عظة الأنبا إغناطيوس برزي لراحة نفس البطريرك الأنبا كيرلس مقار

عظة الأنبا إغناطيوس برزي لراحة نفس البطريرك الأنبا كيرلس مقار

نص عظة الأنبا إغناطيوس برزي مطران أبرشية طيبة،

لراحة نفس غبطة البطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار

بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك وسائر الكرازة المرقسية

 

خاص بالموقع –الأب إسطفانوس دانيال جرجس

وجدنا نص هذه العظة التي ألقاها صاحب النيافة الأنبا إغناطيوس برزي، في يوم رحيل الأنبا كيرلس الثاني مقار،في مكتبة المتنيح الأنبا يوحنا كابس، ثم نقل هذا النص إلى مكتبة المتنيح القمص بولس ذكري قزمان، وبعد وفاة القمص بولس لا نعرف إلى  يومنا هذا أين هو نص هذه العظة؟

تعودنا أيها القارئ العزيز أن بين الحين والحين نكتب مقال بسيط عن صاحب الغبطة المتنيح مثلث الرحمات الأنبا كيرلس الثاني مقار، ففكرت أن أقدم لسيادتك نص العظة الذي ألقاه الأنبا إغناطيوس برزي في وداع جثمان صاحب الغبطة الأنبا كيرلس الثاني بطريرك الأقباط الكاثوليك..في الحقيقة آخر خطاب دونه الأنبا كيرلس الثاني مقار، كان موجه إلى ابن عمّه صالح ميخائيل بتاريخ يوم 4 أبريل لسنة 1921 وها نصه:

«أطلب من الرب يسوع المسيح و نحن في الغربة أن يمنح للطائفة ما فيه خير الرعية راحة النفوس و توحيد القلوب وعلو شأن الكنيسة المرقسية . وينظر إلي جميعكم بعين الرحمة و يعطيكم السلام في وحدانية روحه القدوس و هذا ما نفرح له في غربتنا . و في الختام نسأله أن يقي جميع الآباء من كل شر و مضرة. و نهديهم البركة من صميم الفؤاد و ندعو لهم بطول الأيام…».(إمضاء البطريق كيرلس مقار).ولكن آخر كلمات لفظها الأنبا كيرلس الثاني هي:«ان اذكروا الكنيسة الإسكندرية ولا تنسوا مجدها». استقبل الآباء البطاركة القديسين إبراهيم وإسحاق ويعقوب أخيهما البطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار في يوم الأربعاء الموافق 25 بشنس سنة 1637 للشهداء الموافق 18 مايو 1921. وفي يوم الأحد الموافق 22 مايو 1921 شيعت الجنازة في منتصف الساعة الخامسة بعد ظهر اليوم المذكور, وترأس الصلاة الأنبا مكسيموس صدفاوي، المدير الرسولي للكنيسة القبطية الكاثوليكية، ولكن الذي ألقى العظة للحاضرين هو الأنبا إغناطيوس برزي وها نصها كما وقع بين أيدينا:

«لقد طالت أيام غربتي ففرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب ننطلق»( مز3:119ومز1:121)

أيها السادة الكرام

اليوم هوى كوكب من سماء الكنيسة الاسكندرية اليوم قد تزحزح قطب من أقطاب علمها ونورها. اليوم دك طود من أطواد عزها وفخرها.” اليوم سقط رئيس عظيم في إسرائيل”(2 صمو38:3) مات غبطة الأنبا كيرلس البطريرك. مات ولكن ذكراه لا تزال حية في القلوب. وكيف نستطيع أن ننساه وله على طائفته حسنات جمة ومآثر شتى سواء كان ذلك في حياته الخصوصية أم في حياته العمومية لقد سطع هذا الكوكب الزاهر منذ نشأته بنور العلم والفضيلة. فإنه ما بلغ العمر عشر سنوات حتى انتظم في سلك التعليم في كلية الآباء اليسوعيين ببيروت. وكان البارى قد رزقه ذهنا متوقدا وفهما نقادا حتى حاز من العلوم في مدة وجيزة قسطا وافرا. وفاق أقرانه لا سيما في الأدب والبيان والفصاحة واللسان، وشغف بالنظم بالنظم، فكان يأتي الشعر عفوا كأنه ولد شاعرا. ولكم نظم من القصائد العصماء رثاءا لما وصلت إليه بلاده من الذل والتعاسة بعد أن غابت عنها شموس العلوم والقداسة.

