ضربات موجعة: قصة من واقع الحياة

ضربات موجعة: قصة من واقع الحياة

تأليف/ أنجيل بولس جرس

أعزائي القراء، أريد ان اشرككم هذه القصة التي مررت بأحداثها الموجعة والحزينة والتي حفرت في الكثير من اليقين، على أمل أن تغرس في قلوبكم بذور الرجاء والإيمان والمحبة.

أنا الآن امرأة في خريف العمر تزوجت صغيرة جدا، أي في بداية عمر المراهقة، ولم أكمل تعليمي بسبب وفاة ابي ولكنني استسلمت لمشيئة الله وعشت حياتي راضية بكل ما يأمر به الله والأهل.

 وقد مررت في حياتي بلحظات كفاح قاس فكنت احفر بيدي في صخرة الحياة بلا كلل. انجبت بعد ثلاثة سنوات من زواجي واعطاني الله طفله جميلة. كانت فرحتي بهذه الطفلة التي غمرت بالسعادة حياتي، وأصبحت لا افكر إلا فيها ووفي تمضي كل الوقت معها لدرجة أنني كنت أحيانا ايقظها من النوم كي لا تغيب عن نظري، من شدة ولعي بها. كانت لي كل شيء!

ثم بدأت بعدها في انجاب العديد من الأبناء الأولاد والبنات لأن زوجي كان يحب كثرة الأولاد وانا أيضا. وكم كانت سعادتي وسعادة زوجي بهؤلاء البنين، لأننا نحب العزوة كما يقولون. وضعت في أبناء كل آمالي واحلامي وحرصت كل الحرص بان اغرس فيهم الرغبة في النجاح والتفوق في كل شيء، وغرست فيهم أولا حب الصلاة وثانيا حب العلم الذي حرمت انا منه، كما بالغت في أن أغرس فيهم حب النظافة وحسن المظهر والأناقة.. وكم سهرت الليالي ازرع فيهم الطموح والرغبة في التقدم والتطلع إلى الامام وحب العطاء وسمو الأخلاق كي يكونوا قدوة ومثلا للجميع في كل الفضائل، التي تعلمتها في مدارس الراهبات.  وقد اعطيتهم من شخص والدهم ومن ذاتي القدوة والمثل في معاملة الناس وفي منح الحب للجميع… كما غرست فيهم الرغبة في التمييز عن اقرانهم في كل شيء، كي يكونوا مثل النجوم الساطعة في أي مكان يوجدون فيه. وكنت حريصة على تعليمهم أهمية أن يكونوا رحماء ومتواضعين… والحمد لله الذي وفقني في ذلك من خلال أسلوب الحب المصحوب أيضا بالحزم. وبقدر ارتباطهم بي وحبهم الشديد لي والاحترام الزائد لأبوهم وفقني الله، بعد مثابره وجهد كبير، في الوصول بهم لتحقيق نجاحات مفرحة ومبهرة في العلم والأدب والأخلاق التي ينفردون بها. في الحقيقة، لقد  كانت رحلة كفاحي وكفاح زوجي مثمرة فأعطاني الله أكثر مما طلبت حتى في مشوار حياتهم وارتباطهم بأزواجهم وزوجاتهم كم كانوا موفقين حتى منّ الله عليهم بكل ما يصبون اليه فصاروا مثل النجوم الساطعة والحمد لله.

نعم يا ربي كم أنا شاكرة لكل عطاياك الوفيرة، والان بحمد الله، وبعد أن نجحت في تربية أولادي وبناتي، بدأت أفر في مشوار حياتي الطويل والمليء بطموحات كثرة لا تنتهي، ولذا بدأت أفكر في سباق الزمن كي أستطيع تحقيق كل ما تصبوا اليه نفسي. المهم فرغت من مسئولياتي الكثيرة وبدأت أفكر في نفسي وأتساءل من انا؟ ولماذا لم اتعلم؟ ولماذا لم أحصل على شهادة جامعية مثل أقراني؟ ولماذا يكتب حتى الان في بطاقتي الشخصية باني ربة منزل؟ وكنت اكاد أن اجن من كثرة التفكير ومن هذه الأسئلة: فكيف لي أن اتعلم وأنا في مثل هذا العمر؟ كيف لي ذلك؟ ولأني لم أستطيع التغلب على رغبتي في ان أكمل تعليمي، وكنت أشجع نفسي وأتسأل: لماذا لا؟ فانا انسانة منحني الله قدرة كبيرة على التحمل وتحقيق الذات، وفي داخلي عطش شديد إلى إتمام دراستي، لماذا لا استغل هذه القدرة الكبيرة التي جربتها في العديد من الدراسات، كتعلم التفصيل، واللغة الإنجليزية في المعهد البريطاني …

المهم سألني زوجي: ما بكِ شاردة وحزينة؟ فقلت له: أنت تعرفني ولديك ثقة كبيرة في وفى قدراتي، فقل لي لما لا أكمل تعليمي؟ أنت تعلم مدى حبي للقراءة وأنها هوايتي الاولي والمفضلة، وقد قرأت تلالا من الجرائد والمجلات التي كنت اشتريها بلهفه، لدرجة أنني عندما كنت راجعتها أجد نفسي قد قراتها أكثر من مرة… فقال لي زوجي: ولما لا، فالدراسة ستكون منزلية فان وجدتي صعوبة تراجعي بدون تردد، ولن تخسري شيئا من المحاولة… فلماذا لا تجربي؟ احسست بضوء قوي يضيء لي الطريق، فبدأت من الصفر وجدت نفسي ألتهم العلم مثل الأرض المتعطشة للماء، وسرت بسرعة تفوق الزمن من الابتدائية إلى الإعدادية إلى الثانوية بتفوق والحمد لله… وبدون الدخول في التفاصيل وجدت التنسيق يرشحني للدراسة الجامعية… ولحسن الحظ كانت الجامعة قريبة من منزلي، وكان زوجي الغالي يرافقني في كل هذه المسيرة بفرح وبسخاء ويوفر لي مصروفات الجامعة… وكانت الجامعة انتظامية أي يجب ان اذهب، مثل أي طالب، إلى الجامعة يوميا، ويجب أن أتواجد في  كل المحاضرات، وأن أذهب إلى كل الأماكن السياحية التي ندرس فيها…

كنت كثيرا ما اتسأل بيني وبين نفسي: ماذا افعل في نظرات الناس وفي تعليقاتهم وسهام السنتهم التي تكدر صفو حياتي؟ ولكني هيأت نفسي لهذا كله فقد كانت دراستي السابقه كلها منزلية، بدون ذهاب إلا في أيام الامتحانات فقط. اما الان فقد أصبحت الدراسة انتظامية فماذا افعل يا ربي؟ تماسكت وطلبت من الله ان يساعدني على هذه المسئولية الكبيرة التي يخشاها صغار السن… فما بالك بي أنا التي اثقلتها الحمول والمسئوليات الكثرة… المهم طلبت من الله المعونة وذهبت إلى الجامعة وانا مصممة على التفوق واحترام الذات وأخذ الأمور بجدية شديدة… وكنت اشجع نفسي وأقول: لماذا تهابي دراسة الجامعة؟ وأنت التي تفوقت في الابتدائية والاعدادية والثانوية، وتغلبت على الكثير من الصعاب، بحمد الله، وبسبب تفوقك رشحك التنسيق لهذه الكلية المرموقة التي يتمناها الكثيرون. وأراد الله أن تكون هذه الجامعة هي ذات التخصص التي كانت ابنتي الصغرى تدرسه.  وقد كنت معجبة بدراستها لتلك المواد التاريخية وأيضا اللغة الهيروغليفية التي تشبه رسومات الأشياء والطيور… نعم لديَّ حب شديد وفضول لدراسة التاريخ والتعمق فيه، وأنا اعلم أن ابنتي ستساعدني، وقد فعلت ذلك بحب كبير، ولن انس لها مساعدتها لي في اغلب المواد.

