عِبــــادة شـــهر قــلــب يـــســـوع الأ قـدس

عِبــــادة شـــهر قــلــب يـــســـوع الأ قـدس

بقلم: الشماس نبيل حليم يعقوب

الشماس نبيل حليم يعقوب[1]
كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك بلوس انجلوس
أصل عبادة قلب يسوع الأقدس:
قبل الرجوع الى تاريخ عِبادة قلب يسوع الأقدس يلزمنا اولا تعريف كلمة “قلب”،فلا يـمكننا ان نتفهم هذه العِبادة بـمعناها الحقيقي او الهدف منها ما لم نتعرف على معنى كلمة “القلب”،ولـماذا أختيـر كموضوع للعبِادة والإكرام؟.
ان القلب عموما فى الإستخدام البشرى هو رمز للعواطف والـمشاعر كأن نقول مثلاً”ذو قلب كبير” على الإنسان الذى يصنع رحمة أو يغفر لـمن يُغضبه، أو “ذو قلب حامي” على الإنسان الذى له غيرة ظاهرة للعمل.
والرمز حسب تعريف القواميس هو علامة مرئية لشيئ غير مرئي أو ملموس. والقلب يستخدم ايضا لتعريف الشخص بكل كيانـه،فقلب الإنسان هو رمز طبيعي لشخصيته وتعريفاً بنشاطه،وهو الـمركز الروحي والإرادي والعقلي لنشاط الإنسان.والقلب أيضا هو العضو اللحمي فى جسم الإنسان.
1. سر القلب الأقدس كما جاء فى الكتاب الـمقدس
يحوي الكتاب الـمقدس فى عهديه القديم والجديد أكثر من ألف موضع ذكر فيها القلب بجميع ما سبق من معانى شخصية وروحية وعضوية،فالعهد القديم وحده حوى هذا التعبير 858 مرّة،منها 113 مرّة فى مزامير داود وحدها، اما العهد الجديد فذكرت فى الأناجيل اكثر من 25مرّة ورسائل القديس بولس اكثر من 50 مرّة.
ان إستخدام تعبير “القلب” كما جاء فى الكتاب الـمقدس لـه عدة معان:
أولاً:جـاء بـمعناه التشبيهي أو الـمجازي كما جاء فى الأمثلة التالية عن قلب الله:
+ “ورأى الرب ان شر الانسان قد كثر على الأرض وان كل تصور أفكار قلوبهم انما هى شر فى جميع الأيام فندم الرب انه عمل الانسان على الأرض وتأسف فى قلبه”(تكوين5:6-6).
+ “لماذا تقّسون قلوبكم كما قسّى المصريون وفرعون قلوبهم”(1ملوك6:6).
+ “واعطيكم رعاة على وفق قلبي فيرعونكم بعلم وعقل”(ارميا15:3).
والتعبير الكتابي عن “قلب الله”،مع ان الله روح وليس له قلب او جسد، ليس إلاّ طريقة لتوصيل الحقيقة عن الله بصورة مجازيـة،ولهذا فيمكننا استخدام ما ذكره الكتاب المقدس عن “قلب الله” لتوصيل حقيقة “قلب يسوع” لنـا لأن يسوع هو “ضياء مجده وصورة جوهره”(عبرانيين3:1).
ثانيـاً: جـاء بـمعنـاه الرمـزي أو النبوي
ان كل ما جاء فى العهد القديم من رموز عن الـمخلّص الـمنتظر وعن
الآمـه والذى قد تحقق فى مـجئ السيد الـمسيح وموتـه وقيامته سوف نجد أن هناك بعض التعبيرات والتى قيلت عن “قلب الـمسيّا”، منها ما يلي:
+”كالـماء انسكبت وتفككت جميع عظامي.صار قلبي مثل الشمع.ذاب فى وسط أحشائي”(مزمور15:21).
+”قد كسر قلبي العار والشقاء وإنتظرت من يرثي فلم يكن ومن يعزّي فلم أجد”(مزمور21:68).
+”لذلك فرح قلبي وابتهج مجدي وجسدي ايضا سيسكن على الرجاء. لأنك لا تترك نفسي فى الجحيم ولا تدع قدوسك يرى فساداً”(مزمور9:15-10).
