عشية العنصرة: حوار مع البابا فرنسيس

عشية العنصرة: حوار مع البابا فرنسيس

الإيمان والصلاة

روما, 22 مايو 2013 (زينيت) –

“إن صلاة المسبحة مع مريم العذراء هي قوّتي اليومية. أشعر بقوة كبيرة لأنني سأذهب إليها وأشعر بأنني قوي” هذا ما شرحه البابا فرنسيس.

أجاب البابا عن أربعة أسئلة مهمة خلال عشية العنصرة في ساحة القديس بطرس، السبت الماضي، في 18 مايو بلقاء له مع الحركات الكنسية التي كانت بحج الى روما مع جماعات جديدة، وجمعيات علمانية في إطار سنة الإيمان تحت شعار: “أنا أؤمن! زد إيماننا!”

السؤال الأول

“إن الحقيقة المسيحية جذابة ومقنعة لأنها تستجيب للحاجة العميقة للوجود البشري، معلنة بطريقة مقنعة بأن المسيح هو المخلص الوحيد للإنسان ولكل البشر.” أيها الأب الأقدس هذه الكلمات، الصادرة عنكم، لمستنا بعمق: هي تعبر بطريقة مباشرة وجذريةعن  التجربة التي يستحق كل شخص منا أن يعيشها، بخاصة في سنة الإيمان هذه وخلال هذا الحج الذي قادنا الى هنا هذا المساء. نحن هنا أمامكم لنجدد إيماننا، ونثبته ونقويه. نحن نعلم أن الإيمان لا يمنح مرة واحدة الى الأبد. كما قال بندكتس السادس عشر في “باب الإيمان”: “الإيمان ليس افتراضًا واضحًا.” إن هذا التأكيد لا يعني العالم، والآخرين، والتقليد الذي ننحدر منه فحسب، بل يعني وقبل كل شيء كل واحد منا. نحن ندرك في كثير من الأحيان كم أن الإيمان هو بذرة الحداثة، بداية تغيير، وهو يطمح ليحتل كل حياتنا ولكنه لا يصبح مصدر كل معرفتنا وكل تصرفاتنا. صاحب القداسة، كيف استطعتم أن تجدوا في حياتكم يقين الإيمان؟ وأي طريق باستطاعتكم أن تدلّونا اليها لكي يمكن لكل واحد منا أن يتغلب على ضعف إيمانه؟

مساء الخير للجميع!

أنا سعيد لأنني التقيت بكم ولأننا استطعنا أن نجتمع جميعًا هنا للصلاة، لنكون متحدين ولننتظر عطية الروح. لقد عرفت أسئلتكم وفكرت بها- وكتبتها على هذه الورقة أولًا: “كيف استطعتم أن تجدوا في حياتكم يقين الإيمان؟ وأي طريق باستطاعتكم أن تدلّونا اليها لكي يمكن لكل واحد منا أن يتغلب على ضعف إيمانه؟” هذا سؤال تاريخي، لأنه يتعلق بقصتي، بقصة حياتي!

لقد حصلت على نعمة أن أنمو في عائلة كانت تعيش الإيمان بطريقة بسيطة وعملية؛ ولكن بشكل خاص جدّتي، أم أبي، هي التي ميّزت مسيرة إيماني. كانت امرأة تشرح لنا وتحدثنا عن يسوع، كانت تعلمنا التعليم الديني. أنا أذكر أن يوم الجمعة العظيمة، كانت تأخذنا في المساء الى المسيرة بالمشاعل، وعند نهاية المسيرة كانت تجعلنا جدتي نركع وننظر الى المصلوب وكانت تقول لنا: “انظروا لقد مات، لكنه سيقوم غدًا.” من هذه المرأة بالضبط، من جدتي، تلقيت بشارة الإيمان! إنه لشيء جميل جدًّا! البشارة الأولى، في البيت، في العائلة! وهذا يجعلني أفكر بمحبة الكثير من الأمهات والكثير من الجدات في نقل الإيمان. فهن اللواتي ينقلن الإيمان. وهذا ما كان يحصل في القدم، لأن القديس بولس كان يقول لتلميذه تيموتاوس: “إذ أتذكر الإيمان الذي سكن أولا في جدتك وأمك.” (الرسالة الثانية الى تيموتاوس 1، 5). فلتفكر كل الأمهات والجدات المتواجدات هنا بذلك!