في الحقيقة، قد وجدت التشجيع من الجميع حتى ابنتي الكبرى التي تعمل كقاضية، قد ساعدتني في دراسة المواد القانونية، وكذا ابنتي الطبيبة التي سهلت على دراسة المواد العلمية… نعم وبفضل الله وجدت كل ما احتاج إليه في دراستي كالكمبيوتر والمواد الرياضية التي ليس لي حيلة بها. كنت أجد ابنائي وبناتي يساعدوني في كل شيء احتاجه، وكانت أيديهم معي دائما.

المهم ذهبت إلى الجامعة وانا مصممة على التفوق وعلى أخذ كل شيء بجدية شديدة، والحمد لله بسرعة كبيرة، وبدون مبالغة، اكتسبت احترام وتقدير أغلب الأساتذة والدكاترة. كنت ادرس حوالي 12 مادة، بين نظري وعملي، وقمت بعمل برنامج كي لا أؤجل أي مادة، بل اقوم بتلخيصها واضع كراسة لكل تخصص على حده، قليلة ومعقولة وسهلة للمذاكرة، لأعود إليها للمرجعة في أوقات الامتحانات. وحرصت الا تفوتني أي محاضرة، بالرغم من الضغط الكبير علي، لكني كنت حريصة ان لا يشعر زوجي باي تقصير في أي شيء يُطلب مني. كنت لا أنام أكثر من ثلاث ساعات فقط حتى أقوم بكل أعمال المنزل واعداد الطعام، حتى إذا عاد ابنائي يجدون كل شيء على ما يرام. كنت أسهر طوال الليل لعمل الملازم والأبحاث التي تُطلب مني، لدرجة أني كنت اذهب إلى الجامعة في كثير من الأحيان بدون نوم.

المهم تسللت إلى قلوب الأساتذة والدكاترة جميعا، وكانوا يقولون للطلبة تعلموا من هذه السيدة الجادة التي لا تضيع الوقت في أمر تافهة، بل تستفاد من كل لحظة.، لدرجة أنهم أوكلوا لي العديد من المهام، مثل اخذ الغياب والحضور وجمع الملازم من السكشن وتنظيم الرحلات… كنت انا الوحيدة المسموح لها بالذهاب إلى مكاتبهم،  في أي وقت. وكنت دائما أبحث عن الطلاب المتفوقين للتمثل بهم، واطالع ابحاث المتفوقين لأن ما يهمني هو فقط التفوق. كنت اذهب كثيرا إلى مكتبة الجامعة كي اطالع المراجع واتعرف على المصطلحات العلمية. فوجدت، بفضل الله، تقديرا كبيرا من المسؤول عن المكتبة الذي كان يقول لي: أنا مثلك قد أكملت تعليمي في سن كبير، ولقد وجدت من ساعدني، وسوف اساعدك وامدك بكل ما يلزم من أبحاث ومراجع، وسأسأل الطلبة زملائك وآخذ فكرة عما هو مطلوب كي اجهزه لك واعده اعدادا جيدا لتطالعيه فقط… كم وفر علي هذا الانسان الكريم علي من وقت وجهد! لن انسي له أبدا هذه الوقفة الإنسانية.

لقد شعرت بيد الله ترعاني حتى عندما ذهبت إلى مكتبة قريبة كي اصور الملازم، ووجدت صاحب المكتبة يقول لي: لا تخافي، فاغلب الدكاترة يأتون إلى كي اصور لهم ملازم الامتحان، وسوف أصورها لك أيضا كي تكون في يدك كل الملخصات قبل الجميع… كل هذا جعلني أقول: ربي انت معي فكم انا مدينة لك وبعمل يديك… حتى اغلب الزملاء، برغم فارق السن، كان لي حضور قوي معهم… وكلما كانت تطلب مني أجندة المحاضرات كنت اعطيها لمن يحتاج أن يصورها، لان بعضهم لم يكن يواظب على الحضور كل الأيام، أما انا فكنت مواظبة، ولا تفوتني أي محاضرة، حتى ولو صغيرة…

لقد وجدت، بحمد الله، أن الكل يتوددون لي ويتقربون منى، حتى أنهم كانوا يشركوني معهم في مشاكلهم الشخصية… لقد كنت أمر بأحلى أيام حياتي وبأجمل مراحل عمري التي عشتها، وكنت أتذكر كم كُنت خائفة من هؤلاء الشباب الذين أراهم الآن متعثرين، ومترددين، وغير مدركين في كثير من الأحيان لمعنى العلم. وكنت استغرب من خوفهم من الامتحانات واعتماد بعضهم على أسلوب الغش، واتساءل لماذا كنت أخاف منهم وقد صاروا اقزاما في نظري ؟ كنت انظر لهم بشفقه وعطف واتسأل لماذا لا يأخذون الأمور بجديه؟ كم من مره كنت أرى المراقبين وهم يقولون لهم: لماذا لا تكونوا مثل هذه السيدة التي أجابت على الامتحان بجدارة، وسلمت الورق بكل ثقه وهي فرحة… والله نحن فخورون بها ونشجعها من كل قلوبنا، إنها نموذج يحتذى به للكفاح… لدرجة أن الأساتذة، عندما كان المفتشون يأتون إلينا أثناء المحاضرات، يقولون لي: ارفعي يدك للإجابة، و لا تترددي فإجاباتك واثقه ومعبرة… وكم من مره أغضب بعض الأساتذة أن الطلبة يتكلمون بينما هم يشرحون؟ وكم من مره كانوا يقولون لهم: انتبهوا للمحاضرات واسالوا زميلتكم كي تستفيد منها او انظروا اليها كم هي مصغية للشرح… نعم بفضل الله اكتسبت ثقة الجميع.

كان زوجي يستيقظ من النوم فيجدني أذاكر ويقول لي: يكفي حبيبتي، حرام عليك نفسك، كوني رحيمة مع نفسك.. فأجيبه: إنها الدراسة وليست منحة فعند الامتحان يكرم المرء او يهان. فالدراسة هي تحصيل للمعلومات واستيعابها جيدا ليكن المرء قادرا على الإجابة، إنها جهد وتعب، وليست منحة من أي انسان. وانا بطبعي جبانة ولا اعرف الغش في الامتحان ولا اقبله، وليس لي سوى أن أجتهد وأجتهد وأجتهد…

لا اطيل عليكم انها قصه طويله جدا لجهد يفوق مقدرة أي انسان لا يتمتع بأراده قوية وحديدية وعزيمه صادقة.

