حوار مع المطران كريكور أوغسطينوس كوسا

حوار مع المطران كريكور أوغسطينوس كوسا

على أبواب مئوية الابادة الأرمنية .. جولة مع مطران الارمن الكاثوليك بمصر بكاتدرائية سيدة البشارة بوسط القاهرة

أجرى الحوار: مايكل فيكتور

تعد أرمينية واحدة من الأمم الصغيرة القليلة التى استطاعت أن تعيش رغم الاعتداءات المتكررة و التدمير و الاضطهاد، و قد وصف الأرمن عبر التاريخ بأنهم قادرون على التكيف و المرونة، كما أنهم يتميزون بالإقدام و الصمود.. فكيف استطاعوا أن يستمروا بينما اختفت أمم أكبر و أكثر قوة؟, وكيف استطاعوا أن يقدموا مساهمات متميزة إلى حضارات العالم؟ .. إنه التاريخ المدهش للشعب الارمنى عاماً و للكنيسة الارمنية خاصة، فقد عانت كنيسة الارمن كثيرا من الاضطهادات و برغم هذا لم ينفصلوا عن تعلقهم بإيمانهم و مسيحيتهم و صارت كنيسة الشهداء، إذ وصل عدد الشهداء عام 1915 إلى مليون و نصف المليون فى مجازر الاتراك العثمانيين، و نحن على اعتاب المئوية الاولى لذكرى شهداء الابادة الارمنية و التى تحتفل بها جميع الكنائس الارثوذكسية و الكاثوليكية و الانجيلية الارمنية بالعالم من ابريل عام 2015، التقى “موقع كنيسة الاسكندرية للاقباط الكاثوليك بمصر” بنيافة المطران كريكور أوغسطينوس كوسا أسقف الاسكندرية للارمن الكاثوليك و الذى تحدث من عمق قلبه الفياض بالمحبة فال: ان الارمن عاشوا في ظل الحكومات المتعاقبة لتركيا والتى كان اخرها الإمبراطورية العثمانية، وقد اعترف بهم العثمانيون كطائفة كاملة الحقوق، وبحلول القرن التاسع عشر أصبحت الدولة العثمانية أكثر تأخرا وتخلفا من غيرها من الدول الأوروبية حتى أنها لقبت “رجل أوروبا العجوز”، وخلال هذه الحقبة حصلت العديد من الشعوب على استقلالها – اليونان والرومانيون والصرب و البلغار- عن الدولة العثمانية .

 كما ظهرت حركات انفصالية بين سكانها العرب والأرمن والبوسنيين مما أدى إلى ردود فعل عنيفة ضدهم، و يتهم عبد الحميد الثاني بكونه أول من بدأ بتنفيذ المجازر بحق الأرمن وغيرهم من المسيحيين الذين كانوا تحت حكم الدولة العثمانية، ففي عهده نفذت تلك المجازر حيث قتل مئات الآلاف من الأرمن واليونانيين والآشوريين لأسباب اقتصادية ودينية متتعدة، و بدأت عمليات التصفية بين سنتي 1894-1896 وهي المعروفة بالمجازر الحميدية، و في 1908 كانت مجازر أخرى في كيليكيا كمجزرة أضنة و راح ضحيتها حوالي 30,000 أرمني.

و عن ابادة الارمن عام 1915 قال نيافته: فى الحقيقة الابادة الارمنية لم تبدأ عام 1915 لتنتهى فى ذات العالم، لكنها بدأت فى عام 1891، حيث منع الاتراك تدريس اللغة الارمنية من المدارس الارمنية ، كما منع تداول الكتب الثقافية، و الصحافة، و المجلات الارمنية، و كان وراء ذلك غيرتهم و حسدهم لوصول الارمن لكل المراكز العليا و الحساسة فى الشؤن الادارية للحكومة العثمانية التركية.. مرت السنين و تزداد غيرت الاتراك و فى ليلة 24 إبريل عام 1915 أخذ أكثر من مائتين من الكتاب و الشعراء و محررى الصحف و المدرسين و المحامين و أعضاء البرلمان و غيرهم من قادة الجالية الارمنية فى إسطنبول قسراً من بيوتهم و قتل الشباب و الاطفال، و تعرض المسنين للضرب و التشويه ثم الحرق، و أغتصبت النساء و أخذوا الاجنة من بطن الامهات لاسقاطه بالمياه، و صلبوا النساء و الرجال و هم يقولوا لهم:”انتم تؤمنوا بيسوع المخلص.. فأطلبوه ليخلصكم”، و كان الشهداء يصرخوا كما كان يسوع يصرخ على الصليب و يقول:”يارب اغفر لهم خطاياهم”…

