راهبات قلب يسوع المصريات

راهبات قلب يسوع المصريات

خاص بالموقع – من تاريخ الأقباط الكاثوليك

أولاً: لماذا سميت بهذا الاسم؟
في الحقيقة كل اسم ورائه حادث تاريخي مهم، فتسمية هذه الرهبنة ورائه جذور تاريخية مهمة. وربما يتساءل القارئ: لماذا دعيت هذه الرهبنة بهذا الاسم؟ ومن وراء ذلك؟ وهل ترتبط هذه التسمية بشهر يونيو تكريسه لقلب يسوع؟ وكيف دخل هذا الشهر التقويّ للكنيسة القبطية الكاثوليكية؟

1: كيف أنشأت عبادة قلب يسوع؟
يسرد لنا التاريخ الكنسي أن أحدى الراهبات تدعى مرغريتا مريم الأكوك التي ولدت سنة 1647والتحقت برهبانية زيارة العذراء ولها من العمر 24سنة، وفي يوم 16/6/1675 وهي تسجد أمام بيت القربان المقدس ظهر لها يسوع بنوع خاص وأشار لها إلى قلبه المطعون بالحربة وقال لها: « هذا هو القلب الذي أحب البشر كل الحب حتى أنه أفنى ذاته دلالة على شدة حبه لهم. وعوض الشكران لا أري منهم إلا الاحتقار والإهانات» وانتشرت في أوربا إلى أن جلس على السدة البطرسية البابا اكليمنضوس13 وثبتها ببراءة بابوية صادرة بتاريخ 6/7/1735. ثم تطور الأمر إلى إنشاء مسبحة الرحمة أو مسبحة جراحات سيدنا يسوع المسيح. وأجمل الأبيات المكررة في مسبحة الرحمة هي الدعاء الآتي:
س) أيها الآب الأزلي، إني أقدم لك جراحات سيدنا يسوع المسيح.
ج) لكي تشفي جراحات نفوسنا. والدعاء الثاني.
س) يا يسوع، اغفر لي وارحمني.
ج) باستحقاقات جراحاتك المقدسة. وعلى حسب التقليد هذان الدعاءان المؤلفان المسبحة، وقد علّمهما يسوع المسيح نفسه للراهبة الخادمة المدعوة مريم شمبن والتي رقدت في الرب يوم 11/3/1907، في دير الزيارة، بمدينة شمبري.

2: كيف دخلت هذه العبادة الكنيسة القبطية الكاثوليكية؟
دخلت كنيستنا القبطية الكاثوليكية في عهد الأنبا كيرلس الثاني مقار، بطريرك الأقباط الكاثوليك وسائر الكرازة المرقسية، وذلك بمناسبة تكريس البابا لاون 13 القرن العشرين لقلب يسوع الأقدس. وما أروع ما سطره الطيب الذكر الحبر الروماني البابا لاون 13 سنة 1899«لما كانت الكنيسة تئن تحت نير القياصرة ظهر الصليب في الفضاء لقسطنطين كفأل وعلامة لانتصار قريب، وها إنه اليوم ظهرت أمامنا علامة إلهية وفأل سعيد وهو قلب يسوع الأقدس فوقه الصليب يتلألأ بضياء باهر في وسط اللهيب. ففيه نضع رجاءنا وعليه اتكالنا ومنه نلتمس الخلاص.. . ».

