رهبنة الدومنيكان

مجال نشر العقيدة الصحيحة للكنيسة، ومجال أعطاء القدوة الصالحة بحياة مشبعة بروح الإنجيل وسلوك تلاميذ المسيح، فجمع لفيفاً من الأخوة لتحقيق هذا الهدف ونظم معهم أسلوب حياة جماعية على نمط حياة جماعة الرسل الأولين في أورشليم كما جاء في سفر أعمال الرسل أن الحياة الأخوية والصلاة الجماعية والتأمل في كلمة الله والكرازة كانت العناصر المكونة لحياة المؤمنين ” وكان جماعة المؤمنين قلباً واحداً وروحاً واحدة، لا يدعى أحد منهم ملك ما يخصه، بل كانوا يتشاركون في كل شيء لهم ” (أع 4: 33) ” ونواظب نحن على الصلاة والتبشير بكلام الله ” (أع 6: 4). وقد فرح أسقف تولوز بما شاهده من كرازة وقدوة صالحة من هذه الجماعة في إيباراشيته تولوز
وقد إنعقد في هذا الوقت في روما مجمع اللاتران عام 1215، فذهب أسقف تولوز إلى روما ومعه دومينيك كمستشار فكانت مناسبة لكي يتعرف البابا إينوسانيوس الثالث على العمل الذي يجري في إيبارشية تولوز وتمنى لو أنه إنتشر في الكنيسة جمعاء حيث كانت العديد من الإيبارشيات تعاني من نفس المشاكل وتحتاج إلى نفس العلاج، فكلف دومينيك بنشر جماعته في البلدان الأخرى. بدأ دومنيك العمل بوضع نظام حياة رهبانية مقتبس من نظام القديس أغسطينس، رغم أن عدد الأخوة كان ضئيلاً إلا أنه أرسلهم عام 1217 ” اثنين اثنين ” (لو 6: 7) كما فعل السيد المسيح مع تلاميذه، موزعاً إياهم في المراكز المدنية الكبرى. وعندما توفى دومنيك في بولونيا بايطاليا عام 1221 كانت رهبنة ” الأخوة الوعاظ ” قد انتشرت في مناطق كثيرة من أوربا واستعد البعض منهم للرحيل إلى بلاد الشرق، فقد كان هدف دومينيك ومن بعده كل أخوته في الرهبنة هو اكتشاف الاحتياجات الروحية للبشر في كل عصر وكل مكان ومحاولة الإجابة على هذا العطش الروحي بخدمة الكنيسة
ثانياً: في خدمة الكنيسة:
تنتشر رهبنة الدومينيكان في أكثر من سبعة الآف راهب، هذا بالإضافة إلى الراهبات الدومينيكانيات المنتشرات في البلاد كثيرة وقد كرست البعض منهن أنفسهن للحياة التأملية صافية والصلاة من أجل الكنيسة والبشر ولمساندة كرازة أخواتهن الرهبان، أما البعض الآخر فيمزجن الصلاة بالعمل في ميادين مختلفة منها تربية النشء وعلاج المرضى والإرشاد الاجتماعي الخ …
لقد انطلق الأخوة ليبشروا باسم الكنيسة، ولكن كيف يتم الاستعداد لهذه المهمة ؟ لقد رسم دومينيك لأخوته منهجاً ركز فيه على ضرورة الدراسة والتأمل في كلمة الله في الكتاب المقدس وتعليم الكنيسة من أجل نجاح الكرازة، هذا بالإضافة إلى الصلاة الجماعية والفردية والتعاون بروح الأخوة المتواضعة ومحبة الناس حباً صادقاً بدون رياء أو مصلحة. وحيث أن احتياجات الناس الروحية مختلفة باختلاف ظروف حياتهم لذا فقد عمل الرهبان الدومينيكان على التواجد في أغلب الميادين التي يعيش فيها الناس، فهناك مثلاً من عمل في مجال الفنون كالأخ الرسام انجيليكو “fra Angelico ” وهناك من تولى مهمة الدفاع عن حقوق الهنود في أمريكا اللاتينية وقت الاستعمار الأسباني مثل الأخ لاس كازاس كما كان هناك بعض العلماء مثل القديس البرت الكبير وتلميذه القديس توما الأكويني اللاهوتي، وهناك المرشدون الروحيون للعمال والطلبة والمسجونين، وهناك الأدباء والصحفيون الخ … وهدف هذا التنوع في أساليب الكرازة هو تأكيد وصول بشارة الخلاص إلى أذهان الناس ودخولها إلى عمق قلوبهم.
الدومينيكان في الشرق
