سيرة القديس يوحنا ذهبى الفم

سيرة القديس يوحنا ذهبى الفم

إعداد / ناجى كامل- مراسل الموقع من القاهرة

الجنرال سيكوندس كان وثنيا هو ابن قائد جيش بالإمبراطورية البيزنطية الشرقية فى سوريا لكنه كان متزوج من فتاه مسيحية اسمها أنثوزا تقية وُرزق منها ببنتا وولد ً أراد ان يخلفه في حمل أسم العائلة ويخلفة فى الجيش ويرفع اسمه عالياً بين الأمة.

– المرحلة الاولى من حياته من سنة 347 إلى سنة 370 م

– اجمع المؤرخين على أنه ولد سنة 345 أو 349 م. ثم حدث أن توفى والده بعد مولده. ولما كانت والدته أنثوزا على إيمان مسيحى، وكانت فى سن العشرين ففضلت البقاء أرملة مع ابنتها وإبنها فلم تتزوج. ثم ماتت الابنة بعد فترة من الزمن، فنذرت أنثوزا نفسها لتربية ابنها يوحنا. وكانت تخدم النساء الأرامل، وتقضى إحتياج الفقراء وعكفت على ممارسة أفعال التقوى والرحمة. وإهتمت إهتماماً خاصاً بتربية ولدها على الأخلاق الحسنة منذ حداثته، فعلمته الفضائل المسيحية وأرضعته لبن الإيمان منذ نعومة أظافره، فإنكب على دراسة الكتاب المقدس و مارس الأصوام والصلوات،فلم يخفى الفيلسوف والمعلم ليبانيوس إنبهاره بتربية الام المسيحية انثوزا لأبنها يوحنا . واهتم يوحنا بأشعار الأقدمين واتم علومه في مدرسة ليبانيوس، وبعد إنتهائه من الدراسة، أصبح محامياً الطراز الأول، ونهض بأعباء مهمته على أحسن وجه، رافضاً الرشوة، ومدافعاً عن الحق وطالباً للعدالة.

– المرحلة الثانية هى فترة الرهبنة 370- 380 م

رشحً يوجنا لمنصب قاضى غير أنه اتجه للتكريس والخدمة، فلما سمع عنه ألاسقف ملاتيوس أسقف أنطاكية قربه إليه وتلمذه لمدة ثلاث سنوات، ثم عمده ما بين سنة 369 م- 370م وقال عنه بيلاديوس صديقة عقب عماده : ” منذ أن نال هذا السر لم ينطق بكلمة بطالة وكان عماده بداية إنطلاقه لخدمة المسيح، كما كان العماد بالنسبة له هو باب الدخول إلى الكنيسة، وباب التعرف على رجالاتها، وقد تعلم يوحنا كيف كان ملاتيوس بطريرك أنطاكية يناضل من أجل الإيمان، فإنطلق يوحنا إلى الدير وترهبن بعد وفاة والدته ومن ثم ذهب إلى مغارة حيث سكن بها في الفترة ما بين (374-381) وكان ديئودور راهب وشيخ حكيم ومختبر لحياه النسك والرهبنه فهو الذى قاد يوحنا فى حياته الديرية ودربه على الرهبنة.

