عندما يكون الإعلام في خدمة الانسان

عندما يكون الإعلام في خدمة الانسان

بقلم الأب رفعت بدر

روما, 30 اغسطس 2013

قبل عشرة أعوام، بالتمام والكمال ، أطلق كاتب السطور هذه من جنوب الاردن، وبالتحديد من بلدة السماكية في محافظة الكرك ، موقع “أبونا abouna ” الالكتروني الذي اصبح بحمد الله اليوم مثلا يقتدى به في الرسالة الاعلامية الهادئة والموضوعية والانسانية الراقية، ذلك انّه يتخذ له شعارا هو “إعلام من أجل الإنسان”. وكذلك فانّه يدلّ على أنّ المجتمع الأردني ، المتعدّد دينيا ، يتيح للمكوّنات الدينية كافّة أن يكون لها صوت وكلمة في خضم الأحداث المتلاحقة.

لقد انطلق أبونا قبل عقد من الزمن ، ليكون ممثلا للاعلام العربي المسيحي الصادق المتأصل بمجتمعه العربي، والمنفتح على آفاق انسانية عالمية رحبة ، مدفوعا بالمحبة والرغبة الجارفة في أن يكون عامل خير ومحبة وتوحيد بين مكوّنات المجتمع الانساني الواحد كافة، من خلال تقديم الإعلام الصحي والصحيح الذي يبتعد عن الاثارة والتشويه والتجريح والقفز على جراحات الانسان .

 وأن والإنسان في المنطقة العربية، وكما وصفه بطاركة الشرق الكاثوليك في رسالتهم عام 1992 هو انسان متألم. واليوم نراه انساناً أكثر ألماً وأكثر تعاسة وبؤساً. و”أبونا”، النموذج الاعلامي، إذ يبدأ عامه الأول بعد العاشر في غابة من الأحزان والمجازر العربية شبه اليومية، فانّه يشق لنفسه طريقا بين حقول الالغام وحقوق الانسان المنتهكة، وبين أفواج اللاجئين والمرتحلين قسرا عن بلدانهم وبيوتهم، ليجعل من سعيه ومبتغاه سعياً ومبتغى لرفع الصوت عالياً من أجل احترام الكرامة الانسانية في الشرق والعالم.

أمّا مسيحيو الشرق ، ولكونهم جزءاً لا يتجزأ من مجتمعاتهم المكتئبة، فانهم كذلك في ألم وحزن كبيرين على مئات الألوف من اخوتهم الذين يُقتلون لأنهم أبناء هذا الوطن أو ذاك، أو لأنهم أتباع هذا الرأي أو ذاك، أو لأنهم كذلك أتباع هذا الدين لا ذاك. وهذا يحفز القائمين على الإعلام الانساني والديني ان يعملوا على تعزيز الحضور المسيحي في الشرق، وعلى مدّ جسور التعاون والوفاق، أولا مع أخوتهم المسلمين الذين يقاسمون معهم الحلو والمرّ، ويتطلعون معهم الى مستقبل أفضل لمجتمعاتهم الواحدة . وفي هذا الاطار نثمن زيارة سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، في هذا النهار ، إلى حاضرة الفاتيكان، ومقابلته لأول مرة مع بابا البساطة والتواضع فرنسيس. جميل ان تلتقي الأصوات العاقلة والمنحازة الى الانسان وحقوقه وكرامته.

وثانيا انّ الاعلام العربي المسيحي يعمل على مدّ تلك الجسور مع الأخوة المهاجرين، وقد بات من الصعب والغرابة أن ندعو الى وقف ” نزيف ” الهجرة الذي طال أقساماً كبيرة من الهوية المسيحية العربية والشرقية، وبات التركيز اليوم، وهذا ما أكد عليه سينودس (او الاجتماع العام) للكنيسة في الشرق، بعنوان شركة وشهادة، هو في تنمية التعاون بين الذين خرجوا من هذه الديار والذين آثروا البقاء في أوطانهم الأصلية.

يحتفل أبونا – الموقع والرسالة – بمرور عقد من الزمن على تأسيسه، وانطلاقته من قلب الصحراء الاردنية، لكنّه لا يحتفل هذا العام وحيداً. ذلك لأنّه قد أصبح ومنذ أكثر من عام “ابناً” للمركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام ويصدر عنه، متأصلا في التربة التي وُلد فيها- أي في الاردن- بلد المعمودية، وفي حضن البطريركية اللاتينية التي تسعى بمؤسساتها المتطوّرة على درب التجدّد والريادة. وكذلك فان ّ”أبونا – الموقع والطريق” هو الأخ الشقيق لمكتب فضائية نورسات في الاردن، والذي احتفل هو كذلك بمرور عام على انطلاقته بشكل رسمي في الأردن، ويعمل على نشر قيم الخير والحق والجمال ، وهي قيم لا يستغنى عنها في الاعلام السليم.

حقا ، كلما زادت أوجاع المنطقة العربية ، زادت الحاجة الى الاعلام الانساني الذي يعمل، بدون كلل ، على إعادة الأمل إلى القلوب العطشى.

Abouna.org@gmail.com