رسالة البطريرك للرهبانيات الكومبونية بمناسبة اليوبيل

غبطة البطريرك نيافة الأنبا أنطونيوس نجيب
كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك
10/10/2007

قال يسوع : ” أنا الراعى الصالح ،
والراعى الصالح يضحّى بنفسه فى سبيل الخراف ” ( يوحنا 10 : 11 )

▪ إنجيل الراعى الصالح : الراعى والرعية .
– يسعدنا أن نحتفل اليوم بيوبيلات العائلة الكومبونية :
+ 150 سنة لرحلة القديس كومبونى الأولى إلى مصر .
+ 140 سنة لتأسيس رهبنة الآباء الكومبونيان .
+ و130 سنة لمجىء كومبونى إلى مصر ومعه 5 راهبات كومبونيات .

– نتأمل اليوم فى إنجيل الراعى الصالح ، الذى يحدد لنا معالم الراعى والرعية .
– نعلن فى قانون الإيمان خصائص وصفات الكنيسة ، رعية المسيح ، فنقول : “نؤمن بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية ” .

– من أين للكنيسة هذه الخصائص ؟ … من المسيح نفسه . هو الراعى الواحد ، الذى يجمع أبناءه فى رعية واحدة … هو القدوس ، الذى بقداسته جعلنا مقدَّسين فى الحق … هو الذى بذل جسده وسفك دمه ليجمع الكل فى واحد … هو الذى أرسل تلاميذه إلى العالم اجمع ، ليُتلمذوا كل الأمم حتى أقاصى الأرض .

– هذا ما يعلنه يسوع ، عنما يقدّم نفسه على أنه الراعى الصالح … يقدّس الرعية ، بأن يضحّى بحياته فى سبيل الخراف … أراد رعيته جامعة ، تعرف كل واحد ، وكل واحد يعرفها … أرادها رسولية ، مبنية على الرسل وخلفائهم ، ومتفتحة للرسالة فى كل زمان ومكان ، لتقود النفوس إلى يسوع ، فيسمعوا صوته … أراد أن تكون الرعية واحدة للراعى الواحد .

– أراد القديس دانيال كومبونى أن يكون على مثال معلمه ، راعيا صالحا … فكان رجل كنيسة … رجل قداسة … رجل كنيسة جامعة … رجل الرسالة … ورجل الوحدة … وأضيف ، وكان أيضا رجل الصليب والقيامة ، ورجل مريم .

▪ القديس كومبونى رجل كنيسة :

– بعد أيام من ميلاده ، عام 1831 ، قدّمه والداه للعماد فى كنيسة بلدته .
– وهو صغير ، التحق بمؤسسة كنسية … ولبى نداء الله له للكهنوت . وسيم كاهنا عام 1854 .
– عام 1864 ، فى روما ، عند قبر القديس بطرس هامة الرسل ، نال إلهام خطة إحياء أفريقيا .
– فى تكريس نفسه لأفريقيا ، يقسم الطاعة للمطران والأسقف وكل الآباء ، فى تسليم كامل للعناية الإلهية .
– عام 1867 ، كان له لقاء مع قداسة البابا القديس بيوس 9 .
– عام 1870 ، اشترك فى مجمع الفاتيكان الأول ، بصفته مستشارا لاهوتيا لمطران فيرونا .
– عام 1872 ، عيّنه قداسة البابا بيوس 9 نائبا رسوليا لأفريقيا الوسطى ، ثم مطرانا لها عام 1877 .
– كان رجل كنيسة بمعنى الكلمة ، وراعيا صالحا فى كنيسة يسوع ، على مثال معلمه .

▪ وكان القديس كومبونى رجل قداسة :

– وكانت قداسته حبا وبذلَ ذات من أجل أحبائه .
– صارع تعلقه بوالديه المسنـّين ، ليكون أمينا لحبه ولدعوته الخاصة .
– أحب ، بل عشق أفريقيا والأفارقة … أعلن تكريس حياته حتى الموت لهذا الحب.
– كان يقول : ” أسعد يوم هو الذى أستطيع أن أبذل فيه حياتى من أجلهم ” … “أفرقيا والأفارقة استولوا على قلبى ، الذى لا يعيش إلا لهم ” .
– كان هذا هو الحب الأول والأخير ، الحب الوحيد بعد الله .

