رحيل نلسون مانديلا بطل النضال ضد نظام الفصل العنصري

رحيل نلسون مانديلا بطل النضال ضد نظام الفصل العنصري

جوهانسبرغ – أ ف ب

أعلن رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما وفاة نلسون مانديلا بطل النضال ضد نظام الفصل العنصري وأول رئيس أسود لجنوب إفريقيا ديموقراطية، اليوم الخميس عن 95 عاماً.

وقال زوما في كلمة بثها التلفزيون مباشرة بعيد الساعة 21,30 بتوقيت غرينتش أن “الرئيس السابق نلسون مانديلا رحل (…) لقد ارتاح الآن والأمة فقدت أشهر أبنائها”.

وأضاف “لقد توفي بهدوء (…) وشعبنا خسر أباً”، قبل يعلن أن الأعلام ستنكس اعتباراً من الجمعة وحتى جنازة الدولة التي لم يحدد موعدها.

وتابع زوما “لنعبر عن امتناننا العميق لحياة عاشها في خدمة الناس في هذا البلد وفي خدمة الإنسانية”، مؤكداً أنها “لحظة حزن (…) وسنحبك دائماً ماديبا”.

واستخدم زوما الاسم الذي يطلقه شعب جنوب إفريقيا على مانديلا الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة.

وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمانديلا معتبرا انه كان “مصدر الهام” للعالم. وقال بأن للصحافيين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك “علينا أن نستلهم من حكمته وتصميمه والتزامه لنسعى إلى جعل العالم أفضل”.

ونعى الرئيس الأميركي باراك أوباما مانديلا معتبراً أنه كان رجلاً “شجاعاً وطيباً”. وأشاد أوباما في كلمة مقتضبة بعد 45 دقيقة فقط على الإعلان عن وفاة مانديلا “بإرادته القوية للتضحية بحريته من أجل حرية الآخرين”.

وكان نلسون مانديلا الذي احتفل بعيد ميلاده الخامس والتسعين في 18 تموز، نقل إلى المستشفى أربع مرات منذ كانون الأول بسبب إصابته بالتهاب رئوي متكرر.

وشخصت أعين العالم على مانديلا في 11 شباط 1990 يوم خرج بهالة من البطولة بعد قرابة ثلاثة عقود قضاها وراء القضبان لمعارضته نظام الفصل العنصري المفروض من الأقلية البيضاء في البلاد، في واحدة من أكثر الصور المؤثرة في تلك الفترة.

وبعد أربع سنوات، أصبح السجين رئيساً للجمهورية، مطلقاً مسيرة مصالحة وطنية في جنوب إفريقيا من خلال إعادة الاعتبار للأكثرية السوداء في البلاد وطمأنة البيض لعدم وجود ما يخشونه بسبب التغيير.

وقال مانديلا عند توليه الرئاسة في العام 1994 “ندخل في عهد لبناء مجتمع يكون فيه جميع مواطني جنوب إفريقيا، السود والبيض على السواء، قادرين على السير برؤوس شامخة من دون أن يعتصر قلوبهم أي خوف، مطمئنين إلى حقهم الثابت بالكرامة الإنسانية – أمة قوس قزح بسلام مع نفسها والعالم”.

وكرم معهد نوبل مانديلا وسلفه الرئيس الأبيض فريديريك دو كليرك بجائزة نوبل للسلام للعام 1993.

وأوضح الأسقف الانغليكاني ديسموند توتو الحائز أيضاً جائزة نوبل للسلام، في أحد تصريحاته أن السنوات التي أمضاها مانديلا في السجن هي التي حولته إلى شخصية ملهمة. وقال “لقد خرج من السجن شخصاً أعظم بكثير مما كان لدى دخوله… (خرج) شخصاً يتحلى بالرحمة، رحمة كبيرة حتى تجاه مضطهديه. لقد تعلم كيف يفهم هفوات البشر وضعفهم وبأن يكون أكثر سخاء في حطمه على الآخرين”.