في يوم من الأيام وأنا واقفه أمام الجامعة أنتظر وصول الأتوبيس وجدت شابا وسيما وفارع الطول يبتسم لي، وقد كان ملامحه مثل الملائكة، وقد اقترب مني وبدأ يناديني باسمي… ولأني كنت معروفه بقوة الشخصية وبحدة النظرة، فقد نظرت إليه نظرة تحرج أي انسان يحاول أن يتخطى حدوده او يقترب منى… نظرت إليه بغضب شديد فوقف وتسمر في مكانه وهو في غاية الخجل وقال لي: لا تفهميني خطاء، فقد ارسلني اليك الدكتور إبراهيم، وقال لي إذا اردت النجاح والتفوق فتعرف على هذه السيدة، فهي تعمل بجدبة منقطعة النظير، ولذا أتيت لحضرتك كي تشرحي لي بعض المواد الصعبة والتي لا استطيع فهمها، ولا سيما الهيروغليفية التي لا أعرف حتى كتابة حروفها، لأنها لغة اندثرت وهي تكتب ولا تنطق، وعند ترجمتها إلى العربية والإنجليزية وتعرب بإعراب اللغتين… فنظرت إليه بعطف، لأنها فعلا مادة ثقيلة جدًا، قد تغلبت عليها عبر كثرة اصغائي إلى شرح الدكتور إبراهيم، ومن خلال رسم الكلمات، وكنت استوعبها جيدا لدرجة أني بدأت احضر قاموسا للتعرف على هذه الغه والتغلب على أي صعوبة فيها… المهم قلت له غدا اراك في مكتبة الجامعة، فشكرني وذهب في خجل شديد، فتأثرت جدا لأني كنت قد نظرت له بهذه الطريقة، وذهبت إلى البيت متضايقة، وحكيت لزوجي فقال لي: اسألي الدكتور إبراهيم هل هو الذي أرسله واذا كان من طرفه فاجلسي معه وتعاملي معه بكرم اخلاقك…

وفي اليوم التالي ذهبت وسألت الدكتور إبراهيم: هل أرسلت لي شابا كي أساعده فقال لي: من كثرة المشاغل نسيت أن اكلمك عن هذا الشاب الذي لديه احمال ثقيلة، وله أم تحبه وتخاف عليه، وتأتي بدون علمه وتحكي لي عن ظروفه واحماله الصعبة… إنه إنسان ممتاز اخلاقيا وانا وعدت امه اني اساعده، ولثقتي فيك وارسلته اليك وأرجو أن تمدي له يد العون…

تقابلنا في المكتبة ووجدته يجلس في مكانه وينظر لي بخجل كي لا يحرجني او يحملني همه، فذهبت إليه وقلت: إلى ماذا تحتاج؟  فقال: اريدك ان تشرحي لي هذه المادة، لأني لا افهم كيف تقرأ أو تكتب، وكلها رسومات غريبه، وانا بطبيعتي ضعيف في مادة الرسم. فقلت له: افعل مثلما فعلت أنا. قال لي: ماذا فعلت؟ قلت له: عليك ان تصور من الكتاب الاحرف الأبجدية والعربية واحضر قلم رصاص … فذهب مسرعا وصور لي عددا من الاوراق فقلت له تعرف على حروف اسمك واقطعها بالحروف العربية، وانا سأقص لك الحروف الهيروغليفية… واخذنا نرس على الورق ونقص حروف الاسماء التي يريد كتابتها بداية باسمه واسم ابيه باللغتين… وكنت أقول له: انظر كيف تتطابق الحروف على بعضها، عليك فقط أن تبدأ بالتعرف على هذه الاشكال، وكيف ترمز مثل الحروف العربية او الإنجليزية، وعندما تتعرف عليها، اكتب أسماء اخرى وقص الحروف وفي خلفها حروف عربيه كي تتذكرها … وقصصت له اسمه وأسماء أقاربه وألصقتهم على اجندته .. كم كانت فرحته، فشكرني وقال لي: ليتك كنت أنت دكتورة هذه المادة! فقلت له: انا مستعدة لمساعدتك حتى تتقن قراءة وكتابة هذه المادة، فتمتم ببعض الكلمات التي فهمت منها بانه يعمل طول الليل، ولا ينام حتى يأتي إلى الجامعة، وأنه يأتي من منطقه تبعد عن الجامعة كثيرا… فحاولت أن أطمئنه وقلت له: اذا لم يكن لديك وقت لعمل الملازم الكثيرة والبحوث والمراجع التي تطلب منا فسوف اساعدك واعمل لك نسخه مثل نسختي تماما، صدقني من الان سوف اعطي لك كل الترجمات والبحوث… فرأيت عيناه تدمعان من شدة الفرح وقال لي: كيف يكون هذا وانت تعلمي أن الجميع في هذا المدرج الجميع يخفي أية معلومة عن الاخر؟ فقلت له: من اليوم سوف اعتبرك ابنا لي وسوف اساعدك بكل ما املك … ومنذ ذلك اليوم كنت كلما أكتب بحثا او اشتري ملزمة اصور له نسخه مثل نسختي، وكذلك المحاضرات العملية، التي كنت اكتبها بنفسي واعيد شرحها له مرة ثانيه.

وذات يوم التقيت بالدكتور إبراهيم الذي سألني: ماذا فعلت في هذا الشاب صاحب الظروف الصعبة؟ انه اصبح يقدم كل ما يطلب منه ولديه فكرة كبيرة عن اغلب المواد، حتى اخبرتني امه أنه اصبح يعطي وقتا للمذاكرة، ويرسم لها اسمها بالحروف المصرية القديمة وهو فرح جدا … فشكرت الله ومرت بنا الأيام ووفقنا الرب وظهرت النتيجة ورأيت اسم أمير بين الناجحين واتي إلى بيتي كي يقدم الشكر لي ولزوجي الذي غمره بحبه، فكان عندما يأتي إلى المنزل ولا يجدني يقوم زوجي بإعطائه صور الملازم التي اتركه له … وكم كانت فرحة زوجي عندما سمع بنجاح أمير وبارك له في التلفون قبل ان يأتي إلى البيت، واعطاني أمير امه على الموبايل كي تشكرني، وسمعت صاحبة الصوت الحنون وهي تدعوا لي وتشكرني لمساعدة ابنها الوحيد الذي حمّلته الدنيا الكثير، ووعدتها باني مستمرة في مساعدته حتى النهاية.