▪ والقديس كومبونى رجل كنيسة جامعة :

– رسالة القديس كومبونى رسالة متفتحة على كل أفريقيا ، بداية ً لرسالة متفتحة على العالم أجمع .
– كان همه الوحيد أن يضم الأطفال والكبار والقبائل إلى حظيرة الخلاص الجامعة .
– زار مرات عديدة دول أوروبا ، ليعرّف كنائسها بقضية أفريقيا ورسالتها .
– وفى عام 1870 ، وجّه لآباء مجمع الفاتيكان الأول نداءً حارا ، يطلب من جميع الكنائس المحلية أن تشارك فى رسالة أفريقيا .

▪ كان القديس كومبونى أيضا رجل كنيسة رسولية :

– منذ حداثته ، عام 1849 ، وهو طالب اكليريكى عمره 18 سنة ، كرّس حياته لأفريقيا … وتحققت فيه كلمات يسوع ” سأجعلك صيادا للناس ” (متى 4 : 19) .
– عام 1857 ، قام برحلته الأولى إلى مصر والسودان ، وزار فيها الأراضى المقدسة .
– عام 1864 : وضع الخطة الإرسالية لإحياء أفريقيا … فالرسالة ليست عملا ارتجاليا اعتباطيا … إنها تتطلب صلاة ، وتفكيرا ، واستشارة ، وخطة ، فى نور إرشاد الروح القدس ، والرسل وخلفائهم رؤساء الكنيسة .
– كان محور خطة كومبونى : “خلاص الأفريقيين بعمل الأفريقيين ” .
– عام 1867، ثبّت قداسة البابا بيوس 9 دعوته ورسالته ، عندما قال له فى لقائه به : “إعمل كجندى صالح للمسيح من أجل أفريقيا ” .
– وفى نفس السنة 1867 ، أسس جمعية الآباء الكومبونيان للرسالة … وعام 1872 جمعية الراهبات الكومبونيات .
– حياة القديس كومبونى كانت كلها مكرسة للرسالة والنفوس … قال : ” أودّ أن تكون لى 1000 حياة ، أكرسها لخلاص هذه النفوس ” .

▪ والقديس كومبونى رجل الوَحدة :

– كان حريصا كل الحرص على الوحدة مع الرؤساء الكنسيين … وعلى الوحدة داخل جماعاته الرهبانية … وعلى الحياة الجماعية ووحدة الهدف .
– تألم واحتمل كثيرا ، حفاظا على هذه الوحدة … وحتى يزيل كل سوء فهم وخلاف .
– ركـّز على العمل المشترك والتعاون والمشاركة … وكان يكرر : ” من يعتمد على نفسه فقط ، اعتمد على أكبر جاهل فى هذا العالم ” .
– أشرَك كل العاملين معه فى التخطيط والتنفيذ ، مؤكدا أنه بدون ذلك لا مستقبل للعمل .
– وكان أسلوبه الرسولى أيضا أن يعمل مع الجمعيات الرهبانية الأخرى ، فى وحدة الخدمة والبذل والرسالة .
– وكان همّه الرسولى أن يجمع كل النفوس إلى وحدة حظيرة المسيح .

