيها الآب… ” (متى 25:11)، ” أنا والآب الذي أرسلني… ” (يوحنا 16:8).

إذن كان يسوع واعيًا لأصله الإلهي منذ هذه المرحلة، قوله ” عليّ أن أكون عند أبي ” هي أول كلمة نقلها الإنجيل المقدس عن فم يسوع.
– ” حياة يسوع في الناصرة ” ” ثم نزل معهما، وعاد إلى الناصرة، وكان طائعًا لهما، وكانت أمه تحفظ تلك الأمور كلها في قلبها، وكان يسوع يتسامى في الحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس ” (لوقا 51:2-52).
أبدى يسوع كل الإحترام والطاعة للعذراء مريم وللقديس يوسف، بالرغم من أنه إبن الله المتجسد، فلقد صار إبنًا بشريًا حقيقيًا للأبوية الأرضية. كانت العذراء مريم والقديس يوسف يعرفان كيف يربيان يسوع ويعلمانه مهنة النجارة وسائر الأمور الأخرى.

كما أن كلمة يسوع:” ألم تعلما أنه يجب عليَّ أن أكون عند أبي ” تظهر بجلاء أن يسوع كان عالمًا وواعيًا بالرسالة الخلاصية التي أوكلها إياه الآب السماوي.

على الأولاد أن يأخذوا يسوع مثالاً لهم في تكميل واجباتهم الدينية، إذ يبين هذا النص الكريم أن الإحتفال بالمراسيم الفصحية وإقامة الصلاة في الهيكل وفي المجامع كانت مقدسة لدى يسوع، إذ كان مثابرًا على تكميلها. كذلك على الأولاد أن يأخذوا يسوع قدوة لهم بالطاعة للوالدين ومساعدتهم في البيت بالإنقياد إلى توجيهاتهم.

فلنصل: ” اللهم، يا من جعلتَ لنا من العائلة المقدسة قدوة رائعة، هب لأسرنا المسيحية أن تتحلى مثلها بالفضائل البيتية، وتترسخ على قواعد المحبة الحقيقية، فتجتمع يوميًا في بيتك السماوي وتحظى بالثواب الأبدي، آمين

في فترة صوم الميلاد

مـن 27 نوفمبر حتى 24 ديسمبر2016

مقدمة[1]:

عيد الميلاد ليس مجرد عيد زمني أو ذكرى لشيء جميل، الميلاد هو أكثر من هذا: انه مسيرة لملاقاة الرب، الميلاد لقاء ! ونحن نسير للقاء الرب في قلوبنا وحياتنا، إنه لقاء بالله الحي! انه لقاء إيمان!

هذا هو اللقاء الذي يريده الله! لقاء الإيمان! مهم أن نلتقي بالله لكن الأهم يكمن في أن نسمح لله بأن يلتقي بنا! فعندما نلتقيه وحدنا، نكون نحن محور اللقاء ولكن عندما نسمح له أن يلتقي بنا، يدخل عندها إلى قلوبنا ويجددنا!

هذا هو المجيء وهذا هو معناه الحقيقي، لان المسيح يجدد كل شيء بمجيئه: يجدد القلب والروح، يجدد الحياة والرجاء والمسيرة! نحن في مسيرة إيمان، كإيمان قائد المائة، للقاء الرب ولكي نسمح له بأن يلتقينا، ولذلك علينا أن نفتح قلوبنا! يجب أن نفتح قلوبنا لنتمكن من لقائه وليقول لنا ما يريده منا والذي غالبًا ما لا يتطابق مع ما أرغب في سماعه! فالرب لديه ما يقوله لي شخصيًا، هو يحدثنا فرديًّا كل بمفرده، لا ككتلة!

الرب ينظر إلى كل منا ويلتقيه وجهًا لوجه، وينظر إلينا ويحبنا، وهذا الحب الذي يحمله لنا ليس حبًّا مجرّدًا بل حبًّا ملموسًا! إنه حبٌّ بين شخصين! فالرب ينظر إلينا كأفراد وأشخاص، وعندما نسمح له بأن يلتقينا نحن نسمح له أيضًا بأن يحبنا! في مسيرتنا نحو الميلاد ولكي نلتقي بالله نحن بحاجة لنداوم على الصلاة وعلى أعمال المحبة الأخوية، كما وعلينا أن نقترب أكثر من المعوزين وأن نفرح برفع التمجيد والتسبيح للرب!

