صوم الرسـل

صوم الرسـل

هو الصوم الذي يسبق عيد القديسين بطرس وبولس. والذي يقع في اليوم الخامس من شهر أبيب، الموافق التاسع والعشرين من شهر يونيو حسب التقويم الغريغوري المصحح، ويوافق الثاني عشر من شهر يوليو حسب التقويم اليولياني غير المصحح. ولذلك يفطر الأقباط الأرثوذكس يوم الثاني عشر من شهر يوليو، بينما تفطر باقي الكنائس الأرثوذكسية مع الكنائس الكاثوليكية يوم التاسع والعشرين من شهر يونيو. وكان يسمى سابقا “صوم العنصرة”.

نشأة صوم الرسـل
قال البعض(1) صام الرسل أنفسهم هذا الصوم بعد صعود الرب إلى السماء، مستندين على جواب الرب يسوع على تلاميذ يوحنا المعمدان، عندما سألوه قائلين: “لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا وتلاميذك لا يصومون ؟ فأجابهم يسوع أتنتظرون من أهل العريس أن يصوموا والعريس بينهم ؟ لكن يجيء وقت، حين يُرفع العريس من بينهم، فيصومون” (راجع متى 9/14، 15، مر 2/18- 20, لو 5/33-35). لكن ليس لهذا الرأي أي سند تاريخي يعضده. فقد ورد أول نص تاريخي ثابت يشير إلى صوم العنصرة في الدسقولية أو تعاليم الرسل: ” وبعد أن تكملوا عيد الخمسين، عيدوا أيضا أسبوعا آخر، ومن بعد ذلك صوموا أسبوعا آخر، لأنه واجب أن نفرح بموهبة الله التي دفعها لنا ثم تصومون بعد الراحة” (2). ليس لدينا بعد هذا النص أية معلومات عن ممارسة صوم الرسل في الكنيسة القبطية إلى القرن الحادي عشر، عندما أدرجه البابا خرستوذولس بين قوانينه عن الصوم. ولكن الخلاف قائم حول هل يُصام بعد أن يُعيّد للعنصرة أسبوع كامل، كما ورد في الدسقولية أم بعد يوم العنصرة مباشرة.

2- متى يبدأ صوم الرســل
أ- بعد أن يُعيّد للعنصرة بأسبوع كامل
أول نص يحدد هذا الوقت هو الذي سبق ذكره والذي ورد في الدسقولية ويُعد أقدم نص أشار الي هذا الصوم , والذي سمي “صوم العنصرة” وأخذ اسم “صوم الرسل” (3).

