توماس مور

توماس مور

7 فبراير 1478 – 6 يوليو 1535

إعداد ناجى كامل- مراسل الموقع من القاهرة

– مقدمة:

كان مور قائداً سياسياً ومؤلفاً وعالماً إنجليزياً عاش في القرن السادس عشر، وهو قديس حسب الكنيسة الكاثوليكية. لمعارضته طلاق الملك هنري الثامن لكاثرين بل ومعارضته ايضا لزواجه الثاني، ورافضا الاعتراف به كرئيس للكنيسة الكاثوليكية الرومانية بعد انفصال الكنيسة الكاثوليكية في إنجلترا عن كرسي روما، توماس مور، طوب في وقت لاحق، أمام المحكمة بسبب تحديه لسيده، الملك هنري الثامن. فلم يقبل مور إصرار الملك على ارتفاع مكانته فوق مكانة الكنيسة. ولم يسمح له ضميره بالإذعان لإرادة هنري. وعلى هذا فقد فحبس وقطع رأسه في برج لندن واستشهد بسبب ضميره.

قال عنه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر بريطانيا خلال لقائه مع الممثلين عن المجتمع البريطاني من بينهم أعضاء الهيئة الدبلوماسية، وبعض رجال السياسة، الأكاديميين وكبار رجال الأعمال، وذلك في قاعة ويستمينستر بمدينة ويستمينستر (سنة 2010) ” أذكر بخاصة شخصية القديس توماس مور المفكر ورجل الدولة الانجليزي العظيم الذي يحبه المؤمنون وغير المؤمنين على حد سواء لأنه تبع ضميره حتى على حساب إغضاب الملك الذي كان له “الخادم الصالح”، ذلك لأنه اختار أن يخدم الله أولاً. والمعضلة التي واجهت مور في المحن، هو التساؤل الدائم عن العلاقة بين ما لقيصر وما لله” **هو احد العلمانيين الذين رفعتهم الكنيسة الكاثوليكية الى مصاف القديسين نظرا لايمانه، الذي عرف أن يشهد حتى الموت “لكرامة الضمير الانسانى ورفضه مخالفة التعاليم المسيحية الكاثوليكية واستشهد بسبب ضميره ”

* ولد توماس مور في مدينة لندن في 7 فبراير 1478.

تلقى تعليمه في مدرسة القديس أنطوان.وأصبح محامياً ناجحاً

– في عام 1501 عين كنائب عمدة لمدينة لندن من 1510 إلى 1518.

– ألف كتاب المقطوعة اللاذعة” (1505) “تاريخ الملك ريتشارد الثالث” (1513 – 1518) و”اليوتوبيا” (1516) و”حوار متعلق بالبدع” (1529).

– في عام 1517 أصبح سكرتير ومستشار الملك هنري الثامن.

– في عام 1523 انتخب كناطق باسم مجلس العموم. في عام 1529 أصبح وزيراً للعدل، ولكنه إستقال من منصبه في عام 1532 حينما لم يقبل طلاق الملك هنري الثامن من كاثرين، كما رفض قبول قانون السيادة أى ارتفاع مكانة الملك فوق مكانة الكنيسة.

– سنة 1504 اختير وهو في السادسة والعشرين من عمره نائباً بوصفه مواطناً حراً في المجلس النيابي. وهناك ناقش بنجاح ضد إجراء اقترحه هنري السابع مما دفع الملك إلى أن يسجن مور فترة قصيرة. ويفرض عليه غرامة باهظة، وبعد تركه المجلس النيابي عاد مور إلى الحياة الخاصة ونجح في مزاولة المحاماه. وعاد مرة أخرى للمجلس النيابي.

– في عام 1515 صار خطيبا لمجلس العموم.

– في عام 1521 نصبه الملك هنري الثامن فارساً وعينه وكيلاً للخزانة، وعهد إليه بمهام دبلوماسية دقيقة. وعارض مور السياسة الخارجية وكان زعيماً للمعارضة في البرلمان، وظل يعمل رئيساً لوزراء إنجلترا واحداً وثلاثين شهراً.

– تزوج مرتين وأنجب عدة أطفال أنشأهم على حب نظام مسيحي يتسم بالوقار والانشراح في آن واحد.

– في عام 1534 اتهم بالخيانة العظمى فسجن في برج لندن، حيث كتب “حوار الراحة ضد المحنة”.