 ومضت بنا الأيام والسنوات وانا على عهدي مع أمير وعلى تواصل مع امه أيضا، أقدم له كل ما يحتاج له، ووصلنا إلى السنه الثالثة. وكانوا في الجامعة يسألوني من يكون أمير؟ هل هو ابنك؟ أقول لهم: أنتم جميعا ابنائي! وكنت الاحظ زميله لأمير تحبه وتقترب منه وتتودد لي، فسألته: من تكون هذه الفتاة الجميلة. فرد علي بخجل شديد: إنها جارتهم تأتي معه كل يوم، وتعتمد ايضا عليه في المواد الكثيرة التي اعطيها له. وأكد لي أنها تحبه وتتودد له… والله أنا أيضا احبها انها جميله ورقيقه ومهذبة …

وفي يوم رن على الموبايل وجاءني صوت أم أمير وهي تقول لي سوف نحتفل هذا الأسبوع بخطبة أمير على زميلته “منى” وانا اعلم انك تحبينهما وتفرحي بهما مثل اولادك، وهم يخافوا بان يحملوك أعباء اكثر مما تحملت معهم، فطلبوا مني ان اكلمك انا بالنيابة عنها، لأن أمير يصفك بأنك أمه الثانية، ويؤكد أنه فرحته لن تتم إلا بوجودك ووجود زوجك الذي يحبه أمير … فوجودكما شرف كبير جدا، وسوف تمتليء قلوبنا فرحا بوجودكما معنا…

كانت هذه الدعوة الكريمة في الحقيقة ثقيلة بعض الشيء على قلبي لأنهم يسكنون في منطقة بعيدة جدا عنا وسوف نتأخر في الليل … غير أن زوجي الحنون قال لي: لنذهب لمشاركة هذا الشاب فرحته، وبدأ يعد ظرفا من النقود ويكتب عليه التهنئة ويشتري هديه جميلة كي يفرح قلب أمير الذي كان يحبه مثل أولاده، وكان يعلم مقدار محبة أمير له … فذهبنا وكانت فرحة الكل باستقبالنا غير عادية، لدرجة أن العروسان قد جريا نحونا كي يستقبلانا بالأحضان. ورأيت أم أمير الطيبة وكل افراد عائلتهم يعرفوننا ويعاملوننا كأننا منهم. كان زوجي يشاركهم فرحتهم وكأنه أحد قاربهم. وشاركتهم انا أيضا فرحتهم غير أن فكري قد ذهب وأنا أنظر للعروسين، في الحمل مستقبلهما، وفي كيف سيستعدان لمجابهة السنة الدراسية الرابعة أي سنة البكالوريوس التي عادة ما تكون صعبه جدا وتحتاج إلى تركيز، وكيف سيتمكنون من التوفيق بين هذه المهمة وباقي المسؤوليات الأخرى. وشاركت أم أمير بهذه الخواطر فقالت لي: خليها على الله، فليس لي غيره وسوف أترك له هذه الشقة الكبيرة، لنعيش معا، لأننا محتاجين لبعضنا. فقلت لها: الله يكون معكم لكن دراسة العام الاخير عادة ما تكون صعبة فاحرصي على تشجيعهما في المذاكرة. فقالت لي: بكل تأكيد سوف أشجعهما على الحصول على البكالوريوس، وساعد لهما كل ما يلزم من فرش وتجهيزات. واخبرتني أيضا أن لأمير مبلغ من المال في المجلس الملي من ارث ابيه لا يستطيع صرفه بدون أوراق الخطوبة او الزواج، وسوف يكون عونا كبيرا لنا بأذن الله. فرحت وقلت لها الرب معكم ويتمم فرحتكم وانا سعيدة برؤياكم ومشاركتكم فرحة أمير ومنى وعدنا إلى البيت ونحن في غاية السعادة.