ثالثـا: جـاء كتعبيـراً عن حب الله للإنسان
ويمتلئ ايضا الكتاب الـمقدس بالعديد من الآيات التى تعبر عن حب الله للإنسان مثل ما جاء كالتالى:
-“لا لأنكم اكثر من جميع الشعوب لزِمكم الرب وإصطفاكم فإنـما أنتم أقل من جميع الشعوب لكن لـمحبة الرب لكم ومحافظته على اليمين التى اقسم بها لآبائكم أخرجكم الرب بيد قديرة وفداكم من أرض العبوديـة”(تثنية7:7-8).
– “إسمع يا إسرائيل إن الربّ إلهنـا ربُّ واحد فأحبب الرب إلهك بكل قلبِك وكل نفسِك وكل قُدرتك. ولتكن هذه الكلـمات التى أنا آمرك بهـا اليوم فـى قلبك”(تث4:6-6).
– “انـا لحبيبي وحبيبي لـي” (نشيد الأناشيد2:6).
– “من بعيد ترآى لـي الرب. إنـي أحببتك حباً أبديـاً فلذلك اجتذبتك برحـمة” (ارميا3:31).
– “إذ كان إسرائيل صبيّاً أحببته ومن مصر دعوت ابني”(هوشع1:11).
– “إنـي أجتذبهم بحبال البشر برُبط الحب وأكون لهم كـمن يرفع النيّـر عن فكوكهم وأمدّ لـه وأطعـمه”(هوشع4:11).
– “قالت صهيون قد خذلنى الرب ونسيني السيّد.أتنسى الـمرأة مُرضعها فلا ترحم ابن بطنها لكن ولو أنّ هؤلاء نسين لا أنساك أنـا. هآنذا على كفّي رسـمتك”(اشعيا14:49-16).
– وفـى الأمثاـة التى جاءت على لسان السيد الـمسيح كمثل الراعى الصالح(يوحنا1:10-18)، ومثل الإبن الضال(لوقا1:15-31)،ومثل السامري الصالح(لوقا30:10-37)، ومثل الدرهـم الـمفقود (لوقا8:15-10) أو مثل الخروف الضال(متى11:18-14)،ففـى كلـماتهـا ومواضيعهـا تعبيـراً عن حب الله للإنسان.
– التعبيرات التى جاءت على لسان السيد الـمسيح والتى تعكس عن قلبـه وحبـه نحو البشر، فعندما رأى الجموع والزحام وكـما جاء “لـم يكن لهم ما يأكلون” ذُكر قولـه للتلاميذ:”إننـي أتحنن على الجـمع”(مر2:8)، وعندما رأى أورشليم تلك الـمدينة التى أحبهـا وكيف أنهـا تحيا فـى خطاياهـا “بكى عليهـا”(لوقا41:19).
– العديد من معجزات الشفاء وإقامة الـموتى تعكس محبة الرب يسوع وعطفه وحنانـه حتى ان اليهود قالوا عنـه أمام قبر لعازر”انظروا كيف كان يحبه”(يوحنا36:11).
لهذا دعانـا الرسول بولس لكى نعرف حب يسوع “ليحل الـمسيح بالإيـمان فى قلوبكم حتى إذا تأصلتم فى الـمحبة وتأسستم عليهـا تستطيعون أن تدركوا مع جميع القديسين ما العرض والطول والعلو والعمق وأن تعرفوا محبّة الـمسيح التى تفوق الـمعرفـة لكي تـمتلئوا إلـى كل ملء الله”(افسس17:3-19).
رابعـاً: معـان مباشرة
فلقـد ذُكر أيضا القلب مثلاً فى العهد الجديد فـى الـمواضع التاليـة:
+”طوبى للأنقياء القلوب فإنهم يعاينون الله”(متى8:5).
+”فعلم يسوع أفكارهم فأجاب وقال لهم بـماذا تفكّرون فـى قلوبكم”(لو22:5).
+”لأنه حيث يكون كنـزكم هناك يكون قلبكم”(لو34:12).
+”فقال احدهما للآخر اما كانت قلوبنا مضطرمة فينا حين كان يخاطبنا فى الطريق ويشرح لنا الكتب”(لوقا32:24).
