رسالة البطريرك إبراهيم اسحق: قيامة المسيح أساس حضارة الحياة والرجاء الثابت ‏

رسالة البطريرك إبراهيم اسحق: قيامة المسيح أساس حضارة الحياة والرجاء الثابت ‏

باسم الآب والابن والروح القدس ‏‎–‎‏ إله واحد آمين.‏

من البطريرك إبراهيم اسحق
بنعمة الله،‏ بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط ‏الكاثوليك،‏ إلى أخوتنا المطارنة والأساقفة،‏ وإلى أبنائنا الأعزاء القمامصة ‏والقسوس،‏ الرهبان والراهبات والشمامسة،‏ وإلى جميع أبناء الكنيسة ‏القبطية الكاثوليكية بمصر وفي بلاد المهجر.‏.‏
النعمة والبركة والسلام من المسيح القائم من بين الأموات.‏

قيامة المسيح أساس حضارة الحياة والرجاء الثابت ‏

مقدمة:‏
قيامة الحمل المذبوح
 يشرح لنا الكاتب الملهم في سفر الرؤيا، بكل وضوح، معنى وهدف ‏ومكانة موت وقيامة يسوع في التدبير الخلاصي، فيقول: “ورَأَيتُ بَينَ ‏العَرشِ‎ ‎والأَحْياءِ الأَربَعَةِ وبَينَ الشُّيوخِ حَمَلاً قائِمًا كأَنَّه ذَبيح.‏.. وكانوا ‏يُرَتِّلونَ نَشيدًا جديدًا فيَقولون: أَنتَ أَهلٌ لأَن تَأخُذَ الكِتابَ وتَفُضَّ أَخْتامَه، ‏لأَنَّكَ ذُبِحتَ‎ ‎وافتَدَيتَ للهِ بِدَمِكَ أُناسًا مِن كُلِّ قَبيلَةٍ ولِسانٍ وشَعبٍ وأُمَّة” (رؤ ‏‏5:‏ 6-10). إن موت المسيح وقيامته هو طريق النور الذي يعطي حياة ‏جديدة بعد عبور الموت، وهل يمكن للإنسانية أن تتقدم وترتقي دون حملان ‏شهداء؟ وهل يمكن للعالم أن يسوده العدل والأمن والسلام دون عرق ودماء ‏وتضحيات؟
حدث قيامة المسيح حي في وجدان المؤمنين، حاضر في الماضي ‏والحاضر والمستقبل، فهو حجر الزاوية في بناء إيماننا. نوقد الشموع في ‏هذه الذكرى رمزاً لنور المسيح الذي شق ظلام الخطيئة والإثم وأنتصر ‏وداس الموت بموته. في فجر الأحد جاءت مريم المجدلية مع بعض النسوة ‏كما جرت العادة في الشرق لزيارة الموتى، يمزقهن حزن عميق، وقلق ‏غامر بعد أن غاب عنهم السيد والمعلم، ويا للمفاجأة، القبر فارغ، والحجر ‏الذي سده مدحرج، تجاسرت النسوة ودخلت إلى القبر لم تجد الجسد، ‏والأكفان قد وضعت جانباً، وظهر ملاكان ليقولا لهن: لماذا تبحثن عن الحي ‏بين الأموات إنه ليس ها هنا، إنه قام كما قال (متى 28:‏ 6). ومنذ هذه ‏اللحظة لازال الفضاء يردد صدى هذا القول ولازال التاريخ يتدفق حيوية ‏بهذا النبأ، وغمر الفرح الإنسانية كافة، فرح عبر القرون، يمد كل إنسان ‏مؤمن بالثقة والقوة. قام المسيح وكيف يمكن أن يظل سجيناً في القبر (أعمال ‏الرسل 2:‏ 24) والقبر لا يحتمل وجود الحي (سفر الرؤيا 1:‏ 18) بل ‏مصدر الحياة وكلمة الله الذاتية الناطقة. إن يوم قيامة المسيح هو أعظم أيام ‏التاريخ البشري، به أكمل المسيح رسالة خلق الإنسان وأعاده إلى البنوة ‏الإلهية (رومية 8:‏ 21) وأكد لنا أن حياة جديدة أعطيت للبشر، الحياة بعد ‏قيامة المسيح اتخذت مساراً جديداً، وأخلاقاً جديدة ورجاء جديداً.‏