____________________

 

اليوم الأول من زمن المجيئ – الاحد 27 نوفمبر 2016

صلاة: أيها الرب يسوع المسيح الذي من اجل خلاصنا نزلت من السماء، من علياء مجد عرشك الى هذا العالم، عالم الألم والحزن. يا من وُلدت من مريم العذراء بقوة الروح القدس وتجسدت وتألمت، اجعل قلوبنا ان تصبح مسكناً لائقاً بك، جمّلها واملأنا بكل النِعم والبركات الروحية وامتلكنا بقوتك وأعطنا النعمة لكي نستعد لمجيئك بكل تواضع وان نستقبلك بقلوب مشتعلة بحبك وان نتمسك بك بإيمان ثابت وقوي حتى لا نتركك او نهجرك، أنت يا من يحيا ويملك على العالم الآن والى الأبد. آمين.

وانت يا مريم امنا كوني مثالاً لنا خاصة في فترة صوم الاستعداد هذا لذكرى الميلاد فأنت عشت مع يسوع ابنك في الميلاد الأول وانت تحملينه حيّا بفرح، فها نحن الآن نتوق لكي يكون يسوع حياً معنا وفينا، فساعدينا لكي نفرح معك بميلاده العجيب في قلوبنا. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا1:2-5 ومتى37:24-44   ابانا والسلام والمجد.

اليوم الثاني الأثنين 28 نوفمبر

صلاة: أيها الطفل يسوع المخلص المنتظر كثيرا في حياتنا نستعد بشغف لإستقبال الضيوف في منزلنا المحبوب ويكون البعض منهم مهمين للغاية والبعض اقل أهمية ومهما كانت درجة الأهمية نستعد لإستقبالهم، ولكن ماذا عن زائر السماء ألا نعد له ما يليق!، هذا الذي اشتاقوا الآباء والأنبياء لمجيئه لعالمهم وحتى نحن الآن في عالمنا الحديث نتشوق لعودتك في المجيئ الثاني. اذا كان الميلاد يعني حضورك فلا شيئ يعادله فساعدنا لكي نستقبلك في قلوبنا أولا بفرح وبكل تواضع ونزين منازلنا بأعمال مراحمك لكي تتبدد احزاننا وآلامنا فنحيا ميلادك الحقيقي الى ان نلقاك في السماء. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا1:2-5 ومتى 5:8-11       ابانا والسلام والمجد

اليوم الثالث الثلاثاء 29 نوفمبر

صلاة: آيها الأب السماوي، يا من أرسلت في بريّة الأردن رسولاً ليعد قلوب الناس لمجيئ ابنك، فساعدني أن أسمع كلماته وأتأمل وأعمل بها وأندم على جميع خطاياي حتى أرى بوضوح الطريق للحياة الآبدية وأتكلم بكلمة الحياة الحقيقية واحيا له وحده ربنا يسوع المسيح الذي يحيا ويملك معك ومع الروح القدس الآن وكل آوان والى الآبد. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا1:11-10          ابانا والسلام والمجد                

اليوم الرابع الأربعاء 30  نوفمبر عيد القديس أندراوس الرسول

صلاة: يا الله العظيم الآبدي، لقد أحببتنا حتى انك أرسلت لنا ابنك

الوحيد يسوع المسيح ليحررنا من قوة الخطيئة القديمة ومن الموت،

فساعدنا نحن الذين ننتظر مجيئه وقدنا الى الحرية الحقيقية، ونسأل هذا باسم أبنك ربنا يسوع المسيح الذى يحيا ويملك معك ومع الروح القدس الآن وكل آوان واى دهر الدهور. آمين.

قراءة وتأمل: رسالة القديس بولس الى اهل رومية9:10-18 و متى18:4-22

صلاة للقديس اندراوس الرسول:

إليك نرفع الدّعاء، أيّها الرّبّ، يا ذا العزّة والجلال، فيا من أقمت من

رسولك أندراوس للإنجيل واعظاً وللكنيسة راعيا، اجعله الآن في السّماء شفيعاً لنا دائما. بربنا يسوع المسيح مخلصنا الصالح. آمين.