+”تعالوا إلي يا جميع الـمتعبين والـمثقّلين وأنا أريحكم.إحملوا نيـري عليكم وتعلّموا مني أنّي وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لأنفسكم”(متى28:11-29).
+”لأنه بالقلب يؤمن الإنسان للبِر وبالفم يعترف للخلاص”(رومية10:10).
+”وبما إنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم داعيّاً أبـّا آيها الآب” (غلاطية6:4)
من هذا الإستعراض عـما جاء عن معنى “القلب” فى الكتاب الـمقدس يـمكن إستنتاج ما يلي:
– ان قلب الإنسان هو عموما مركز العواطف ويعبـّر عن الإنسان نفسه.
– ان تعبير القلب له معناه الرمزي او التشبيهي.
– ان كلمة القلب قد إمتد معناها ليشمل قلب الله وقلب الإنسان.
– ان الله قد أظهر بوضوح قلب الـمسيّا الـمنتظر.
– على الرغم من عدم وجود نص صريح يذكر اي شيئ عن قلب يسوع او عن إكرام لهذا القلب لكن من الـممكن الوصول الى أصل فكرة تقديم الإكرام لقلب يسوع ألا وهى تقديم كل القلب لله والتعويض الكاف من البشر عن الخطايـا والسهوات.
2. سر الـمسيح كما جاء فى الـمجامع الـمسكونيـة
“من هو الـمسيح؟”، على إجابة هذا السؤال الهام قامت الكنيسة منذ نشأتها بالرد على كل الهرطقات والبِدع التى تمس سر الـمسيح وسر التجسد ومن أجل هذا إنعقدت الـمجامع الـمسكونية فى نيقية و القسطنطينية وأفسس وخلقيدونية وأعلنت الكنيسة مبدأ إيمانها والـموجود فى قانون الإيمان والذى تؤمن بـه جميع الطوائف الـمسيحية فى هذه الأيـام. ان السيد الـمسيح هو إنسان تـام وإلـه تـام وان لاهوتـه لـم يفارق ناسوتـه لحظة واحدة ولا طرفـة عيـن.
ولهذا فالتكريم الـمقدم لقلب يسوع ليس مقدمـاً للقلب ذاتـه ولكن لكون هذا القلب هو قلب شخص يسوع الـمسيح “الكلمة” الإنسان التام والإلـه التام أو الإله الـمتأنس. لهذا فلقد تم تقديم الإكرام لقلب يسوع الأقدس كرمز لحب الـمخلّص السمائي للآب الأزلـي ولجميع البشر وذلك بـمعرفة العديد من باباوات الكنيسة وعلماء اللاهوت والقديسين والـمؤمنين.
3. تكريم القلب الأقدس فى تاريخ الكنيسة
يمكن تقسيم تاريخ الكنيسة وتاريخ تقديم الإكرام للسيد الـمسيح عمومـاً إلى عدة فترات كالتالى:
1. الفترة الأولى أوالعصر الذهبي:
وذلك من القرن الثانى وحتى السادس الـميلادي والذى يذخر بالعديد من مؤلفات آباء الكنيسة أمثال هيبوليتس الرومانى(130-235)، والقديس ايريناوس(130-202)،والقديس امبروسيوس اسقف ميلان(339-397)، والقديس يوستين الشهيد(100-163)، وترتليان(160-235)،والقديس كيرلس الأسكندري،والقديس البابا جريجورى الكبير(540-604) والتى دافعت ليس فقط عن معتقدات الكنيسة ولكن ما حوته ايضا من التأملات الروحية عن قلب يسوع ينبوع الـماء الحي الذى انسكب من جروح السيد الـمسيح:”لكن واحد من الجند فتح جنبه بحربة فخرج للوقت دمُ وماء”(يوحنا34:19)،تحقيقاً لـما أعلنه من قبل:”إن عطش احد فليأت إليّ ويشرب”(يوحنا37:7).
وفى هذه الفترة ايضا تم نشر بعض الصلوات والـمخصصة للتعويض عن خطايا البشر فى حق الله.
