سر وجود الشّر “حينَئذٍ ظَهَرَ الزَّوانُ”: تأمل في قراءات الخميس 19 يونيو 2014 الموافق 25 بؤونه 1730

سر وجود الشّر

“حينَئذٍ ظَهَرَ الزَّوانُ

تأمل في قراءات الخميس 19 يونيو 2014 الموافق 25 بؤونه 1730

الأب/ بولس جرس

نص الإنجيل

قَدَّمَ لهُمْ مَثَلاً آخَرَ قائلاً:”يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ إنسانًا زَرَعَ زَرعًا جَيِّدًا في حَقلِهِ. وفيما الناسُ نيامٌ جاءَ عَدوُّهُ وزَرَعَ زَوانًا في وسطِ الحِنطَةِ ومَضَى. فلَمّا طَلَعَ النَّباتُ وصَنَعَ ثَمَرًا، حينَئذٍ ظَهَرَ الزَّوانُ أيضًا. فجاءَ عَبيدُ رَبِّ البَيتِ وقالوا لهُ:يا سيِّدُ، أليس زَرعًا جَيِّدًا زَرَعتَ في حَقلِكَ؟ فمِنْ أين لهُ زَوانٌ؟. فقالَ لهُمْ: إنسانٌ عَدوٌّ فعَلَ هذا. فقالَ لهُ العَبيدُ: أتُريدُ أنْ نَذهَبَ ونَجمَعَهُ؟ فقالَ: لا! لِئلا تقلَعوا الحِنطَةَ مع الزَّوانِ وأنتُمْ تجمَعونَهُ. دَعوهُما يَنميانِ كِلاهُما مَعًا إلَى الحَصادِ، وفي وقتِ الحَصادِ أقولُ للحَصّادينَ: اجمَعوا أوَّلاً الزَّوانَ واحزِموهُ حُزَمًا ليُحرَقَ، وأمّا الحِنطَةَ فاجمَعوها إلَى مَخزَني”.قَدَّمَ لهُمْ مَثَلاً آخَرَ قائلاً:”يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ حَبَّةَ خَردَلٍ أخَذَها إنسانٌ وزَرَعَها في حَقلِهِ، وهي أصغَرُ جميعِ البُزورِ. ولكن مَتَى نَمَتْ فهي أكبَرُ البُقولِ، وتصيرُ شَجَرَةً، حتَّى إنَّ طُيورَ السماءِ تأتي وتتَآوَى في أغصانِها”.قالَ لهُمْ مَثَلاً آخَرَ:”يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ خَميرَةً أخَذَتها امرأةٌ وخَبّأتها في ثَلاثَةِ أكيالِ دَقيقٍ حتَّى اختَمَرَ الجميعُ”. هذا كُلُّهُ كلَّمَ بهِ يَسوعُ الجُموعَ بأمثالٍ، وبدونِ مَثَلٍ لم يَكُنْ يُكلِّمُهُمْ،35لكَيْ يتِمَّ ما قيلَ بالنَّبيِّ القائلِ:”سأفتَحُ بأمثالٍ فمي، وأنطِقُ بمَكتوماتٍ منذُ تأسيسِ العالَمِ”.حينَئذٍ صَرَفَ يَسوعُ الجُموعَ وجاءَ إلَى البَيتِ. فتقَدَّمَ إليهِ تلاميذُهُ قائلينَ:”فسِّرْ لَنا مَثَلَ زَوانِ الحَقلِ”.فأجابَ وقالَ لهُمْ:”الزّارِعُ الزَّرعَ الجَيِّدَ هو ابنُ الإنسانِ. والحَقلُ هو العالَمُ. والزَّرعُ الجَيِّدُ هو بَنو الملكوتِ. والزَّوانُ هو بَنو الشِّرِّيرِ. والعَدوُّ الذي زَرَعَهُ هو إبليسُ. والحَصادُ هو انقِضاءُ العالَمِ. والحَصّادونَ هُمُ المَلائكَةُ. 40فكما يُجمَعُ الزَّوانُ ويُحرَقُ بالنّارِ، هكذا يكونُ في انقِضاءِ هذا العالَمِ: يُرسِلُ ابنُ الإنسانِ مَلائكَتَهُ فيَجمَعونَ مِنْ ملكوتِهِ جميعَ المَعاثِرِ وفاعِلي الإثمِ، 42ويَطرَحونَهُمْ في أتونِ النّارِ. هناكَ يكونُ البُكاءُ وصَريرُ الأسنانِ. حينَئذٍ يُضيءُ الأبرارُ كالشَّمسِ في ملكوتِ أبيهِمْ. مَنْ لهُ أُذُنانِ للسَّمعِ، فليَسمَعْ.(متى 13: 24- 43).