 المهم قاربت نهاية السنة الرابعة. وذات يوم جاءتني منى وهي باكية وحزينة وتخبرني انها حزينة جدا من تصرفات أمير لأنه شارد وليس لديه رغبه في إتمام زواجهما بعكس امه ولهفتها اذ تقوم بعمل كل ما يلزم لاعداد الزواج فقامت بإصلاح الشقة وتجهيز العفش، وهي تسألني هل انت زعلت أمير منك في أي شيء؟ ماباله حزين ولا يتكلم؟ فأجبتها: أنه حتى معي لا يتكلم، وله فترة لا يأتي الى زيارتنا كعهده، ولا اعرف السبب لماذا يتصرف بهذه القسوة؟ وتحكي لي امه انها تفتح عليه باب غرفته أحيانا فتجده يبكي بدون توقف وانا الان ليس لي حيلة سوى اللجوء إليك انت، لأنه يحترمك، ويعمل لك ألف حساب، فأرجوك تكلمي معه وردي على لأننا جميعا في غاية القلق على أمير، ونتسأل ماذا جري له وهو المحبوب من الكل؟ أرجوك ساعديني وردي على لأننا، انا وأمه، في اشد الحيرة… المهم لا أخفيعليكم شعرت بضيق شديد وتساءلت: لماذا حملتني هذه المسئولية وهذا الوضع الذي لا ذنب لي فيه؟ فكيف لي أن اتحدث مع هذا الشاب الصامت الذي لا يبوح لاحد بأوجاعه؟ إنها مهمة صعبة… فتحت الموضوع وتكلمت مع زوجي فقال لي: اطلبيه وقولي له أني أحتاج منه خدمه، وعندما يأتي اتركيني اتحدث انا معه واعرف كل شيء… فطلبت أمير وقلت له إن زوجي يريد منك خدمة. وفي الحال وجدنا أمير يأتي مسرعا. فقالي زوجي: اتركيني انا وامير، واعدي لنا كوبين من الشاي. في هذا اليوم كنت مشغولة، وتأخرت عنهم بضعة ساعات، وهم جالسين جلسة حب وفرح. وبعد ساعات دخلت عليهم فوجت أمير في حضن زوجي وهما يبكيان بكاءً شديداً، فسألت ماذا حدث؟ فقام أمير وتركنا مسرعا، وبقيت انا وزوجي، انظر له وهو يبكي ويواصل البكاء. فقلت له. أعرف ان دموعك عزيزة، فاخبرنِ ما الذي يبكيك؟ أخبرني بكل شيء، وبكل ما قاله لك أمير. فقال: هذا سر ولا أستطيع أن أقول لك أي شيء. فقلت له: وبماذا أرد انا على منى خطيبته، التي جاءت تستنجد بي؟ وأمه المسكينة التي تموت كل دقيقة من الخوف عليه، واي ذنب لهذه البنت المسكينة التي لا تستطيع المذاكرة وهي في مرحله صعبة؟ إن البكاء لا يحل المشاكل… وماذا أقول لمنى؟ هل أمير لا يحب منى ولا يريد ان يتمم الزواج معها. هل يريد ان يتخلص منها؟ فقال: لا فهو يحبها جدا. فقلت له. ارجوك تكلم! فقال زوجي: إذا عرفتم مدي حب أمير لكل اسرته لبكيت، فأمير لا يتحمل بان ينظر في عين امه، ولا أن ينظر إلى منى، لأنه يحبهما أكثر من نفسه، لذلك يهرب منهما، ولا يستطيع مواجهة منى أو أهلها أيضا. إن ظروف أمير أصعب من ان تقال، ولا أحد يصدق ماذا يحمل أمير فوق كاهليه، وهو الان يمر بامتحان قاس. قولي لهم إنه مشغول في الامتحان. وحاولي خلف الاعذار لأمير، لأن ظروفه صعبه. فقلت له: أي ظروف امام موت امه؟ وعذاب خطيبته؟ لقد أوشك الآن بحمد الله ان يحصل على درجة البكالوريوس في الارشاد السياحي، وسوف يجد عملا يأهله للزواج، وستحل كل مشاكله. وما كان من اولادي عندما راو بكاء ابيهم إلا التكلم مع مدير الشركة التي يعملون بها لأنها كانت تطلب موظفين، فقدموا له طلب عمل، ووافق المدير، فجاءوا بطلب العمل ليفرحوا أمير، ويعبرون له عن قربهم منه. لكن زوجي لم يقنع بكل هذه العروض ولم يعد على لسانه سوى التساؤل: لماذا يا دنيا تتعاملي بكل هذه القسوة مع أصحاب القلوب الطيبة؟ وكنت اجاوبه بأن أمير هو شخص محبوب من الكل والجميع يريدون مساعدته. فلا يرد علي، لدرجة أنني صرخت وقلت له: يوجد في الموضوع سر، ويجب الإفصاح عنه. اخذت التليفون وكلمت أمير وقلت له إذا لم تأت في أسرع وقت وتخبرني بكل شيء اقسم بالله بأني لن امسك مره اخري التليفون كي اكلمك، لقد اوشكت الدراسة على الانتهاء، فاذا لم ترد علي اعتبر أن هذه هي أخر مكالمة بيني وبينك. فرد على بصوت مخنوق قائلا: حتى انت يا امي الحنونة تريدين ان تتخلي عني وانا في أمس الحاجة اليك. فقلت له: تعال واحكي لي كل شيء وانا اعدك بان اساعدك من كل قلبي، وانت تعلم مدى قدرتي على تبسيط المشاكل وحلها. فأسرع أمير واتي ومعه ظرف في يده، وقال لي كنت أخاف عليك من شدة الألم ولم أحب ان اوجعك بآلامي. فقلت له: لماذا تتكلم هكذا؟ ألا تتذكر عندما اتيت لي في الجامعة وانت مصمم على ترك الدراسة، ومعا توصلنا لحل وتخطي كل الصعاب؟ دعنا نجرب هذه المرة ونضع في يد الله كل شيء. فقال له زوجي: الم أقول لك انها عنيدة وكثيرة الالحاح. فقال أمير: خذي إذا هذا الظرف واطلبي من ابنتك الطبيبة، وهي ستخبرك بكل شيء حتى تتعرفي على المشكلة. اخذ زوجي أمير في حضنه. فقلت لأمير سنجد بمشيئة الله حلا يا ابني الغالي، ثق بي وبقدرة الله، وانا لن اتركك ولسوف أكون بجوارك حتى وان كلفني ذلك عمري كله. فقال أمير: اشكرك يا أمي الغالية، ولكن مشكلتي هذه المرة بدون حل. فقلت له: دعنا نجرب والله في يده كل شيء. فبدء أمير يخرج من الظرف اشاعات وروشيتات وتقارير طبية. فناديت ابنتي وجاءت مسرعة واخذت تقرأ التقارير وتنظر إلى بحزن شديد، وقالت لنا سوف اخذ هذا الأوراق واعطيه لزميل لي يعمل في نفس التخصص وله خبره في هذا المرض، وذهبت بالفعل إلى زميلها طالبة منه أن يخبرها بكل شيء. فأجابها الطبيب أن هذه التقارير تؤكد أن صاحبه يعاني من مرض سرطان في الأمعاء، وأن حالته متدهورة ولن يعيش أكثر من سنتين، غير أن قدرة الانسان وتمسكه بالحياة وحالته النفسية يساعدانه كثيرا على التغلب على المرض، ومقاومته أكثر… فأخبرتني ابنتي بكل هذا وعندما عرف أمير سألني: هل عرفتي مشكلتي؟ ولماذا كنت اتهرب من منى ومن أمي التي ان علمت فسوف تموت قبلي. وأنتم أيضا كنت لا أحب ان تتجرعوا معي من كأس الألم هذا، ولم أكن أحب ان أرد لك جميلك بهذه الصورة. فقلت له: إن صمتك لن يحل المشكلة، ولن يؤدي إلا لمزيد من الألم لمن تحب وخاصة أمك، التي تذوب من شدة الألم، فانت فلذة كبدها، وهي تشعر بك وبآلامك قبل ان تتكلم أنت. ومن قال، يا ابني، ان الأطباء يتحكمون في اعمار الناس؟ ومن قال لك بان صلوات ودعوات أمك لن تزلزل السماء وتوصل انينك إلى الله وستفتح لك أبواب السماء؟ وأعلم أن خطيبتك إذا علمت بأمرك، ولم تقف بجوارك فسوف يكون هذا عبء ثقيل اراحك الله منه، اما إذا وقفت بجوارك فتكون بهذا قد اختبرت معدنها وحبها لك ومدى ارتباطها بك ومعدنها الطيب والأصيل. فحبها ووقفتها بجوارك سيزرع في قلبك املا جديدا، وحياة سعيدة، وسيمدك بالقوة والامل، وانا اثق في حب منى لك، وأنها لن تتخلي عنك ابدا، وسوف تكون القوة التي تعيش من اجلها والبلسم الذي يداوي جروحك والعون الشديد لك… وأيضا وقوف أمك بجوارك وكل احبائك سيمنحك الكثير من القوة والعون. فقال لي: انا من الان بين يديك وافعلي بي ما يحلو لك ويرضيك، واعدك بأني لن اعارضك في أي شيء.

اسرعت في الحال واتصلت بأم أمير، وأخذت أسالها عن أحوال أمير وكأني لا اعلم شيئا، بل أطلت معها الكلام وهي تروي لي كل شيء عن أمير وتقول لي حتى عندما أتى أولادك كي يأخذوه إلى العمل الجديد والوظيفة الجميلة لم أجد ابتسامة ولا فرحة في عينه، وكم استغرب من حاله، وأنا أصلي وادعوا له طوال اليوم واعلم ان الله يستجيب. فقلت لها: انت ارحتيني من حمل ثقيل كنت اود أن أكلمك فيه، وهو ضرورة الثقة في الله والتمسك به وبإرادته. فردت علي وقالت: كم من مرة صنع الله معي معجزات عديدة، وأقرب معجزه عندما قرر أمير ان يترك التعليم، ولكن بصلاتي ودعائي عوضه الله بك كي تقفي بجواره وتقودينه إلى النجاح وكم كانت رغبتي بان يكمل أمير تعليمه، ولم يقتصر الأمر على التعليم فقط بل منحه الله الإنسانة التي تحبه ويحبها، والوظيفة التي لا يحلم بها ابدا، وقد اختبرنا العديد من المعجزات في حياتنا. فقلت لها: أعرف الان أن لديك ايمان قوي ولذلك اريد ان اتحدث معك في امر هام. قالت لي: اني اثق بك وبكل ما تقولينه وأيضا بحبك لي ولابني واعرف انك مصدر فرح وحب وعطاء في حياتنا، فبربك تكلمي وقولي لي ماذا تريدين ان تخبريني، واعدك بان أكون راضيه بمشيئة الله، واعلم اننا لنا رب سماوي احن علينا منا… فتشجعت واثقة من ايمان هذه السيدة وقلت لها: إن ابنك لديه مرض ويخاف ان أخبرك فتحزني ويكون هو سبب آلامك، وأيضا لا يريد بان يظلم معه منى فهو يحبكما اكثر من نفسه، ولا يعرف كيف يتصرف، لذلك هو يعيش في حزن مستمر، وانا من كثرة ضغطي عليه تكلم معي أخيرًا واخبرني بسبب حزنه وألمه… فصرخت امه وقالت: لا، ليس له حق بان يخفي عني هذا الأمر، فانا بقلب الام اموت من القلق عليه والحيرة ومن كثرة الأفكار، وكم من مره صرخت إلى الله كي يكشف لي ما بداخل أمير، حتى استطيع مساعدته، وان يمد له يده ويرسل له من يساعده… انا وابني بين يديك! فكم من مره ظلمت منى، هذه الابنة المسكينة، التي اراها تموت مثلي، بل وأكثر… اسمعي لي يا أم أمير الثانية، إن منى هي أيضا ابنتي، ورجائي منك الان هو ان تأتي معي كي نذهب إلى بيتها ونصارحهم بالحقيقة، حتى يكونوا على علم، ولا نتركهم يتعذبون مثلي، وليفعل الله ما يشاء، فأنا لا أستطيع أن اذهب وحدي، واخاف من الصدمة…