فبعد ما نبع في العلوم الطبيعية والفلسفية وأتقن اللغات مثل: الافرنسية واللاتينية واليونانية فضلا عن العربية والقبطية لغة جدوده. ولج عليه اللاهوت الفسيح المجال. وما لبث أن برز فيه بعد أربع سنوات وعلى هامته اكليل العالمية. وسيم كاهنا على يد القاصد الرسولي”غودنزيو بونفيلي” وعاد على بلاده العزيزة ليقوم فيها بالأعمال الجليلة التي ندبه  لها ربه جلّ وعلا.

عاد القس كيرلس مقار إلى الديار المصرية في شهر يوليو سنة 1892 وهو يتقد غيرة على طائفته. وأخذ يبحث عن كيفية إقامتها من عثرتها ومداواتها من ثلمتها، فلم يجد لذلك أصلح طريقة من النداء بالاتحاد وجمع شتات أبناء الطائفة القبطية ولمّ شعثهم. ولما كانت معظم الأوجه الفاصلة بين أعضاء هذه الطائفة هي رئاسة كرسي روما على العالم المسيحي، والقول بالطبيعتين في السيد المسيح قد وضع كتابين أحدهما: ” دليل المصريين” والآخر دعاه ” المسيح عمانوئيل” أثبت فيهما حق الرئاسة لبطرس وخلفائه أحبار روما، والقول بالطبيعتين في المسيح. وفند ادعاءات من ينكر ذلك. ثم لم يقف عند هذا الحد، بل ألّف كتابًا ثالثًا وسماه ” تاريخ كنيسة الاسكندرية”، كله درر وغرر وقد أبان في جليًّا، ومسترشدًا بالآثار التاريخية المحققة، أن الخير الذي أحرزته الكنيسة الاسكندرية، إنما كان قائمًا على اتحادها بالكرسي البطرسى. كما أن الآفات التي حلت بها لم تصبها إلا بانفصالها عنه. وتلك كانت، والحق يقال، أحسن وسيلة استخدمها القس مقار لإعادة أبناء الكنيسة القبطية إلى أمهم الكنيسة الرومانية، فكم من أخوتنا الأقباط المنفصلين عنا انضموا إلينا وعرفوا بالاختيار، أنهم مثل أبيهم القديس مرقس كاروز الديار المصرية أبناء القديس بطرس المحبوبون.

غير أن القس مقار فطن بما فطر عليه من سمو المدارك وثاقب الأفكار بأنه طالما يكون الكرسي المرقسي خاليا لا صاحب له يشغله كان العمل ناقصًا والفائدة قاصرة. فانتهز فرصة التئام بطاركة الشرق في روما وبعث إلى قداسة البابا لاون الثالث عشر برسالة موقع عليها من الاكليروس القبطي الكاثوليكي بيّن فيها انحطاط البطريركية الاسكندرية، بعد أن كانت ذروة المجد وأوج الكمال. وأن الشأن الأعلى في تحسين شئون الأمة القبطية، هو إقامة الهيئة الكنسية بتمام مراتبها فيما بينها. والتمس من الحبر الأعظم أن يقرر بما له من السلطة الرسولية السامية تجديد النظام الأسقفي وإعادة المقام البطريركي إليهم. رأى لاون الثالث عشر، ذلك الأعظم الذي أنار العالم المسيحي بضياء حكمته الباهرة، ورأى بعد اطلاعه على هذه الرسالة التي تليت في مؤتمر البطاركة، ما جاء فيها من الاعتبارات الوجيهة. رأى   أن شرف الكنيسة الرومانية يقضى ليها بإرسال أنظارها إلى بنتها البكر، وإعادة مكانتها الأولى. وفعلا قد منحنا بادئ بدء كيرلس مقار أسقفا ونائبا رسوليا على القطر المصري. فصادف هذا التعيين لدى أبناء الأمة القبطية كل القبول ووقع في قلوبهم أحسن وقع. وإظهار لامتنانهم للكرسي الرسولى قد عقدوا النية على أن يرسلوا وفدا حافلا ليتلو أي الشكر على الحبر الأعظم. وفعلا مثل بين يدي قداسته في شهر سبتمبر سنة 1895 وفد الأقباط الكاثوليك مشكلا من كافة طبقات الأمة تحت رئاسة الأسقف الجليل الأنبا كيرلس الذي بعد أن قدم لقداسته جزيل التشكرات، لتعيينه أسقفًا، وأعرب عما تسكنه ضمائر أبناء الطائفة من عواطف المحبة والاجلال نحو الكرسي البطرسي وشعور الولاء والإخلاص للجالس عليه، التمس من الحبر الأعظم، مساعدة أوفى لتحسين شئونهم وشئون أخوتهم المنفصلين، وأوضح في مقابلاته العديدة الشأن الأعلى في ذلك إنما هو إعادة مقام البطريركية الاسكندرية، وطلب منه ذلك بتواضع وإلحاح عظيمين. فتأثر قلب الحبر الأعظم لسماعه هذه الأمور، ولم يستطع إلا أن يفرج عن الكنيسة الاسكندرية همها ويزيل غمها وبأن يرد لها ضالتها المنشودة.

