دور الفرنسيسكان الثقافي في الشرق العربي

دور الفرنسيسكان الثقافي في الشرق العربي

روما، الخميس 3 ديسمبر 2009 (Zenit.org)

نشر في ما يلي مداخلة الخوري ناصر الجميِّل

الجامعة اللبنانيَّة، حول دور الفرنسيسكان الثقافي في الشرق العربي، التي ألقاها خلال مؤتمر العائلات الفرنسيسكانية في لبنان.

v أوَّلاً – أحيِّكم وأحيِّي تكرُّس تلامذة مار فرنسيس، (وسائر المرسلين اللاتين)، منذ نشأتهم إلى اليوم، وأنحني احترامًا وإجلالاً أمام جهودهم الكبيرة؛ وأثمِّر خبرتَهم الرسوليَّة والفكريَّة الفريدة على مدى ثماني قرون، في خدمة الكنيسة. ليس سهلاً عليَّ في محاضرة سريعة إبراز الدور الثقافي الذي لعبه رهبان مار فرنسيس في الكنيسة الجامعة. فالمراجع التي عدتُ إليها عديدة، ولا يُمكن لأحد أن يدَّعي الاطِّلاع عليها كلَّها. ففي أرشيف وزارة الخارجيَّة في مدريد، إسبانيا، لا تزال وثائق ال Obra Pia تنتظر من يراجعها (وهاك نموذج منها!). ولم أتمكَّن، كذلك، من البحث في أرشيف الفرنسيسكان في القدس، أو في إيطاليا…

فالمدى، إذًا، واسع جدًّا (800 سنة من العمل المُضني)، ويطال أوروبَّا وأميركا والشرق، لا بل الكنيسة الكاثوليكيَّة كافَّة، لأنَّه يواكب همومها وانقساماتها والتحدِّيات التي واجهتها وتواجهها: من تبدُّل في الأنظمة السياسيَّة طيلة هذه العصور (عصر الفرنجة، والمماليك، والسلطنة العثمانيَّة…)؛ ومن إنشاء للجامعات، واكتشاف للقارَّة الأميركيَّة، والرسالات في أفريقيا والشرق، وسواها من التطوُّرات كنشوء البروتستانتيَّة مثلاً. وكانت الرهبنة، منذ انطلاقتها، قد وضعت نفسها في خدمة الكنيسة، وشكَّلت صلة وصل متفانية بين الكنائس المتعدِّدة والكرسي الرسولي الروماني.

سأحاول في هذه المداخلة أن ألقي الضوء، إذًا، على الدور الثقافي الذي لعبه الفرنسيسكان في المشرق العربي، منذ نشأة الرهبانيَّة حتى عشيَّة الحرب العالميَّة الأولى. عساني في مناسبات أخرى، أستطيع أن أحقِّق طموحي بإيصال البحث إلى الزمن الحاضر، فأثمِّر النهضة الثقافيَّة، إن في مصر أو في سوريَّا، أو في لبنان وبخاصَّة في الأراضي المقدَّسة.

v ثانيًا – وعليه، من أجل التطرُّق إلى ما قاموا به من جهود حثيثة في حقل التعليم والترجمة والتأليف، كان لا بدَّ من قراءة هذا الموضوع على خلفيَّات ثلاث:

Ø الخلفيَّة الأولى – المسيرة الرهبانيَّة والإرساليَّة، عامَّة، في الكنيسة، في خلال الألف الثاني، وخصوصًا في العصر الحديث والمعاصر.

Ø والخلفيَّة الثانية – التي تتعلَّق بالمسيرة المجمعيَّة في الكنيسة، (منذ مجمع خلقيدونيَّة، سنة 451، ثمَّ بعد الانشقاق الكبير، سنة 1054، بين كنيسة روما وكنيسة القسطنطينيَّة)، وخصوصًا، في ما يعنينا، بعد مجمع ليون وفرَّارا وفلورنسا، سنة 1439، المعروف بمجمع الوحدة غير المكتملة؛ ثمَّ بروز الإصلاح البروتستانتي، في العام 1517، وحركة الكنيسة الكاثوليكيَّة لمناهضته في الشرق والغرب، بعد المجمع التريدنتيني (1563).