فأسرعت أنا وزوجي إليها في الحال، واخبرت منى باننا سوف نزورهم في بيتهم بعد قليل، وبرغم فرحة منى الا انها اعتقدت باننا قادمون كي نفك الخطوبة، لان أمير منقطع عنهم منذ فترة، ولا يذهب لزيارتها منذ زمن طويل. وعند وصولنا اليهم وبعد السلامات والترحاب قالت لي أم أمير من فضلك تكلمي فانت، يا امه الثانية، ولا انكر عليكم مدي صعوبة هذا الموقف، وكم كان الكلام ثقيلا، فطلبت من الله القدرة، وبعد مقدمة طويله عن القسمة والنصيب والاعمار والرزق وارادة الله بدأت كلامي وقلت: يعز علي ان اخبركم بان أمير يعاني منذ فترة من مرض عضال، وقد اخبره الأطباء بانه لن يعيش اكثر من سنتين، وهو يحبكم اكثر من نفسه ولا يستطيع مواجهتكم بهذه الحقيقة المرة، ولم يكن يعرف كيف يتصرف، لكن بعد أن ضغطت انا وزوجي عليه عرفنا منه انه يخاف عليكم من هذه الصدمة الحزينة… وقبل ان انتهي من كلامي وجدت منى وكل اسرتها يصرخون ويقولون كيف يكون هذا؟ كيف يفكر كذلك؟ فهو يعرف مقدار محبته عندنا جميعا. وبكت منى وهي تقول: لماذا يا أمير لم تخبرني؟ وكيف تفكر كذلك؟ فإن كنت انا مَنْ مرضت بهذا المرض هل كنت سأخفيه عنك؟ فكيف تفعل بنا هذا؟ هل تخاف علينا من مرضك ولا تخاف علينا من صمتك وغيابك عنا… وجدت الجميع يبكون ويلومون أمير… ووجدت والد منى وامها واخوتها وباقي افراد اسرتها يقولون في فم واحد: من قال لكم بان الأطباء يوزعون الاعمار؟ فنحن جميعا في يد الله الحنونة! فحضنت منى وامها وبكينا جميعا… لقد شعرنا جميعا بحضور الله في هذه اللحظة، وشكرته بصفة خاصة لأنه ساعدني في هذه المهمة الصعبة…

فأخذ والد منى وامها وباقي اسرتها يقولون لنا بأنهم لن يتركوا أمير في هذا الموقف، بل ورغبتهم في إتمام زواجه من منى وامير في أقرب… وقالوا لي أيضا: بماذا تفكري أنتِ وزوجك، هل نراكم أنتم تفعلوا وتتعبوا وتقوموا بكل هذه الاشياء مع أمير ونحن نتخلى عنه؟ لا، والله نحن سوف نكون مع أمير ومع امه ولن نتخلى عنهما ابدا، وسنرفع كل من يحبه أمير على الرأس والعين، وسترون كيف سنتصرف مع أمير… وبدأت الزغاريد تملأ البيت والفرحة تعم على الكل… فقلت لهم: لن أطلب منكم سوى الصلاة من اجل ان يتمم الله شفاء أمير.

 وحين رأيت الفرحة على وجه أم أمير وكم كانت الثقة بالله، ذهبنا جميعا كي نشارك أمير فرحته وان نخبره بان يذهب إلى خطيبته، وإلى عمله، وإلى حياته، وأننا سنكون دائما بجواره كي نساعده في أي شيء قد يحتاج له…

 لقد كانت ابنتي الطبيبة مهتمة بموضوع مرض أمير هي وزميلها، وكانت تتابع جلسات العلاج، وقد أعطت هي وزملائها لأمير كل العناية اللازمة. في الحقيقة، كان الجميع مهتم ويصلي ويسابق الزمن، حتى زوجي، الذي كان يتصل بأمير ويطمئن عليه وعلى احواله، ويدعوا له بالصحة والشفاء. وكان يطلب مني أن اعزم أمير وأمه وزوجته ويستقبلهم بكل الود والفرح، ويعد لهم الهدايا بغير مناسبة… لقد أصبحت مشكلة أمير من أولويات حياتنا… فكم من مرة رأيت زوجي يضع نقودا في ظرف ويذهب لزيارة أمير، أثناء جلسات العلاج ليكون معه وبجواره… ويطلب من أمير أن يزورنا كي يلهيه عن مرضه، ويفرح قلبه ليقاوم مرضه… وفي يوم جاءت ابنتي الطبيبة إلى البيت ومعها زميلها الذي يباشر علاج أمير وهما في غاية الفرحة وأخذا يقولان لنا: نريد الذهاب إلى بيت أمير ويجب أن تكونوا معنا…

 لقد كنا نخاف من هذه اللحظة على عكس أمير الذي كان يظهر لنا قويا ومتماسكا، وممسكا بيد عروسته… وبعد الحاح من ابنتي وزميلها ذهبنا معهما إلى منزل أمير وكان الطبيب مُصِر على اخبارنا جميعا بما تم في علاج أمير… كنت انا وزوجي نخاف من العاقبة لأني انا السبب في ذلك كله… فنظر إلي زوجي ليقول لي ثقي في قدرة الله… المهم جلسنا وبدء الطبيب يفتح الظرف ويقول: اتمنى ان يكون معنا هنا اهل العروسة… فطلبت العروسة أهلها فجاؤوا في الحال… وبدء الطبيب بأخبارنا بما وصلت اليه الحالة بعد العلاج وبعد الجلسات الكيمائية وبعد وحرص أمير على إتمام كل ما طلب منه… وفي الحقيقة بعد ووقوف منى بجواره، فقد رأيت أنها لم تفارقه لحظه واحدة وكذلك وقوف كل الأسرة بجواره… فكل هذه الأشياء كان لها الاثر الكبير في أن أمير وبطريقة لا أستطيع وصفها طبيا قد تعافى تماما من مرضه… فصرخ الجميع ابتهاجا وامتزجت الدموع مع الزغاريد والأحضان… لم نكن نصدق أذاننا

أكفل الطبيب كلامه” لقد تعلمنا ان هذا المرض يعصى على الشفاء، ولكن شفاء الله لا يعسى عليه شيئا، والحمد لله الذي منح أمير الإرادة والإصرار… انا أؤمن أن شفاء أمير هو معجزة لأن هذه النوع من الأمراض لا يستطيع العلم حتى الآن أن يهزمه… لذا فأنا سعيد أن أكرر عليكم بان أمير الان أصبح سليما تماما، وليس به أي أثر للمرض…

ذهلنا كلنا من سماع هذا الخبر وشكرنا الله بصوت واحد وشكرنا الطبيب الذي قدم الجهد والتعب كي يكون بجانب أمير… وتركنا الجميع لنعود إلى حياتنا بقوة الفرحة التي غمرتنا من سماع هذا الخبر.