‏1 – قيامة المسيح هي أساس حضارة الحياة

تأتي ذكرى قيامة يسوع من بين الأموات هذا العام كصوتِ منادٍ ‏بالخلود والفرح والسلام والسعادة في برية حضارة وثقافة الموت، التي تملأ ‏العالم ظلاما وحزنا وفزعا. إنها صوتُ شهيدٍ بشّر العالم أجمع، قبل أن ‏يُذبح، بصلاة شفتيه الطاهرتين وعينيه المغمضتين بثقة في إله الحياة. إن ‏صورة يسوع القائم قد أسست لحضارة الحياة التي تغافل عنها العالم، أما ‏صورة الشهيد المصلّي فقد صدمت ضمير الكثيرين ممن ينشرون حضارة ‏الموت، وقوَّت كثيرا من الرُكَب المرتعشة لمؤمنين كان إيمانهم يحتضر. ‏عجيب هو إله الحياة، فمنطقه دائما هو الحياة التي تولد من رحم الموت.‏
إن قيامة رب المجد تصرخ في الشباب المؤمن داعية إياه أن لا ‏يستجيب لثقافة الموت أيًّ كانت الوسائل والغايات التي تحركها. لابد ‏للمؤمنين أن يكسروا دوائر وسلاسل العنف المنتشرة في جوانب حياتنا، ‏لابد للمؤمنين أن يتقدّموا رافعين رايات إنجيل المحبة التي تجعل شمس ‏الخالق تشرق على الأشرار والأبرار. فالله سيد التاريخ هو إله حياة ليس ‏إله موت، إله أجسادٍ ملؤها الحياة ليس إله جثامين ونعوش تملا الكون حزناً ‏وبكاءً وعويلا. يمنحنا الله النعمة والقوة، بقيامته من بين الأموات، لنسهر ‏على حراسة الحياة بمحبتنا لإله الحياة، وحراسة السعادة بمحبتنا للقريب ‏الذي هو شريكنا في الحياة. فقط بالمحبة نفوز بعالم أفضل، فقط بالمحبة ‏نتمتع بالحياة كعطية من الله.‏

‏2 – قيامة المسيح هي تتويجٌ للتجرّد من الذات

يخبرنا بولس الرسول في رسالته إلى كنيسة فيلبي أن يسوع “لم يعدّ ‏مساواته لله غنيمة بل تجرّد من ذاته متّخذا صورة العبد.‏.. أطاع حتى ‏الموت، موت الصليب. لذلك رفعه الله إلى العلى.‏..” (فيلبي 2:‏ 6-10). فكل ‏ارتفاع يسبقه تجرّد من الذات، وكل قيامة يسبقها موت على الصليب. إنه ‏منطق الله في تدبيره الخلاصي: كل حياة تخرج من حضن الموت. والموت ‏في حياتنا يتمثّل في تخلّينا الاختياري عن كل ما نظن أنه مباح لنا، فبولس ‏الرسول يؤكد لنا أنّ “كل الأشياء تحلُّ لي لكن ليس كل شيء ينفع” (1 كو ‏‏6:‏ 12). فنحن نقوم مع يسوع عندما نتخلّى طواعية عن كل ما لا يخدم ‏المحبة لله والقريب، فقد تكون هناك الكثير من الأشياء المتاحة أمامنا التي لا ‏تمثّل خطيئة بالنسبة للشريعة والقوانين، لكنها في ذات الوقت لا تنفع المحبة ‏ولا تخدم تدبير الله الخلاصي. فليس كل ما يخدم المصلحة الشخصية هو ‏بالضرورة نافع لخلاص النفوس. ليتنا نقف كجبابرة بأس، طائعين حتى ‏الموت من أجل محبتنا لله والقريب. ليتنا نقف متجرّدين عن كل مصلحة ‏ومنفعة شخصية، مؤمنين أن “الله الذي أقام الرب يسوع سيقيمنا نحن أيضا ‏بقدرته” (1 كو 6:‏14).‏