ابانا والسلام والمجد                

اليوم الخامس الخميس اول ديسمبر

صلاة: يا الله القادر على كل شيئ، ساعدنا لكي نتطلع بشوق ورجاء وحنين الي مجيئ مخلصنا الصالح حتى نحيا كما علمنا هو وان نكون مستعدين دائما أن نستقبله في قلوبنا الملتهبة بالحب والإيمان ونسأل

هذا باسم أبنك ربنا يسوع المسيح الذى يحيا ويملك معك ومع الروح

القدس الآن وكل آوان واى دهر الدهور. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا1:26-6 ومتى21:7-27    ابانا والسلام والمجد                

اليوم السادس الجمعة 2 ديسمبر

صلاة: أيها الرب يسوع المسيح الذي كان ويكون وسيأتي نحن نصلي ان تمنحنا فضيلة الرجاء حتى نتغلب على صعوبات وضيقات هذا العالم وحتى تحفظ قلوبنا ثابتة نحوك انت الرب المالك على الكون كله فلتحيا نعمتك فينا وتقوينا وتدافع عنا ونحن في إنتظار عودتك في المجد. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا17:29-24 ومتى27:9-31  ابانا والسلام والمجد                

اليوم السابع  السبت 3 ديسمبر

صلاة: يا الله أظهر قوتك وتعال فبحمايتك ننجو من الأخطار التي تأتي من خطايانا وكن مخلصا لنا وحررنا وقدنا للحياة الأبدية أنت الذي يحيا ويملك مع الله الأب وباتحاد مع الروح القدس، اله واحد الى آبد الآبدين. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا 19:30-21 و23-26  ومتى 35:9-38 و10:1-8 ابانا والسلام والمجد

 

اليوم الثامن الأحد الثاني من المجيئ 4 ديسمبر

صلاة: يارب أظهر قوتك في قلوبنا لتستعد لإستقبال مجيئ إبنك الوحيد حتى نستحق أن نخدمه بقلوب نقيّة طاهرة هذا الذي يحيا ويملك مع الله الأب وبإتحاد الروح القدس، اله واحد، الآن والى الأبد. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا 1:11-10 و متى 1:3-12   ابانا والسلام والمجد                

اليوم التاسع الأثنين 5 ديسمبر

صلاة: نتضرع اليك يارب ان تنصت لصلاتنا وبنعمة حضورك الينا أنر عقولنا المظلمة حتى نراك ونحيا لك ومعك أنت الذي تحيا وتملك مع الله الأب وباتحاد الروح القدس الآن والى أبد الآبدين. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا 1:35-10 ولوقا 17:5-26  ابانا والسلام والمجد                

اليوم العاشر الثلاثاء 6 ديسمبر

صلاة: تعال أيها الرب وارسل قوتك وساعدنا بقوتك العظيمة حتى بنعمتك ورحمتك نحصل على الخلاص من خطايانا فنستحق ان نستقبلك في قلوبنا ونحيا لك ومعك أنت الذي تحيا وتملك مع الله الأب وباتحاد الروح القدس الآن والى أبد الآبدين. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا 1:40-11 ومتى 12:18-14 ابانا والسلام والمجد                

اليوم الحادي عشر الأربعاء 7 ديسمبر

صلاة: أيها الإله العظيم، امنحنا نعمة ان نطرد أعمال الظلمة ونرتدي درع النور في زمان البشرية هذه حيث جاء ابنك الوحيد يسوع المسيح لزيارتنا في تواضع عجيب حتى نستحق في اليوم الأخير عندما يأتي في مجده العظيم ليدين الأحياء والأموات ان نقوم معه ونحيا الحياة الأبدية أنت الذي تحيا وتملك مع الله الأب وباتحاد الروح القدس الآن والى أبد الآبدين. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا 25:40-31 ومتى 28:11-30    ابانا والسلام والمجد                

اليوم الثاني عشر الخميس 8 ديسمبر الاحتفال بالحبل الطاهر بسيّدتنا مريم البتول

ايتها العذراء الطاهرة المحبول بها بلا خطية اصلا ايتها المجيدة الرائعة الجمال والبريئة من الدنس منذ اول دقيقة من وجودها. يا والدة الله الممتلئة نعمة سلطانة الملائكة والناس. اننى اوقرك كل الوقار لأنك ام مخلصي فهو مع كونه إلها قد علمنى بما أداه لك من الجاه والإعتبار والخضوع ان اكرمك واحترمك، فأسلك ان تقبلي بالرضى جميع ما اكرمك به فى هذه الأيام انك انت ملجأ الخطأة التائبين فيحق لي إذا ان التجئ اليك، وانك انت ام الرحمة فيليق بك والحالة هذه ان تنظرى الى ذلي بعين الشفقة وانك غاية رجائي بعد يسوع فتملأني الثقة التى بها اتوكل عليك. فاجعلينى أهلاً لأن ادعى ابنا لك لكى يسوغ لي ان اقول اظهرى ذاتك اما لي آمين.