فما كان أحسن وأعظم هذا اليوم الذي تحقق فيه الحبر الأعظم صوابية هذا الطلب، وجدد مقام البطريركية الاسكندرية، وقرر للأقباط الكاثوليك أمر تدبيرها وعهد إليهم بزمامها. فما كان أشرف وألذ هذه الساعة المباركة التي دخل فيها الأنبا كيرلس إلى وطنه العزيز بعد غيبة طالت ثلاثة أشهر، وهو يزف تلك البشرى العظمى إلى أبناء طائفته. في ذلك اليوم خلعت الكنيسة الاسكندرية ثياب المذلة، وتسربلت بحلل العز. في ذلك اليوم عم السرور الديار المصرية وكان الجميع يتعانقون فرحًا وابتهاجًا.

تلك هي الأمور الخطيرة التي تمت في رحلة السيد الجليل الأنبا كيرلس مع الوفد إلى روما في جلسة 29 نوفمبر سنة 1895 ولم يبق إلا تعيين البطريرك فعلاً. وقد طمحت من ذلك العهد كل الأبصار إلى شخص كيرلس الموقر، مترقبة انتخابه في هذه الرتبة السامية، من يوم إلى آخر، حتى بلغنا الخبر، أنه سافر قاصدًا بلاد الحبشة بانتداب من الكرسي الرسولى. وما الحكمة يا ترى في ذلك؟.. إن العناية الإلهية التي ألهمت الحبر الأعظم أن يخلص الأسرى الإيطاليين من أيادي الأحباش قد ألهمته أيضًا أن يختار  الأنبا كيرلس مقار لهذه المهمة ذات الشأن. فتمكن إذ ذاك من زيارة الشعب الحبشي التابع للكرسي الاسكندري. أعجبوا من طاعته  السامية التي لا تبالى بالمتاعب ولا تحفل بالمصاعب. وأكرموا بقلبه الشجاع الذي لا يخشى الأخطار ويفتحم الأهوال. فإنه بمجر إشارة من الكرسي الرسولى، قد غادر الأوطان، وركب البحار، وسار في القفار والبراري أيامًا عديدة، إتمامًا لمهمته الخطيرة. وما من احد يجهل كيف قام بهذه المأمورية أمام منليك سلطان الحبشة. وحسبنا أن نقول، أن الفطنة التي امتاز بها في تأدية هذه المهمة، قد أدهشت الأعداء وأرضت رجال الفاتيكان. وبعد ما لبث ستة أشهر في رحلته هذه، رجع وقد حنكته التجارب، وزادت علمه وفضله رسوخًا وجمالا. وهذا ما زاده وقارًا وجلالا.

إن العقل يحار والفكر يرتبك عندما نتأمل في الأمور الجليلة التي أتاها أنبا كيرلس في مدة وجيزة تحسينًا لشئون أمته. فضلا عن المهام الخطيرة التي قام بها أمام الملوك والسلاطين. فهو، والحق يقال، الذي أحيا فينا العظام وهي رميم.بمساعيه قد تعين لنا أسقف، بمساعيه قد تجدد مقام البطريركية الاسكندرية، بمساعيه قد التأم أساقفة مصر بالدار البطريركية، تحت رئاسة القاصد الرسولي: غودنزيو بونفيلي” وجددوا قانون الكنيسة القبطية، مراعين ظروف الأمكنة. حقا لقد تم نظام الكرسي الاسكندري، ولم يبق إلا تعيين من يجلس عليه. فكان يتساءل حينئذ الجميع، هل لنا أن نرى بعد انصرم عشرة أجيال ونيف، بطريركًا كاثوليكيًّا جالسًا على الكرسي الاسكندري!..أنكم بل شك راؤن ذلك فإن الحبر الأعظم لاونٍِ الثالث عشر الذي أبدى للكنيسة الاسكندرية من الانعطاف والمحبة ما لا يوصف، وقد تكلم، وكبرت كلمة خرجت من فيه. وفي جلسة 19 يونيو سنة 1899 قد أعلن بصوته الرخيم، كيرلس مقار بطريركًا على الكرسي الاسكندرى، لما عهد فيه وقتئذ من العم والتقوى وحسن الإدارة.فما أجمل وأبهى هذا اليوم الذي نودي فيه بالأنبا كيرلس بطريركًا. في ذلك اليوم السعيد كان الجميع يهتفون بصوت الفرح ويندفعون بالتهليل قائلين:” أن انهض أيها الكرسي الاسكندري من وهده الظلام وارفع طرفك إلى النور فقد أشرقت عليك شمس الصلاح والفلاح. اخلع عنك ثياب المذلة والحداد وارفل في حلل البهاء والسرور. فإن زمن ترملك قد مضى وانقضى، وأتاك ختنك كيرلس متجملاً بكل الفضائل متحليًّا بكل العلوم.