Ø والخلفيَّة الثالثة – التي هي مسيرة العلاقات الاقتصاديَّة والسياسيَّة والثقافيَّة بين غرب المتوسِّط وشرقه، المسيحي والإسلامي واليهودي، على السواء، بعد انحسار الفرنجة، في مطلع القرن الرابع عشر، وبدء عصر الدبلوماسيَّة بين ملك فرنسا فرنسيس الأوَّل والسلطان العثماني سليمان القانوني، في العام 1535.

*****

v ثالثًا – وفي التفاصيل، نُلاحظ، أوَّلاً، أنَّ الحياة الرهبانيَّة في الكنيسة نشأت في الشرق، ومنه انتقلت “عدواها” إلى مسيحيِّي الغرب والكنيسة عامَّة. والواضح أنَّه كان على الرهبان في أديارهم ومناسكهم أن يلعبوا دورًا رائدًا، لا بل أوَّليًّا، أحيانًا، في انتشار المسيحيَّة وتثبيت معتقداتها في المجامع وخارجها، وفي الحفاظ على التراث الحضاري الإنساني، وفي تعليم الشعب. ولكن، مع مجيء الإسلام، في القرن السابع، بدأ نهج مختلف، سيقلِّص رويدًا رويدًا، الحضور الرهباني، إذ “لا رهبانيَّة في الإسلام”. وعند ذاك، كان عليها أن تلجأ إلى الجبال والوديان والصحاري، نسكًا وزهدًا ومدرسة تشهد للحريَّة. ولم تتلاش تمامًا، إنَّما حصل تبدُّل في طبيعتها ومظهرها.

ونلاحظ، ثانيًا، أنَّ “الجغرافيا” أسهمت كثيرًا في حماية “التاريخ” من الزوال والاضمحلال، حتى أيَّامنا. ومع بداية الألفيَّة الثانية، وانقسام المسيحيِّين بين كاثوليك وأورثوذكس، الذي استتبع قدوم الفرنجة إلى الديار المشرقيَّة، في القرن الحادي عشر، عرف الشرق المسيحي والإسلامي، أنماطًا جديدة من الرهبنات، التي واكبتْ مسيرةَ حملات الفرنجة، المعروفة بالحملات الصليبيَّة، رهبناتٍ لاتينيَّةٍ عديدةٍ لم تألف نهجَها الكنيسةُ المشرقيَّة من ذي قبل. نذكر منها على سبيل المثال رهبنة القدِّيس مبارك والقدِّيس دومنيك بالإضافة إلى رهبنات ذات طابع عسكريّ، كفرسان الهيكل، والإسبتاريِّين، والتيتونيك…، عملت على حماية الحجَّاج الوافدين، بكثرة، للتبرُّك من الأراضي المقدَّسة. ذلك أنَّه، مع بدء الحملة الأولى من حروب الفرنجة، أدرك الغرب ضرورة حماية طريق الحج والاعتناء بالذين يأتون للصلاة على قبر المسيح. في هذه الظروف، نشأت رهبنات الفرسان هذه، التي كان، من مهمَّتها، أيضًا، الدفاع بكلِّ الوسائل عن أورشليم والأراضي المقدَّسة، وحماية الفقراء ومساعدتهم، واستقبال الحجَّاج، والعناية بالمرضى والجرحى والمعوَّقين بين الحجَّاج الفرنجة. وقد جمعت ثروة ماليَّة كبيرة فاقت ثروة ملوك أوروبَّا، وما عتَّم أن انضمَّ إليها كثير من أشراف أوروبَّا معلِّلين النفس بأن يكونوا فرسانًا لفلسطين. وبعدما ضاعت الأراضي المقدَّسة من جديد، انحلَّ بعضهم أو حُلَّ بحدِّ السيف، وتشتَّت القسم الآخر في ممالك عديدة. ولم يبق منهم اليوم، بشكل عام، إلاَّ جماعة الإسبتاريِّين تحت إسم فرسان مالطة.

v رابعًا – إلى جانب تلك الرهبنات العسكريَّة، تعرَّف الشرق أيضًا على أنماط أخرى تميَّزت بروحانيَّتها وقوانينها، أعني الرهبنات المتسوِّلة. ورهبنة مار فرنسيس الأسيزي (1182-1226)، هي من هذه الرهبنات المتسوِّلة، التي تأسَّست في العام 1217، وانسجمت أكثر من سواها في البيئة الإسلاميَّة، ولاقت قَبولاً من الكنائس المشرقيَّة. فقد ظهرت في الربع الأوَّل من القرن الثالث عشر كنمط جديد للحياة الرهبانيَّة. ومنذ انطلاقتها، تنازلت عن حقِّها في تملُّك أيٍّ من البيوت والأراضي والأوقاف، لكي تعيش، فقط، من التسوُّل (=الشحادة). وكانت تصبو بذلك إلى التشبُّه بحياة يسوع الذي “لم يكن له موضع يُسند إليه رأسه”. ولم يؤثر رهبانها العزلة في أديارهم، بل انصرفوا إلى الخدمة الرعويَّة والرسوليَّة بين الناس، وتخلُّوا عن الألقاب لتبنِّي واحد فقط: كلمة أخ Frei, Fray.