نص التأمل

 

يعالج هذا المثل ببساطة لا متناهية وعمق غير مسبور ” مسألة وجود الشر”

لذا يُعتبر هذا المثل درة وجوهرة بين امثال الملكوت التي قدمها المعلم لنا

فهو يتعرض ويفسر ويوضح ويشرح  مسالة جوهرية في حياة البشر:

كيف يكون الإنسان مخلوقا على صورة الله ومثاله، أي قمة البراءة والطهارة والقداسة

وكيف يمكن أن يتحول إلى هذا الكائن البشع الدنس المذري القاتل السفاح ؟؟!!!!

هذا ما طرحه المعلم اليوم ليفسر سر وجود الشر في العالم وسر صمت الله عنه وتأنيه عليه

إنسانٌ زَرَعَ زَرعًا جَيِّدًا في حَقلِهِ : هذا هو عمل الله الخالق حيث برى الإنسان على صورته ومثاله

وفيما الناسُ نيامٌ: في ظلمة الليل او الليل المظلم وفي غفلة من هؤلاء الذين لم يسهروا ولم يتحسبوا كيد العدو

جاءَ عَدوُّهُ وزَرَعَ زَوانًا في وسطِ الحِنطَةِ ومَضَى: العدو الذي يجول كاسد زائر يلتمس من يفترسه لا تسره  بالطبع سعادة أعداءه بل يريد تحطيمهم وشقائهم لذا جاء في الخفية ليلا ونشر بين نباتات القمح النقية الطاهرة الغضة النضرة ما يعيق نموها ويعكر صفوها بل ما يمكن أن يقتلها ويقلل عطاءها ويضعف جودتها وجودها….

 فلَمّا طَلَعَ النَّباتُ وصَنَعَ ثَمَرًا: لكنه لا يستطيع ان يمس الجوهر فله حاجز لا يمكن ان يتخطاه… زرع الزؤان لكنه لا يستطيع أن يوقف طلوع القمح ونموه وإثماره

 حينَئذٍ ظَهَرَ الزَّوانُ أيضًا: هنالك زمن للبذر والغرس والزرع وهناك  زمن للنمو والإذهار والإثمار، ومع ظهور ثار القمح

بدأت في الظهور ثمار الزؤان…هكذا الحياة منذ البدء، منذ قائين وهابيل…

 فجاءَ عَبيدُ رَبِّ البَيتِ وقالوا لهُ: والعبيد الذي شهدو عملية البذر والغرس شهود على عمل السيد يتسالون في حيرة

يا سيِّدُ، أليس زَرعًا جَيِّدًا زَرَعتَ في حَقلِكَ؟:  نحن نعلم ونعرف ونشهد بما صنعت من عمل عظيم في الخليقة

فمِنْ أين لهُ زَوانٌ؟: سؤال منطقي لأنهم كانوا نياما وخدعهم العدو وأغراهم بالنوم فثقلت عيونهم فناموا

فقالَ لهُمْ: إنسانٌ عَدوٌّ فعَلَ هذا: الله لا ينام ولا يغفل والسيد يقظ ساهر لذا فهو يعرف ما لا يعرفه العبيد ولا يدركون

فقالَ لهُ العَبيدُ: أتُريدُ أنْ نَذهَبَ ونَجمَعَهُ؟: يظن العبيد ان لديهم القدرة على سحق الشر وانتزاعه من منبته،

فقالَ: لا! لِئلا تقلَعوا الحِنطَةَ مع الزَّوانِ وأنتُمْ تجمَعونَهُ لكن الرب يعلم عجزهم وعدم مقدرتهم وتخبطهم وقلة حيلتهم وعدم نفاذ بصيرتهم امام حيل الشرير ومكره.