ومرت الأيام والأسابيع وها هي رسالة من ابني أمير يقول لي فيها:

أمي الحبيبة، أكتب لك كي اسالك: من انت؟ ومن تكوني؟ ومن اين اتيت لي، كي تقوديني وتكوني لي عونا وسندا يفتح امامي كل الطريق المسدودة؟ فبوجودك استطعت أن أغير كل حياتي وأحول خوفي من التعليم إلى نجاح وصمتي إلى كلمات تبوح بكل اسراري، وأحول بعدي من منى إلى اقتراب وزواج، وأحول حزني إلى فرح… فبفضلك أقربت من حبيبتي التي كدت أفقدها، ومن أمي التي خشيت أن أصارحها فتتألم… لقد جعلتي من ضعفي ومن بكائي امل وعمل، وحتى من مرضي إلى عزيمة على المواجهة وإلى رجاء وإلى شفاء… امي، كل هذه الأمور تدور في مخيلتي، وأنا أكتب لك هذه الكلمات. لقد حملتك الكثير حتى عندما كنت تتأخرين بسببي لتشرحي لي المحاضرات كي أكون مستعدا للامتحان، وتنتظرين بعد الامتحان كي تطمئنين على النتيجة. لم يكن لك أي ذنب في كل هذا ولكنك لم تبخلي ابدا علي، بل سهرت وسخرت كل افراد اسرتك لمساعدتي، بداية من زوجك الحنون، الذي تحمل معي آلامي، وابنتك الطبيبة، وكل اولادك. إني أشعر بالخجل أما كرمهم معي… امي الحبيبة، لم انس طيلة حياتي حنانك، أنت كل اسرتك الكريمة، وما تحملتموه من أجلى، وكيف كان زوجك، هذا الرجل القديس، يأتي معي ويعطني الكثير، ويقف معي طول النهار، ويشجعني.

سامحيني يا امي إن تكلمت عن أول مرة ألتقيتك بها وعن نظرتك لي، وكيف كانت صعبة على نفسي… اما الان فقد عرفت كيف يصعب الاقتراب من شخصيه مثلك، فمثلك لا يمكن الاقتراب منه بسهولة، فانت قيمه وقامة عظيمة، وقدوه للنجاح ونموذج لغير الناجحين. امي لقد صرت نورا في حياتي وحياة منى التي تحبك أكثر منى، بل وفي حياة كل افراد اسرتي. لقد أصبحت أمي تتغني باسمك.

اعاهدك يا امي بان اسير على دربك وعلي عطائك وحبك، واسمحي لي أن اسير أيضا على جبروتك وقوة شخصيتك، فانت تجمعين بين الحب الكبير، والجبروت، بين العطف والحزم، هكذا رأيت تتعاملين مع نفسك ومع كل افراد اسرتك. أنت بالنسبة لي لغز اتمنى ان اتعرف عليه أكثر وأكثر، وأن اكون قريبا منه وأن ارتوي من نبع عطائك، ومن قدرة تدبيرك التي تقودين بها حياتك وحياة اسرتك.

امي انا فخور بك وبمعرفتك وبالتقرب من كل افراد اسرتك التي يتشرف أي انسان بالاقتراب منهم. فأنتم جميعا نجوم ساطعه في سماء الحب والعطاء. أحب ان اخبرك يا أمي باني سوف أصبح عن قريب ابًا لابنه، كما أخبرنا الطبيب بذلك، فاسمحي لي أن أطلق عليها اسمك، كي تكوني معنا مدى الحياة، فانت نبت جميل غرسه الله في حياتنا، ونبت نحبه ونقدره.

ختاما، لا أجد من الكلمات ما يعبر لك عن شكري وعن محبتي لكم جميعا،

من طرف ابنك وبنتك أمير ومنى.

وقد أجبت أمير بان الشكر كله يرجع لله الذي وحده له الحمد على النهاية السعيدة!

لقد أرد أن أكتب لكم هذه القصة التي عشت أحداثها التي جعلتني أختبر الألم والفرحة، الإخفاق والنجاح، الشعور بالضعف، والإحساس بالقوة… كي تساعد من يقرأها للوصول إلى يقين أن الإرادة القوية تحطم المستحيل، وأن يد الله لا تترك ابدا من لا يتركها… إنه الله الرجاء والحنان، إنه الإله القادر على تغير كل الأشياء التي نعجز نحن عن معرفتها. علينا فقط أن نثق فيه وألا نخاف من المجهول، وأن نصمم على الانصياع لصوت الضمير، فنخوض هكذا معارك الحياة بجراءة وايمان… في الحقيقة، لم أساعد أنا أمير، بل ساعدني هو أعطاني الدليل الأكيد على عمل الله التي ينمي أي بذرة خير صغيرة ويجعلها تزدهر وتكبر وتصبح شجرة يتظلل تحتها الجميع.

قد يتساءل القارئ الآن: هذه قصة أمير وأين انت من هذه القصة؟

الحقيقة لم أشأ ان اطيل عليكم بقصتي التي لم تنتهي بنفس الطريقة السعيدة التي انتهت بها قصة أمير.

وفي يوم جاءتني صديقتي الغالية على قلبي وقالت لي إنها سوف تذهب إلى جامعة القاهرة كي تقدم على الماجستير وتحب ان اذهب معها، لأنها تعرف مدي حبي للتعليم، فذهبنا معا إلى الجامعة، فأخبرونا هناك باننا يجب علينا ان نجري امتحان معادلة في كل المواد. فقدمت اوراقي انا وصديقتي وبعد عدة أسابيع ذهبنا للامتحان، والحمد الله كانت النتيجة مشرفه، أي جيد جدا. وكان علينا أن نسجل اسمائنا في القسم الذي نختاره، لنجري امتحان أخر في المواد التي سندرسها في هذا القسم. كانت المواد صعبة جدا، وكنا في المدرج حوالي الفين شخص يمتحنون في هذا القسم. كانت، أنا صديقتي العزيزة، نؤدي الامتحان سويا، ولكن للأسف لم ينجح غير سبعه افراد، كنت انا واحده منهم وللأسف لم تكن صديقتي من بينهم.

بدأت اذهب إلى الجامعة أربع أيام في الأسبوع بعد الساعة الرابعة مساء، وكانت فرحتي بهذه الدراسة التي أحبها واعشق التعمق فيها لا توصف. كنا ندرس التاريخ اليوناني، وهي مادة احبه من كل قلبي. وبسرعة شديدة نجحت في الترم الأول. تغيرت الأحوال في الترم الثاني… وتغير الوضع تماما، فبدلا من ان نذهب أربع أيام في الأسبوع بعد الظهر بدأت الجامعة تطلب الحضور خمسة أيام في الأسبوع، وان نكون منتظمين، بمعنى أن نحضر من اول اليوم إلى اخره، مثل الطلاب الآخرين، وأن نذهب أيضا خمسة عشره يوم إلى الإسكندرية، لدراسة الأماكن الأثرية، وكذلك الي أسوان لنفس المدة، والي باقي المحافظات التي يوجد بها اثار…

