رسالة البطريرك للشباب الكاثوليكي

رسالة البطريرك للشباب الكاثوليكي

بمناسبة 70 سنة لجمعية الشباب الكاثوليكيى المصرى
” أعِدّوا طريق الرب ” ( لوقا 3 : 4 )
▪ الشباب :

– فى هذا المساء المبارك ، تجتمع عائلة كبرى حول هذه الرؤية وهذا الهدف : “أعِدّوا طريق الرب ” . إنها عائلة ” جمعية الشباب الكاثوليكيى المصرى ” … وها أنا أرى حولى كثيرين والحمد لله ، كثيرين من الشباب الصغار ، وكثيرين من الشباب الكبار … فهل للكبار مكان وسط الشباب ؟

– هنا نسأل : من هو الشباب بالضبط ؟ … هل هو مجرد مرحلة عمرية ؟ … لا . الشباب حياة تتدفق جديدة ً كل صباح ، فى مسيرة أبدية … الشباب نضارة الإيمان ، وحماس الرجاء ، وسخاء المحبة .

– قال أحد قادة الشباب :
• أنتم شباب بمقدار إيمانكم ، وكهول بمقدار شكـّكم … المبادىء والمُثـُل من مميزات الشباب ، من مميزاتكم .
• أنتم شباب بمقدار تقبّلكم لما هو خير وجمال وسمو … بمقدار دفاعكم عن الحق ، واستنكاركم للكذب والرياء والنفاق .
• أنتم شباب طالما ترفضون السلبية ، والمساومة ، والتشاؤم ، والحل السهل .
• أنت لا تصبح كهلا لأنك عشت سنين كثيرة ، وإنما لأنك تنازلت عن مثال … السنون تجعّد الوجه ، أما التخلى عن المثال فيجعّد الروح .

– الشباب إذا حياة تتدفق جديدة ً كل يوم ، فى مسيرة أبدية … لهذا ، من حق الكبار ايضا ، بل من واجبهم ، أن يبقوا شبابا ، وأن يشجعوا بذلك الشباب الصغار .

– اليوم تحتفل جمعية الشباب الكاثوليكى المصرى بمرور 70 سنة على تأسيسها عام 1937 … والاحتفال بيوبيل هو عيد كبير للعائلة ، لذلك يسعدنى أن أرى كثيرين من أفراد العائلة مجتمعين هنا … جمعية الشباب الكاثوليكى المصرى شجرة كبيرة ، وأغصانها كثيرة ومثمرة والحمد لله .

– إننا نحتفل اليوم بالروح وبالمثال ، الذى ألهم كثيرين من الشباب ، على مدى 70 سنة ، وسيستمر يلهم أجيال الشباب الآتية .

– وهنا علينا واجبان : واجب الذكرى + وواجب الشهادة .
1)- واجب الذكرى :

– ” أُذكروا مرشديكم الذين خاطبوكم بلام الله . واعتبروا بحياتهم وموتهم . واقتدوا بإيمانهم ” ( عبرانيين 31 : 7 ) .

– اليوم نذكر بالتكريم والإعجاب ، وبالحب والشكر وعرفان الجميل ، الذين غرسوا ورووا بذرة هذه الجمعية المباركة … الذين وضعوا مواهبهم ، وخيراتهم ، ووقتهم، وجهدههم ، فى خدمة الشباب … منحوه حبا ، واحتراما ، وفرصا للنضج … نذكرهم لأنهم أعطوا الشباب مثالا وهدفا ، وقادوهم إلى عمق الإيمان ودروب الخدمة .

– وأريد أن أخص بالذكر رؤساء الجمعية الذين عرفتـُهم عن قرب : الأستاذ الدكتور / بطرس كسّاب ، ثم الأستاذ الدكتور / ميشيل فرح … ومعنا الآن الأستاذ / إميل نوير ، والمهندس / ماهر بطرس .

– هؤلاء وغيرهم كثيرون ساعدوا ويساعدون الشباب على بناء حياة مسيحية لها معنى ولها هدف … حياة متفتـّحة على الغير ، بعيدة عن الانغلاق والأنانية ، لا تخشى الالتزام والمخاطرة، تجنـّد طاقاتها لبناء جسور الصداقة والأخوّة والتضامن، تبذل ذاتها لخدمة الآخرين .

– ماذا صنع السابقون ؟ … كما جاء فى ورقة ” الجمعية فى حدّوتة ” ، أولا سمعوا … سمع المؤسسون عن العمل الكاثوليكى كدعوة لمشاركة الشباب فى رسالة المسيح والكنيسة … ثم اطلعوا على ما يتم فى بلاد أخرى … فاقتنعوا ، وقرروا التمثل بهم … و نظروا إلى واقع مصر الملموس .

– ومن هنا تكوّنت ركائز رسالتهم : المسيحية حياة ، وليست ممارسات شكلية … الوحدة المسيحية أساسية للشهادة والرسالة … تحتاج كنيسة مصر إلى ثقافة مسيحية مستنيرة وعميقة ، متأصلة فى تراثنا المحلى ، ومتفتحة على العالمية الكاثوليكية … تحتاج العائلة المسيحية إلى الوحدة والثبات والاستقرار ، وإلى التربية الصالحة الناضجة … يحتاج المجتمع إلى دعاة عدالة اجتماعية وإيقاظ ضمير عام … وأخيرا يحتاج المسيحيون إلى من يرفع قلوبهم وأفكارهم باستمرار إلى الله ، بالصلاة والأسرار والخدمة ، للتمسك بدينهم ووطنهم .

– الذين قاموا ويقومون بكل ذلك يستحقون تكريمنا … الشباب الكاثوليكى روحانية ورسالة وحياة … إنه حضارة غرسها ورواها السابقون ، ويقوم الحاليون بتنميتها .

– إن أفضل وسيلة لتكريم السابقين ، هى أن نعيش المـُثـُل والقِيم التى سلموها لنا … أن نواصل رسالتهم … وهذا ما تفعلونه أنتم الآن … أنتم الأغصان الحيّة لتلك النبتة التى تفتحت فى كنيسة مصر منذ 70 سنة ، وصارت شجرة يانعة .

2)- الشهادة :

– لذلك فإن الشهادة هى الواجب الثانى ، الذى تحققون به هويتكم ورسالتكم .

– اتخذت الجمعية يوحنا المعمدان شفيعا لها … ويحدد يوحنا الرسول شخصية المعمدان بهذه الكلمات : ” ظهر رسول من الله اسمه يوحنا . جاء يشهد للنور، حتى يؤمن الناس بالنور . ما كان هو النورَ ، بل شاهدا للنور ” ( يوحنا 1 : 6 – 8 ) .

– جاء المعمدان شاهدا للنور ، حتى يؤمن الناس بالنور … بهذا أعدّ الطريق للإيمان بالمسيح وللارتباط به .

– كل مسيحى ، بقبوله المعمودية والميرون المقدس ، هو شاهد ورسول . وهذا ينطبق عليكم أنتم أيها الشباب الكاثوليكى بنوع خاص … قال السيد المسيح لتلاميذه : ” الروح القدس يحل عليكم ، ويهبكم القوة . وتكونون لى شهودا ، فى أورشليم واليهودية كلها والسامرة ، حتى أقاصى الأرض ” ( أعمال 1 : 8 ) .

– وضع يسوع كل ثقته فى تلاميذه … إنه يعتمد عليكم وعلينا لنجعل العالم يعرفـُه ويحبه … يعتمد على كل واحد منكم شخصيا ، أيها الشباب ، لتكونوا له شهودا ، مع الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمكرسين والمكرسات … يريدنا شهودا له فى كل مكان ، من أقرب الناس إلينا ، وحتى أقاصى الأرض … إنها رسالة سامية وملحّة .

– قد نقول : نحن قليلون … كيف نواجه تطورات وتحدّيات العالم الحديثة ؟ … هل سنقدر على مواجهة العنف بالوداعة والحب ؟ … كيف نجاوب على التساؤلات الجديدة ؟ … هل سنصمد حتى النهاية ؟

– يجاوبكم الرب بما أعلنه للرسل : ” الروح القدس يحل عليكم ، ويهبكم القوة ، وتكونون لى شهودا ” … لقد أقام الرب جمعية الشباب الكاثوليكى ، مثل عائلات كنسيّة كثيرة غيرها ، لتكون شاهدة لحضوره ولحبه … أقامكم الرب ليس فقط لكى تحبوه ، وإنما أيضا لتقودوا الناس إلى معرفته أفضل وحبه أكثر … والروح القدس هو الذى سيهبكم مال تحتاجونه من كلمة ، وعمل ، وصلاة ، ومبادرات حب .

– اليوم مثل الأمس ، تشهد الجمعية فى أعضائها لمحبة المسيح ، على مثال الرسل، وفى اتحاد بهم وبخلفائهم … علينا أن نستنير بالماضى ، لنجد للحاضر أساليب جديدة للأزمنة الجديدة … وقد يتطلب ذلك أن لا نتشبث بالقديم ، وأن نجدد رؤيتنا وأساليبنا ، لنكون أكثر أمانة لمتطلبات الحاضر … علينا أن نتقدم إلى العمق ، لنلقى شباكنا للصيد ، بمبادرات إيمان مبتكـَرة ، معتمدين على كلمة يسوع .

– شهادتنا هى الحياة وفق شرعة الإنجيل ، التطويبات التى أعلنها يسوع دستورا لتلاميذه … هى القادرة أن تحقق حضارة حب ، حضارة حياة ، وحضارة وحدة .

– وجمعية الشباب الكاثوليكى أرض طيبة للدعوات المكرَّسة … الكنيسة عامة ، والإيبارشية البطريركية خاصة ، فى أمسّ الحاجة إلى كهنة ، ورهبان وراهبات، ومكرسين ومكرسات… أنتم تلمسون أكثر منى كم يحتاج شبابنا وجمعياتنا وكنائسنا إلى رعاة ومرشدين ومرشدات … لذلك أطلب منكم أن تجعلوا الدعوات الكهنوتية ضمن اهتماماتكم الرئيسية … شجعوا الشباب أن يجاوبوا على نداء الرب لهم … زوروا الاكليريكية وساندوها … شجعوا أبناءكم على التفكير فى التكريس لخدمة الله والكنيسة والنفوس . وصلوا ليرسل الرب عمالا لكرمه وحصاده .

▪ خاتمة : دعوة إلى القداسة :
– واختم بالنداء الذى سمعناه فى قراءة رسالة اليوم : ” أناشدكم أيها الإخوة ، أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله . فهذه هى عبادتكم الروحية ” ( رومة 12 : 1 ) … الدعوة إلى القداسة هى دعوتنا الأساسية … القداسة هى سبب وجود هذه الجمعية وكل جمعية … أن نكون قديسين ، وأن نعمل على تقديس إخوتنا … الكنيسة تجدد دعوتها لكم اليوم إلى القداسة ، إلى الشهادة للمسيح ، إلى إعلان حب الله فى العالم .

– نبتهل إلى أمنا العذراء مريم ، سلطانة الرسل ، أن تجعلنا رسلا صالحين لابنها يسوع … لنعمل ما ينادينا به يوحنا المعمدان : أعِدّوا طريق الرب . آمين .

غبطة البطريرك نيافة الأنبا
أنطونيوس نجيب
بطريرك كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك – مصر