تأمل اليوم: كشف الآب للأطفال…

تأمل اليوم: كشف الآب للأطفال…


الثلاثاء, 29 أكتوبر 2013
  19- بابة 1730

استشهاد القديس ثيؤفيلس وزوجته بالفيوم

الأب بولس جرس

“وفي تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال : أحمدك أيها الآب، رب السماء والأرض ، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال. نعم أيها الآب ، لأن هكذا صارت المسرة أمامك والتفت إلى تلاميذه وقال كل شيء قد دفع إلي من أبي . ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ، ومن أراد الابن أن يعلن له والتفت إلى تلاميذه على انفراد وقال : طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه لأني أقول لكم: إن أنبياء كثيرين وملوكا أرادوا أن ينظروا ما أنتم تنظرون ولم ينظروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا”. (لوقا 10: 21 – 24) .

تأملنا في الأمس في “كشف” الله لبطرس عن سر “المسيح ابن الله الحي” وعرفنا أنه ليس عبر الحكمة البشرية والحنكة ورجاحة العقل وصل لذلك، ولا فضل له ولا لنا في معرفة  سر المسيح بل هي نعمة وعطية يجب أن نحياها بفرح وبساطة وتلقائية بطرس…

اليوم يواصل الرب التركيز معنا على النقطة نفسها…البساطة…بساطة الأطفال كشرط اساسي ل “الكشف” فبعد أن عين الرب اثنين وسبعين وأرسلهم اثنين اثنين إلى كل مدينة وموضع كان مزمعا ان يذهب إليه… وإثر عودتهم بسرور عظيم لنجاح مهمتهم في البشارة بملكوت الله، انبعث الفرح والسرور في قلب المعلم الذي جاء ليؤسس لملكوت أبيه وكانت اولى كلماته ” توبوا فقد اقترب ملكوت الله”… 

كيف لا يفرح ويتهلل بالروح وهو يرى عمل الله يتحقق؟

كيف لا يبتهج وهو يرى انتصار الروح

كيف لا يتهلل وهو يرى هزيمة الشيطان وسقوطه مثل البرق…

 

لكن فرحة اليوم وصلاة الحمد والشكر تأخذ توجهاً فريدا…

اولاً: لأن أولئك التلاميذ المرسلون مثل خراف بين ذئاب، الحفاة المجردون من كل قوة وسند أرضي” لا تحملوا عصى ولا كيس دراهم ولا مزودا للطعام ولاحذاء…..” .رجوعوا بفرح عظيم… 

ثانياً: لأنهم كانوا مؤيدن بقوة الله ” اشفوا المرضى طهروا البرص اخرجوا الشياطين…” فاتموا الرسالة إلى الكمال وعادت الخراف منتصرة على الذئاب لأول مرة في تاريخ الكون

ثالثاً:  وهذا هو الموضوع أن الكشف هذه المرة وصل لمستحقيه وليس لمدعي الحكمة والمعرفة ولا الشيوخ والكتبة ولا الفريسيين واللاويين ولا الكهنة ورجال الدين بل للأطفال الصغار.

ألم يسبق داود في المزمور الثامن ويتنبأ بذلك “بأفواه الأطفال والرضع أخرجت سبحاً” مما يعنى أن الله أعطى برهانًا ساطعًا عن قدرته وحل ألسنة الأطفال المتمتمة لتنشد مدائحوفتح قلوبهم لقبول الإيمان.. والسؤال هنا هو كيف يستطيع الأطفال أن ينشدوا لله نشيدًا أفضل من نشيد الكبار؟

نعم لكل ملك رجاله وأسلوبه وأدواته في فرض سلطانه وتسجيل أعماله وقدراته: فمن يستخدام القوة والجيوش في الغزو والفتح، إلى من يلجأ إلى استخدام البطش لتحقيق العدل في الحكم، إلى من يدعم حكمه بالمزيد من الاستقرار والتشييد لتحقيق الرخاء والبناء إلخ…

لكن أسلوب الله فريد يختلف عن ذلك كله: إنه لا يلجأ إلى الجبروت، ولا تلذ له قوة الخيل، ولا تطربه قرقعة المركبات الحربية…  لكن لله طرق غير طرق البشر وأفكار ليست كأفكارهم لذا فإعلان مجده يختلف:

* مجده تنطقه أفوه الأطفال البسطاء الأنقياء، التي لا تعرف غشاً ولم تنطق بالكبرياء،

*  مجده تقدمه ألسنة متلعثمة، غير محنكة، غارقة في البساطة والطهارة والصفاء والنقاء،

* مجده تعلنه أفواه الضعفاء المهمشين، الذين يحتقرهم عالم القوة ولا يحسبهم في تعداده…

لهذا يفرح المعلم ؟ يرفع الشكر لأبيه الذي يشرف من علياءه على اكمال عمل فتاه وصفيه الذي اختاره وأحبه وسرت به نفسه فسكب روحه عليه وأيده بكل المعجزات والايات… فهلا صلينا اليوم لننال نصيبنا من فيض النعم عبر تسليم الأطفال الكامل وثقتهم المطلقة وبساطتهم وصدق قلوبهم……