رهبانية بنات سيدة الآلام

كانت والدتها خير قدوة لها، أنشأتها وشقيقها جان نشأة مسيحية مثلى، ورحبت وباركت رغبة ابنتها الوحيدة في الإلتحاق بدير راهبات المحبة، ولكن حالت ظروف عائلية قاسية دون تحقيق أمنيتها الأوحد، الذي لحقت به والدتها الحبيبة بعد ستة شهور من وفاته حزناً عليه، وكان لزاماً عليها رعاية والدها والعناية بشئونه ومواساته في وحدته.

إن حبها للقريب وتفانيها وتضحيتها من أجله، كان أكبر حافز لها على زيارة فقراء ومرضى الحي الذي كانت تعيش فيه، وإيواء في مسكنها من ليس له مأواى، ثم قيامها بموافقة والدها بأعداد أسرة في نفس غرفته، لاستقبال المرضى والعجزة والمسنين الذين أخذ عددهم يزيد رويداً رويداً حتى أصبح ستة تقوم على خدمتهم وتلبية احتياجاتهم بنفسها بمحبة دون حدود، وتواضع لا مثيل له، وحنان يفوق كل حنان، والابتسامة ملء شفتيها رغم ما تقابله من صعاب، واستمر الحال على هذا المنوال حتى توفي والدها، وحينئذاك أصرت على دخول الدير، وقررت استكمالاً لرسالتها الإنسانية، إلحاق المرضى الذين ترعاهم في أحدى دون المسنين، ولكن ذهبت محاولاتها سدى، فاضطرتها الظروف اضطراراً إلى مواصلة الاهتمام بهم ورعايتهم مع التوسع في استقبال المزيد منهم وذلك بإخلاء المنزل من سكانه، لإحلال محلهم عجزة ومرضى.

وكانت إيراداتها الشخصية، في بادئ الأمر، تفي بتلبية طلبات الذين ترعاهم، ولكن التوسع الجديد تطلب مزيداً من المال واليد العاملة. وإن العناية الإلهية لم تنساها، فانهالت عليها التبرعات من كافة الجهات، والتعضيد الأدبي من الرؤساء الدينيين، والمساعدة في عملها الإنساني من متطوعات عديدات وتحول منزلها إلى دار للمسنين عرف باسمها، والحقت سان فراي وأربعة من رفيقاتها بالرهبانية الثالثة الفرنسيسكانية في 1864، وبدأ يتحقق حلم حياتها، ورأى الرؤساء الدينيون، ضرورة تكوين رهبانية صغيرة من سان فراي ورفيقاتها، لاستمرار عملها الإنساني والتفرغ كلية له، ووافق قداسة البابا بيوس التاسع على شروط الرهبانية الجديدة، التي تأسست رسمياً في 28 مارس 1866، تحت اسم رهبانية سيدة الآلام، لما كانت تكنه والدتها من تبجيل عظيم لسيدة الأوجاع، وعرفت رئيسة الرهبانية بالأم مريم القديس يوحنا المعمدان، ولبست ثوب الرهبانية مع ثلاث من رفيقاتها، كرسن حياتهن مثلها في محبة وخدمة السيد المسيح في شخص العجزة الفقراء.

وصدق رجال الدين في تنبؤاتهم، فقد كان فعلاً في تفرغ الأخت سان فراي ورفيقاتها أكبر أثر في إنتشار دور المسنين في أرجاء فرنسا، بطريقة تدعو إلى الدهشة والإعجاب، كما أنشئت دور مسنين كذلك في بلجيكا وروما وبيروت والقدس وتحققت اسعد أماني الرهبانية عندما عبرت البحار، وقدمت إلى مصر في 1891، وأسست ملجأ للمسنين في منزل قديم في حي الشماشرجي الشعبي بالقاهرة، انتقلت بعد تصدعه إلى شبرا، ثم إلى مصر الجديدة، سعياً وراء الهدوء والسكينة، حيث بنت داراً جديدة في 1955، أما في الإسكندرية فقد أسست فيها الرهبانية ملجأ ثانياً في حي البحرية في 1904، نقل بعد ئذ على محرم بك والحقت به في 1956 عيادة خارجية، لاستقبال المرضى في مختلف التخصصات

وانتقلت الأم مريم القديس يوحنا المعمدان إلى رحمة الله في 9 ابريل 1894 ، وكانت الرهبانية تضم حينئذاك عشرة دور وحوالي مائة راهبة في حين تضم حالياً 17 داراً و 150 راهبة. وتقتدي الراهبات، ملائكة الرحمة، بمؤسسة رهبانيتهن في التواضع والمحبة والتفاني في خدمة المسنين وإدخال السعادة في قلوبهم.