تأمل اليوم: لأن الفقراء معكم في كل حين

تأمل اليوم: لأن الفقراء معكم في كل حين

نص التأمل

حيث أن نص قراءة الإنجيل من متى 25 : 1 – 13 العذارى الحكميات بمناسبة ما نحتفل بهم من استشهاد القديسة صوفيا ورفيقاتها الخمسين نتتناول في تأمل اليوم نص إنجيل العشية عن ساكبة الطيب وقد سبق وتأملناه في نص أحد الأحاد القريبة.. لكن لمستني  اليوم عبارة ” لأن الفقراء معكم في كل حين” كأن هذه النبؤة  التي نطق بها الرب يسوع ستظل مصاحبة للكنيسة والعالم إلى ان يحل الملكوت حيث لن يكون فقر او جوع أو عطش او مرض ولا حتى الموت..
أذكر أنني كنت اهتم  بهؤلاء الإخوة الأحباء إبان خدمتي في كاتدرائية السيدة العذراء بمدينة نصر حيث تم تشكيل مجموعة عمل من المتطوعين الأفاضل وبدأنا بالزيارات وخصصنا قداسا وقدمنا تربية مسيحية للاولاد وساعدنا في مشاريع تنمية بسيطة… وبفضل الله ما زال هذا النشاط مستمرا ومزدهرا…في حفل التكريم قبل رحيلى سألني غبطة البطريرك عن مشاعري قبل الإنطلاق إلى المجهول في “شرم الشيخ” فقلت  إن ما آسف لفراقه حقا هو “خدمة الفقراء” في عزبة الهجانة فقد ارتبطت بهم وارتبطوا بي وتوثقت أواصر الصداقة الروحية بالمجموعة التي كانت تزداد وتنمو وتثمر خيرا وحبا وعطاء…فما كان من غبطته سوى أن طمأنني قائلا “ستجد فقراء في شرم الشيخ ايضاً” وكأنه يردد قول السيد المسيح ” لأن الفقراء معكم في كل حين “…
وأتيت إلى هذا المنتجع السياحي الرائع وفي خضم أهتمامي بأعمال البناء وتاسيس رعية وتجميع أشتات البشر المتواجدين والوافدين؛ كدت أنسى الفقراء حيث لم أعد القاهم في الكنيسة ولا الشارع او الفنادق والقرى السياحية التي أتردد عليها … لكنني مع ملاحظة كم البذخ وسوء استخدام الخيرات وكميات الطعام والمأكولات التي تُلقى يوميا في القمامة وتعدم بالضرورة، فكرت أن أخصص سيارة تجمع من الفنادق بقايا الطعام التي لم تستخدم وأن اقوم بتوجيهها يوما بيوم إلى أحد الملاجئ او بيوت المسنين … وبدات المحاولة بالتواصل مع أصحاب الشأن والمسئولين لكن الموضوع فشل لأن بُعد المسافة وتكلفة النقل بعربة مجهزة بثلاجة يفوق كثيراً ثمن ما سيتم نقله…
لكن على غير انتظار  وبغير ترتيب مني أرسل الله رسالة أصعب ” أتبحث عن فقراء؟” تعال… فقد سألني السفير البابوي آنذاك إن كان ممكنا ان أن اقوم بزيارة إلى السجن لأتفقد أبناء إحدى الدول الأفريقية في السجن وهناك رايت وتعرفت وارتبطت بهؤلاء الإخوة من الفقراء المسحوقين الفارين او المخطوفين أو المباعين  كقطع غيار بشرية او يتم تهريبهم كخدم في إسرائيل… وتقوم قوات حرس الحدود المصرية بتحريرهم من آسريهم الذين يتركونهم في حال يرثى لها من الشقاء والبوس والعذاب الجسدي الذي لا يخلو من الإغتصاب احيانا… وكانت شرطتنا تقوم بإيداعهم السجون تمهيدا لترحيلهم  إلى بلادهم التي ترفض اصلا الإعتراف بهم… بدأنا في تشكيل مجموعة من الرعية للزيارة والاهتمام وبدأت الزيارات تنتظم ونهر العطاء يتفق من الجميع حتى من الإخوة المسلمين وبدأ ضباط السجون الخمس: طابا –دهب- نويبع- الطور –رأس سدر يقبلون زيارتنا ويطلبون منا المساهمة في حل بعض المشاكل أو توفير التذاكر وخلافه…لست أروي هذا بحثا عن مجد شخصي لكن لأصلإلى أكثر ما أثّر فيّ في لقاء هؤلاء المساكين… حين كنت اقف في وسطهم مصليا ومباركا بالصليب كيف كانوا يخشعون… وحين طلبت منهم أن يرفعو الصلاة بلغتهم وقفوا في انتظام خلف أحدهم ” الدياكون”  وبدأوا بابتهال مذهل صلاة كانت الدموع تنساب خلالها ليس من عيني وحدي بل من عيون الحرس وصف الضباط والمرافقين…
“كنّا نذهب محملين بشحنات من الغذاء والدواء والكساء لكنّا نعود ممتلئين بشحات من التعزية والسلام والرجاء… ” هكذا العمل مع الفقراء يملا النفس عزاء…
اما انت فأين تقف من هؤلاء؟ لا تبحث عنهم بعيداً فهم موجودين حولك:
ü إن لم يك في بيتك ففي العائلة…هناك من يستحق المساعدة
ü وإن لم يكن في كنيستك ففي الرعايا المجاورة من يلتمس العون
ü وإن لم يكن في متناول يدك او دائرة معارفك فاذهب بنفسك وخذ معك اولادك على اقرب ملجا او مستشفي او مصحة او دار مسنين…
هل يتعذر عليك الأمر  ام تستسهل تقديم ظرف محشو بالنقود فارغ من كل شعور يضاف إلى أرصدة غيرك أتقدمه مباشرة حسنا تفعل لكن حذار قبل ان تفكر في تقديم مالك، إن لزم الامر  فقدمه بسخاء في سد احتياج او شراء دواء أو كساء..قفي ظروف بلدنا الحالية: كم من أسرة تحتاج إلى بطانية؟ كم من صبي يحتاج إلى حضن اسرة حانية اكثر من ساندويتش أو وجبة غذاء؟ كم من فتاة تحتاج إلى تجهيزها ماديا للزواج؟ كم من عجوز تحتاج إلى معونة للبقاء؟ كم من عاطل يحتاج لفرصة للعمل وغثبات الذات؟ كم من حزين يحتاج كلمة عزاء؟ كم من وحيد مهمل يحتاج لحظة إصغاء…
ويل لي، حقا يا سيدي صدقت ف “الفقراء معنا في كل حين”