بعد وفاة القديس دومينيك بفترة قصيرة تأسس دير دومينيكاني في القدس فبالإضافة إلى سعي الأخوة الدومينيكان لخدمة الطوائف المسيحية المحلية عملوا أيضاً على إكتشاف هذه الأماكن المقدسة التي عاش فيها كلمة الله المتأنس يسوع المسيح، إذ أنهم رأوا أن معرفة هذه الأماكن المقدسة هي بمثابة إعداد ممتاز لبشارتهم بأسرار حياة وموت وقيامة المخلص. وفي خلال القرن الثالث عشر انطلق الآباء الدومينيكان من القدس إلى لبنان والعراق وبلاد الفرس، وفي عام 1237 أرسل الأخ فيليب رئيس دير القدس مجموعة من الرهبان لزيارة البطريرك القبطي في الإسكندرية. وفي القرن السابع عشر جاء إلى مصر العالم الدومينيكاني الألماني الأصل ” فانسلب ” وترك لنا مؤلفه الرائع ” تاريخ كنيسة الإسكندرية ” الذي يعتبر المرجع الرئيسي لمعرفة تاريخ المسيحية في مصر، ولكن الرهبنة الدومينيكانية لم يصبح لها وجود مستمر في مصر إلا في القرن العشرين
في القاهرة:
تلبية لرغبة الآباء الدومنيكان أساتذة المدرسة الكتابية بالقدس تأسس مركز دومينيكاني في القاهرة عام 1928، إذ أن أساتذة هذه المدرسة وتلاميذها كانوا كثيراً ما يتوافدون على مصر لدراسة حضارتها التي تأثر بها شعب الله قبل الخروج. هذه الجماعة الدومينيكانية التي أنت لا ستقبال الوافدين من القدس وسعت خدماتها الرسولية واضعة نفسها تحت تصرف الكنيسة المحلية. وفي عام 1931 تأسس دير في حي العباسية وكان محور نشاطه ” المركز التوماوي ” الذي عمل على أن يقدم، خاصة للشباب، امكانية تعميق الدراسة لمشاكل الحياة في ضوء العقل والإيمان المسيحي، وقد إحتفظ هذا المركز بسلسلة المحاضرات التي ألقيت فيه لمدة عشرين عاماً وهي شهادة ناطقة لحيوية الشباب بالرهبنة الثالثة للدومينيكان وهي مكونة من علمانيين أرادوا أن يعيشوا حياتهم العلمانية على ضوء روحانيات ومثل الدومينيكان العليا ومازالت هذه الرهبنة الثالثة تمارس نشاطها حتى الآن
في عام 1954 ظهرت مجلة ” منوعات معهد الدراسات الشرقية ” بهدف نشر النشاط العلمي لبعض الآباء الذين أسسوا معهد للدراسات الشرقية للتعمق ف مشاكل الساعة والمنطقة. وقد حرص هؤلاء الآباء على دراسة تاريخ الفكر في العالم العربي سائرين على خط المجمع الفاتيكاني الثاني الذي دعا إلى الانفتاح على جميع الأديان وإقامة حوار مع الأخرين والأصغاء إليهم للأثراء الروحي المتبادل. هكذا أضيفت الدراسات القبطية ودراسة الفلسفة والأدب العربي والتصوف المسيحي والإسلامي وتاريخ العلوم وحتى الروايات المصرية.
كان هدف هذه الدراسات التي سادتها الموضوعية العلمية هو البحث عن المعرفة الحقة التي تقرب بين البشر وتوحد قلوبهم، هذه الروح ساعدت العديد من الآباء إلى إقامة حوار مسيحي إسلامي مبني على التفاهم والاحترام المتبادل بين الطرفين.
ويقوم الآباء الدومينيكان بعدة أنشطة أخرى مثل الوعظ في الكنائس وقيادة الرياضات الوحية والتدريس على مستويات مختلفة ومساعدة الباحثين الذين يترددون على المكتبة الحافلة بالمرجع العلمية الثمينة (خمسون ألف كتاب)
ويجدر بنا أن نذكر نشاط الأخوات الدومينيكانيات، فهناك رهبنة الديلفراند التي تدير مدرستين أحدهما بالظاهر والأخرى بمصر الجديدة ومستشفى في بور سعيد، كما توجد جماعة صغيرة من الراهبات الدومينيكانيات العراقيات جاءت من الموصل لخدمة كنيسة السريان بالظاهر.
وتعتبر الوردية، الصلاة المريمية، مدرسة صلاة وتأمل عزيزة على أبناء القديس دومينيك، فمعه يتأمل المؤمن في أسرار الفرح والحزن والمجد في حياة السيد المسيح مما يساعده على التأمل في أسرار المسيحية والحياة بنورها. والصور العديدة التي تصور القديس دومينيك وهو يتسلم الوردية من السيدة العذراء قد يصعب التأكد منها تاريخياً ولكنها تشير إلى روح الوعظ التي كانت لهذا القديس أبو الوعاظ، هذه الروح التي يجب أن يتسم بها أولاده الروحيون.

للرهبنة بمصر
القاهرة
1- دير الآباء الدومينيكان – العباسية
1 شارع مصنع الطرابيشي – ص .ب 18 العباسية – 11381 القاهرة
ت: 4825509 فاكس : 6820682

2- المعهد الدومينيكاني للدراسات الشرقية
1 شارع مصنع الطرابيشي – ص .ب 18 العباسية – 11381 القاهرة
ت: 4825509 فاكس : 6820682

المرجع: مجلة الصلاح(مجلة بطريركية الأقباط الكاثوليك)، عدد مارس سنة 1989 السنة 60، وكتاب دليل الطائفة.