ثانيًا: كيف تأسست هذه الرهبنة؟[1]
في شهر أكتوبر لسنة 1895 شرع الآباء اليسوعيين في تأسيس رهبنة مصرية برئاسة وإرشاد الآباء اليسوعيين وتحت تدبير راهبات قلبي يسوع ومريم الأقدسين وطلبوا من الكرسي الرسولي الإذن بإنشاء قسم الابتداء في مدينة المنيا لقبول مبتدئات مصريًّات، فوافق قداسة البابا لاون 13 على أن يجعل هذا القسم تحت شفاعة القدّيسة كاترينة شهيدة الإسكندرية وأن تسمى أولى المبتدئات باسم هذه القدّيسة العظيمة. وافتتح هذا القسم والتحقت بعض الفتيات وكانت أسبقهنّ في الالتحاق التي صارت فيما بعد الأم ماري كاترين وهذا تنفيذًا لرغبة قداسة البابا.
واستمر قسم الابتداء سبع سنوات كاملة. وفي سنة 1902 تم إغلاق قسم المبتدئات نهائيًا من قبل الآباء اليسوعيين، وبقيت الراهبات المصريات اللواتي كنّ اعتنقنّ الحياة الرهبانية قبل ذلك يباشرنّ عملهنّ مع الراهبات السوريات في الأديرة الثلاثة التي كانت لهنّ في ذلك اليوم في المنيا، وملوي، وطهطا. ومع كبوة البطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار أغلقت هذه الأديرة الكائنة في المنيا وملوي وطهطا وذلك في سنة 1911، وصدر الأمر إلي جميع الراهبات السوريات والمصريات إلى سوريا. وفي الحقيقة اهتم بالأمر كل من: الأنبا مكسيموس صدفاوي، والأنبا إغناطيوس برزي وكتبا للكرسي الرسولي طالبين إعادة الراهبات القبطيات لمصر لأن التحاقهنّ بقسم الابتداء المصري لأن الغرض منه تأسيس شعبه محلية من الرهبنة لخدمة الوطن المصري، فأجاب الكرسي الرسولي طلبهما ورخصت للراهبات المصريات بالعودة إلى بلدهنّ لتأسيس رهبنة مصرية يلتحقنّ بها بمجرد خروجهنّ من رهبنة القلبين الأقدسين اليسوعية. واختيرت الرئاسة عليهن لأقدمهنّ عهدًا في الرهبنة من وقت مغادرتهنّ من مدينة بيروت إلى بعد وصولهنّ طهطا وقيامهنّ بأعمال الرياضة الروحية وانتخاب الرئيس ومعاونتين، وعلى أن يسرن وفق قوانين رهبنة القلبين الأقدسين اليسوعية إلى أن يتمكنّ من سن قوانينهنّ الخاصة.
وصلنّ القاهرة في يوم 12/12/1912 وبقينّ به إلى أن أعددنّ ملبسهنّ الجديد ثم سافرنّ إلى طهطا في 24/12/1912فاستقبلهنّ الطائفة بمظاهر الفرح والأمل فضاعف ذلك من عزائمهنّ.
وفي يوم 31/12/1912 بدأنّ الرياضة الروحية واختتمنّها في 6/1/ 1913، ولفظت النذور الدائمة للأم ماري كاترين عن يد الأنبا إغناطيوس برزي وانتخبنّ الرئيسة العامة والمعاونتين، وبذلك تم تأسيس الرهبنة الجديدة باسم « راهبات قلب يسوع المصريات». متخذنّ الأب كريسنتيه اليسوعي مرشدًا لهن ويعتبر أول مرشد روحي للرهبنة.

ثالثًا:كم عددهنّ سبعة أم ثماني راهبات؟
في الحقيقة هم ثماني راهبات واستبعد عدو الأنبا كيرلس الثاني مقار الأخت ماري مادلين لأنها تمد بصلة قرابة لغبطته وعندما عين الكرسي الرسولي الأنبا مرقس خزام مديرًا رسوليًّا في 15/7/ 1926 وبعد ذلك رُسم أسقفًا لأبرشية طيبة وذلك بتاريخ 9/11/1926 بالقاهرة. قدمت الأخت ماري مادلين محضرًا كنسيًا لسيادته معنون:«يحرمها من الأسرار المقدسة وهو يعلم ببرأتها» وأسماؤهنّ:
1- الأخت ماري كاترين.
2- الأخت ماري مارجريت.
3- الأخت ماري تريز.
4- الأخت ماري جولي.
5- الأخت ماري برناديت.
6- الأخت ماري جوزيف.
7- الأخت ماري ستلا.
8- الأخت ماري مادلين.
وهذه الأسماء مستلهمة من الصورة التي أرسلها الأنبا مكسيموس صدفاوي وهي مكتوبة باللغة الفرنسية إلى الكرسي الرسولي طالبًا التصديق والتصريح عليها للثماني الراهبات اللواتي ألفظن النذور الرهبانية في رهبنة المريمات بأن يقمن بإنشاء الرهبنة المصرية[2].

