تعيين بيتسابالا مدبراً رسولياً لبطريركية اللاتين في القدس

تعيين بيتسابالا مدبراً رسولياً لبطريركية اللاتين في القدس

سيكون للكنيسة اللاتينية في القدس إيطالياً آخر ليقوم برئاستها حيث أن حارس الأراضي المقدسة السابق قد تم تعيينه مدبراً رسولياً “إلى حين تعيين بطريرك جديد”. “إنني أعود وبيّ رغبة لأخدم الكهنة المحليين والمجتمع ككل، كما أطلب من كل شخص أن يبدي التفهم، والصداقة والتعاون. جاء هذا التصريح بينما كان البابا في طريقه إلى أرمينيا.

جيورجيو بيرنارديللي

نقله إلى العربية منير بيوك، المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام – الأردن

 

بعد مرور شهر بالتمام على انتهاء مهّامه كحارس للأراضي المقدسة، يعود الأب بييرباتيستا بيتسابالا فورا إلى القيام بمهمة المدبر الرسولي لبطريركية اللاتين في القدس. واليوم استدعى البابا فرنسيس هذا الفرنسيسكاني من مقاطعة بيرغامو الإيطالية ليتسلم المنصب السابق الذي ترأسه فؤاد الطوال، وهو الذي قدّم استقالته بعد أن وصل إلى السن القانونية لذلك. عينه البابا مدبراً رسولياً للكرسي الشاغر في البطريركية اللاتينية في القدس لحين تعيين بطريرك جديد وبذلك رفعه إلى منصب البطريرك الرفيع.

تم إعلان التعيين بينما كان البابا في طريقه إلى أرمينيا. لكن الذي يستدعي الاستغراب أكثر من ذلك، هو حقيقة أنّ رئاسة أبرشية القدس قد منحت إلى إيطالي مرة أخرى -على الرغم من كونها مؤقتة- بعد 29 عاماً من البطاركة العرب (الفلسطيني ميشيل صبّاح في 1987 والأردني فؤاد الطوال في 2008). أوضح البيان الذي صدر عن الكرسي الرسولي، بأن بيتسابالا سيحمل اللقب “لحين تعيين بطريرك جديد”. لكن توقيت الاختيار، والطريقة التي تم بها، إضافة إلى الإيضاح بأن حارس الأراضي السابق سيمنح الرسامة الأسقفية في أيلول المقبل، يبين أن هذا التعيين لن يكون لفترة قصيرة.

لم يخف الأب بيتسابالا دهشته. ذكر في الرسالة التي بعث بها إلى البطريركية اللاتينية فور صدور الخبر بتعيينه قائلاً: “لقد طلب مني ‘العودة إلى القدس’ (راجع لوقا 24)، على مثال تلميذي عمواس عقب الأمور التي جرت فيها، بعد لقاء المسيح القائم من بين الأموات”. فمن خلال البابا، طلب مني الرب أن أعود إلى المدينة المقدسة بعد الخبرة الطويلة التي عشتها كحارس للأراضي المقدسة. لقد فاجأني هذا الطلب نظراً لمحدوديتي الشخصية والموضوعية. لذلك يمكنكم تصور تردّدي وقلقي تجاه هذه المهمة التي أوكلت لي. كما أتفهم تساؤلاتكم العديدة ولربما بعض الحيرة من طرفكم”. وأضاف بيتسابالا:  “أعلم أن المسيح هو الذي يدعو ويرسل. لذا أضع ثقتي به. ‘تكفيك نعمتي’ (2 كور 9:12). وها أنا أعود إلى القدس وكلي رغبة في خدمة الإكليروس والجماعة المسيحية بأسرها. كما وأطلب في الوقت نفسه تفهمكم وصداقتكم وتعاونكم”.

وفي مقابلة نشرها قبل أيام قليلة المركز الإعلامي المسيحي في القدس، قال الأب بيتسابالا: “سألني العديد عمّا يخبئه المستقبل لي، وعن خططي. إنني أخ -وهذه حقيقة- إنني أضع خططاً كما يفعل كل شخص آخر، لكن الأخوة أيضاً أبناء للطاعة. سيأتي الوقت عندما يبلغني شخص ما إلى أين أذهب، تماماً مثلما فعل يسوع مع بطرس. وذلك هو الصحيح”. وفي تلك المقابلة كان بيتسابالا يتحدث عن التحديات التي واجهها في بداية فصل جديد من حياته “بعد أن قضيت 25 سنة في الشرق الأوسط، أي نصف حياتي…”. إلا أن الطاعة ذاتها هي التي ستعيده إلى القدس، لكن في إطار جديد لن يكون أقل سهولة.