وبعد قبول يوحنا سر المعمودية المقدس فى سنة 370 م رسمه الأسقف ملاتيوس شماساً وكان معه فى معموديته عددا من الشباب الراغبين في حياة مسيحية نسكية، فكانوا يمارسون نمطاً من الحياة التوحيدية وكان ليوحنا صديق اسمه باسيليوس (القديس باسيليوس الكبير) تعلم معه في مدرسة ليبانيوس وكان من النوابغ، غير أنه هجر العالم وعكف على دراسة الكتب المقدسة، فأثَّر اعتزاله الدنيا في نفس صديقه، لشدّة ما كان بينهما من روابط الألفة، وبقيت صداقتهما ثابتة الأركان. وصار باسيليوس يتردد على يوحنا، حتى إن الشابين لم يقدرا في ما بعد أن يفترقا فحذا يوحنا حذو صديقه باسيليوس فهجر العالم، وأقبل على الله بكل همّته، وخصص نفسه بكليتها لعبادته، وغيَّر ثيابه،لبس رداء أسود، وتجرد ولزم الصمت وعكف مع صديقه على قراءة الكتب المقدسة ثم أنشأ مع باسيليوس صديقه أخوية نسكية ضمت بعض رفاقهما في التلمذة، وكان معلمه وصديقه وأسقفه الذى دربه هو الأسقف ملاتيوس فاصبح تلميذا له، وأوكل ملاتيوس أمر توجيه يوحنا إلى أشهر وأقدر أستاذ لاهوت في أنطاكيا، وهو ثيودوروس، الذي عرف كيف يغرس حب الكتاب المقدس في قلب يوحنا، واطلعه بعمق على اسرار الدين المسيحي، وقاد خطواته في طريق تعليم الناس، وإرشادهم إلى طريق القداسة. بعدها اشتهر يوحنا ” بذهبي الفم ” لان ‏ كلماته تماثل قيمة الذهب المصفى النقى، وأخذ الشعب يطالب بيوحنا وباسيليوس للكهنوت، وبعد ذلك بلغ مسمعَ يوحنا خبر انتخابه وصديقه باسيليوس للكهنوت، فحزن لذلك، لاعتقاده أنه غير أهل لهذا الشرف السامي، وفي اليوم المعين ذهب باسيليوس وارتسم، أما يوحنا فذهب إلى الصحراء، وإلتجأ مرة أخرى إلى أحد ألاديره راغبا أن يعيش عيشة الرهبان، و التأمل .

– اضعف النسك والتقشف جسد يوحنا، وأنهك قواه، فاصيب بصداع شديد، وألم في معدته، وسبب له وجعاً، وسقط مريضاً، فجسمه لم يقوى على التقشف. ورجليه أصبحتا ضعيفتين لم يقويا على حمله فاضطر إلى العودة إلى أنطاكيا، على أمل نيل الشفاء هناك . ولما كان موقناً أن عناية الله تدعوه إلى الرجوع إلى وسط إخوانه، عاد ظافراً بجسده المقهور، وحاملاً قلباً مطهراً من كل عاطفة دنيوية .

– ودعي ملاتيوس لحضور المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية وترأس أعماله فاصطحب معه الكاهن فلابيانوس، وأوكل يوحنا إدارة شؤون الكنيسة . ثم توفي ملاتيوس أثناء انعقاد المجمع، فبكاه يوحنا حيث أنه كان أباه ومرشده، وكانت إرادة الرب أن إشتهر أمر يوحنا .

أجمع آباء أنطاكية على رسامة فلابيانوس أسقفاً خلفاً لملاتيوس، وهذا بدوره قام برسامة الشماس يوحنا كاهناً سنة 386م بعد أن رأى محبة يوحنا لخدمة الرب يسوع بكل أمانه، على أن القديس مع كونه بلغ السنة الثانية والاربعين، ومن تواضعه كان لا يحسب نفسه أهلاً لنوال هذه البركة ولا يستحق هذه الرتبة الجليلة، وبعد إلحاح فلابيانوس على يوحنا، استطاع إقناعه بقبول هذه الدرجة السامية، فوضع يده عليه في كنيسة القديس بولس سنة 386. أى بعد خمسة أعوام فى الخدمة الدياكونية المملوءة ثناءاً، أحنى القديس يوحنا ركبتيه أمام المذبح لكى توضع عليه اليد ويحمل موهبة الكهنوت، ثم يقوم ويقبل الأسقف وأخوته الشمامسة قبلة السلام فى يوم حافل إحتشدت فيه الكنيسة بالشعب المحب للرب، وبعد رسامته وكل إليه الخدمة والوعظ بين الشعب، وكان الوعظ من اختصاًص الأساقفة فقط فى ذلك الوقت، توافد الناس جموعاً وأفراداً لسماع عظاته والسير تبعاً لخطواته فى الإيمان وعندئذ أطلقوا عليه أسم ” فم الذهب ” لأن الأقوال التى كانت تتدفق من فمه كانت مثل الذهب النقى، وكان شديد التحذير بالنسبة للخطاة وخاصة الأغنياء منهم، فكان ينتهز الفرصة ليقبح سامعيه ويذكر أنواع الرزائل والمآثم مما أدى إلى أن يحبه الكثيرين من محبى البر أما بعض الأغنياء ومحبى الأثم فكانوا يضايقونه.