رابعًا:عملهنّ الرعوي[3]:
قررت الرهبنة بافتتاح مدرسة لهنّ في مدينة طهطا فاستعارت دار كنيسة الحبل بلا دنس للأقباط الكاثوليك بطهطا وافتتحت فيها لهن مدرسة في 15/1/1913فالتحق بها 70 تلميذة. ومن طهطا فاهتمت الراهبات بالقرى المجاورة كالشيخ زين الدين، وعرب بخواج، ساحل طهطا، جزيرة الخزندارية، المخالفة، طما.. . وقد سافرت إحداهنّ لمدينة الفيوم وكل تخومها لجمع التبرعات وحصلت على عشرة جنيهات من هذه الرحلة، وأسسن بها مدرسة بسوهاج وافتتحت في شهر أكتوبر1914والتحق بها30 تلميذة ثم فيما بعد زاد العدد إلى 80تلميذًة. فاهتمت الراهبات من ديرهنّ بسوهاج بأخميم، والمراغة، والكتكاته، والهماص، والنجيلة، والحريزات. وفي سنة 1927 أخذنّ على عاتقهنّ شراء قطعة أرض بمصر الجديدة لتشييد دير ومدرسة وأخذنّ قرضًا بمبلغ 700جنيهًا، وتم الشروع في ذلك لأحدث الشروط الهندسية في سنة 1929وقد بلغت مصروفات ذلك 6000آلاف من الجنيهات، وفي سنة 1931 تأسيس مستوصف بحي السكاكيني، وفي يوم 16/2/1933تم نقل قسم الابتداء من طهطا إلى مصر الجديدة، وفي 1/9/1935 افتتحنّ المدرسة والتحق بها في العام الأول 57تلميذة، افتتحنّ مدرسة لهن في حي الظاهر ابتداء من شهر سبتمبر 1936والتحق بها 35 تلميذة، علاوة على ذلك افتتحنّ مستوصفًا خيريًا بحي الفجالة شارع أبو الريش نمرة13. وفي سنة 1942 ازداد عدد الطلبة في المدارس ففي طهطا 150، وفي سوهاج185، وفي مصر الجديدة 115، في حي الظاهر 125.
وفي سنة 1942عدد الراهبات الناذرات نذورهنّ 37، وعدد المبتدئات 8، والطالبات 4. وفي سنة 1948 تأسست مدرسة لهنّ في بني مزار- المنيا.

خامسًا:يرسلنّ قوانينهنّ للكرسي الرسولي:
في سنة 1917تم وضع قوانينهنّ وقام بإرسالها للكرسي الرسولي من خلال الأنبا مكسيموس صدفاوي، الأنبا إغناطيوس برزي. (سوف نخصص مقالاً بسيطًا عن الفرق بين قوانيهنّ وقوانين دير البنية« مريم شقيقة القدّيس باخميوس أب الشركة الرهبانية »). وقد اعتمد الكرسي الرسولي قوانينهنّ في يوم 28/2/1934 تحت التجربة لمدة سبع سنوات. بناء على سعي الأنبا مرقس خزام المدير الرسولي للكنيسة القبطية الكاثوليكية.

سادسًا:يفتتحنّ قسم الابتداء[4]:
وفي صيف 1918وجهت الرئيسة الراهبات اثنتين إلى كل بلد وقرية من بلاد الصعيد لجمع التبرعات ليفتتحن هذا القسم وقد حصلنّ على ثمانين جنيهًا، وافتتحنّ قسم الابتداء بطهطا في يوم 10/10/1918 ولكن لم يحضرنّ راهبات سوهاج لأجل أن السكة الحديدية انقطعت بين طهطا وسوهاج. والتحق بهذا القسم 4 مبتدئات ولفظنّ نذورهنّ في يوم 12/4/1921 فتم هذا المحفل عن يد الأنبا إغناطيوس برزي وطلبنّ من الكرسي الرسولي أن يبارك هذه الباكورة وأرسل لهنّ برقية تهنئة قداسة البابا بنيدكتوس الخامس عشر (1914 – 1922) وها نصها: «Superieure Religieses، Tahta، Egybte. Saint Pere avec SES meilleurs voeux accorde de tout coeur quatre premieres ET entiere communaute la benediction apostolique implioree Card. Gaspari »

