رسالة البطريرك الأنبا أنطونيوس لجنود مريم بمناسبة 25 سنة

رسالة البطريرك الأنبا أنطونيوس لجنود مريم بمناسبة 25 سنة

غبطة البطريرك نيافة الأنبا أنطونيوس نجيب
كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك
11/10/2007

” تعظـّم نفسى الرب . وتبتهج روحى بالله مخلصى ” ( لوقا 1 : 46 )

– نحتفل اليوم باليوبيل الفضى لجنود مريم فى رعية العائلة المقدسة بالزيتون … إنها مناسبة خاصة ، نعلن فيها مع مريم فرحنا ، وشكرنا لله ، ورغبتنا فى الأمانة له ولتكريسنا لمريم العذراء … وفى نور نشيد مريم ، نتوقف عند بعض الاعتبارات الخاصة بجمعية جنود مريم .

أولا – روحانية جنود مريم :

▪ الأسرة المسيحية :

– يلفت نظرنا أولا أن مؤسسى جنود مريم علمانيون : فرانك داف وإيديل كوين … جاء حبهم الخاص لمريم من نشأتهم وتربيتهم فى أسرة مسيحية كاثوليكية تقية ، ومن اطلاعهم على كتاب القديس لويس مارى جرينيون دى مونفور ” فى إكرام مريم العذراء ” .
– من هنا نرى أهمية التربية المسيحية الكاثوليكية … الأسرة التقية تعطى أبناء أتقياء ، من السهل أن يعمل فيهم وبهم الروح القدس ، لتقديس النفوس والعالم .
– مريم العذراء هى أم العائلة المقدسة … وكل أسرة مسيحية مدعوة أن تكون عائلة مقدسة … عائلة تصلى معا ، تواظب معا على الاشتراك فى القداس الإلهى ، والصلوات الطقسية والدينية … تشترك فى الأنشطة والخدمات الكنسية والرسولية … تتغذى بكلمة الله ، وبالكتب الدينية والروحية ، تستنير بسير القديسين … لا تجعل من الممارسات الدينية عادات شكلية ، بل معايشة ً عميقة للمسيح المخلـّص ، الحاضر والعامل فى الأسرار المقدسة وفى كلمة الله … تقدّر حياة التكريس الكامل لله ، وتشجّع أبناءها عليه … وكم من الدعوات المكرَّسة جاءت من جنود مريم .
– مثل هذه الأسر تعطى جنودا صالحين ، قادرين أن يغيّروا الكثير فى أنفسهم ، وعائلاتهم ، والكنيسة ، والمجتمع ، والعالم … هكذا يلزم أن تكون عائلات جنود مريم .

▪ الروح القدس :

– الروح القدس فى مركز حياة مريم العذراء … عَصمها من وصمة الخطيئة الأصلية … حل عليها ، فحبلت بالابن الكلمة … رافقها طوال حياتها فى معايشتها ليسوع … حل عليها مع الرسل فى العُلـّية .
– لذلك يعطى جنود مريم مكانا مركزيا للروح القدس … يضعونه فى قمة شعارهم … يعرفون أنه هو الذى يعمل فيهم لتقديسهم ، وهو الذى يحرّك ويقود رسالتهم ، ويجعلها تأتى بثمر .

▪ مركزية المسيح :

– كان يسوع محور حياة مريم … من أجله اختارها الله واصطفاها … من أجله قدّسها منذ اللحظة الأولى لوجودها الأرضى … من أجله أرسل لها الملاك مبشرا .
– ومنذ الحبل به ، كانت حياة مريم كلها من أجل يسوع ، طفلا وصبيا وشابا … وفى بشارته العلنية نراها معه فى قانا الجليل ، ثم تتابع أخباره وتحركاته بحب وبقلق الأم ، لتكون معه فى النهاية عند الصليب … وبعد قيامته نجدها مع الرسل ، ترافق الكنيسة الناشئة بحبها ورعايتها وصلاتها وشفاعتها .
– هذا هو مثال الجندى المريمى والجندية المريمية أن يكون يسوع فى مركز حياتهم … من أجله يعيشون ، وبمثاله يقتدون ، وبكلمته يعملون ، وشخصَه يرون فى كل إنسان يقابلون ويخدمون … نرى يسوع فى كل شخص بعيون مريم ، ونحبه بقلب مريم ، ونخدمه بعطاء مريم .

▪ تكريس كامل لمريم :

– منذ أن سمعت مريم نداء الله ، وعرفت خطته وتدبيره لها ، كرّست ذاتها كلية ً له … لم يصبح لها برنامجٌ آخر أو هدفٌ آخر غير تتميم إرادته .
– وجنود مريم يبنون حياتهم على تكريس كامل لمريم … هذا التكريس هو طريقهم إلى تكريس حياتهم لله .
– والتكريس ليس فعلا عابرا ، أو صيغة لفظية نكررها كل سنة … إنه حياة كاملة وشاملة … هو تكريس لتقديس الكلمة والعمل ، المشاعر والعواطف ، الحواس والجسد ، النفس والروح … فلنتذكر تكريسنا المريمى فى كل وقت .
– لقد لخـّص قداسة البابا يوحنا بولس الثانى هذا التكريس فى عبارة رائعة : ” كلى لك ” … فلنكرر كثيرا : ” كلى لك ، يا مريم ” .
– وروح جنود مريم هى روح مريم نفسها … وفى الاتحاد بها اتحاد بيسوع ابنها .
– فى خطاب له عام 1965 ، لخـّص قداسة البابا بولس السادس روحانية جنود مريم فى هذه الكلمات : ” ترتكز روحانية جنود مريم على حياة روحية عميقة ، وانضباط ، وتكريس لخدمة الآخرين ، وأمانة غير متزعزة للكنيسة ، والثقة المطلقة فى عمل مريم العذراء ” .
– الروحانية المريمية اتحاد وثيق بمريم ، يوَلـِّد الاقتداء بفضائلها ، والاتكال الكامل عليها فى الحياة والرسالة ، بحيث تتحول النفس تدريجيا إلى صورة حيّة لمريم العذراء .