قراءة وتأمل: تكوين 9:3-15 و افسس 3:1-6 و11-12 و لوقا26:1-38 ابانا والسلام والمجد

 

اليوم الثالث عشر الجمعة 9 ديسمبر (الساعة المقدسة)

صلاة: يا إله الحب والرحمة ساعدنا ان نتبع مثال أمنا مريم العذراء فنكون دائما مستعدين لقبول مشيئتك وعند سماعها لرسالة ملاكك رحبت بإبنك الأزلي وامتلأت بنور روحك القدوس وأصبحت هيكلا لكلمتك أنت الذي يحيا ويملك مع الله الأب وباتحاد مع الروح القدس، اله واحد الى آبد الآبدين. آمين.

قراءة وتأمل: اشعيا 17:48-19 ومتى16:11-19 ابانا والسلام والمجد

 

اليوم الرابع عشر  السبت 10 ديسمبر

صلاة: يا أبانا الذي في السموات، ان رغبة قلوبنا الحارة هي حبك وتبحث عقولنا دائما الى نور كلمتك فزد شوقنا الي المسيح مخلصنا وامنحنا قوة النمو في حبك حتى عند فجر مجيئه الينا يجدنا فرحين ومستعدين للقاءه ومرحبين بنور الحق، نسأل هذا باسم يسوع ربنا الذي يحيا ويملك معك أيها الأب وباتحاد مع الروح القدس، اله واحد الى آبد الآبدين. آمين.

قراءة وتأمل: يشوع ابن سيراخ 1:48-4 و9-11 و متى10:17-13   ابانا والسلام والمجد

اليوم الخامس عشر الأحد الثالث من زمن المجيئ 11 ديسمبر

صلاة: يا يسوع، أنت خلاصنا الأبدي، نور العالم الذي لا يخبو، النور الدائم والمخلص الحقيقي اتيت الى العالم بعد ان عرفت كيف ان البشرية تعاني الآلام وخاضعة لقوى الشر وتجارب العدو، فنزلت من علو سماءك كنتيجة لعمق حبك للإنسان وأخذت صورتنا البشرية بإرادتك وحدك وانقذت مخلوقاتك الأرضية بعد ان سقطت وأعدت الفرح للعالم.  أيها المسيح، خلّص نفوسنا وأجسادنا وامتلكنا بكليتنا كمسكناً لك. في مجيئك الأول جعلتنا في الحق، وفي مجيئك الثاني حررّنا حتى ما اذا امتلأ العالم بالنور وانت تدين الكل يصبح رداؤنا ناصعاً فنتبعك نحو السماء أنت الذي يحيا ويملك مع الله الأب وباتحاد مع الروح القدس،

اله واحد الى آبد الآبدين. آمين.

قراءة وتأمل: 2يوحنا4:1-9 ولوقا26:17-36     ابانا والسلام والمجد

اليوم السادس عشر الأثنين 12 ديسمبر

تذكار عيد القديسة مريم، سيدة غوادالوبي

يا أمّنا العزيزة، نحن نحبكِ، ونشكرك لوعدك بأن تساعدينا في حاجاتنا

نحن نثق بحبك الذي يجفف دموعنا ويبعث الطمأنينة فينا. علمينا أن نجد سلامنا في ابنك يسوع، وباركينا في كلّ يوم من حياتنا. ساعدينا

 كي نبني لك مزاراً في قلوبنا. اجعليه بمثل جمال المزار المبني لك على جبل تيبياك. مزار ملؤه الثقة، الرجاء، والحب ليسوع والذي ينمو ويقوى كلّ يوم. يا مريم، لقد اخترتِ أن تبقي معنا معطية إيانا صورتك المقدسة الفائقة الجمال على عباءة خوان دييغو. اجعلينا نشعر بحضورك المفعم حبّاً كلما نظرنا إلى وجهك. ومثل خوان، أعطنا الشجاعة لنوصِل رسالتك عن الرجاء إلى كلّ الناس. أنت أمّنا فأصغي إلى صلواتنا واستجيبي لنا. آمين.

قراءة وتأمل: 3يوحنا5:1-8  ولوقا1:18-8     ابانا والسلام والمجد

اليوم السابع عشر الثلاثاء 13 ديسمبر

صلاة:    يا الله العظيم الآبدي امنحنا النعمة لطرد اعمال الظلمة وضع فينا أسلحة النور ونحن الآن في هذه الحياة وهذا العالم الذي اتى اليه ابنك يسوع المسيح ليزورنا في تواضع عجيب حتى يمكننا في اليوم الأخير عند مجيئه الثاني العظيم والمجيد ليدين الأحياء والأموات فنقوم معه الي الحياة الآبدية هذا الذي يحيا ويملك معك وباتحاد الروح القدس الآ ن والى الأبد. آمين.  