وبفضل أسلوبه الذكي في النقد الذاتي وإنسانيته الواضحة، سحر مانديلا المعروف لدى محبيه باسم “ماديبا” الجماهير.

ونلسون مانديلا واسمه الأصلي روليهلالا داليبونغا مانديلا مولود في قرية مفيزو في منطقة ترانسكي، إحدى أفقر مناطق جنوب إفريقيا، في 18 تموز 1918. وهو الحفيد الأكبر لزعيم من قبيلة تمبو. وتم إطلاق اسم نلسون عليه من جانب أستاذه في المدرسة.

وافتتح مانديلا، الناشط منذ أيام الدراسة في كلية فورت هير جنوب شرق البلاد، أول مؤسسة قانونية للسود في جوهانسبرغ في العام 1952 بمشاركة رفيقه الناشط اوليفر تامبو. وأصبح قائداً أعلى للجناح المسلح السري للمؤتمر الوطني الإفريقي في العام 1961، ثم خضع في العام التالي لتدريبات عسكرية في الجزائر وأثيوبيا.

وبعد أكثر من عام من العمل السري، تم اعتقال مانديلا وحكم عليه في العام 1964 بالسجن مدى الحياة خلال ما عرف ب”محاكمة ريفونيا” حيث ألقى كلمة تحولت بياناً رسمياً لحركة مناهضة نظام الفصل العنصري. وقال مانديلا في هذه الكلمة “طوال حياتي، كرست نفسي لهذا الكفاح للشعب الإفريقي. لقد حاربت سيطرة البيض وحاربت سيطرة السود. لقد دافعت عن مثل المجتمع الديمقراطي والحر… هذه مثل أنا مستعد للموت في سبيلها”.

وأمضى مانديلا 18 عاماً في سجن على جزيرة “روبن ايلاند” قبل نقله في العام 1982 إلى سجن “بولزمور” في كيب تاون ثم في سجن “فيكتور فيرستر” في مدينة بارل المجاورة.

وتولى مانديلا الرئاسة لدورة واحدة من خمس سنوات، لكن بعد انسحابه من المشهد السياسي في بلاده في العام 1999 كرس وقته، على رغم تدهور حالته الصحية، لمهام وساطة في نزاعات مختلفة خصوصا في الحرب في بوروندي.

وفي العام 1998، عند إحياء عيد ميلاده الثمانين، تزوج مانديلا الذي طلق ويني ماديكيزيلا مانديلا، من غراسا ماشيل أرملة الرئيس الموزمبيقي سامورا ماشيل.

وبعد حرمانه من رؤية أولاده يكبرون بسبب سنوات الحبس الطويلة، أظهر مانديلا التزاماً في تحسين حياة الشبان موظفاً الأموال في بناء مدارس في مناطق نائية.

وفي سن ال83، تم تشخيص إصابة مانديلا بمرض سرطان البروستات خضع بعده لعملية ناجحة.

وفي أيار 2004، أعلن مانديلا أنه سيخفف نشاطاته العامة ليتمتع “بحياة أكثر هدوءاً” مع عائلته وأصدقائه.

واستدعى الصحافة إلى منزله بعد ثمانية أشهر للإعلان عن وفاة آخر أبنائه المتبقين جراء إصابته بمرض الايدز وللدعوة إلى مزيد من الانفتاح في التعاطي مع هذا المرض.

ولدى مانديلا ثلاث بنات هن ماكي وزيندزي وزيناني.

وفي العام 2009، أعلنت الأمم المتحدة يوم ميلاد نلسون مانديلا يوماً عالمياً، في أول تكريم من نوعه لفرد.

ومن آخر المناسبات البارزة التي ظهر فيها مانديلا على الساحة الدولية هي مساعدته على حصول جنوب إفريقيا على حق استضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2010، للمرة الأولى في القارة الإفريقية. وقام بإسعاد الجماهير في المباراة النهائية لدى ظهوره المفاجئ على مؤخر عربة للغولف.