* بفضل حبه للقراءة اتجه إلى قراءة تاريخ الكنيسة وسير القديسين، مما أثر في تكوينه وتحديد قناعاته. وخلافاً لرغبة والده، تحول توماس مور من المحاماة إلى خدمة الله والكنيسة، فالتحق بأحد اديرة الاباء الفرنسيسكان وأمضى فيه أربع سنوات، ولكن تفضيله الزواج على الحياة العزوبية قرر توماس مور وقف حياته لخدمة الله كعلمانيً وليس كراهبً، فخرج من الدير وتزوج من جان كولت التي أنجبت له ثلاث بنات وصبياً واحداً، وبعد وفاتها تزوج من أليس ميدلتون أرملة أحد التجار الانجليز، ولم تنجب له أولاداً.- اضطر بعد مغادرته الدير وزواجه الأول إلى القيام ببعض الأعمال التجارية ليكفل حياته وحياة أسرته، فقام بالعمل كمندوب تجارى باسم بعض الشركات الإنجليزية في بلجيكا، ونجح فيها نجاحاً كبيراً، ولكنه بسبب عدم ميله للأعمال التجارية وكذلك لمهنة المحاماة، قرر توماس مور أن يعطي وقته كاملاً للوظيفة العامة في خدمة الملك.-عمل مساعدا ً لرئيس الأساقفة مورتون، وكان لهذا الفضل في تثبيت عقيدته المحافظة وتكامله وتقواه المرحة، وذهب الشاب إلى أكسفورد وهو في الخامسة عشرة من عمره، وسرعان ما فتن بالأدب الكلاسيكي إلى درجة حملت والد الشاب على انتزاعه من الجامعة، لإنقاذه من أن يصبح أديباً وبعث به لدراسة القانون في لندن.

– في عام 1499 إلتقى مور، وكان في الحادية والعشرين من عمره، بأرازموس وافتتن بالمذهب الإنساني. وتعد صداقتهما من أطيب العطور شذى في ذلك العصر. وكانا يأملان في إصلاح الكنيسة من الداخل وتجنب تفكك أواصر الوحدة الدينية والتواصل التاريخي. ولم يكن مور نداً لأرازموس في العلم أو التسامح، والحق أن رقته المألوفة وكرمه كان يشوبهما في بعض الأوقات تطرف في الدين، وكان في الجدل ينحني بين آن وآخر مثل كل معاصريه، ليوجه لخصومه طعناً شديداً مريراً. ولكنه كان يفوق أرازموس في الشجاعة والإحساس بالكرامة.- كان من أعظم رجال الدين في القرن الذي عاش فيه، وفي الثالثة والعشرين عندما تعمق في دراسة القانون فكر في أن يصبح قساً. وعلى الرغم من انتقاده الرهبان لتقاعسهم عن الامتثال لما يفرضه عليهم نظامهم فإنه أعجب إعجاباً شديداً بنظام الدير، وأسف أحياناً لأنه لم يختر هذا النظام، وظل وقتاً طويلاً يرتدي قميصاً من شعر الخيل لا يلبس تحته شيئاً، وكان يؤمن بالمعجزات ويصدق قصص القديسين والصور الدينية ورحلات الحج.

– وصفه صديقه أرازموس بأنه “متوسط القامة له بشرة شاحبة لا يهتم بالملبس أو المظهر زاهد في الطعام والشراب، منشرح سريع النكتة حاضر الابتسامة، يميل إلى الدعابات والخدع ويحتفظ في بيته بمهرج وقرد وكثير من الحيوانات المدللة الصغيرة، “وكانت كل الطيور تأتي إليه ليطعمها”. وكان زوجاً مخلصاً وأباً محباً يعبد أولاده وخطيباً مقنعاً ومستشاراً أصيل الرأي ورجلاً شديد الحرص على البر وخدمات الأصدقاء “. – قام مور بتأليف عدة كتب وبدأ بكتاب “تاريخ رتشارد الثالث”، ترجمت بعض كتبه إلى الألمانيّة والإيطالية والفرنسية قبل أن تظهر النسخة الإنجليزية (1551) – وبسبب رفضه إقرار انفصال الكنيسة الإنجليزية عن البابوية، والاعتراف بالملك هنري الثامن رئيساً روحياً للكنيسة الإنجليزية، كما رفض الإقرار بطلاق الملك من زوجته السابقة وزواجه من آن بولين فكان ذلك هو السبب المباشر لانفصال الملك هنرى الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية وتأسيسه الكنيسة الإنجليزية المستقلة.

– فى 6 يوليو 1535 حُكم على توماس مور بالإعدام تم إعدامه بقطع رأسه.

– فى مايو 1935 ” وفي الذكرى الأربعمائة لإعدام توماس مور أعلنته الفاتيكان قديسيا وأعلن قداسته البابا بيوس الحادي عشر.