قراءة وتأمل: صفنيا1:3-2 و9-13 ومتى 28:21-32               

ابانا والسلام والمجد    

اليوم الثامن عشر الأربعاء 14 ديسمبر

صلاة: أيها الأب الأزلي اقدم لك المجد والإكرام والتسبيح من اجل خلاصنا الأبدي وخلاص العالم اجمع باستحقاق سر ميلاد مخلصنا السماوي. المجد للأب والإبن والروح القدس كما كان في البدء والآن والى الأبد. آمين

قراءة وتأمل: اشعيا 6:45-7 و18:8-24  ولوقا 19:7-23                ابانا والسلام والمجد

اليوم التاسع عشر الخميس 15 ديسمبر

صلاة: أيها الأب الأزلي اقدم لك المجد والإكرام والتسبيح من اجل خلاصنا الأبدي وخلاص العالم اجمع باستحقاق تلك المعاناة التي قاساها كلا من القديسة مريم العذراء الطاهرة والقديس يوسف خطيبها في رحلتهما الطويلة والشاقة من الناصرة الي بيت لحم وحزن قلبيهما عندما لم يجدا موضع او مأوى لولادة مخلص العالم. المجد للأب والإبن والروح القدس كما كان في البدء والآن والى الأبد. آمين

قراءة وتأمل: اشعيا 1:54-10 ولوقا 24:7-30  ابانا والسلام والمجد

اليوم العشرون الجمعة 16 ديسمبر

يا يسوع، يا ابن العلي، يا من بشّر به جبرائيل مريم البتول

    – تعال املك على شعبك إلى الأبد

يا قدوس الله، يا من ابتهج به يوحنا، وهو في أحشاء أمه

–       تعال امنح العالم كله فرح الخلاص

يا يسوع المخلّص، الذي أوحى الملاك باسمه إلى يوسف الرجل الصّديق

–       تعال خلّص شعبك من خطاياهم

يا نور العالم، يا من انتظره سمعان وجميع الصديقين

–       تعال عزّ نفوسنا

ايها المشرق، الذي لا غروب له، يا من أنبأ زكريا بأنه سيتفقدنا من الأعالي

–       تعال أضيء للجالسين في ظلال الموت.

أيها الإله القادر على كل شيء، لتكن نعمتك علينا ولترافقنا دائما + فننال بها الخلاص في هذه الدنيا وفي الآخرة* نحن الذين نتطلع بشوق وحنين إلى مولد ربنا يسوع المسيح ابنك* الإله الحي المالك معك ومع الروح القدس إلى دهر الدهور. أمين

قراءة وتأمل: 2اشعيا1:56-7  ويوحنا 33:5-36 ابانا والسلام والمجد

اليوم الواحد والعشرون السبت 17 ديسمبر

أيها الرب يسوع، يا مسيح الله، يا مخلص البشر أجمعين

  • أسرع وأنقذنا

يا من جاء من الأب السماوي

  • علمنا طريق الخلاص المؤدية الى الأب

يا من حبل به بقوة الروح القدس

  • جدد قلوبنا بكلمتك بهذا الروح عينه

يا من تجسد في أحشاء مريم البتول

  • خلّصنا من فساد الجسد

أذكر يارب جميع البشر

  • الذين عاشوا منذ بدء العالم في انتظارك

أيها الإله القادر على كل شيئ، اننا نرزح تحت نير الخطايا، فنسألك أن تحررنا بمولد المسيح المنتظر من عبودية الإنسان القديم بربنا يسوع المسيح، الإله الحي المالك معك ومع الروح القدس إلى دهر الدهور. أمين.

قراءة وتأمل: تكوين 1:49-2 و8-10  ومتى 1:1-17  ابانا والسلام والمجد

اليوم الثاني والعشرون الأحد الثالث لزمن المجيئ 18 ديسمبر

أيها الرب يسوع، يا كلمة الله، يا من خلق منذ البدء كل شيئ واتخذ طبيعتنا في الأيام الأخيرة

  • تعال خلصنا من الموت

أيها النور الحقيقي الذي يضيئ لكل إنسان

  • تعال بدد ظلمات جهلنا

أيها الإبن الوحيد الحي في حضن الأب

  • تعال أرنا حب الأب لنا

أيها المسيح يسوع يا من جاء إبنا للإنسان

  • أجعل من قلوبنا أبناء لله

اللهّم، يا من أعلنت بهاء مجدك بولادة البتول القديسة مريم للبشر أجمعين، أعطينا أن نؤمن إيمان حيّا بسر المسيح الذي تجسد من أجلنا ومن أجل خلاصنا، أن نكرّمه حق الإكرام جميع أيام حياتنا. بربنا يسوع المسيح الإله الحي المالك معك ومع الروح القدس إلى دهر الدهور. أمين.

