تأمل اليوم: يسوع ونيقوديموس

تأمل اليوم: يسوع ونيقوديموس

كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس ، رئيس لليهود هذا جاء إلى يسوع ليلا

تأمل الخميس, 24 أكتوبر 201314 بابة 1730

الأب/ بولس جرس

نياحة القديس فيلبس احد الشمامسة السبعة وهو غير احد الاثنى عشر تلميذا

” كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس ، رئيس لليهود هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له : يا معلم ، نعلم أنك قد أتيت من الله معلما ، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه أجاب يسوع وقال له : الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله قال له نيقوديموس : كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد أجاب يسوع : الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح لا تتعجب أني قلت لك: ينبغي أن تولدوا من فوق الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب . هكذا كل من ولد من الروح أجاب نيقوديموس وقال له : كيف يمكن أن يكون هذا أجاب يسوع وقال له : إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله الحق الحق أقول لك : إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ، ولستم تقبلون شهادتنا إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون ، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية  لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم ، بل ليخلص به العالم الذي يؤمن به لا يدان ، والذي لا يؤمن قد دين ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد وهذه هي الدينونة : إن النور قد جاء إلى العالم ، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور ، لأن أعمالهم كانت شريرة  لأن كل من يعمل السيآت يبغض النور ، ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور ، لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة” (يوحنا 3 : 1 – 21)

يُعتبر لقاء يسوع ونيقوديموس لقاءً خاصاً بكل المقاييس، لما يمثله من كشف عما تعيشه البشرية من صراع في علاقتها مع الله: البحث والهرب-الإقتراب والإبتعاد – الحب والخوف وما يكنَه قلب الإنسان من شوق وخوف تناولناه في تأمل الأمس: ابتعد عني اقترب مني أتبعك …فنيقوديموس هذا الشيخ الجليل الذي امضى العمر انتظاراً للمخلص الآت ليملك على بيت إسرائيل إلى الأبد…حين سمع عن يسوع بدأ يقارن ما يسمعه بما قد درس، فعرف الحقيقة ولم يكابر كغيره من الفريسيين الذين لم يكتفوا بالمكابرة والرفض بل بالغوا في الكراهية والتآمر حتى قتلوا من كانوا يترجون قدومه وصلبوا من عاشوا أجيالا يترقبون مجيئه، ولم يهدأ لهم بال حتى أدخلوه القبر بل ختمو قبره ووضعوا عليه حراسة!!! على غير ذلك بل بادر نيقوديموس وذهب إلى يسوع  مبتغياً لقاءه لكن…

  • §        حيث لم تواته الشجاعة ليواجه العالم بما وصل إليه من كشف واكتشاف كان ذهابه ليلاً…
  • §        وحيث لم تصل آثار وتبعات هذا الكشف الحقيقي إلى القلب ظل يحاول الإحتفاظ بالأمور كما كانت.
  • §        وحيث لم يك مستعدا للتخلي عن موقعه في المجتمع ومكانته ومركزه في الأوساط الدينية استتر بظلمة الليل
  • §        وحيث لم يرد في قلبه أن يعلن هذه المعرفة وذاك الإهتداء على الملأ  تجنب نور النهار
  • §        وحيث لم يتغلب إيمانه على مصالحه الشخصية حاول الموازنة بين الإثنين
  • §        وحيث لم يك قادرا على اتخاذ القرار الحاسم انتظر الليل وآسر السكينة عن المواجهة…
  • §        وحيث لم يك متأهبا للتضحية بكل شيء وترك كل شيء، ذهب يجر وراءه جميع أشلاء الماضي

“يا معلم ، نعلم أنك قد أتيت من الله معلما ، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه”: هكذا قرأ الأحداث ودرس المواقف وأصدر حكما عقليا منطقيا مبنيا على الشواهد الكتابية والتاريخية واللاهوتية والفلسفية وكل معرفة بشرية… لكن هل كان ذلك كافيا للوصول إلى الإيمان؟

” الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله”: لطالما تعجبت منذ الصغر من تلك الإجابة  التي لا نستطيع وصفها بالعدوانية لكنها هجومية لا تمثل ترحيبا ولا تعبر عن تقدير ولا تساعد حتى على إقامة حوار!