بعد حوالي أسبوع وجدت نفسي تائهة وأفكر ماذا افعل وانا التي فرحت عندما وفقني الله في الامتحانات الكثيرة، فكم تعبت كي أصل الى هذا المكان؟ وكم سهرت الليالي حتى اقترب من تحقيق حلم حياتي؟ وكنت اسير بخطوات ثابته بعناء طويل، ولكن بتوفيق برغم كثرة الامتحانات. ماذا افعل؟ وانا احلم بالحصول على الدراسات العليا وقد وعدت نفسي بالعمل في الدكتوراه… اه يا ربي يا له من حلم جميل لا أريد أن استيقظ منه، فهو يعطيني قوه وعزيمه ويمدني بقوة الشباب المكافح، ساعدني يارب كي أصل إلى ما يصبوا اليه قلبي…

كنت أتساءل كيف لي ان اسافر إلى اسوان وأن أقيم هناك خمسة عشر يوما، وانا اري زوجي في امس الحاجه لوجودي، لا سيما وأني بدأت ألاحظ عليه، برغم صمته، علامات المرض والوهن… فهو الانسان النشيط والذي يحب ان يصحو مبكرا، ولا يكل من العمل، اصبح الان ينام لفترات طويلة… إنه لا يشكوا ابدا ولكن قلبي لم يكن مطمئنا عليه… إنه لا يشكي ولا يبوح بما يشعر بل يقول دائما أنا بخير، والحمد لله، ولكن عيناه المعبرتان كان يفضحانه… وقد بدأ في رفض الطعام تماما… وهنا شعرت اكثر بضرورة تواجدي معه… في الحقيقة، كنت اعشق المكوث معه وأحب ألا افارقه أبدًا، لا سيما وأنه اصبح مثل طفل يفرح بوجودي معه، ومن هنا عزمت على انهاء الدراسة التي تبعدني عن اغلى ما املك، عن أبي وأخي وزوجي وشريك كفاحي وحياتي كلها، وكل دنياي، عن الشخص الذي اعطاني الكثير من التشجيع والدعم، وكان هو سر نجاحي وسر قوتي، وسر فرحي ووجودي… فذهبت إلى الجامعة واعتذرت عن الاستمرار وتركت كل اوراقي ورجعت إلى زوجي الحبيب وامسكت بيده وقلت له: انا الان ليس عندي أي شيء يشغلني عنك فانت كل شيء في حياتي ولن افارقك ابدا.

سرعان ما مضى الوقت وبدانا نتأهب للعام الجديد، فقلت لزوجي: دعنا نذهب إلى زيارة أولادنا ونستمتع برأس السنة معهم، فقبل ذلك، وعندما ذهبنا إلى ابني الصغير قال لي: يا ماما أرى أن صحة بابا ليست على ما يرام، دعينا نذهب به إلى المستشفى لنجري له بعض الفحوصات، كي نطمئن عليه. وبالفعل ذهبنا به للمستشفى، وقام الطبيب بالكشف عليه وحوله إلى طبيب اخر، والأخر حوله قد طلب منه أجراء كمية هائلة من الإشاعات والتحاليل، وتم حجزه في المستشفى… كان زوجي في سلام الملائكة، بل كان هو من يخفف عني خوفي عليه، وكان يطلب مني دائما أن اذهب وأن أبدأ في إعداد حفلة رأس السنة التي كانت على الأبواب، بعد أن كان قد اشترى، قبل دخوله إلى المستشفى، كل ما يلزم لها… وكان يقول لي دائما: اذهبي أنت وانا سوف أغادر المستشفى قريبا لأني لا أحب المستشفيات… وطلب مني تحضير كل شيء لنكون معا في ليلة راس السنة…

في الحقيقة، كانت كلماته تشجعني، لا سيما وأني كنت أشعر بالإعياء وكانت أمراض العمر تنهش في جسدي، ولكني كنت حاول ألا أظهرها له أو لأولادي، كي لا أثقل عليهم أكثر… ولكن زوجي، الذي كان يعرف آلامي بمجرد النظر إلي، طلب مني أن استفيد من وجودنا بالمستشفى كي أكشف على صدري… وأمام إلحاحه قمت بحجز الكشف في اليوم التالي، وكان ثالث يوم لوجود زوجي بالمستشفى، اليوم الذي كان يجب فيه أن يخرج، بإذن الأطباء لقضاء حفلة رأس السنة بين أولاده وأحفاده… وبالفعل صرح له الأطباء بالخروج واجتمعت كل العائلة ليطمئنوا عليه… كان زوجي يقول باستمرار: انا زي الفل، لا تقلقوا علي، فأنا لا أتألم من شيء وليس لدي سوى… وفي اخر لحظة، وبعد ان غير ملابسه واستعد للخروج، قال لي: اذهبي لأجراء الكشف الطبي الآن، لأني أريد أن أخرج من المستشفى في أسرع وقت ولن أخرج قبل الاطمئنان عليك… كي نخرج معًا… وأمرني بحزم: اذهبي واكشفي الان، فذهبت كي اكشف، وبعد لحظات قليلة سمعت صوت ابنائي يصرخون كالأطفال على حبيبي وحبيبهم، وابي وابيهم، وسندي وسندهم، وفرحتي وفرحتهم، ونور عيني، وكل ما املك في هذه الحياة الغادرة القصيرة… لقد رحل ملاكي الحامي، كي أبدأ سنة جديدة بدونه… لقد اختار أحضان القديسين ورؤية يسوع والملائكة على الاستمرار في وادي الدموع هذا… لقد تركني الان اتجرع مرارة الفراق والالم… تركني كريشة في مهب الريح وكمركبة بدون شراع تتخبط وسط أمواج البحر العاتية… لقد رحل ومعه رحلت كل قوتي وضاعت ارادتي وتغيرت حياتي ونظرتي للحياة وأصبحت اشتاق أكثر للنصيب الأعظم، كما قال بولس الرسول، وأن أكون مع المسيح فذلك افضل بكثير.

لقد رحل رحيل الملوك، يغمر وجهه السلام والهدوء والاطمئنان، رحل بعد أن أغرق كل من تعامل معه بحنانه الأبوي، وبحبه المجاني، وبقلبه الذي يتسع للعالم كله، وبفرحته النقية، وبعطائه الذي لا يعرف حساب أو حدود… كان في الحقيقة يمتلك قلبا لا يعرف سوى الحب، لدرجة أنني عندما كنت ادعو على الارهابين كان يقول لي: لا تتمني لهم الشر، بل صلي من أجل توبتهم…

انا الان لا املك شيء سوى قلمي واوراقي كي اكتب حياتي وحياة زوجي التي امتزجت بكثير من القصص والأحدث، وما قصة أمير إلا نموذج صغير لحياة زوجي كانت تحاول أن تكون نبعا للخير للآخرين… لم يكن هدفي من كتابة هذه الكلمات التحدث عن أشياء تبدو لي الان باهتة أو عن نجاحات وهمية كاذبة، بل عن قصة إيمان وحب، إيمان بيد الله التي تقود التاريخ وتبارك في كل يؤمن به ويثق بيده القوية؛ وحب زوجي لا تهزمه الصعاب أو التجارب ولا يستطيع حتى الموت أن يهزمه…

قصة كتبتها على أمل أن تساعدك أيها القارئ على التيقن من أن نهر الحياة الذي يتدفق بالعطاء هو نهر ينبع ويتدفق ويصب في قلب الله، وأن كل الأشياء تعمل لخير الذي يؤمنون بمحبته الأبوية.

 والي لقاء اخر