قراءة وتأمل: اشعيا10:7-14 و رومية 1:1-7 ومتى 18:1-24 ابانا والسلام والمجد

اليوم الرابع والعشرون الثلاثاء 20 ديسمبر

تعال يا رب ولا تبطئ

  • اننا ننتظر مجيئك فرحين

تعال أيها الرب يسوع

  • أنت الكائن قبل الدهور

تعال خلصنا في هذا الدهر

  • أنت يا خالق العالم وجميع ساكنيه

تعال تفقد عمل يديك

  • انت الذي اتيت لتكون لنا الحياة

تعال امحنا الحياة الأبدية

  • انت الذي شئت ان تجمع كل الناس في ملكوتك

أيها الإله العلي، ان البتول الطاهرة يوم بشرها الملاك حبلت بكلمتك الأزلي وأصبحت مقراً للاهوت تشع بنور روحك الإلهي. فلتكن آمة الرب المتواضعة قدوة لنا ونستسلم مثلها طواعية لمشيئتك القدوسة. بربنا يسوع المسيح الإله الحي المالك معك ومع الروح القدس إلى دهر الدهور. أمين.

قراءة وتأمل: اشعيا10:7-14 و رومية 1:1-7 ومتى 18:1-24 ابانا والسلام والمجد

اليوم الخامس والعشرون الأربعاء 21 ديسمبر

يا حمل الله، يا من جاء ليحمل خطايا العالم

  • انتزع منا جميع رواسب وتبعات الخطايا

يا من جاء ليخلص ما هلك

  • تعال الآن حتى لا نقع في الدينونة

يا من سيظهر على سحاب السماء ويا من سيدين الأحياء والأموات

  • ارحم اخوتنا الراقدين واقبلهم في جوار قديسيك

اللهم، يا من شئت ان تنهض الإنسان من هوة الهلاك بمجيئ ابنك الوحيد الي هذا العالم، أنعم علينا نحن المؤمنين بسر التجسد العظيم ان نكون شركاء في حياة المخلص ربنا يسوع المسيح ابنك الإله الحي المالك معك ومع الروح القدس إلى دهر الدهور. أمين.

قراءة وتأمل: صفنيا14:3-17 ولوقا39:1-45   ابانا والسلام والمجد

اليوم السادس والعشرون الخميس 22 ديسمبر

اللهم، علمنا ان نتقبل بعضنا البعض لمجد اسمك

  • كما تقبلنا المسيح ربنا

اغمرنا بالفرح والسلام في الإيمان

  • فتفيض نفوسنا برجاء بقوة الروح القدس

يا إله الرحمة، أغثنا أجمعين

  • وهلم لملاقاة كل من يبحثون عنك

يا من يدعو المختارين ويقدسهم

  • أعضدنا نحن الخطأة واوصلنا للسعادة الأبدية.

أيها الإله الأزلي القدير، ان الأيام تدنو بنا من الإحتفال بمولد ابنك الحبيب فنسألك نحن الخطأة أن يرحمنا كلمتك الأزلي الذي صار بشراً من مريم البتول وسكن بيننا وان يشملنا برأفته العظيمة، هو الإله الحي المالك معك ومع الروح القدس إلى دهر الدهور. أمين.

قراءة وتأمل: 1 صموئيل 1:1-28 و 1:2-8 ولوقا 46:1-56   ابانا والسلام والمجد

اليوم السابع والعشرون الجمعة 23 ديسمبر

أيها المسيح، يا نور لا غروب له ليبدد شروقك ظلمتنا

  • وليبعث إيماننا من الرقاد

لنقض أيامنا بين يديك بلا عثرة

  • ليظهر منا الفرح والسرور

علمنا أن تقتدي بك

  • فتُعرف وداعتنا عند جميع الناس

هلّم وأخلق لنا أرضا جديدة

  • يحلّ بها العدل والسلام.