كان الفقر مثالاً لها، وكانت مهمَّتها تجديد الكنيسة والمجتمع والابتعاد عن الربح والمصلحة، في وقت كانت التجارة مزدهرة والمدن آخذة بالتوسُّع. وتجاه تسلُّط الأمراء والأساقفة، في أوروبَّا، بات الشعب المسيحي يطمح إلى أخُوَّة حقيقيَّة بين البشر. هذا ما دفع فرنسيس الأسيزي أن يتبع المسيح، عريانًا، في الفقر الكامل والتواضع والعفَّة وتمجيد الله بالفرح، مبشِّرًا بالأخُوَّة بحسب قلب الرب، مركِّزًا على رسالة المسامحة والغفران. لم يكن هدفه إصلاح الكنيسة بقدر ما أراد التشبُّه بالمسيح، حتى ولو أنَّ النتيجة واحدة. والبابا هونوريوس الثالث ثبَّت قوانين هذه الرهبنة في العام 1223.

عُرِفَ الذين اتَّبعوا نهجه من الطبقة البورجوازيَّة، أو من الحرفيِّين، أو من الفرسان والقرويِّين والكهنة: بالإخوة الأصاغر (Les Frères Mineurs). وبرز منهم، أيضًا، الجامعيُّون أمثال بونافنتورا، ودنز سكوت، وروجيه بيكون، ووليم أوكَّام. ومنهم، أيضًا، الواعظون أمثال القديس أنطونيوس البادواني؛ وأساقفة ومرسلون.

ومن بين اللواتي اقتفين أثره، كانت، أيضًا، الأخت كلارا وراهباتُها “الكلاريس” (Les Clarisses). هؤلاء وأولئك جميعًا انتشروا في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وهنغاريا وألمانيا وفي المشرق. وفي القرن السادس عشر، في العام 1517، نشأت فرقة الرهبان الديريِّين (Les Conventuels). وفي العام 1528، أبصرت النور الرهبنة الكبُّوشيَّة. كلاهما يسيران على هدي الروحانيَّة الفرنسيسكانيَّة. ولشدَّة ما كان تأثير فرنسيس قويًّا في أوروبَّا، فقد دفع بقوَّة إلى التخلِّي عن خطاب الحملات الصليبيَّة. فنشأت بذلك الرهبنة الثالثة (Le Tiers Ordre) الخاصَّة بالعلمانيِّين.

اقتصر دور هذه الرهبنات، في هذه الفترة، على خدمة نفوس المسيحيِّين الغربيِّين المقيمين في الشرق، وتقديم المساعدة للحجَّاج الغربيِّين وعلى المحافظة على الأراضي المقدَّسة. من هنا لقبُهم: حرَّاس الأراضي المقدَّسة. ولكنَّهم، بعد انسحاب الصليبيِّين، وجَّهوا خدمتهم الروحيَّة والرعائيَّة نحو التجَّار الغربيِّين، أو الاهتمام بالمستعبدين المسيحيِّين وبالذين، من غير الديانات، اعتنقوا الديانة المسيحيَّة.

v خامسًا – ونلاحظ، أيضًا، أنَّ مسيرة الفرنسيسكان في الشرق تبدَّلت بحسب تبدُّل الظروف والأحداث التي عصفت في الكنيسة، من فشل مشروع الوحدة بين الفريق الكاثوليكي والأرثوذكسي، في العام 1439. وما عتَّم أن سقطت القسطنطينيَّة، بيد محمَّد الفاتح، سنة 1453، فأعيد خلط الأوراق بين مسيحيِّي الغرب والشرق، وكان لا بدَّ من إيجاد وسائل مناسبة للتواصل.