2)- الرسالة المريمة :

– وجنود مريم لها رسالة نوعية تعيش بها روحانيتها . وهى كجيش مريمى ، لها أسلحة روحية تتمم بها جهادها الروحى … ورسالتها وأسلحتها هى : العمل اليومى + والصلاة + وخدمة القريب ، أى كل إنسان .

▪ العمل اليومى :

– يقدّس جنود مريم أنفسهم والآخرين ، أولا من خلال حياتهم اليومية الاعتيادية … يعيشون إيمانهم بصدق ، يؤدون واجباتهم بأمانة ، يراعون الله وضميرهم .
– بهذا تأخذ حياتهم معنى آخر ، تحقق حضور الله ، وتشهد للمسيح … تندمج فى حياة مريم فى الناصرة ومع الرسل … تصبح حياة مريمية .

▪ الصلاة :

– مع مريم وعلى مثالها ، يعطى جنود مريم للصلاة مكانة رئيسية فى حياتهم … لا يكفى أن تقولوا كل يوم الصلاة المريمية أى السلسلة … إنما يلزم أن يمتلىء يومكم بسلسلة من الصلاة … ومع الوقت ، تتحول حياتكم إلى صلاة ، أى صلة مستمرة بالله .
– وتتغذى الصلاة بكلمة الله ، الكتاب المقدس ، وبالأخص الأناجيل وباقى كتب العهد الجديد … وهنا لا تكفى القراءة العابرة ، إنما لا بد من القراءة التأملية ، سواء كانت فردية أو بالمشاركة .

▪ التعمق الروحى والإيمانى :

– قال قداسة البابا بيوس 12 لجنود مريم عام 1953 : ” تتوقف فاعلية رسالتكم على عمق تكوينكم الروحى ” .
– والتكوين الروحى والإيمانى ليس مجرد محاضرات متفرقة … إنه يتطلب برنامجا منتظما ومتواصلا باستمرار ، برنامجا يشمل كل نواحى الحياة المسيحية .
– ولديكم مراجع أساسية كافية لذلك : الكتاب المقدس – وثائق المجمع المسكونى الفاتيكانى الثانى – التعليم المسيحى للكنيسة الكاثوليكية – معجم اللاهوت الكتابى – وكثير غيرها من الكتب العربية الكاثوليكية .
– والمهم أن يتم هذا التعمق بروحانية ، لا لمجرد المعرفة النظرية .

▪ الرسالة والخدمة :

– بالرسالة والخدمة يشارك جنود مريم السيدة العذراء فى بناء ملكوت الله .
– ومن مميزات هذه الرسالة أنها تتجه بنوع خاص للبعيدين عن الله وعن الكنيسة .
– وإلى جانب الخدمة الأسبوعية ، التى يقوم بها جنود مريم إثنين إثنين مثل تلاميذ يسوع ، لا بد أن تتذكروا أن يكون لكم كل يوم خدمة مريمية …والمهم أن تتحول أفعال الخدمة إلى روح خدمة ، بحيث تتحول حياتكم إلى أسلوب خدمة .
– وهنا ندقق على روح المشاركة ، لا الانفرادية ، أى العمل مع ومن أجل الآخرين.
– وهدف الرسالة والخدمة هى أن نحمل مريم إلى العالم ، لتحمل العالم إلى يسوع .
– قال قداسة البابا يوحنا بولس الثانى لجنود مريم عام 1982 : ” هدفكم أن تخدموا كل إنسان ، إذ ترون فيه المسيح ، بروح وحماس مريم ” .

– وهنا أيضا أطلب أن تكون للرسالة والخدمة خطة منتظمة … فليكن هناك تركيز فى كل سنة على مجال خاص ، مثلا : التعليم المسيحى ، الفقراء ، المسنـّون، ذوو الاحتياجات الخاصة ، الشباب ، الأسرة ، الصلاة ، وهكذا .
– وتتميز الرسالة المريمية بالروح الكنسية … تتم فى التزام كامل بتوجيهات الرؤساء الكنسيين والآباء الرعاة والمرشدين … تتابع تعليم الكنيسة وتعمل به ، وتجتهد فى نشره … تتجنـّد لخدمة الرعية وأنشطتها الرسولية .

▪ وأخيرا أختم بكلمات السيد المسيح : ” من الثمرة تـُعرَف الشجرة ” ( متى 12 : 33 ) … هناك من يحكمون على جنود مريم بكل خير ، وهم الأغلبية … وهناك من لا يعرفون أو لا يرون الثمار الطيبة .
– فلنعمل بكلمة الرب : ” فليضىء نوركم قدّام الناس ، ليشاهدوا أعمالكم الصالحة ، ويمجّدوا أباكم الذى فى السماوات ” ( متى 5 : 16 ) .
– فلتبارككم وتباركنا أمنا العذراء مريم ، لنكون لها ولابنها يسوع شهودا أمناء . آمين .