ويوصي هذا النص بأن يصام صوم الرسل، بعد أن يُعيّد للعنصرة أسبوع كامل، وتكون مدة الصوم أسبوعا واحدا. وهكذا فهمته الكنيسة اليونانية، فالروم الأرثوذكس لا يبدأون صوم الرسل إلا بعد أن يُعيّدوا للعنصرة أسبوعا كاملا، وبعده يبدأون الصوم والذي يمتد إلى اليوم التاسع والعشرين من شهر يونيو عيد القديسين بطرس وبولس حسب التقويم الغريغوري المصحح. فينقص عندهم إحدى وعشرين يوما عن مدته عند الأقباط الأرثوذكس الذين يبدأون صوم الرسل بعد عيد العنصرة مباشرة , ولا ينتهي إلا اليوم الثاني عشر من شهر يوليو، عيد القديسين بطرس وبولس حسب التقويم اليولياني غير المصحح، فقد صام الروم الأرثوذكس في عام 1994 صوم الرسل يومين فقط، حيث وافق عيد العنصرة يوم التاسع عشر من شهر يونيو وصاموا بعده بأسبوع أي يوم السابع والعشرين، والعيد يوم التاسع والعشرين من نفس الشهر، فصاموا يوم السابع والعشرين والثامن والعشرين (4).
ب – ثاني يوم العنصرة
نجد أول إشارة إلى أن صوم الرسل يبدأ بعد عيد العنصرة مباشرة، في القوانين التي وضعها البابا خرستوذولس في القرن الحادي عشر الميلادي: “ويجب على المؤمنين صيام الرسل الحواريين الذي هو بعد الخمسين، شكرا لله على ما أنعم به علينا من موهبة الروح القدس، صياما متصلا إلى يوم الخامس من أبيب ويُعيّدوا فيه كما جرت العادة” (5).
ويليه ابن العسال فيقول: “ثم صوم التلاميذ وهو يتلو الخمسين، وفصحه خامس أبيب عيد بطرس وبولس (6). ويقول ابن كبر: “صوم الآباء القديسين التلاميذ، وسمي صوم العنصرة، أوله يوم الاثنين الذي بعد تمام الخمسين، وأخره الرابع من أبيب ليلة عيد تذكار شهادة الرسولين السليحين بطرس وبولس، وهو من الأصوام التي أُجريت مجرى الأربعاء والجمعة، يُصام فيه إلى التاسعة، ولا يُؤكل فيه شيء من اللحوم سوى السمك ومن الناس من يأكل فيه اللبن والجبن والأفضل تركهما”. ثم يذكر ما ورد في الدسقولية بأن يجب أن يصام بعد العنصرة بأسبوع فيقول: “وهذا يقتضي أن يكون صوم الآباء التلاميذ المُسمى صوم العنصرة بعد أحد البندقسطى بثمانية أيام” (7).
يذكر ابن كبر هنا ما كان يجري في أيامه، إلا أنه لا يحدد هل يُصام بعد العنصرة مباشرة، أم يُتّبع ما جاء في الدسقولية بأن يُصام بعد العنصرة بأسبوع. فيتضح أنه حتى في أيامه كان هناك خلاف حول تحديد بداية هذا الصوم.
3 – في القرن السابع عشر
أمر البابا غبريال الثامن البطريرك السابع والتسعون، في قرار تعديل الأصوام الذي أصدره في سنة 1602 أن يكون لصوم الرسل ميعاد ثابت ولمدة أسبوعين فقط، “أن يكون صوم الرسل من يوم عيد العذراء 21 بؤونه وفصحه في اليوم الخامس من أبيب” (8). ولكن الكنيسة القبطية عادت بعد نياحته إلى صوم الرسل كما كان عليه قبل التعديل.
4 – في القرن العشرين
جرت محاولة جديدة لتعديل الأصوام في القرن العشرين، حين أراد المجمع المقدس في أيام البابا يوساب الثاني (1946- 1956) أن يُعّدل الأصوام، لأنها أكثر من اللازم، ووافق الكل على التعديل ما عدا ثلاثة من الآباء الأساقفة، كانت لهم ظروف صحية خاصة تمنعهم وتعفيهم من الصوم. وقد أصر ثلاثتهم على أن تظل الأصوام كما هي، وأن لا تُعّدل، متمسكين بالقول: “كما تسلمنا الأصوام نُسلمها”. وانتصر رأي الثلاثة حيث وافق الآخرون، خوفا من اتهام الشعب لهم بتغيير تقاليد الكنيسة، رغم اقتناعهم جميعهم بضرورة التعديل (9). وفي هذه الحالة لم يتم التعديل. واستمرت الكنيسة القبطية على صوم الرسل كما حدده البابا خرستوذولس في القرن الحادي عشر إلى يومنا هذا (10).
5 – مدة صوم الرسل
مدة صوم الرسل حسب النظام الذي تسير عليه الكنيسة اليوم متغيرة , لأن هذا الصوم , وإن كان ينتهي بيوم ثابت وهو الخامس من أبيب، إلا أنه يبدأ في موعد متغير نظرا لتغير عيد الخمسين، وهو بدوره متنقل تبعا لعيد القيامة المتنقل أيضا، والقاعدة المتبعة تسمى “قاعدة الــ 81 يوما” ( وهي أن مدة الرفاع التي بين عيد الميلاد وبدء الصوم الكبير بالإضافة إلى صوم الرسل لابد وأن تكون 81 يوما )، فكلما زادت مدة الرفاع نقصت مدة صوم الرسل والعكس بالعكس. فمثلا السنة التي تكون فيها مدة الرفاع 50 يوما يكون صوم الرسل 31 يوما فقط (11).
وتتراوح مدة صوم الرسل في الكنيسة القبطية عادة من 15إلى 49 يوما.

خلاصـــة
– صوم الرسل هو الصوم الذي يسبق عيد القديسين بطرس وبولس، والذي يوافق يوم الخامس من شهر أبيب، والذي تحتفل به الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم الثاني عشر من شهر يوليو، بينما تحتفل به باقي الكنائس الأرثوذكسية مع الكنائس الكاثوليكية يوم التاسع والعشرين من شهر يونيو.
– حددته الدسقولية بأسبوع واحد , يُصام بعد أن يُعيّد للعنصرة أسبوع كامل , وهكذا حفظ في الكنيسة وسمي بصوم العنصرة.
– يبدأ في الكنيسة اليونانية بعد الاحتفال بعيد العنصرة أسبوعا كاملا، ويمتد إلى اليوم التاسع والعشرين من يونيو عيد الرسولين بطرس وبولس.
– لم تعرفه الكنيسة القبطية، حتى القرن الحادي عشر، عندما حدد البابا خرستوذولس في قوانينه بأن يبدأ بعد عيد العنصرة مباشرة، ويمتد إلى اليوم الخامس من أبيب الثاني عشر من يوليو عيد القديسين بطرس وبولس حسب التقويم اليولياني.
– يذكر ابن كبر في القرن الرابع عشر أن بعض الأقباط كانوا يأكلون فيه اللبن والبيض، ولكنه يعلق على ذلك بقوله: “والأفضل تركهما”.
– حدده البابا غبريال الثامن في القرن السابع عشر بأسبوعين. ولكن الكنيسة القبطية بعد وفاته عادت إلى صومه حسب قوانين البابا خرستوذولس.
– تختلف مدته من سنة إلي سنة لأنه ينتهي في يوم ثابت وهو الخامس من أبيب, إلا أنه يبدأ في موعد متنقل تبعا لعيد القيامة المتنقل بدوره، وتتراوح مدته في الكنيسة القبطية من 15إلى 49 يوما.
– حاول المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية تعديله في عهد البابا يوساب الثاني، بأن يكون كما قرره البابا غبريال الثامن، ولكنه لم ينجح في ذلك.
– يطالب اليوم كثير من أعلام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بتعديله وتثبيت مدته

الأب/ يوحنا زكريا نصرالله
راعي كنيسة السيدة العذراء
جزيرة الخذندارية – طهطا- سوهاج