لقد ظل الأنبا كيرلس بعد تعينه بطريركًا سنين قلائل مواصلا فيها أعماله الجليلة ولا سيما فيما يتعلق بالعلوم الكتابية والأبحاث الدقيقة عن الآثار التاريخية الاسكندرية وكفانا ذكر تلك الخطب الشائقة التي ألقاها في الجمعية الجغرافية الخديوية، وبلغ صداها الأقطار الأوربية والأميركية،حتى أن جمعية “شيكاغو” العلمية انتخبته رئيس شرف عليها. كفانا ذكر مقالاته النفيسة على تعاليم أوريجانيوس النابغة الاسكندري التي استحقت الثناء العالي من فم قداسة البابا بيوس العاشر.

أن تلك الأيام السعيدة لم تدم طويلا. فإن روح الخلاف أخذ يدب في الطائفة. وأيدي الشقاق تعمل فيها، واستحكمت حلقاته حتى اضطر الأنبا كيرلس  إلى تقديم استقالاته في 30 مايو سنة 1908 ومن ذلك العهد كثر الهرج والمرج في الطائفة وتلبدت الغيوم الكثيفة في سمائها. وادلهمت الخطوب وتبلبلت الأفكار فأنحجبت شمس الحقائق وخيم على نورها الليل الدامس والظلام الحالك. ويا للأسف إن هذا الراحل العظيم قد سار في هذا الظلام ردحا من الزمان فزلت قدماه وسقط متعثرا في دياجيزه. فبكت الأمة بأسرها لسقطته، ولكن إيمانه الراسخ في قلبه الذي زعزعته العواصف، عاد فتغلب عليها. فهتك بنوره الحجب المتكاثفة وتجلى بسنائه الباهر للعيان.

اناكنا نود أن نطوي هذه الصفحة السوداء من تاريخه المجيد. ولكن هي منحة لم يلبث أن خرج منها قويا ظافرا, هي سقطة قد انبرى على أثرها تائبا نادما, فإنه لم يمض عليها ثلاثة أيام حتى ملأ الجو نواحًا وحزنًا وتأسفًا,  وسرعان ما قصد عاصمة الكثلكة مبديا ما يكنه صدره من عواطف الولاء والإخلاص نحو أمه الكنيسة الرومانية وتعلقه الشديد بكرسيها الرسولى. ولما بلغه أن الاضطرابات والقلائل لا تزال ضاربة أطنانها في أمته، قبل شاكرا نصيحة المشير العالي الذي أوعز إليه بالإقامة بعيدا عن مركز هذه القلائل. فسافر إلى الأقطار السورية مقتديا بصديقه الأبر أوريجانيوس الاسكندري آية عصره علما وفضلا، وقطب الحجي الذي يرجع إليه، لدرء الشبهات، وحل المشكلات. وعاش هناك مدة الحرب التي اشتبكت فيها أمم العالم بأسره، والله عليم بما عانى من المشاق وركب من الأهوال وقاسى من صنوف الضنك والبؤس وهو ثابت الجنان رابط الجأش واسع الصدر كبير الصبر.

ولا تظنوا أيها السادة أن هذه الاحن والمحن قد أنسته مصر كلا فانه في خلال متاعبه وأحزانه لم يفتأ يذكر كنيسة الاسكندرية ومجدها الباذخ وعزها الشامخ كان يذكر سبب رفعتها وعلة فضلها ولذلك صنف كتابا عن تأسيس الكنيسة الجامعة ونظامها الإلهي القائم على رئاسة صاحب كرسي روما. وأثبت بالأدلة الساطعة والحجج القاطعة، أن مجد الكنيسة الاسكندرية، قام على تمسكها الشديد بكرسي بطرس وأنها إذا رغبت في إعادة مجدها هذا الأثيل وفضلها الأول، فما عليها إلا أن توطد علاقاتها المتينة بهذا الكرسي الرسولي وتشدد رباطاتها به.

