تأمل اليوم: ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة!

تأمل اليوم: ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة!

تأمل الأثنين، 21 أكتوبر 2013 11- بابة 1730
الأب/ بولس جرس
وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله ، كان واقفا عند بحيرة جنيسارت فرأى سفينتين واقفتين عند البحيرة ، والصيادون قد خرجوا منهما وغسلوا الشباك فدخل إحدى السفينتين التي كانت لسمعان ، وسأله أن يبعد قليلا عن البر . ثم جلس وصار يعلم الجموع من السفينة ولما فرغ من الكلام قال لسمعان : ابعد إلى العمق وألقوا شباككم لل…صيد tأجاب سمعان وقال له : يا معلم ، قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئا . ولكن على كلمتك ألقي الشبكة ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكا كثيرا جدا ، فصارت شبكتهم تتخرق فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدوهم . فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق فلما رأى سمعان بطرس ذلك خر عند ركبتي يسوع قائلا : اخرج من سفينتي يا رب ، لأني رجل خاطئ إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه وكذلك أيضا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان . فقال يسوع لسمعان : لا تخف من الآن تكون تصطاد الناس ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر تركوا كل شيء وتبعوه ” (لوقا 5 : 1 – 11).
حيث يوافق ذكرى نياحة الانبا يعقوب بطريرك إنطاكية فإنجيل اليوم كما هو مقرر ” الراعي الصالح” للمرة الثامنة في أقل من أربعين يوماً…لا بأس إذن أن نستكمل تأملنا فيما بدأتاه بالأمس حول دعوة بطرس الذي عبّر من خلال صرخته البسيطة أمس ” تعبنا الليل كله ولم نصطد شيئاً ” عن ضمير البشرية وكيانها المتعب المنهك بعيدا عن الله، وحالها البائس بعد ان صار الإنسان طريداً من فردوسه ورفته وجواره: بعرق جبينك تأكل خبزك …
ووعدت في الختام ان نستأنف التأمل ب” تقدم إلى العمق” … ولكن الروح يهب حيث يشاء… استوقفني اليوم وأنا اقرأ النص من جديد عبارة لا أعتقد أنه يجب أن تمر دون التوقف المتأمل أمامها وهي ” لكن…على كلمتك ألقي الشبكة”.
تعالوا نحاول أن نحياها مع بطرس لننطلق بعدها نجس نبضها في حياتنا الشخصية والكنسية: ولكن على كلمتك ألقي الشبكة: أتصور الصراع الذي يعتمل في نفس بطرس الصياد المحنّك في مهنته وهو يستمع لنصيحة ذاك المعلم الذي جلس يتحدث من سفينته إلى الجموع في أمور جليلة بالطيع، لكن لا علاقة لها بالصيد فلماذا يسمح لنفسه بالتدخل الآن في غير مجاله؟ أنا ادرى منه بالطبع وبالتأكيد بكوامن بحيرتي ,بأسرار مهنتي وبشئون حياتي… ألعله يرى ما لا أرى أو يشعر بما لا أشعر أم أنه يعرف ما لا أعرف؟؟؟ تساؤلات عدة تتقافز في ذهن الصياد الواقف شبه عريان أمام ذلك الشخص يسوع: حقا كم يبدو هذا الرجل مختلفا عن الجميع: مختلف في حديثه عن الله، مختلف في تعامله مع الجموع مختلف في قربه من الناس لاسيما المنبوذين من الجميع ، مختلف في احكامه، حقاً يبدو مختلفاً كلياً عن كل ما عرفه ذلك الصياد وهكذا “تختلف اختياراته وتوقيته وأساليبه عن كل ما هو متوارث ومعتاد وبديهي” يبدو أنه من كوكب آخر وكأنه لا يدرك ابعاد مشاكلنا اليومية وليس بمقدوره أن يثبر أعماق عواطفنا المتضاربه ولا استيعاب كنّه مشاعرنا المضطربة…
لا اخفيكم انني كثيرا ما شاطرت بطرس نفس المشاعر وتقاسمت معه ذات الصراع بل لعلك أنت أيضاً قد مررت باللحظات عينها:
وقت أن اختار الله لك غير ما كنت تخطط وتنتوي وتريد،
وقت أن تدخل الله بصورة سافرة ليغير مسار حياتك في اتجاه ما كنت تحلم أن ،
وقت يدعوك الله أن تشاطره اختياراً يخالف منطق كل من حولك،
حين تتناقض مقاييسه ومعاييره في حياتك مع مقاييس العالم كله والناس أجمعين
حين دعاك لتترك كل شيئ وتتخلى عن كل شيئ وتُعدّ كل شيئ خسرانا لتبقى إلى جانبه
حين انطلقت في طريقك ولم تلقي بالا لتحذير العالم وتوجيهاته وصرخاته المهددة…
أتذكر يوم وقفت تملأ استمارة رغباتك في الكلية، أتذكر يوم قررت أن تلتحق بعمل جديد تاركاً مهنة الأجداد؟ أتذكر يوم كنت تختار شريك حياتك؟ أتذكر يوم قررت الرحيل واعددت كل شيئ وفجأة غيرت القرار وبقيت في بلدتك اتذكر يوم رفضت أن تغادر الوطن؟؟؟ أما كانت تتصارعك وتتقاسمك تلك المشاعر نفسها التي تعتمل الآن في نفس بطرس؟
ألا تشعر اليوم بالفخر والسعادة والرضى عن تلك الاختيارات حتى لو كانت قد كلفتك كثيراً؟
هذا ما يصنع الفارق بين مؤمن وغير مؤمن
تلك العبارة التي تفوه بها بطرس “ولكن على كلمتك ألقي الشبكة” تعني هذا التوجه وتلك الثقة التي بها أُعلن أنه بالرغم:
من عدم فهمي وقليل استيعابي،
من عدم ارتياحي وضئيل تفهمي،
من عدم إدراكي وبعيد تقبلي…
من مخالفة كل ما يدور حولي لحساباب منطقي وقياسي
من تخوفي وهواجسي وظنوني …
أقبل وأنفذ أمرك وأعلن استسلامي امام إرادتك وأخضع مشيئتي لمشيئتك وأضع حياتي بين يديك وأسلم مصيري تحت قدميك …نعم من أجلك ألقي تبري على تراب الأودية وأنت تكون لي تبراً … هذه هي ثقتي فيك وهوذا إيماني بك وها أنذا اليوم أعلنهما وأجددهما… وها أنا اليوم ألقي شباكي… ولم يعد حتى يهمني حتى ان تعود ممتلئة يكفيني أنك معي…