على هذه الخلفيَّة، لم تتأسَّس خدمة جديدة تجاه السكَّان الأصليِّين إلاَّ ابتداء من العام 1440، بصفة قصَّاد بابويِّين. ففي هذه السنة، انتدب البابا الأب أنطونيوس من تروخا قاصدًا لدى الموارنة. ثمَّ خلفه الأب بطرس فرَّاريوس، ثمَّ الأخ غريفون (+1475) الذي تضلَّع بنشاط روحي مدهش، على مدى ربع قرن، حصل بنتيجتها على دخول جبرائيل ابن القلاعي اللحفدي إلى الرهبنة الفرنسيسكانيَّة. أتى بعد غريفون الأب فرنسيس سوريانو، في العام 1514/1515 الذي عمل على تنمية اتِّحاد الموارنة مع كنيسة روما. وبعد قرن تقريبًا، سيقوم بالمهمَّة ذاتها الأب فرنسيس كوارسميوس، على عهد فخر الدين المعني، لمَّا ذهب قاصدًا بابويًّا إلى النساطرة في حلب، عاملاً من أجل الوحدة مع الكنيسة الكاثوليكيَّة.

v أمَّا أهداف العمل الفكري والثقافي ومبادئه فقد انحصرت لدى الفرنسيسكان بأربعة هي:

· الهدف الأوَّل، الوحدة مع كنيسة روما (صلة الوصل، قصَّاد بابويُّون).

· الهدف الثاني، العمل الرسولي مع المسيحيِّين والمسلمين واليهود.

· الهدف الثالث، تنظيم الحج (حرَّاس الأراضي المقدَّسة).

· الهدف الرابع، الخدمة الرعويَّة للاَّتين والمشرقيِّين على السواء.

وكان عليهم، أيضًا، اعتماد أساليب الإقناع، ودفع مسيحيِّي الشرق إلى تحمُّل مهمَّة التبشير لأنَّ تجوال المرسلين اللاتين وتأقلُمَهم اللغوي والنفسي صعبٌ. ومع ذلك، فقد قام عددٌ كبير منهم بالتوجيه والترجمة وتعليم اللغة، والتأليف، والدفاعات.

في العام 1219، قام القدِّيس فرنسيس برحلة إلى الشرق لم يُكتب لها النجاح. كان لهم مراكز في أورشليم (1229-1244)، وفي دمياط (1249-1250)، وفي القاهرة (1320)، وفي عكَّا (1255)، وفي أنطاكية وقبرس.

v سادسًا – كيف تصرَّف الفرنسيسكان؟؟؟

1 – تأسيس مدارس: لا بدَّ من الإشارة هنا إلى أنَّ الرهبان الفرنسيسكان والدومنيكان قد احتكروا المهمَّة التبشيريَّة منذ القرن الثالث عشر، تحت إشراف البابويَّة وبمساعدة مباشرة منها في توفير سبل عيشهم وتجهيزاتهم وتأمين تنقُّلاتهم. فتنظَّمت الإرساليَّات وعملت، من أجل نجاحات لها أفضل، على تعلُّم لغة البلدان التي يتوجَّه إليها المرسلون، والتدريب على طرائق الإقناع. وفي مرحلة لاحقة، استقدمت إلى بلدانها عددًا من إكليروس الشرق وقدَّمت منحًا دراسيَّة لهم في جامعات أوروبا، نذكر على سبيل المثال الفرنسيسكاني جبرائيل ابن القلاعي اللحفدي، الذي صار فيما بعد أسقفًا مارونيًّا على جزيرة قبرس، وهو أوَّل ماروني قرأ اللاهوت باللغة اللاتينيَّة.