تك هي وصيته الأخيرة لكم يا أبناء الطائفة القبطية التي حال الموت دون نشرها. مات وملأ قلبه الانعطاف والمحبة نحو أمه مصر. وآخر كلمة نطق بها:«ان اذكروا الكنيسة الإسكندرية ولا تنسوا مجدها». مات وفي نفسه أنين وحنين. أنين على أسباب الخلاف والشقاق التي مزقت أحشائها، وحنين إلى إصلاحها وجعلها في مصاف الكنائس المجيدة، مات نائيا عن الديار، غريبا عن الأوطان، وقد خلف في هذه الأوطان محبة لا تنطفى وذكرى لا تنمحي. مات بعيدا عن الأمصار والأبصار، ولكن قريبا من القلوب حيا في النفوس. مات في عزلة الأهل ووحشة من الأصحاب، ولكن مشمولا لا برعاية ربه، ومحاطا بعناية ملائكته. مات ولسان حاله يقول: ” لقد طالت أيام غربتي ففرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب ننطلق”( مز3:119ومز1:121).

فالوداع أيها البطريرك المحبوب إلى يوم الملتقى. نعم تودعك وتبكيك الكنيسة الاسكندرية التي طالما سعيت في رفع منارها وإعلاء شأنها، وبذلت، وبذلت كل مجهوداتك بالعلم والعمل والقلم والألم في إحياء أمجادها العظيمة وإعادة منزلتها الرفيعة، تودعك وتبكيك المنابر وهي عيدان تلك المنابر التي كنت فيها الخطيب المصقع والمناظر المقنع، يودعك المذبح المقدس وهو جماد الذي طالما رفعت عليه الحمل الإلهي ساجدا خاشعا واشتركت في قربانه لتحيا بحياة ربك مترعرعًا منتعشًا،يودعك ويبكيك عرش الرحمة الذي كنت فيه تاره للناس مع ربهم مصالحا وطورا متذللا مستغفرا تائبا صالحا. يودعك ويبكيك الأساقفة أخوتك وزملائك، يودعك الاكليروس الذي كنت له أبًا شفوقًا ومرشدا حكيما، تودعك وتبكيك الأمة برمتها التي لازلت تذكرها في السراء والضراء وتركت لها أثمن وصية بأن تعتصم بالكرسي البطرسي إذ بذلك تقوم عظمتها الحقيقية وبهاؤها الديني الجميل، يودعك ويبكيك آل بيتك وأفراد عائلتك وكل من كان له الحظ أن يعرفك ويغترف من بحور علمك وفضلك، أواه لقد خطفتك منا المنية خطفا ولم تسمح أن نمتع عيوننا برؤيتك ولكن ذكراك لا تزال حية في صدورنا حتى نفخة الصور ورسمك لا يزال منقوشا على صفحات قلوبنا حتى يوم البعث والنشور.

يا يسوع لربنا وإلهنا أنت الذي شاء أن يحمل الصليب طائعا مختارا ويقاسى كل صنوف الأوجاع والآلام صابرا غافرا، أنت الذي شاء

«لأن يقام حبرا متجربا ليرثي لاوهاننا» أرسل علينا نداء تعازيك السماوية التي تفوق كل تعزية بشرية، ضمد جروحنا الدامية، خفف وطأة مصابنا الجلل وخطبنا العظيم. امنحنا أن نكون على مثال الراحل الكريم معتصمين بكرسي نائبك على الأرض إلى النفس الأخير فلا تزحزحنا عنه لا الخطوب ولا الكرب وذلك لكي نصون إيماننا طاهرا نقيا ونقي مجد الكنيسة الاسكندرية من أن يشوبه نقص ولا يلحق به غبار وبذلك نون قمنا بما أوصانا به البطريرك المحبوب الذي نرجو له أن ينال بعد الجهاد الطويل مجدا لا يذبل وإكليلا لا يذوي آمين.»

 

الأب إسطفانوس دانيال جرجس

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

One thought on “عظة الأنبا إغناطيوس برزي لراحة نفس البطريرك الأنبا كيرلس مقار

  1. نشكر الاب الغيور والكاثوليكى بحق على هذه المقتطفات التاريخيه الرائعه من الزمن الجميل وكل ما جاء بها كانه يعبر عن حال الكنيسه اليوم

Comments are closed.