‏3 – قيامة المسيح هي تدشين لأورشليم الجديدة

ورَأَيتُ سَماءً جَديدةً وأَرضًا جَديدة.‏.. ورَأَيتُ المَدينَةَ المُقَدَّسة، أُورَشَليمَ ‏الجَديدة، نازِلَةً مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ الله.‏.. وسَمِعتُ صَوتًا جَهيرًا مِنَ العَرشِ ‏يَقول: ((هُوَذا مَسكِنُ اللهِ مع النَّاس، فسَيَسكُنُ معهم وهم سيَكونونَ شُعوبَه ‏وهو سيَكونُ ((اللهُ معَهم)). وسيَمسَحُ كُلَّ دَمعَةٍ مِن عُيونِهم. ولِلمَوتِ لن يَبْقى ‏وُجودٌ بَعدَ الآن، ولا لِلحُزنِ ولا لِلصُّراخِ ولا لِلأَلَمِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآَن، ‏لأَنَّ العالَمَ القَديمَ قد زال)).‏
قام المسيح ليعطي السلام لقلب المؤمن، إنه هو ذاته السلام، إن العالم ‏يمر بين زمن وزمن بالحروب والكوارث والصراع وليس غير المسيح ‏يخلص العالم من آلامه وأحزانه إذا سادت شريعة المحبة، وسرت روح ‏التضحية والفداء، وأحب الإنسان أخاه الإنسان كنفسه،‏ فهنا يسقط الخوف ‏من الحاضر والمستقبل، فقيامة المسيح أرست الأمن في قلوب المؤمنين ‏وعمقت الرجاء بالخلاص في حياتهم.‏
بعد قيامته من الموت التقى المسيح رسله وتلاميذه ليؤكد لهم صدق ‏الرجاء في شخصه والإيمان برسالته والسير في الدرب الذي سلكه، درب ‏النور والنقاء والمحبة، ويشهد رسوله بولس بأن الرجاء الحقيقي هو في ‏المسيح القائم من الموت،‏ وليس في هذه الحياة العابرة أو في الأشياء التي ‏تبلى أو في الشهوات التي لا تُشبع، بل وحده المسيح ومن آمن به لا يجوع ‏ومن اتحد به لا يعطش ( سفر الرؤيا 21:‏ 4،‏ يوحنا 6:‏ 35،‏ 1كورنتس ‏‏15:‏ 12 ) ‏
قيامة المسيح من الموت حقيقة إيمانية وتاريخية،‏ زرع بقيامته الحياة ‏والرجاء الثابت فلا ينبغي أن نيأس أمام التحديات المعاصرة،‏ ولا موجات ‏الإلحاد ورفض القيم الروحية ولا المعاداة للتعاليم الإلهية المسيحية،‏ قيامة ‏المسيح أسقطت سلطان الشر،‏ فمهما أشتد فإن الرجاء في المسيح يحفظ ‏إنسانيتنا ويصون وطننا ويقوي عزيمة شعبنا
ختاماً:‏
ختاماً نتحد مع قداسة البابا فرنسيس في صلاة هذه الليلة ومع اخوتنا ‏البطاركة والأساقفة، داعين المسيح الحي القائم من الموت ان يبسط نوره ‏على عالمنا وأن يعمق الرجاء في قلوب البشر جميعاً.‏
نصلي من أجل كل من يعمل من أجل بناء ونشر ثقافة الحياة وزرع ‏الرجاء في قلب من هو في حاجة إلى‎ ‎رجاء.‏
من أجل عائلاتنا المكافحة الأمينة، ونصلي خاصة من أجل عزاء كل ‏العائلات المجروحة قلوبهم لفقدان أحبائهم.‏
ان مصر وطننا الغالي،‏ أرض الشعب الطيب، باني الحضارة للعالم ‏كافة، تحتاج إلى تضامن أبنائها وإخلاصهم في العمل مشاركين ومساندين ‏لرئيسنا المحبوب عبدالفتاح السيسي.‏
نصلي من أجله ليظل دوماً قائداً انسانياً، ورئيساً وطنياً، ومصلحاً ‏شجاعاً، حفظه الله وأيد مسعاه مع كل المخلصين المتعاونين معه والعاملين ‏بكل أمانة من أجل بناء مستقبل أفضل لبلدنا مصر.‏
وكل عام ومصر بخير – قام المسيح.‏. حقاً قام.‏. ‏

كوبري القبة في 12 / 4 / 2015 ‏

‏+ البطريرك الانبا إبراهيم اسحق
بطريرك الإسكندرية للأقباط ‏الكاثوليك بمصر والمهجر