تأمل اليوم : فصح يونان: حلم الله وغيظ الإنسان

تأمل اليوم : فصح يونان: حلم الله وغيظ الإنسان

حلم الله وغيظ الإنسان

اليوم الرابع فصح يونان

تأمل في قراءات الخميس 13 فبراير2014 الموافق التاسع عشر من شهر أمشير1730

الأب/ بولس جرس

غضب يونان لشفقة الرب

“فغَمَّ ذلكَ يونانَ غَمًّا شَديدًا، فاغتاظَ. وصَلَّى إلَى الرَّبِّ وقالَ:”آهِ يارَبُّ، أليس هذا كلامي إذ كُنتُ بَعدُ في أرضي؟ لذلكَ بادَرتُ إلَى الهَرَبِ إلَى ترشيشَ، لأنِّي عَلِمتُ أنَّكَ إلَهٌ رَؤوفٌ ورحيمٌ بَطيءُ الغَضَبِ وكثيرُ الرَّحمَةِ ونادِمٌ علَى الشَّرِّ. 3فالآنَ يارَبُّ، خُذْ نَفسي مِنِّي، لأنَّ موتي خَيرٌ مِنْ حَياتي”. فقالَ الرَّبُّ:”هل اغتَظتَ بالصَّوابِ؟”.وخرجَ يونانُ مِنَ المدينةِ وجَلَسَ شَرقيَّ المدينةِ، وصَنَعَ لنَفسِهِ هناكَ مَظَلَّةً وجَلَسَ تحتَها في الظِّلِّ، حتَّى يَرَى ماذا يَحدُثُ في المدينةِ. فأعَدَّ الرَّبُّ الإلَهُ يَقطينَةً فارتَفَعَتْ فوقَ يونانَ لتكونَ ظِلاًّ علَى رأسِهِ، لكَيْ يُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. ففَرِحَ يونانُ مِنْ أجلِ اليَقطينَةِ فرَحًا عظيمًا.ثُمَّ أعَدَّ اللهُ دودَةً عِندَ طُلوعِ الفَجرِ في الغَدِ، فضَرَبَتِ اليَقطينَةَ فيَبِسَتْ. وحَدَثَ عِندَ طُلوعِ الشَّمسِ أنَّ اللهَ أعَدَّ ريحًا شَرقيَّةً حارَّةً، فضَرَبَتِ الشَّمسُ علَى رأسِ يونانَ فذَبُلَ. فطَلَبَ لنَفسِهِ الموتَ، وقالَ:”موتي خَيرٌ مِنْ حَياتي”. فقالَ اللهُ ليونانَ:”هل اغتَظتَ بالصَّوابِ مِنْ أجلِ اليَقطينَةِ؟” فقالَ:”اغتَظتُ بالصَّوابِ حتَّى الموتِ” فقالَ الرَّبُّ:”أنتَ شَفِقتَ علَى اليَقطينَةِ التي لم تتعَبْ فيها ولا رَبَّيتَها، التي بنتَ ليلَةٍ كانَتْ وبنتَ ليلَةٍ هَلكَتْ. أفَلا أشفَقُ أنا علَى نينَوَى المدينةِ العظيمَةِ التي يوجَدُ فيها أكثَرُ مِنِ اثنَتَيْ عشَرَةَ رِبوَةً مِنَ الناسِ الذينَ لا يَعرِفونَ يَمينَهُمْ مِنْ شِمالِهِمْ، وبَهائمُ كثيرَةٌ؟”.

نص التأمل

حلم الله وغيظ الإنسان

هل إغتظت بالصواب أيها الإنسان؟

يرد هذا السؤال مرتين في هذا الفصل على لسان الله مخاطبا يونان وقد اغتاظ يونان النبي يالفعل مرتين تعالوا نتأملهما:

المرة الأولي: لماذ ا اغتاظ: لأن الرب رحمم نينوى وعفا عنها ولم يهلكها!!!!

“فغَمَّ ذلكَ يونانَ غَمًّا شَديدًا: ما سبب غمك انت يا من كنت منذ لحظات في جوف الحوت تصارع الموت لثلاثة ايام وثلاث ليال …وصليت ودعوت الرب إلهك فنجاك وقد فرغت لتوك من إداء رسالتك المقتضبة واكتفيت بمسيرة يوم بدل ثلاثة ايام وهجعت تنتظر الثمرة فما عساك تأمل وترجو وتتوقع ولماذا تغتم لعفو الله…

 فاغتاظَ وصَلَّى إلَى الرَّبِّ : حسنا ان تصلى حتى حين تغتاظ… لكن ما نوعية صلاتك؟

وقالَ:”آهِ يارَبُّ: لما تتاوه  وانت جالس الان في سلام فوق الربوة تحت شجرة خلقها الرب من أجلك ولتعليمك درساً

أليس هذا كلامي إذ كُنتُ بَعدُ في أرضي؟: لذلكَ بادَرتُ إلَى الهَرَبِ إلَى ترشيشَ: هل كان سبب عصاينك لأمر الله وفرارك إلى الغرب بسبب معرفتك بقلب ربك ورحمته ورافته وحنانه؟؟ أكانت هذه اسباب هروبك ام الكراهية التي تملأ قلبك نحو اعدائك اهل نينوى لنهم مستعمرو ارضك وغاصبو عرش داوود ملكك وهادمو هيكل أورشليم… وإن كان سيد الأرض  وواهب الملك وصاحب الهيكل على استعداد لان يغفر ويصفح ويتسامح أفتقف انت عثرة؟