نقل الإيمان. لأن الله يضع بقربنا أشخاصًا يساعدونا على طريق إيماننا… لا نجد الإيمان في الأشياء المجردة كلا! هناك دائمًا شخص يعظ، يقول لنا من هو يسوع، يعطينا البشارة الأولى! وهذه هي إذًا التجربة الأولى للإيمان التي خضتها. ولكن هناك يوم مهم جدًّا بالنسبة اليّ: ال21 من سبتمبرعام 1953. كنت حينها في ال17 من العمر. كان “يوم الطالب” وبالنسبة لنا هو اليوم الأول من فصل الربيع (ولكن بالنسبة لكم هو اليوم الأول من فصل الخريف). قبل ذهابي الى ذاك الاحتفال، مررت بالرعية التي كنت معتادًا بالذهاب اليها، فوجدت كاهنًا لم أكن أعرفه وشعرت بالحاجة الى الاعتراف. كان ذلك بالنسبة اليّ تجربة لقاء: لقد وجدت أن شخصًا ما كان بانتظاري. ولكن لا أذكر ما الذي حصل، لا أدري لم كان ذاك الكاهن هناك، ولَم يكن ينتظر منذ الكثير من الوقت. بعد الاعتراف، شعرت بأن شيئًا ما قد تغيّر. لم أعد كما كنت. فقد سمعت صوتًا، نداءً: فاقتنعت بأنه يجب عليّ أن أكون كاهنًا. تجربة الإيمان هذه مهمة.

نحن نقول بأنه يجب علينا أن نبحث عن الله، ونذهب نحوه لنطلب منه السماح، ولكن حين نذهب، هو ينتظرنا. هو الأول! لدينا في الإسبانية كلمة واحدة تفسر ذلك جيدًا: “primerea” أي هو الأول، هو ينتظرنا! وهذه حقًّا نعمة عظيمة: أن تجد شخصًا ينتظرك. تذهب خاطئًا، ولكن هو ينتظرك ليسامحك. هذه هي التجربة التي كان يصفها أنبياء اسرائيل حين كانوا يقولون أن الرب هو مثل زهرة اللوز، زهرة الربيع الأولى (راجع إرميا 1، 11-12). قبل أن تتفتح الزهور الأخرى، هو هنا: إنه هو، هو ينتظرك. الرب ينتظرنا. وحين نبحث عنه، نجد هذا الواقع: إنه هو الذي ينتظرنا لكي يستقبلنا، ليعطينا محبته. إن هذا لذهول في قلبك لا تستطيع تصديقه، وهكذا يكبر الإيمان! من خلال اللقاء مع شخص ما، من خلال لقاء مع الرب. يمكننا أن نقول: “كلا، أنا أفضّل أن أدرس الإيمان في الكتب!” من المهم دراسة الإيمان ولكن انتبهوا الدراسة وحدها لا تكفي!

إن المهم هو اللقاء مع يسوع، وهذا يعطيك الإيمان، لأنه هو بالتحديد من يعطيك إياه! تكلمتم أيضًا عن ضعف الإيمان وكيف يمكنكم التغلب عليه. إن العدو الأكبر للضعف هو الخوف. ولكن لا تخافوا! نحن ضعفاء ونعرف ذلك. ولكن هو أقوى منا! إن ذهبتم معه، فلا يوجد مشكلة! الطفل ضعيف جدًّا، ولقد رأيت العديد من الأطفال الآن- ولكنهم كانوا برفقة والدهم أو والدتهم: فهم بأمان! مع الرب نحن بأمان. ينمو الإيمان مع الرب، بالتحديد من يد الرب؛ هذا يجعلنا نكبر ويقوينا. ولكن إن حسبنا بأننا نستطيع أن نتدبر أمرنا بمفردنا…فلنفكر بما حل ببطرس: “يا رب، لن أنكرك مجددًا!” (راجع 26، 33-35)؛ ومن ثم صاح الديك وكان قد أنكره ثلاث مرات!

فلنفكر: حين يكون لدينا ثقة مفرطة في أنفسنا، نكون أكثر ضعفًا.دائمًا مع الرب! وحين نقول “مع الرب” هذا يعني مع الإفخارستيا، مع الكتاب المقدس، مع الصلاة…ولكن أيضًا في العائلة، مع أمنا، معها هي أيضًا، لأنها هي التي تقودنا نحو الرب: هي أمنا، تعرف كل شيء. فإذًا صلّوا أيضًا للعذراء مريم واطلبوا منها كما تطلبون من أم بأن تقويكم. هذا رأيي حول الضعف، وبكل الأحوال هذه هي تجربتي. ما يقويني كل يوم، هو أن أصلي المسبحة مع العذراء مريم. أشعر بقوة كبيرة لأنني أذهب إليها وأشعر بأنني قوي.

***

نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية