خلع الحذاء في التقليد القبطي

خلع الحذاء في التقليد القبطي

تقليد موساوي أم إسلامي

خاص بموقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي
يقول أحد الفلاسفة العظماء: « ويل لجاهل يقود أمة» حتى اعتقد البعض أن خلع الحذاء أثناء القداس في الطقس القبطي هو تقليد موساوي حتى كتبت عدة مقالات، وألقيت عدة عظات في هذا الشأن أن الأقباط يتجردون من الحذاء أثناء دخولهم للهيكل هو تقليد موساوي، أخذته الكنيسة الأولى من العهد القديم، عندما رأى موسى النبي العليقة المشتعلة على جبل حوريب «لا تَدْنُ إِلى ههُنا. اِخلَعْ نَعلَيكَ مِن رِجلَيكَ، فإِنَّ المكانَ الَّذي أَنتَ قائمٌ فيه أَرضٌ مُقَدَّسة».
(خروج 3/5) علاوة على ذلك اعتقدت هذه الفئة أن الكاهن وهو يرتدي الحذاء ويقوم بالمراسيم الطقسية للاحتفال بسر الإفخارستيا(القداس الإلهي ) لا يتم تحويل الخبز إلى جوهر جسد المسيح ربنا، وجوهر الخمر إلى جوهر دمه والسؤال الذي نطرحه علي هذه الفئة:- هل الروح القدس هو الذي يحول الخبز إلى جسد والخمر إلى دم من خلال كلمات يسوع المسيح عندما أسس هذا السر الافخارستي ويقول هذه الكلمات الكاهن المشرطن في طقس القداس؟ أم التجرد من خلع الحذاء أثناء الاحتفال بسر الإفخارستيا هو الذي يحول الخبز إلى جسد والخمر إلى دم ؟… ولكن في الحقيقة خلع الحذاء ليس تقليد موساوي بل هو تقليد إسلامي وهذا ما نوضحه في مقالنا هذا البسيط.

أولاً:- لا يوجد خلع حذاء في 8 قرون الأولى:
لقد بحثنا في بطون المخطوطات والوثائق الطقسية في شأن هذا الموضوع، فلا نجد خلع الحذاء في هذه الحقبة، أيّ من بعد صعود المسيح إلى أعلى السماوات حتى القرن الثامن. علاوةً على ذلك فتشنا في كتاب الديداكية (100-150)، ثم وصف صلاة الإفخارستيا للقدّيس يوستينوس (150)، فالتقليد الرسولي للقدّيس هيبوليتوس (235)، فالقدّيس أثناسيوس الرسولي (298-373).
فلا نجد في هذه المراجع السابقة خلع الحذاء نهائيًا، إلا في أثناء عماد الموعوظين فقط لا غير، أي عندما يطلب الموعوظي أن يتعمد بعد مسيرة من التعليم في الإيمان والعقائد والأخلاق، يتجرد الموعوظي من ملابسه وحذاءه لكي يتعمد بالماء، وبعد نواله سري المعمودية والتثبيت يرتدي الملابس البيضاء والحذاء في قدميه. فيحضر القداس من بدء تقديم الذبيحة حتى أن يتناول من جسد ودم المسيح، عقب الذبيحة الإلهية دون أن يتجرد من ملبس معين، ومن هنا نستلهم أن المؤمنين لا يتجردوا من الحذاء وقت حضورهم للقداس[1] . علاوةً على ذلك نجد بعض الفنانين الذين نحتوا على الجدران والأخشاب، أو نقشوا على النحاس أو رسموا على البرديات، وصف للمؤمنين والمترئس في صلاة القداس. نلاحظ أن المؤمنين يرتدون الأحذية في أقدامهم، ففي هذه الحقبة لا نجد خلع الحذاء، إلا للموعوظين أثناء العماد فقط لا غير.

ثانيًا:- متى بدأ الأقباط يتجردون من الحذاء:
في الحقيقة بدأ الأقباط يتجردون من الحذاء أثناء صلاتهم الطقسية بعد دخول العرب لمصر سنة 641، حتى وجدنا في القرن التاسع الأقباط يتجردون من الحذاء علاوةً على ذلك كانوا يغسلون وجوههم وأقدامهم، قبل الشروع في حضور القداس. وفي كتاب «ترتيب الكهنوت» المنسوب إلى الأنبا ساو يرس ابن المقفع (915-987) أسقف الأشمونيين، يخبرنا على هذا الطقس، الذي يخص خلع الحذاء والغسولات الشرعية, الملازمة له. علاوةً على ذلك يصبغها بصبغة سفر الخروج 3/5 «قال: لا تَدْنُ إِلى ههُنا. اِخلَعْ نَعلَيكَ مِن رِجلَيكَ، فإِنَّ المكانَ الَّذي أَنتَ قائمٌ فيه أَرضٌ مُقَدَّسة »[2]. والذي جعل هذا الأسقف الجليل يصبغها بهذه الصبغة، هو أن يوجد حوار يعود لهذه الحقبة وسوف نسرد نصها كالآتي:
« العلماني يسأل الراهب: لماذا تقلعون الحذاء وقت الصلاة في القداس؟
أجاب الراهب: هذا تقليد أخذناه من المسلمين »[3].
ويخبرنا الأرشدياكون يوحنّا بن أبي زكريا بن سباع، الذي عاش بين القرنين 13و14، في مؤلفه «الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة»، في الباب 62 عن الغسولات الشرعية الملازمة لخلع الحذاء[4].
ويسرد لنا الرحالة جوفني ميكله فنسلبيو عن تقرير الحالة الحاضرة لمصر في سنة 1671 وذلك في صحيفة رقم 145 يقول عن ذلك: «كل واحد سواء كان كاهنًا، أو علمانيًا، لدى دخوله الكنيسة، يخلع حذاءه، يقبل الأرض أمام باب الهيكل»، ومن هنا نعرف أن الغسولات الشرعية الملازمة لخلع الحذاء قد اندثرت لدى الأقباط[5].

ثالثًا: كيف فسر آباء الكنيسة الآية: «اِخلَعْ نَعلَيكَ مِن رِجلَيكَ،…»، خروج 3/5:
1- العلامة أوريجانيوس لونيدوس السكندري (185-253):
«وكأن الله بوصيته هذه يطلب منا أن نخلع منّا محبّة الأمور الزمنية الميتة لنلتصق بالسماويات الخالدة حتى نلتقي به»[6]
2- القدّيس غريغوريوس النازينزي (329-390):
«ليت من يقترب إلى الأرض المقدّسة التي هي قدس الله يخلع نعليه كما فعل موسى حتى لا يدخل بشيء ميت إلى هناك، ولا يكون بينه وبين الله شيء»[7] .

3- القدّيس غريغوريوس النيصّي (335-394):
«الدرس الأول الذي يقدمه لنا هذا النور هو ما يجب علينا فعله لنثبت تحت أشعة النور الحقيقي؛ وإنه ليمتنع على الأرجل المحذوّة أن تسرع نحو الأعالي حيث يظهر نور الحقيقة، فلابد لرجليّ النفس من خلع نعلي الجلود الميتة التي كسيتها طبيعتنا في البدء عندما عُرّينا بسبب عصياننا لأمر الله. فعندما نقوم بهذا العمل يتجلّى لنا علم الحقيقة تلقائيًا، وهكذا فمعرفة ما هو كائن هي نتيجة تطهير الرأي الذي يعالج ما هو غير كائن»[8] .

4- القدّيس أمبروسيوس (340-397):
«كم بالأولى بنا نحن أيضًا أن نحرر أقدام نفوسنا من رباطات الجسد وننقي خطواتنا من كل رباطات هذا العالم»[9]

5- القدّيس أفرام السرياني (306-373):
«الحذاء الذي لا يحتاج إليه في الأرض غير النقية التي فيها الشوك والجفاء. يُراد بها (الأرض) الحذاء، لكونه لا حس له إذ هو ميت، فليس يتألم من الشوك والجفاء، وهو يلقى الآلام عن الحي الحساس المتألم كذلك النفي التي فيها العظمة والأوجاع، تحتاج إلى المشورة التي هي الاعتراف وموت الخطيئة والأعضاء باتضاع القلب وانسحاق بالنفس. لا تعمل عملاً واحدًا بغير مشورة؛ ولو نظرت أنه بحق صلاح وخير، لا تثق بنظرها فتعمله بلا مشورة، لأن العدّو يستطيع أن يطغيها ويريها الجيد رديئًا والرديء جيدًا. لذلك تُميت ذاتها وتستجهل رأيها وتستشير غيرها بكل شيء. وهذه المشورة هكذا، هي الحذاء الذي تحتاج إليه النفس، ما دامت أرض قلبها موسّخة بالأوجاع. فإذا تنقّت أرض قلبها من العظمة ومن سائر الأوجاع بنظر الله استغنت عن الحذاء ولم تحتاج بعد مشورة ولذلك عندما نظر موسى الله، أعلن وصوله إلى الأرض النقية، وبشره قائلاً: حل الحذاء من رجليك، لأن الموضع الذي أنت فيه قائم أرض نقية. أنه أن يكون الإنسان، ما دام لا يتنقى بالكمال عن جميع الأوجاع، يميت رأيه ويستجهل عقله ويستخطي نظره. فإذا صارت أرض قلبه نقية من الأوجاع، خلع هذا الحذاء الذي هو الإنسان العتيق»[10] .

6- القدّيس أغسطينوس (354-430):
«ما هو الحذاء؟ الحذاء هو الذي نستعمله كغطاء لأقدامنا من جلود الحيوانات الميت، وبخصوصه نحن مطالبون أن نُقلع من الأعمال الميتة وننبذها هذه التي حُذر منها موسى بصورة رمزية عندما خاطبه الرب قائلاً: “اخلع الحذاء من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليها أرض مقدّسه”، وهل هناك أرض مقدّسة أكثر من كنيسة الله؟ من أجل هذا فلنقف فيها خالعين الأحذية، أي فلنرفض وننبذ الأعمال الميتة»[11].
وأخيرًا يفسر المتنيح القمص متى المسكين (1919-2006) هذه الآية التي جاءت على لسان القدّيس إسطفانوس في سفر أعمال الرسل 7/33 «فقالَ له الرَّبّ: اِخلَعْ نَعلَ قَدَمَيكَ، فإِنَّ المَكانَ الَّذي أَنتَ قائِمٌ فيه أَرضٌ مُقَدَّسة” فليس القصد خلع النعلين وحسب، بل القصد أن يسجد موسى حيث هو واقف لأن الله أمامه ولو لم يره في نار العليقة»[12].

بنعمة الله

مراسل الموقع بإيبارشة سوهاج
أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس
خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما
stfanos2@yahoo.com

1 راجع، ميشيل دوجاريي (الأب)، «طريق الموعوظين»، ترجمة: جان بحوث، دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة، 2005، ص 42-53.
2 راجع، صموئيل (الأنبا)، «ترتيب الكهنوت»، للأنبا ساو يرس ابن المقفع أسقف الأشمونيين، القاهرة، 1996، ص11-16.
3 راجع، جاك تاجر(دكتور)، «أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي»، القاهرة، 1951، ص258-260. ((ملحوظة: هذا الكتاب تم إعادة طبعة مرتين وتمّ حذف هذا الحوار، فأتمنى الرجوع للطبعة الأولى الصادرة في السنة 1951)).
4 راجع، « مخطوط الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة»، ليوحنا بن زكريا سباع القبطي، مخطوط تحت رقم 221 لاهوت، رقم الميكروفيلم 46656، 115 ورقة، مقاس 16×21، من القرن 7 الهجري، بدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، وأيضًا راجع، فيكتور منصور مستريح الفرنسيسكانى (الأب)، يوحنا بن أبي زكريا بن سباع، «كتاب الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة»، دراسات شرقية مسيحية في الكنيسة المصرية، مؤلفات المركز الفرنسيسكانى للدراسات الشرقية المسيحية، القاهرة، 1969، ص 176-177.
5 راجع، جوفني ميكله فنسلبيو، «تقرير الحالة الحاضرة لمصر في سنة 1671 »، ترجمة: وديع عوض، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006، ص 127.
6 راجع، تادرس يعقوب ملطي، « الخروج، من تفسير وتأملات الآباء الأولين»، القاهرة، 1980، ص 31.
7 راجع، «المرجع السابق»، ص 32.
8 راجع، غريغوريوس النيصّي، «حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة»، أقدم النصوص المسيحية، سلسلة النصوص اللاهوتية-6، نقلها إلى العربية الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البوليسية، بيروت 1996، ص 50.
9 راجع، تادرس يعقوب ملطي، «المرجع السابق»، حاشية رقم 16 في ص 31.
10 راجع، يوحنا ثابت (الأب)، «تفسير سفر الخروج منسوب إلى القديس أفرام السرياني»، منشورات قسم الليتورجيا في جامعة الروح القدس= 2، لبنان، الكسليك، 1983، ص 18-19.
11 راجع، أحد رهبان دير القديس أنبا مقار، «شرح سفر الخروج»، القاهرة، 2006، ص 111-114.
12 راجع، متى المسكين (القمص)، « شرح سفر أعمال الرسل»، دير الأنبا مقار، وادي النطرون، القاهرة، 1995، ص 365.