فالأب بيتسابالا، البالغ من العمر 55 عاماً، ولد في بلدة كولونيو آل سيريو، شمال إيطاليا، وسيم كاهناً عام 1990. وكان نائباً للبطريركية اللاتينية في القدس في بداية الألفية الجديدة، مع ميشيل صبّاح، عندما كان يعتني بالجماعة اليهودية المسيحية الصغيرة. وعندما بلغ سن الثامنة والثلاثين من عمره عيّن حارساً للأرضي المقدسة، مترئساً الرهبنة الفرنسيسكانية بطريقة متزنة، بحيث تم تمديد ولايته البالغة ستة سنوات مرتين. والآن، وفي قيامه بدور المدبر الرسولي لبطريركية اللاتين، فإنه يبدأ فصلاً جديداً في حياته، كما وفي حياة الكنيسة المحلية في الأرض المقدسة. فللكنيسة سلطة قانونية على إسرائيل كما هي على فلسطين، وحتى على الأردن وقبرص.

إن المرة الأخيرة التي تسلم فيها حارس للأراضي المقدسة رئاسة البطريركية اللاتينية في القدس بصورة مباشرة، كان ألبيرتو غوري في سنة 1949، حيث جاء تعيينه عندما كان المجتمع الكاثوليكي اللاتيني في الأرض المقدسة يمر بأسوأ مرحلة لم يعهدها من قبل. لقد كانت ولايته بعيد الحرب العربية الإسرائيلية، التي انتهت بالهدنة وأقرت بتقسيم القدس. في تلك الفترة، وضع الكرسي الرسولي كل ثقته بحارس الأرضي المقدسة الذي كان يمتلك معرفة راسخة بالوضع الداخلي.

إنّ ذلك وحده يدل على خصوصية الإختيار الذي قام به فرنسيس للقدس اليوم. ويجب تفسير اختياره على أنه يقع في إطار الوضع الصعب الذي يمر به الشرق الأوسط. فالأب بيتسابالا يحظى باحترام كبير في الأرض المقدسة، لكن الحقيقة، يكمن في تسميته مدبراً رسولياً للبطريركية هو تراجع كبير للكهنة العرب المحليين. وفي الوقت الذي يتم فيه تغييرات في القدس أيضاً، قرر البابا فرنسيس أن يبدي أهمية أكبر لتجربة رجل له الكثير ما يقدمه رغماً عن جنسيته. فعلى مر السنين أبدى الأب بيتسابالا، وفي مناسبات عديدة، انفتاحاً كبيراً يتعلق بخلفية الناس. فخلال فترة عمله، سيشجع الأرضي المقدسة على النظر إلى الأمام بدلاً من العيش في الماضي.

كما أن هنالك حقيقة موضوعية أخرى، وهي أن تسمية بيتسابالا لهذا المنصب ينفتح أمام أعيننا الآتي: يشعر البابا فرنسيس اليوم بحرية كاملة لاختيار شخصية غير عربية للمنصب، لأن وجه الكنيسة اللاتينية في الأرض المقدسة قد تغير إلى حد ما خلال الثلاثين سنة الماضية. فالكنيسة التي طلب من الأب بيتسابالا أن يقودها لم تعد كنيسة عربية برمتها: فهي تتألف أيضاً من عدة آلاف من الفيليبينيين والسيرلانكيين والسودانيين الذين جاؤوا إلى إسرائيل كمهاجرين للعمل ووجدوا في الرعايا مرجعيتهم الوحيدة. لقد تجاوزوا العرب المسيحيين من حيث أعدادهم (على الرغم من أن وجودهم هو مؤقت بسبب القيود الصارمة التي تحملها قوانين الهجرة الإسرائيلية. وإضافة إلى المشكلات كانتفاضة السكاكين، كما يسميها البعض، والمجموعات الراديكالية في القدس، فإن الأب بيتسابالا سيواجه تحديات حقيقية تتمثل في إبقاء الرعايا الفلسطينية مع بعضها البعض، وفي اسرائيل المليئة بالمهاجرين، وفي الأردن الذي يعاني من تدفق هائل اللاجئين نحو الأرض المقدسة هرباً من  الحرب في الشرق الأوسط. كما عليه أن يضمن مزيداً من التقدم في الحوار المسكوني، في ضوء اللقاء الذي تم بين البابا فرنسيس والبطريرك برثلماوس أمام القبر المقدس. إنها تحديات – لربما ستكون شاقة جدا.