فالآنَ يارَبُّ، خُذْ نَفسي مِنِّي، لأنَّ موتي خَيرٌ مِنْ حَياتي: هكذا تكره إلى الموت وهكذا تحقد حتى تبغض حياتك نفسها…!!!؟؟؟ هذه هي ثمرة الكراهية الموت… وها أنت تشتهيه بعد أن نجوت منه فصار الموت عليك اهون من رؤية خلاص اعدائك!!! حقاً ما اسود قلبك ايها الإنسان وما أروع قلبك يا الله!!!!

” لأنِّي عَلِمتُ أنَّكَ إلَهٌ رَؤوفٌ ورحيمٌ بَطيءُ الغَضَبِ وكثيرُ الرَّحمَةِ ونادِمٌ علَى الشَّرِّ: يصل الغيظ بالإنسان ان يتهم الله بصفاته الحسنى وكأنها مثالب فالرأفة عيب والرحمة ضعف وكثرة الرحمة عار والبطؤ في الغضب معثرة!!!! ألا نصرخ كل يوم طالبين منه افنتقام من أعدائنا؟!!!

لأنَّ موتي خَيرٌ مِنْ حَياتي:  إذا كانت تلك الأحاسيس مازالت تشغل أفكارنا وتسيطر على مشاعرنا  فالموت أرحم بل هي الموت ذاته اما الحياة ففي الحب والصفح والمغفرة

المرة الثانية: لماذ ا اغتاظ يونان : هل اغتَظتَ بالصَّوابِ مِنْ أجلِ اليَقطينَةِ؟”!!!!

فأعَدَّ الرَّبُّ الإلَهُ يَقطينَةً فارتَفَعَتْ فوقَ يونانَ لتكونَ ظِلاًّ علَى رأسِهِ، لكَيْ يُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ:الحر ثقيل وحرارة الحقد ورغبات الإنتقام في قلب النبي تضطرم  فيتدخل الرب ليدخل الفرح على نفسه  فينبت شجرة ترتفع على الفور وتغطيه من حرارة الشمس بظلها الوارف…. إنه يعتني بنا كأب يريد ان يصالحنا في غيظنا وينسينا مشاعرنا السلبية بهدية تمثل رعايته الأبوية….

ففَرِحَ يونانُ مِنْ أجلِ اليَقطينَةِ فرَحًا عظيمًا: ها هو الطفل يقفز من داخلنا بسرعة رهيبةن امام ابوة من يعتني بنا، فبعد الغم الشديد لدرجة طلب الموت وترجيّه ينتقل الإنسان لفرح عظيم لمجرد قليل من الظل، حقا إنك لطفل إيها الإنسان!!

ثُمَّ أعَدَّ اللهُ دودَةً، فضَرَبَتِ اليَقطينَةَ فيَبِسَتْ: إنه يعد ريحا ويرسل عاصفة ثم يبعث حوتا وبعدها يأمره ثم يعود فيعد شجرة ثم يامر دودة بضربها حتى الموت ثم يهب بريح شرقية حارة… اليس هو إله الكون  رب السماوات والأرض يريد ان يعطي درسا؟؟؟

فقالَ اللهُ ليونانَ:”هل اغتَظتَ بالصَّوابِ مِنْ أجلِ اليَقطينَةِ؟: مجرد سؤال بريء استفهامي استنكاري يطرحه الله على يونان بإسلوب اب يتحاور ويناقش ليصل بفتاه إلى التمييز. كما يجب أن نطرحه على انفسنا حين نشعر بالغيظ من اجل ما يحل بالآخرين من خيرات وبركات او ما يصيبنا من نكسات وما نلاقي من صعوبات.

 فقالَ:”اغتَظتُ بالصَّوابِ حتَّى الموتِ: الرد رهيب يشير الى التمسك بالرأي وإن كان خاطئاً والإعتقاد بامتلاك الحق ومجاورة الصواب على عكس الآخرين جميعا ومن ثم التشبث بالرأي حتى الموت!!!

 خلاصة الدرس يا إنسان: فقالَ الرَّبُّ:”أنتَ شَفِقتَ علَى اليَقطينَةِ التي لم تتعَبْ فيها ولا رَبَّيتَها، التي بنتَ ليلَةٍ كانَتْ وبنتَ ليلَةٍ هَلكَتْ. أفَلا أشفَقُ أنا علَى نينَوَى المدينةِ العظيمَةِ التي يوجَدُ فيها أكثَرُ مِنِ اثنَتَيْ عشَرَةَ رِبوَةً مِنَ الناسِ الذينَ لا يَعرِفونَ يَمينَهُمْ مِنْ شِمالِهِمْ، وبَهائمُ كثيرَةٌ؟”. إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء

 

لن تكون لله إبناً وللمسيح تابعا وللروح القدس هيكلا ما لن تعش كل يوم الصفح والغفران