الآن ادرك لماذا. لأن يسوع وإن كان مقدراً لما وصل إليه من استنتاج منطقي دفعه للخروج من بيته ليلا والسؤال عن الموضع الذي يقيم فيه يسوع والذهاب إليه وطرق بابه وإبداء تقديره وإعجابه… إلا أن يسوع لم يكن بنفس القدر قابلا لمدى تفاعله مع ما كُشف له… وهو يريد أن يؤكد له ولنا اليوم أن الإيمان بالله وبه إن ظل ثمرة اجتهاد بشري فلن يجدي شيئاً …فالعقل بقدر اهميته وضرورة دوره في الوصول إلى الإيمان إلا أنه يظل عاجز وغير قادر وغير كاف وغير مستعد للتقدم إلى العمق للوصول إلى الحقيقة المطلقة للنطق بما نطق به بعفويته المعهودة ذاك الصياد البسيط ” أنت هو المسيح ابن الله الحي” فكانت إجابة الرب” طوبى لك يا سمعان ابن يونا لأنه ليس دم ولحم كشف لك هذا لكن ابي الذي في السماوات”  وهي بالطبع ذات لهجة مختلفة وإيقاع مخالف وإن لم تبعدا عن الحقيقة كلاهما ففي الأولى يدرك المسيح أمام بطرس الذي يحبه ويقدره أن ما تفوه به يفوق عقله متجاوزا إلى القب فالإيمان أمل في الإجابة الثانية فهو يرى الإنسان وقد شاخ بحثا عن الحقيقة وحين أدركها بعقله ورأها رؤى العين ظل متلفحا بالليل متسترا بالظلام عاجز عن السير في النور…لذا يضع المسيح فوراً يده على موضع الألم عند نيقوديموس ويلقي على جرحه ملحاً… ليس الإيمان بالله مجرد أمر منطقي ولا يكفي ان يكون اقتناعا عقليا ولا أقبل ان يتوقف على الأدلة والبراهين الحسية… يحتاج الإيمان بي واتباعي أكثر من ذلك كثيراً:

  • Ø     يحتاج ولادة جديدة وميلادا علوياً
  • Ø     يحتاج قلوبا لا تعرف الخوف ولا تتستر عن العيون
  • Ø     يحتاج عزائم قوية لا تعرف الكلل
  • Ø     يحتاج نفوسا عطشى لا ترتضي بتلك الآبار المشققة
  • Ø     يحتاج كيانات مشتاقة لا تقف أمام الصعاب
  • Ø     يحتاج قرارات حاسمة واختيارات مصيرية لا تبالى بالمقاييس البشرية
  • Ø     يحتاج إجهارا ووضوحا وحسما لا خوف وتستر وتكتم وتنكر
  • Ø     والدخول على معمعة الحرب مع الذات ومع المجتمع ومع مجد العالم
  • Ø     يحتاج شجاعة حمل الصليب وقبول الموت

…فهل أنت مستعد…الذهاب ليلا تحت ستر الظلام هو علامة الخوف من الفضيحة واكتشاف الامر… فإذا كان ذهابك إلى يسوع فضيحة تحتاج أن تداريها في ستر الظلام وإذا كان اتباعك إياه امراً يجب إلا يعرف الآخرون عنه شيئاً وإذا كنت تخشى مجرد إعلان أنك تلقاه فكيف تعلن أنك تؤمن به وكيف تبدي تمسكك به؟؟

ألست معي في ان موقف نيقوديموس هو موقف الكثيرين منًا إلى اليوم؟

ألا ترى ان الكثيرين مناَ يريدون ان يلتقونه سراً بينما في العلن يجهرون “لست أعرف هذا الرجل”

للحديث بقية