وفى هذه الفترة ايضا بدء الحج للأراضى الـمقدسة وخاصة بعد عام 325م
وإكتشاف صليب يسوع وما قامت به القديسة هيلانة أم الإمبراطور هرقل من مجهودات فى تشييد الكنائس فى كل مكان، ولهذا فلقد ظهرت فى هذه الفترة الصلوات الـمقدمة للسيد الـمسيح وجروحاته على الصليب،وامتلأت بعض الطقوس السريانية والقبطية وغيرها بصلوات لدم السيد الـمسيح الـمسفوك من جنبه الـمطعون. ومن ضمن ما جاء فى هذه الفترة ما كُتب عن نشأة سرالعماد وسر الإفخارستيا من هذا الجنب الـمطعون،وعموما كان يوجد دائما فى الكنيسة نوعا من الإكرام والعِبـادة الـمخصصة لحب الله و”الذى أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى تكون لنا الحياة الأبديـة”،وايضا لحب يسوع الذى بذل ذاتـه من أجل البشر،ولكن لم يكن هناك إكرام مخصص لقلب يسوع بالذات.
2. الفترة الثانية أو العصر الـمظلم:
وذلك من القرن السابع إلى القرن الحادى عشر الميلادى وهو يعرف “بالعصر الـمُظلم” فى تاريخ الغرب لسقوط الإمبراطورية الرومانية وغزو البرابرة وفيها إندثرت بعض الكتابات ولكن تم الإحتفاظ بالعديد منها فى أديرة الرهبانيات وأشهرها رهبنة البندكيت التى اسسها القديس بندكيت(480-553). خلال هذه الفترة تم الإحتفاظ بنفس تعليم الآباء عن ان الماء الحي للنعم السماوية والذى ينبع من جنب يسوع الـمطعون،وهذا ما كتبه كلا من:القديس بيديه St.Bede(637-735)و Alcuin(735-804)،والقديس بطرس دميانSt.Peter Damian(مات 1072)و القديس انسلم.
3. الفترة الثالثة أو بداية العصور الوسطى:
وذلك فى الفترة من عام 1100وحتى 1250م وفيها نجد العديد من النصوص التى توضح كيف بدأت بعض العِبادات الخاصة للقلب الأقدس ونشر التأملات فى سفر نشيد الأناشيد كقصيدة حب الله للنفس البشرية،وفيها ايضا تم الإعتراف بإمكانية وضع الصليب وعليه الـمصلوب على الـمذبح فى الكنيسة، وتم تأليف بعض الترانيم عن قلب يسوع الأقدس.
ومن آباء هذه الفترة سوف نجد مثلاً القديس برنارد(1070-1135).
3. الفترة الرابعـة
من القرن الثانى عشر وحتى القرن الرابع عشر الميلادى، وفيها انتشرت الرهبانيات وانتشرت عبادة قلب يسوع مع غيرها من العِبادات وظهرت كتابات للقديس فرنسيس الأسيزي فى عام 1267م،والقديسة مارجريت مارى والقديس البرت الكبير(1206-1280م)،والقديسة لوتجراد(ماتت1246)،والقديس بونافنتورا(مات 1274)،ووجدت بعض الممارسات التقويـة ضمن رهبانيات الدومنيكان والبندكتيون والتى خُصصت لجروحات السيد المسيح ومن بينها القلب الجريح كعلامة لجرح الحب،وتم نشر بعض الصلوات لقلب يسوع الأقدس. وفى تلك الفترة وحتى القرن السادس عشر بدأ إنتشار إكرام قلب يسوع ولكن كان فى حدود ضيقة ضمن الرهبانيات او ممارسات شخصية. وبداية من القرن الخامس عشر انتشرت الصلوات للقلب الأقدس فى انحاء عديدة من اوربـا.ويرجع لرهبنة الدومنيكان والفرنسيسكان الدور الكبير فى إنتشار الإكرام لقلب يسوع وكان للقديس فرنسوا دى لاسال (1567-1622م) العديد من الـمؤلفات بهذا الشأن. وقام ايضا رهبان الآباء اليسوعيين من بدء القرن السادس عشر بنشر العديد من الـمؤلفات عن قلب يسوع الأقدس ومنهم القديس St.Francis Borgia ,St.Alphonsus Rodriguez.و فى هذه الفترة وجدت ايضاً بعض الظهورات للسيد الـمسيح لبعض قديسي الكنيسة امثال القديسة كاترين السينائية (ماتت 1380) والقديسة جرترودة وغيرهم والتى ظهر لهم السيد الـمسيح مظهراً لهم جراحاتـه الـمقدسة. وبعد موافقـة العديد من أساقفة الكنيسة بفرنسا تم الإحتفال بعيد القلب الأقدس لأول مرة يوم 20 أكتوبر من عام 1672.