أعتقد أنَّ هذا الوعي لأهميَّة تعلُّم اللغات وإتقانها وتوظيفها في خدمة الرسالة تجلَّى عند الدومينيكان والفرنسيسكان على السواء. إنَّ الراهب الدومينيكاني ريمون من بينيافور (+1275)، أنشأ منذ العام 1250 مدارس خاصَّة في أديار رهبانيَّته لتدريس اللغتين العربيَّة والعبريَّة. وقد اقتدى به الراهب الفرنسيسكاني رامون لول (+1315) الذي هو من أكثر المستعربين في العرب المسيحي خلال القرون الوسطى. اقترح أولاً، على البابا سيلستان الخامس، تعيين كاردينال خاص مهمَّته تأمين استمراريَّة سياسة التبشير. ثمَّ كتب حوالي سنة 1298 ثلاث رسائل متتالية إلى ملك فرنسا، وإلى أحد أصدقائه وإلى جامعة باريس، يطلب فيها بإلحاح تأسيس مدرسة كبرى لتعليم اللغات العربيَّة والتتريَّة واليونانيَّة. وأسَّس، بمساعدة الملك يعقوب الأوَّل من أراغون، مدرسة رسوليَّة لتعليم اللغات في ميرامار، على جزيرة مايوركا، لم تعمِّر طويلاً، كان الهدف الرئيس من إنشائها العمل الرسولي بين المسلمين، خصوصًا في أفريقيا الشماليَّة. لقد رأى في ذلك إضافةَ وسيلةٍ أخرى للمعرفة في عصره ألا وهي ترجمة كل ما تحويه الكتب العربيَّة واليونانيَّة التي يجهلها معاصروه بسبب عدم وجود المترجمين.

أظهر ملك فرنسا ميلاً لتحقيق مشروع كهذا؛ ولكن الفضل في التنفيذ يعود إلى الكرسي الرسولي لما أصدر القانون الشهير في مجمع فينَّا سنة 1312 والقاضي بتخصيص أساتذة لتعليم اللغات العبريَّة واليونانيَّة والعربيَّة والكلدانيَّة

1 – نذكر منهم على سبيل المثال:

أ – الكبُّوشيُّون: بونافنتورا دي لود، بريسيوس من رين، يوحنا من رويَّي، الذين ترجموا الكتاب المقدَّس من اليونانيَّة واللاتينيَّة إلى العربيَّة ونقلوا مؤلفات روحيَّة لاقت انتشارًا واسعًا، وغيرهم.

ب – الكرمليُّون: افتتحوا مركزًا لهم في حلب سنة 1627، إلى جانب سائر المرسلين الذين سبقوهم. جميع مرسليهم الذين كتبوا في اللغة العربيَّة واشتهروا انطلقوا من مدينة حلب. تركوا مؤلَّفات عديدة. أوَّلهم سيليستين لودفينا المعروف بغوليوس (+ 1667) . عاش في حلب وله تراجم كثيرة فيها أمثال كتاب “الاقتداء بالمسيح” سنة 1638، وسيرة القديسة تريزيا الآفيليَّة، ومواعظ، وترجم من العربيَّة إلى اللاتينيَّة كتاب القرآن الكريم؛ الكرملي برونو من بريطانيا الفرنسيَّة الذي مات بمرض الطاعون في حلب سنة 1661، له مختصر الهرطقات الشرقيَّة ومجادلات دينيَّة؛ وتوما جوزف الذي له مواعظ ألقاها في حلب (1627-1646)؛ ويوحنا والدة الإله أو يوحنا الحافي الذي مات أيضًا في حلب وهو يعمل بخدمة مرضى الطاعون (+1669) له “كتاب النجاح ومصباح الفلاح”، و”المصباح اللامع في ترجمة المجامع”.

ج – اليسوعيُّون: تفوَّقوا على سواهم في تعزيز أهداف العمل الرسولي بواسطة النشر والتأليف باللغة العربيَّة. نذكر بعضًا منهم: يوحنا المعمدان إليانو الذي قام بترجمات عدَّة منها: محاضر المجمع الماروني (1580)، وكتاب التعليم المسيحي، وتاريخ المجمع التريدنتيني. وله في العربيَّة دحض أخطاء اليعاقبة والنساطرة… وميشال نو الذي له كتاب إيضاح الدين، وإثبات القرآن لصحَّة الدين المسيحي، وترجم كتاب علم النيَّة لبوزنباون… ورينه كليسُّون الذي كتب حياة يسوع وموته وقيامته، وأسرار الدين والإيمان، وأوَّليَّة البابا، وكرامة مريم العذراء، وتأمُّلات لكلِّ أيَّام الشهر، وتأمُّلات عن أسرار المسبحة الورديَّة، ورياضات القديس اغناطيوس… وبطرس فروماج المستشار اللاهوتي للمجمع اللبناني الذي عمل في حقل الفكر في سبيل العمل الرسولي في الشرق، وهو الأكثر إنتاجًا في الترجمات والتآليف وغيرهم العديد العديد.

د – واللعازاريُّون الذين أخذوا مكان اليسوعيِّين أواخر القرن الثامن عشر؛ نذكر لهم كتابين للتعليم الديني.