مؤلفاته واعماله :

– ترك توماس مور كثيراً من الكتب الأدبية والفلسفية والاقتصادية، من أهمها «تاريخ الملك ريتشارد الثالث» الذي كتبه باللغتين اللاتينية والإنكليزية بين عامي 1513- 1518،أما كتاب مور الذي يُعدّ المرجع الفلسفى والاشتراكي : فهو كتاب اليوتوبيا “المدينة الفاضلة “، وفي الـ «يوتوبيا» مهد مور الطريق لظهور الأفكار الاشتراكية ذات النزعة الإنسانية. – وقف مور حياته لخدمة الإنسان، وقضى نحبه دفاعاً عن مبادئه وقناعاته، مخلفاً وراءه تراثاً إنسانياً اشتراكياً ألهم المفكرين والفلاسفة من بعده، ولا يزال يلهمهم حتى اليوم الحاضر. – قام بتأليف كتب ضد اللاهوت البروتستانتي وبمطاردة زعماء البروتستانت. واتفق في كتاب حوار يتعلق بالبدع (1528) وفي كتب متأخرة، مع فرديناند الثاني وكالفن وبعض المفكرين اللوثريين على ضرورة الوحدة الدينية لتحقيق القوة والسلام القوميين. وخشي من انقسام الإنجليز إلى طوائف دينية. ومع أنه كان قد دافع عن ترجمة أرازموس للعهد الجديد إلى اللاتينية فإنه احتج ضد نسخة تندال الإنجليزية باعتبارها تحريفاً للنص بصورة تثبت وجهات النظر اللوثرية، وشعر بأن ترجمات الكتاب المقدس يجب ألا تتحول إلى أسلحة يشرعها الفلاسفة. وعلى أية حال فإنه تمسك بأن الكنيسة كانت أداة ثمينة جداً للنظام والمواساة والإلهام، بحيث لا يجوز تمزيقها.وانتقل من هذه الحال إلى إحراق البروتستانت على المحرقة. أما الاتهام الذي وجه إليه بأنه أمر بجلد رجل في بيته بسبب الهرطقة فإنه موضع خلاف، ويمكن أن يقال إنه في أحكام الإعدام الثلاثة التي أعلنت خلال أسقفيته وقبيل توليه منصب الحاجب، كان يستجيب فيها للقانون. ولم يسلم بوجود أي تناقض بين سلوكه والتسامح الكبير في الاختلافات الدينية الذي أبداه في مدينته الفاضلة، لأنه حتى هناك رفض التسامح مع الملحدين والمنكرين للخلود فى الحياة الابدية، وهؤلاء الهراطقة الذين لجئوا إلى العنف. مع ذلك فقد ارتكب هو نفسه جريمة الطعن بمجادلته البروتستانت الإنجليز.

وجاء الوقت الذي رأى فيه مور أن هنري أخطر الهراطقة على الإطلاق. ورفض الموافقة على زواجه من آن بولين ورأى في التشريع المناهض لرجال الدين الذي صدر في 1529-32 اعتداء صارخاً على كنيسة يرى أنها بمثابة قاعدة لا غنى عنها للنظام الاجتماعي.

– وعندما تقاعد من المنصب وانسحب إلى خلوة بيته في تشلسي (1532) كان لا يزال في عنفوانه، في الرابعة والخمسين من عمره، ولكنه كان يرتاب في أنه لن يعيش طويلاً. وحاول أن يهيئ أسرته للمأساة بالحديث (هكذا يقول زوج ابنته وليام روبر) عن حياة الشهداء الأحرار وعن جلدهم العجيب وعما كابدوه من آلام وعن ميتتهم التي آثروا فيها أن يتعرضوا للعذاب على أن يسيئوا إلى الرب، فأي شيء أسعد وأكثر بركة من أن يحب الله وأن يتعرض لفقد المال والسجن وضياع الأرض بل والحياة أيضاً. وكان فضلاً عن هذا يقول لهم معتصماً بعقيدته إذا أدرك أن أبناءه سوف يشجعونه على الترحيب بالموت في سبيل هدف سام فإنه سوف يجد في هذا من السلوى ما يملأ نفسه حبوراً ولهذا السبب يهرع إلى الموت مبتهجاً. وتحقق كل ما توقعه، فقد اتهم عام 1534، ووجهت إليه تهمة بأنه كان على علم بمؤامرة تتعلق براهبة كنت، فأقر بأنه التقى بها، وآمن بأنها تتلقى الوحي، ولكنه أنكر أنه كان على علم بالمؤامرة. وتشفع كرومويل، وتفضل هنري بالصفح عنه. ولكن في السابع عشر من أبريل حكم على مور بالسجن في البرج لأنه رفض أن يحلف اليمين على قانون السيادة للملك، الذي رأى عندما قدم إليه أنه ينطوي على إنكار لسيادة البابا على الكنيسة في إنجلترا.