أسرع أيها الرب يسوع ولا تتأخر وليكن مجيئك قوة للواثقين برحمتك

وسنداً للمتوكلين على نعمتك. أنت الإله الحي المالك معك ومع الروح

القدس إلى دهر الدهور. أمين.

قراءة وتأمل: ملاخي1:3-4 و23-24 ولوقا 57:1-66       ابانا والسلام والمجد

اليوم الثامن والعشرون السبت 24 ديسمبر

تعظِّم نفسي الرب * وتبتهجُ روحي بالله مخلِّصي.

لأنه نظر إلى تواضع أمَته * فها منذ الآن تطوِّبني جميعُ الأجيال.

لأن القدير صنعَ بي عظاَئمِ * واسمُه قدُّوس.

ورحمَتُه إلى أجيالٍ وأجيال * للَّذين يتَّقونه.

صنعَ عزَّاً بساعِدهِ * وشتَّتَ المتكبِّرين بأفكارِ قلوبهم.

حطَّ المقتدرين عن الكراسي * ورفعَ المتواضعين.

أشبعَ الجياعَ خيراً * والأغنياء أرسلهم فارغين.

عضدَ يعقوبَ عبدَهُ * فذكرَ رحمتَه.

كما تكلَّم لآبائنا * ابراهيم ونسلِه إلى الأبد.

لبمجد للآب والإبن * والروح القدس

كما كان في البدء والآن وكل أوان * وإلى دهر الداهرين. آمين

قراءة وتأمل: اشعيا1:9-6 ولوقا 1:2-14

عيد الميلاد الأحد 25 ديسمبر

ايها الأب الكلي القدرة والأبدي، اشكرك من أجل ابنك ربنا

يسوع المسيح الذي وضع نفسه وتجسد وأصبح بشرا مثلنا ليتمم

خطتك نحونا التي وضعتها منذ امد بعيد وفتح لنا الطريق للخلاص. انا الآن انظر الي هذا اليوم وكلي رجاء في الخلاص الذي وعدتنا به لكي أخلص عند مجيئ ربنا يسوع المسيح في مجده. ان مجيئه قد أعلنه الأنبياء في القديم، وها هي مريم الأم العذراء حملته في احشائها بحب لا يُوصف، وها هو يوحنا المعمدان الصوت الصارخ في البرية قد أعلن ظهوره وعرّفه للكثيرين. ها اننا قد امتلأنا بحب يسوع جميعنا وبالفرح ونحن نستعد للاحتفال بذكرى ميلاده العجيب، وآمل عند مجيئه ان يجدني مصليا وقلبي ممتلئ بالتسبيح والحمد. في تذكار مجيئ ربنا ومخلصنا يسوع، ارجوك ايها الآب ان تمنحني في عيد الميلاد كل النِعم التي احتاجها عند مجيئه لخلاص نفسي واسألك خاصة هذه النعمة (اذكر النعمة المطلوبة). ان حب يسوع ابنك قد اظهره لنا عندما صار انسانا ليخلصنا فأسألك ان تمنحني طلبتي هذه اذا ما كانت توافق مشيئتك المقدسة. آمين. 

 

في بيت الناصرة

فى هذا الزمان الذى لم يعُد فيه الحب إلاّ نغمـة حزينـة، جئنا نحن البشر مشردين الخُطى، مبددين، نبحث وندور، فلا نبيت غير كومـة من الدموع والأنيـن.

فها نحن ندور ونتلمس قبس من نور..

شوق..حنان..محبـة

أيها الصمت الـمرفرف فى الظلال بلا هدف جئنا نتلمس أصداء الكلـمة

لا بد أن نواصل السير ولا نحيـد

يشتعل الحنين فى صدورنا وفى عيوننا يفيض توقنا

جئنا راعشي الإحساس وممسكين بلوحي الإردواز نتلمس صدى الكلمات وبخور الإبداع والـمعجزات

يا أرض زبولون وأرض نفتالـي على طريق البحر وعبر الأردن

يا جليل الأمم، يا طريق الناصرة، جئنا نبحث عن آثار خطاه فى التلال

والسواحل والكروم والسنابل والأحجار والسهول.

ندور ونبحث فى هذه الأروقـة عن الحلم، عن الحب، عن الطريق، وعن الحيـاة

لن ندق على كل باب ولن نفض الحجاب وننقب الأسقف بل جئنا لنراه

وليد العذراء هذا الذى سيُطلب منا حب الآخرين، ومن سيبرئ الأعمى ويبعث من قرار القبـر الـميت.