– المرحلة الرابعة فترة الاسقفية فبالبطريركية من سنة 398 – 403 م

في 27 سبتمبر 397 توفي نكتاريوس بطريرك القسطنطينية وكان قد أشتهر القديس يوحنا في تلك الفترة كثيراً, وكان القصر والأمبراطور يقومون بتعيين البطريرك فأراد القصر الإمبراطوري أن يبحث عن الشخص اللائق أكثر، فاختار الأمبراطور يوحنا ذهبى الفم ليكون بطريركاً. وبقى بطريركاً مدة ستة سنوات فقط.

وفى عيد الميلاد لسنة 404 لم يحضر الإمبراطور أركاديوس الاحتفالات كما لم يشترك فى تناول الأسرار المقدسة كعادة الأباطرة، فإهتز وضع القديس يوحنا ذهبى وضعفت مكانتة فى الأزمة القائمة، فعدم حضور الأمبراطور معناه إعتبار يوحنا محروما ومعزولاً عن كرسيه، وانه لا يأخذ الأسرار من أسقفاً محروماً.

وفى عيد الفصح كان قد فرض حصار على البطريرك القديس يوحنا ذهبى الفم وأصبح شبه معتقل فى دار الأسقفية، ولا يسمح له بالمغادرة وممارسة الطقوس والخدمة الكنسية ولكنه خرج لخدمة عيد الفصح وكان الإمبراطور أركاديوس بالكنيسة فأمره بالخروج منها، فلم يمتثل القديس يوحنا وأجابه قائلاً : لقد تسلمت الكنيسة من يسوع المسيح، ولا أستطيع التقصير فى خدمتها، فإن أردت لى أن أترك هذه الحظيرة المقدسة أطردنى بالقوة، .. وجاء سبت النور، وكانت الكنيسة تستعد لتعميد طالبى العماد والسهر طوال ليلة العيد، فطرد الأمبراطور القديس يوحنا ذهبى الفم من الكنيسة، وحددت أقامته، وحظر عليه الخروج من الكنيسة كما طرد الإكليروس المواليين له من جميع كنائس القسطنطينية .

كما جرت محاولة إغتيال للقديس يوحنا وخاف الشعب على حياة بطريركهم المعتقل خارج دار الأسقفية، فحرسوه بأنفسهم، وتناوب الشعب حراسة دار الأسقفية ليلاً ونهاراً.

بعد ها قرر الامبراطور اركاديوس نفى البطريرك يوحنا ذهبى الفم، وقام بإستدعاء أحد كبار رجاله من المقبولين للقديس يوحنا يطلب منه ترك الكنيسة من أجل السلام العام فخضع الأب البطريرك للظلم الجائر إذ فضل أن يخرج متألما خير من أن يتألم أو يضطهد أو يموت أحد من الشعب،وحتى يضعوا الشعب المحب للقديس يوحنا امام الامر الواقع قام الامبراطور بتعيين الاسقف ارساكيوس اسقفا آخر للقسطنطينية .

– أرسل القديس يوحنا مكبلاً إلى الميناء حيث ألقى فى السجن مدة أربعين يوماً أو أكثر تذوق فيها مرارة الحبس والظلم، ولكن فى وسط هذا الضيق كان يتفقد أحوال الشعب مهتماً بخلاص من هم فى سوريا وفينيقية، ولم تستطيع القيود الحديدية ولا المستقبل المجهول أن تكون عائقاً عن تأدية رسالته فى الخدمة وربح النفوس .

وعندما وصل القديس يوحنا إلى نيقية وضع فى السجن حتى يصدر أمر إمبراطورى بتحديد مكان النفى .وأخيرا صدر قرار الامبراطور بنفى البطريرك يوحنا إلى القوقاز،فى أقصى بلاد أرمينية، كمقر نهائى لنفيه، وجاءت أيضاً أوامر مشددة، أن يكون التعامل معه قاسياً، وأن يواصلوا السفر ليلاً ونهاراً، إجهاداً للبطريرك الشيخ، وهكذا كان الحكم بقتل البطريرك عن طريق إجهاده بالسفر ليلاً ونهاراً حتى يسقط ميتاً من الإعياء،وقد حاول القديس يوحنا تغيير مكان نفيه حيث سجل هذا الطلب فى إحدى رسائله فقال : لم أستطع ان أحصل على هذا الرجاء البسيط الذى لا يرفض للمجرمين، وليكن اسم الرب مباركاً.

ولتكن بركة هذا القديس العظيم ذهبى الفم معنا آمين.