وكتبت إليه ابنته مرجريت رسالة ترجوه فيها أن يحلف اليمين، فرد عليها بأن توسلها سبب له ألماً أشد مما سببه له سجنه. وزارته زوجته (الثانية) في البرج وانتهرته لعناده: “إني لأعجب لك في هذا العام يا مستر مور، يا مَن كنت أحسبك حتى الآن رجلاً عاقلاً، لماذا تتظاهر بالحمق، فترقد هنا في هذا السجن الضيق القذر، وترضى بأن تحبس بين الفئران، بينما في وسعك أن تكون حراً في الخارج، وتنعم بحظوة ورضا الملك ومجلسه، إذا فعلت فقط ما فعله كل الأساقفة وخير المتعلمين في هذه المملكة. وعندما أرى أن لك في تشلسي بيتاً جميلاً لائقاً، وأرى مكتبتك وكتبك وقاعة صورك وحديقتك وبستانك وكل الضروريات الأخرى، تبدو جميلة من حولك، حتى لتستطيع أن تسعد برفقتي، أنا زوجتك، ورفقة أولادك وأسرتك، فإني أتأمل باسم الرب ماذا تعني بمكوثك بالسجن. وبذلت محاولات أخرى لزحزحته عن موقفه، يبدو أنه قاومها كلها بابتسامة.- وفي أول يوليه سنة 1535 قدم لمحاكمة أخيرة. فدافع عن نفسه جيداً ولكن حكم عليه بالإدانة لخيانة الدولة، وبينما كان عائداً وستمنستر إلى البرج اقتحمت ابنته مرجريت صفوف الحرس، واحتضنته وتقبلت بركته الأخيرة. وفي اليوم السابق لإعدامه أرسل قميصه المصنوع من الشعر إلى مرجريت ومعه رسالة “غداً نلتقي لكي نذهب إلى الله… وداعاً يا ابنتي العزيزة، صلي من أجلي، وسوف أصلي من أجلكِ، ومن أجل جميع أصدقائكِ، لكي نلتقي في السماء مسرورين. وعندما ارتقى منصة المقصلة (في 7 يوليو) ووجد أنها ضعيفة توشك أن تنهار قال لأحد التابعين: “أرجوك أيها الملازم أن تراعي أن أكون في أمان وأنا في أعلاها، وطلب منه الجلاد الصفح والمغفرة فاحتضنه مور. وكان هنري قد أصدر تعليمات بألا يسمح للسجين إلا ببضع كلمات. وطلب مور من المشاهدين أن يصلوا من أجله، وأن يشهدوا بأنه تعرض للموت في سبيل عقيدة الكنيسة الكاثوليكية المقدسة، ومن أجلها، ثم طلب منهم أن يصلوا من أجل الملك، وأن ينعم الله عليه بمشير صالح، واحتج بأنه مات وهو خادم صالح للملك، ولكنه خادم الرب أولاً، وتلا المزمور الحادي والخمسين، ثم وضع رأسه على المقصلة، وسوى بعناية لحيته البيضاء الطويلة، حتى لا تتعرض لأي أذى وقال: “مما يؤسف له أنها سوف تقطع، وأنها لم ترتكب جريمة خيانة الدولة، وعلق رأسه على جسر لندن. وسرت موجة من الرعب في إنجلترا التي أدركت وقتذاك قسوة الملك، التي أصر عليها، وسرت في أوربا قشعريرة من الفزع،وشعر صديقه أرازموس أنه هو نفسه قد مات لأنه، “ليس لنا إلا روح واحدة تتردد بيننا وقال إنه لم تعد لديه وقتذاك أي رغبة في الحياة. وبعد عام مات هو أيضاً. وصاغ البابا بولس الثالث نشرة بابوية بحرمان الملك هنري كخارج على القانون وتحريم الصلوات الدينية في إنجلترا، ومنع كل تجارة معها، وحل كل الرعايا البريطانيين من إيمانهم بالولاء للملك. – خصصت الكنيسة الكاثوليكية له يوم تقديس في 22 يونيو في تقويم اعياد القديسين الكاثوليك (حسب التقويم البيزنطى )

الكنيسة تكرّم، من بين قدّيسيها، العديدَ من الرجال والنساء “العلمانيين ” الذين خدموا الله بالتزامهم السخيّ في الحياة العامة و النشاطات السياسيّة والحكوميّة. ومنهم القديس توماس مور- وقد أُعلن ” شفيعاً للمسؤولين الحكوميّين ورجال السياسة “