هذا الذى حرّكت عيناه دفء القلوب بكلماته المقدسّـة

وهذا الذى أحيت شفتاه كل يوم مقعد وخاطئ.

أين هو؟ هــو وليس آخر؟!

أين هو؟ الحقيقة، الخبز السماوي، المخلّص

ان مكانه معروف ومنظور وواضح ولكن قد يكون خلف أحد هذه الأبواب، أو..هنا أو هناك..تعالوا نبحث

فرغم السور الضخم والذى يحيط بالبلدة ورغم حديدها وفولاذها وتلالها ولكن الحقيقة يُسمع صوتها من وراء كل هذه الحواجز والأبواب.

“أنـا الحق…أنا الطريق…أنا الحيـاة”

اننا نريد ان نعرف ما هو الحق؟ واين هو الطريق؟ وما هى الحيــاة؟

أين هو؟

ها هو النجم، نجم قوي، نجم نوراني فلنسر على هديه حتى لا نتخبط فى طرقنا

وها هى الأجراس تدق فى عذوبة مستمرة، انها رنين لصوتـه الساحري

ها قد اقتربنا، فوسط الـمئات من الأبواب ومن بين التلال والأروقـة عرفنا الباب.

فأمام الباب يستغيث المظلوم ويصرخ المحتاج ويتآوه الـمتألـم ويئن الحزين والكل يصرخ ويطلب ويسترحم ويترجّى وفى طريق الأمل يريد الجميع أن يسيروا.

الباب مفتوح ولكن قبل ان نعبر اليه فلنهيئ قلوبنا لا إرتجالاً، لا بالسمع، لا بالأحاسيس، لا بالأقاويل، ولا بالمجاملات ولا بالتستر، ولكن بالحق والعدل.

ولنصعد درجات هذا البناء العظيم..بناء الإيمـان، بناء التضامن، بناء الـمحبـة، بناء الـمجد.

فى هذا البيت… جثا وصلّى

فى هذا البيت…استراح

فى هذا البيت…أكل وأقـام

فى هذا البيت…عاش وعمل

فى هذا البيت…أطاع وأحبّ

المحبّة عميقة، عميقة جداً، انها الله مالِك السموات والأرض

المحبّة لا تحسد ولا تبغض ولا تحتد

وهنا فى هذا البيت العتيق تجسدت المحبة فى سكون

تجسدّت المحبـة لا لتعطى وصيّة أو لتقول قولاً أو كلمة، بل تجسّدت المحبّة لتعطى ذاتها تجسيداً مستمراً

وأُرسل لهم إنساناً ووُجد الإنسان لنراه ونلمسه ونكلّمه

ووُجد الإنسان أرضي وهو غير أرضي، بشرياً وهو غير بشري

أُرسل الإنسان ليكون مع الإنسان وليعيش مع الإنسان وليشعر بشعور الإنسان

ان سر التجسّد هو سر الكمال، سر السماء، سر الوحي، سر الأنبياء، وسر الأسرار.

فى بيت الناصرة، يوسف ابن يعقوب ومريم ابنة داود، والمحبّة متجسدة

فى بيت الناصرة هذا نجّار فقير وعذراء ومولود عجيب.

يا يوسف، يا من قبلت موهبة الطريق للحياة علّمنا هذا الإيـمان

يوسف: نعم انا فقير وعشتُ فقيراً وكافحت بعرق جبيني وحملت المنشار فى يدي ولكنني انتظرت فلا تكترثوا بأقاويل ولا تعبأوا بأباطيل أهل الأرض ولا تضطرب قلوبكم بل ثقوا دائما فيمن جعلكم تعيشون فى جسده السري اي كنيسته.

يا مريم أسمعينا صوتك وعلّمينا كيف نحب يسوع مثلكِ

مريم: سيروا نحو الحب، تعالوا الى الحب، لماذا تبتعدون ولماذا تخافون وتعودون

كما جئتم، لا تقولوا ان هناك خطيّة فالخطيّة بعيدة عن أبناء الله وأنتم هم الأبناء الذين اختارهم إبني، وأعطاهم أن يعرفوا أسرار ملكوت السموات فلا تخافوا، هو يدعوكم وهو معكم دائما، فقط تعالوا كما أنتم وأطلبوا منه المعونـة والقوة والسلام، فتدبروا وتيقظوا وأسرعوا وإله الحب يرعاكم.

 

 

 

الشماس نبيل حليم يعقوب

لوس انجلوس ديسمبر 2016

 

 

 

[1] (كلمة للبابا فرنسيس).