دَعوهُما يَنميانِ كِلاهُما مَعًا: هذا هو ما سنه السيد من قانون ووضعه من ناموس، أمامك طريقان طريق الخير فاتبعه لتحيا وطريق الشر للهلاك والنار ولك الحرية ومن حقك الإختيار وسيترك لك الرب وقتا للنمو عساه يكون زمنا صالحا للنوبة وتغيير المسار

إلَى الحَصادِ: لأنه لا بد ان يأتي وقت الحصاد فلكل زرع موسم ولكل موسم حصاد لكل حياة اجل ولكل اجل كتاب

سيترك لك الرب فرصة لكن إعلم انها إلى حين

وفي وقتِ الحَصادِ أقولُ للحَصّادينَ: في اللحظة المناسبة والتي يعرفها ويحددها هو وحده  يأمر السيد حصاديه

اجمَعوا أوَّلاً الزَّوانَ: يا للرعب ويا لهول نلك اللحظة وهذه الساعة، ساعة الحصاد الرهيب

واحزِموهُ حُزَمًا ليُحرَقَ: يوم يجمع الزؤان الذي بغى وطغى وتعالى وارتفع وخنق وحاول أن يزيح القمح ويأخذ مكانه

ها قد اتت ساعة اللهيب الموجعة ذلك المصير اللعين حيث تار لا تطفأ ودود لا يموت

 وأمّا الحِنطَةَ فاجمَعوها إلَى مَخزَني”: أما هنا تستخدم  للتفريق والفضل

–       التفريق: بين المصيرين مصر الحرق والدمار، ومصير الحفظ والعناية الأبوية

–       الفصل: أي الفصل بين نوعين لا جناس بينهما إلا انهما تجاورا في نفس الرقعة المحددة من الأرض

لكنهما مختلفان جوهريا  في الكيان المصدر والمنبع في المنتهى والمصير…

  • ·       الكيان: فهذه حنطة وهذا زؤان جوهران مختلفان
  • ·       المصدر: هذه صادرة من السيد الرب صاحب الحقل وتلك من العدو
  • ·       المنبع: تلك تنبع من الخير وإليه تنسب وذاك ينبع من الشر ومنه يخرج
  • ·       المنتهى: لكلاهما ساعة حصاد يجب ان تأتي ويوم حساب يجب أن يتم
  • ·       المصير: ذاك إلى مقر الراحة والمان وتلك إلى النار الأبدية

الغريب ان التلاميذ أرادوا معرفة المزيد من التفاصيل عن هذا المثل فتقدموا الى المعلم طالبين تفسيرا له مع أنه جاء في سياق العديد من الأمثال الأخرى، لكنهم لم يتوقفوا امامها طويلا…

  • الزّارِعُ الزَّرعَ الجَيِّدَ هو ابنُ الإنسانِ: الله هو الخالق
  • والحَقلُ هو العالَمُ: العالم او الخليفة هو الحقل
  • والزَّرعُ الجَيِّدُ هو بَنو الملكوتِ: القمح هو ابناء الملك الذين يعيشون ملكوت أبيهم ويسيدونه ويملكونه على حياتهم
  • والزَّوانُ هو بَنو الشِّرِّيرِ: الزؤان هم الأشرار الذين يرفضون ملكوت الله ويبعون أهواء إبليس سيدهم
  • والعَدوُّ الذي زَرَعَهُ هو إبليسُ: الله لم يصنع الشر ولم يخلقه فالشر صناعة شيطانية وهو من أختراع إبليس
  • والحَصادُ هو انقِضاءُ العالَمِ: لحظة الحصاد هي لحظة الدينونة في نهاية العالم او نهاية الحياة
  • والحَصّادونَ هُمُ المَلائكَةُ: يرسل ملائكته إلى الرياح الأربع فيجمعون ويفصلون ويحزمون ويوقفون فكما يُجمَعُ الزَّوانُ ويُحرَقُ بالنّارِ، هكذا يكونُ في انقِضاءِ هذا العالَمِ: يُرسِلُ ابنُ الإنسانِ مَلائكَتَهُ فيَجمَعونَ مِنْ ملكوتِهِ جميعَ المَعاثِرِ وفاعِلي الإثمِ، ويَطرَحونَهُمْ في أتونِ النّارِ. هناكَ يكونُ البُكاءُ وصَريرُ الأسنانِ. حينَئذٍ يُضيءُ الأبرارُ كالشَّمسِ في ملكوتِ أبيهِمْ.