و قال نيافة المطران متألماً- و كأن نيافته أمام مشهد الابادة- حقاً ارتكبوا جرائم لا يصدقها العقل ولجؤوا إلى كل اشكال الاستبداد التي لا يمكن تصورها، ونظموا أعمال النفي والمجازر وأحرقوا أطفالاً رضعاً وهم أحياء بعد أن صبّوا عليهم النفط واغتصبوا النساء والفتيات أمام ذويهم المقيدي الأرجل والأيدي واستولوا على الممتلكات المنقولة والغير منقولة للشعب الأرمني، وطردوا إلى بلاد ما بين النهرين والصحراء السورية أناساً في حالة من البؤس والشقاء وأهانوهم واضطهدوهم خلال الطريق بوحشية لا توصف.. و امتد القتل الى الاباء البطاركة و الاساقفة حتى وصل عام 1915 إلى استشهاد مليون و نصف المليون فى مجازر الاتراك العثمانيين، و ظل الشعب الارمنى يحتفل بذكرى الابادة فى يوم 24 ابريل من كل عام.. و حتى اليوم مازال الاتراك يحاربون الارمن و خاصا الكتاب منهم مما ادى الى قتل الصحفى هرانت دينك قبل سنوات قليلة.

و تابع نيافته قائلاً: ان الاتراك العثمانيين طالبوا علناً أنهم مستعدون لرد حرية الارمن و حياتهم بسلام، و لكن اذ اعتنقوا الديانة الاسلامية و دعا رسمياً المطران إغناطيوس مالويان مطران ماردين  – بارمينيا- لنوال الوسام الكبير من قبل الدولة العثمانية التركية، فقال نيافته وقتها: أعلم ما يأتى بعد هذا الوسام..و بالفعل عند استلامه الوسام قدمت له الدعوة لاعتناق الاسلام فرفض و قال: “أنا و شعبى مستعدين للاستشهاد و كنيستنا تنتظر لقاء المسيح”، و فى 11 يونيو عام 1915 احتفل المطران بعيد القربان المقدس و بعد الاحتفال قبض عليه و ساقوه و سجنوه و بعد ذلك قلتوا امام عينه 417 شهيداً، و بين الحين و الاخر يقولوا لنيافته.. “الاستشهاد أم اعتناق الاسلام” فكان يجيب قائلا:”لا أتراجع.. أنا من أجل المسيح أحيا، و من أجل المسيح أموت”، حتى تم استشهاده على يد الاتراك.

و أضاف نيافة المطران كريكور، أن نيافة المطران أغناطيوس كان يبلغ من العمر 46 عاماً، و خدم كاهناً للكنيسة الارمينية بالاسكندرية لعدة سنوات حتى تم انتخابه مطراناً لماردين و كان يجيد العربية، الارمينية، الفرنسية، الايطالية، التركية، و الاسبانية.

و أكد نيافته قائلاً: أن مذابح الارمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث, والباحثين يشيرون بذلك إلى الطريقة المنهجية المنظمة التي نفذت من عمليات قتل هدفها القضاء على الأرمن، وتعتبر مذبحة الأرمن ثاني أكبر قضية عن المذابح بعد الهولوكست, وكلمة الإبادة الجماعية صيغت من أجل وصف هذه الاحداث، مضيفاً ان هناك 24 دولة اعترفت رسميا بمذابح الارمن بأنها إبادة جماعية، و بسبب هذه المذابح هاجر الأرمن إلى العديد من دول العالم من بينهم مصر، سوريا، لبنان، العراق، الاردن، و الاراضى المقدسة، مؤكداً نيافته أن بعد الابادة دعا ملك السعودية وقتها البلاد العربية ان تفتح ابوابعا أمام الشعب الارمنى المضطهد، و بمصر دعا سعد زغلول عام 1917 ان يأتى ايتام الارمن ليعيشوا بسلام على الارض المصرية مع أخواتهم الارمن الذين جاءوا من قبل الابادة.و عن  المصالحة و عودة الارمن الى ارضهم و فتح كنائسهم و ممارسة طقوسهم، قال نيافة المطران كريكور: الحكومة التركية ترفض تماما كلمة المجازر الارمينية و تقول للمصالحة على الارمن ألا يتحدثوا عن مجازر 1915، ووصل الامر بتركيا انها جعلت من يوم 24 ابريل – ذكرى الشهداء المليون و النصف مليون- يوم عيد الطفولة و تم الغاء واقعة المجازر من الكتب التاريخية و من مراحل التعليم لديهم.و أخيراً فى أكتوبر 2009 كانت هناك اتفاق للمصالحة و السلام و عند التوقيع رفض الجانب التركى بسبب رفضه الحديث عن الابادة، و يضيف نيافة المطران كريكور أن نيافته فى ذلك الوقت كان حاضراً السينودس الخاص من أجل افريقيا بروما بحضور البابا بنديكتس السادس عشر بابا الفاتيكان الفخرى، و طلب من نيافته بالقاء كلمة عن الاتفاقية المنتظرة، فقال نيافته فى كلمته: “نحن اذ كنا لدينا روح السماحة و المصالحة وفقا لتعاليم الكتاب المقدس الا اننا نطالب بحقوقنا و ان يعلن العدل فى قضياتنا الارمينية التى حصلت فيها المجازر ان نعود الى اراضينا،وتعود لنا كنائسنا، و تفتح ااديرتنا الموجودة بتركيا، و ان تعود لنا المدارس و الجامعات”.

بعد أن فشلت الاتفاقية لعدم اعتراف دولة تركيا بهذه المذبحة، جاء الى نيافة المطران كريكور بمصر ثلاث مندوبين من السفارة التركية، و يتابع نيافته الحديث قائلاً: أن المندوبين طلبوا منى استكمال مشوار السلام و أن سفير تركيا بمصر يريد زيارتكم فقلت لهم أن البطريركية بيت الله، و الكنيسة مفتوحة للكل بموعد و بدون موعد، وطلبوا منى أن أتحدث عن السلام مع السفير التركى و لكن بدون الحديث عن الابادة الارمنية ، وأجابتهم بأنه لا مانع، و لكن عند مدخل البطريركية نصب تذكارى لشهداء الارمن يكفى أن يحمل السفير معه وردة حمراء و يضعها أمام النصب أحتراماً لدم الشهداء و مكانتهم، و بالطبع لم يأتى السفير، رافضاً الاعتراف بالابادة.

أما عن الاحتفال بالذكرى المئوية الاولى للأبادة الأرمنية قال نيافته: نحن قد بدأنا بتحضير مئوية عالمية و هناك اجتماعات دورية تشهدها ارمينيا لوضع برنامج عالمى يتضمن نداوات و معارض بالاضافة الى قداسات ليعرف العالم كله ماحدث من مائة عام.. و على مستوى مصر فننظم مع سفير جمهورية ارمينيا الدكتور أرمين ميلكونيان و مطران الأرمن الأرثوذكس نيافة المطران أشود مناتسكانيان ، و السيد برج ترزيان، الدكتور ارمين مظلموميان، السيد كريستابور ميكائيليان، الدكتور كيفورك يرزنكاتسيان، و السيد مارديك بالايان وذلك احتفالاً بمئوية الابادة و تضامنا مع الارمن المنتشرين فى العالم.. و بهذه المناسبة سيحتفل قداسة البابا فرنسيس قداسا حبرياً بساحة القديس بطرس فى ذكرى المليون و نصف المليون شهيد مع جميع اباء السينودس المقدس للارمن الكاثوليك و بمشاركة و حضور كل الكنائس الارمنية، و سيكتب قداسة البابا فرنسيس رسالة خاصة بالمناسبة ليعرف العالم بأجمعه حقيقة الابادة التى تعرض لها الشعب الارمنى وتمسكه بعقيدته و ايمانه، كما يقوم الفاتيكانباصدار طوابع بريدية ، وسيقوم غطبة البطريرك نرسيس بدروس بطريرك الارمن الكاثوليك بكتابة رسالة بطريركية لتوزع على جميع ملوك و رؤساء العالم.

و عن اطلاق شهداء الابادة الارمنية قديسين قال نيافة المطران كريكور: أن الملف نعمل به بالسينودس المقدس لكنيستنا و رفع جزء منه لمجمع تطويب الشهداء و القديسين بالفاتيكان حتى يكون اعلان قداستهم على مستوى الكنيسة الجامعة و يذكر اسماء شهداءنا بكل الكنائس لما قدمه من حب للكنيسة و تضحية بحياتهم من أجل اسم السيد المسيح