▪ والقديس كومبونى رجل الصليب والقيامة :

– كان يعرف جيدا أنه بدون الصليب لا تلمذة للمسيح الراعى الصالح : ” من أراد أن يتبعَنى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ” ( متى 16 : 24 ) … ” من لا يحمل صليبه ويتبعنى ، لا يستحقنى ” ( متى 10 : 38 ) .
– احتمل القديس كومبونى صلبانا كثيرة ، أمراضا جسدية ، فراق والديه المسنـّين ، مقاومات لخطته لإحياء أفريقيا ، موت كثيرين من رفاقه المرسَلين ، خلافات داخلية، سوء فهم ومقاومة من الأكليروس والعلمانيين .
– وكان يعتبر دائما أن الصليب علامة ً وضمانا للتبعية الصحيحة للمسيح .
– كان يقول : ” أنا سعيد فى الصليب ” … ” الموت والاستشهاد هو المكافأة العظمى للتضحية ” … ” عنما يعطينا يسوع الصليب فهو يحبنا . وإن كان عملنا مبنيا على الصليب ، فهو مبنى بالتأكيد على أساس صَلب ” .
– اعتبر الصليب المعلم الحكيم ، والرفيق العزيز ، وخـَتمَ أعمال الله .

– ولكنه كان مؤمنا تماما أن الصليب هو الطريق إلى القيامة … كان يقول : “سأموت ، ولكن عملى سيبقى ” … ” نحن حجر مخفى تحت الأرض ، لن يرى النور أبدا . الخلفاء هم الذين سيظهرون ” .
– كان مؤمنا أن ” حبة الحنطة متى وقعت فى الأرض وماتت ، تـُخرِج ثمرا كثيرا” (يوحنا 13 : 24 ) .
– وهذا ما تحقق فى شخصه وفى رهبنياته … عاش 50 سنة فقط (1831-1881) … مات فى الخرطوم مُنهَكا من المرض والتعب … أعلنه قداسة البابا يوحنا بولس الثانى طوباويا عام 1966 ، وقديسا فى 5 / 10 / 2003 … وكل من حضر هذا الاحتفال الأخير ، وسعدت بأن أكون واحدا منهم ، رأوا كيف أن حبة الحنطة أعطت ثمرا كثيرا .
– كان يتمنى أن تكون له 1000 حياة ليبذلها لخلاص أفريقيا ، فأعطاه الله عشرات الآلاف من الرسل الرهبان والراهبات والعلمانيين .
– إنها حياة قيامة متجددة باستمرار .

– وأخيرا كان القديس كومبونى رجل مريم :

– سيم كاهنا عام 1854 ، السنة التى أعلن فيها قداسة البابا بيوس 9 عقيدة الحبل بمريم العذراء معصومة من وصمة الخطيئة الأصلية .
– عام 1868 : وهو فى زيارة مزار سيدة لاساليت بفرنسا ، كرّس أفريقيا للعذراء .
– وفى 8 / 12 / 1975 : كرّس إيبارشيته للسيدة العذراء .
– ففى مسيرة القداسة وفى عمل الرسالة ، لا يمكن الفصل بين يسوع ومريم .

▪ وأختم بأمرين ، شكر ونداء :

• أولا الشكر للقديس دانيال كومبونى ، وللآباء الكومبونيان ، والراهبات الكومبونيات ، من أجل كل ما قدّموه لكنيسة مصر ولبلادنا العزيزة طوال المائة والخمسين سنة الماضية ، وما يقدّمونه وما سيقدّمونه اليوم وفى الأجيال القادمة .

• وثانيا أريد أن استعير شعار القديس كومبونى “خلاص أفريقيا بعمل الأفريقيين” ، لأوجه نداء حثيثا لأبناء وبنات كنيستنا الكاثوليكية المصرية ، فأقول : ” خلاص مصر بعمل المصريين ” .

– إننا نقدّر بكل الحب والعرفان بالجميل عمل المرسَلين والمرسَلات ، ولا غنى لنا عنهم … وفى نفس الوقت ندعو ابناءنا المصريين إلى مزيد من السخاء وبذل الذات، لتكريس أنفسهم لخدمة إخوتهم وأخواتهم … إنهم فى حاجة إليكم … أفريقيا فى حاجة إليكم … الكنيسة الكاثوليكية فى حاجة إليكم .

– صلوا ليرسل الله عاملين كثيرين لكرمه وحصاده … ولبّوا نداءه لكم بسخاء … مجاوبين مع مريم : ” نحن خدّام لك يا رب ، فليكن لنا كما تقول ” . آمين .