سابعًا:راهبات قلب يسوع المصريات يحتفلنّ بمرور 1500 سنة على عقد المجمع المسكوني في أفسس عام431:
في يوم الأحد الموافق 24/5/1931 احتفلنّ راهبات قلب يسوع المصريات في مدينة سوهاج بمرور 1500سنة على عقد المجمع المسكوني في مدينة أفسس المنعقد في عنصرة سنة 431 برئاسة بطريرك الإسكندرية القدّيس كيرلس(412-444)، ونائبين عن الحبر الأعظم البابا سيلستينوس (422-432)، فكان في ذلك الوقت نسطوريوس بطريرك القسطنطينية الذي هرطق وقال في عظاته: «برفض لقب والدة الإله للسيدة العذراء، قائلاً:أنها أم المسيح وليست أم الله، واضعًا هكذا في المسيح أقنومين: أقنومًا إلهيًا وأقنومًا بشريًا، واتحد اتحادًا أزليًا عن طريق الصدفة». فعقد مجمع أفسس وحضره مائتان من الأساقفة وحرموا نسطوريوس وكل من يتبعه في الفكر، وأكدوا أن العذراء مريم هي والدة الإله المتجسد يسوع المسيح. بل كانت أم الابن المتجسد الذي هو الله فالكلمة الأم تعرب تماما عن علاقة مريم بالكلمة المتجسدة. إن كل ما يأخذه أي طفل من أمه أخذه الله الابن من مريم دون مشاركة أي رجل في هذا بل بعمل الروح القدس مباشرة وهكذا أتم وأصدق تكون أن تكون مريم حاملة الإله أي التي حملت الله الابن في تجسده، في بطنها. وهذا ما نقوله في مردات ثيؤتوكية يوم الجمعة: «هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له. نسبحه ونمجده ونزيده علوًا». وقد حضر هذا التذكار العظيم عدد خفير من مؤمني الطائفة في سوهاج، قد ألقي سيادة الأب فرنسيس بدروس عظة البليغة عن الأمومة الإلهية لأمنا مريم العذراء.

ثامنًا: نشاطهنّ الأول كم نُشر في مجلة الصلاح:
1- في شهر نوفمبر 1929 تمّ بناء مدرسة لهنّ بسوهاج، وافتتاح كنيسة تابعة للمدرسة.
2- في يوم 28 ديسمبر 1929 احتفلت الرهبنة بعيد الحبل بلا دنس بكنيسة السكاكيني[5].
3- في يوم 20 يناير 1930 لفظنّ خمس منهنّ النذور الأولى في طهطا.
4- في 23 يناير 1930 زار الأنبا مرقس خزام، والأنبا باسيليوس بسطوروس ديرهنّ في سوهاج[6].
5- في 3 ديسمبر 1930 لفظنّ ست منهنّ النذور الأولى عن يد الأنبا مرقس خزام بطهطا[7].
6- في 26 مايو 1932 احتفلت الرهبنة بعيد جسد الرب بسوهاج وترأس المحفل الأب فرنسيس بدروس[8].
7- في 18 نوفمبر 1932 احتفلت الرهبنة بسوهاج بالجناز الأول السنوي لمرشدها الروحي الأب كرسنتيه اليسوعي[9].

تاسعًا:الرئيسات العامات على الرهبنة منذ إنشائها حتى يومنا هذا[10]:
1- الأم مارجريت سبع الليل(1913-1959).
2-الأم ماري ستيلا البوشي (1959-1962).
3-الأم ماري لاكروا خزام (1962-1974).
4-الأم ماري دي سكركير خزام (1974-1986).
5-الأم جورجيت حبشي(1986-2001).
6- الأم ماري عايدة بطرس(2001-.. . ).

بنعمة الله
أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس عبد المسيح
خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما – سوهاج
stfanos2@yahoo.com

[1] راجع يوحنّا كابس (الأنبا)، « تأبين الأم مارى ستلا الرئيسة العامة لراهبات قلب يسوع المصريًّات»، مجلة الصلاح، يونيو، 1959، ص284-287
[2] راجع ألبير يني، « يحرمها من الأسرار المقدسة وهو يعلم ببرأتها»، بدون تاريخ، ص2-19.
[3] راجع صبحي كابس، « رهبنتنا المصرية»، مجلة الصلاح، يوليو / أغسطس، 1942، ص241-252.
[4] راجع، « كنيستي القبطية: وجه مشرق للطائفة راهبات قلب يسوع المصريًّات أرواح تبذل. قلوب تحب. أيدي تعمل»، مجلة الصلاح، يناير / فبراير، 1969، ص20-23.

[5] راجع، مجلة الصلاح، يناير، 1930، ص15و16.
[6] راجع، مجلة الصلاح، فبراير، 1930، ص12 و13.
[7] راجع، مجلة الصلاح، يناير، 1931، ص25.
[8] راجع، مجلة الصلاح، يونيو، 1932، ص206.
[9] راجع، مجلة الصلاح، نوفمبر، 1932، ص343.
[10] مجموعة من المؤلفين، « تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية»، أعمال المجمع السكندري الثاني، القاهرة، 2001، ص117.