4. القديسة مارجريت مارى ألاكوك ورسالتها السماوية
فى حـوالـي عـام 1673ترآى السيد الـمسيح لإحدى الراهبات وإ سمها
مارجريت ماري ألاكـوك (1647-1690) فى فرنسا وأراهـا قلبه الأقدس مـحاطـاً باللهيب وفوقه علامة الصليب وناداها قائلاً:”ها هو قلبي الذى أحب البشر حتى تفانـى لأجلهم ولا يلحقه منهم سوى الجفاء والفتور”.وظهر لها مرة أخرى بجروحاته الخـمـس: اليد اليمنى،اليد اليسرى،القدم اليمنى،القدم اليسرى،والجنب الأيـمـن. وأعلن لها عن حبــه الإ لهي اللا متناهي للبشر وطلب منها قائلا:”خففّــي أنت على الأقل من آلامي بالتعويض عن خيانات البشر بقدر ما تستطعين “. وذكر لها السيد الـمسيح كيف يخونــه البشـر امــام حبــه لــهم . وتوالت الظهورات وفى كل مرة يظهر وقلبــه ملتهب كما نراه الآن فى الصور الـمرسومة. وكان رد الراهبة :كيف أستطيع التعويض عن ما لحقك يا رب من خيانات إخوتـي البشــر؟.
وسجـّـلـت القديسة مارجريت ماري هذه الرغبات والوعود وحاولت نشرها ولكن كانت فى حدود ضيقــة وماتت بعدها فى 17 اكتوبر من عام 1690.
وفى عـام 1833 وفى أحد اديرة راهبات القديس اغسطينوس فى باريس, أبدت أحد تلميذات الرهبنة وتدعى أنجيل دى سانت لا كروا الى رئيسة الدير فى ذاك الوقت القديسة جيروم لماذا لا تخصص الكنيسة شهرا كاملا لتكريم قلب يسوع أسوة بالـشهر المريمي والذى بدأ فى ممارسته من القرن السادس عشر،وبالفعل بدء إعداد بعض القراءات والصلوات لقلب يسوع وتم الإستعانة بما كتبته القديسة مرجريت ماري وكذلك الأب كروازيـه والأب Galliffet وغيرهم وبعد موافقة السلطات الكنسية مثل البابا كليمنت الثالث عشر (1765) والبابا بيوس السادس (1794) تم البدء فى نشر هذه العبادة والتكريم فى الأديرة والكنائس والعائلات.
وفى 11يونيو عام 1899 أعلن البابا لاون الثالث عشر ضرورة تكريس كل الـمؤمنين انفسهم لقلب يسوع الأقدس وقال:”ها انه اليوم مقدمة لنا راية اخرى الهية بها رجانا الا وهى قلب يسوع الأقدس الساطع فى وسط اللهيب والـمرتفع فوق الصليب فلنضع به ثقتنا”.
ومن عهد البابا لاون الثالث عشر(1878-1903) وحتى البابا يوحنا بولس الثانـي (1978- ) بدء باباوات الكنيسة الكاثوليكيـة فى حث العالم الكاثوليكي على تقديم الإكرام والتعويض اللائق لقلب يسوع الأقدس وضرورة التأمل بعظائم قلب يسوع وعجائب عطفـه وحنانـه نحــو البـــشر وذلك بإصدار العديد من الرسالات البابويـة. فلقد أصدر كلاً من البابا بيوس العاشر فى عام 1906،و البابا بيوس الثانـى عشر فى عام 1956 والبابا بولس السادس فى عام 1965، والبابا يوحنا بولس الثانـى فى عام 1984 وعام 1986 وعام 1994 وعام 1999 العديد من الرسائل الباباويـة لحث كل الـمؤمنيـن أن يكون حب يسوع ماثلاً دائـماً أمامهـم وأن نضع حب الله فوق أي إهتمامات أخرى دنياويـة وضرورة ممـارسة الرياضات والإكرامات الضروريـة لـنمو الحيـاة الروحيـة للوصول للقداسة التى يطلبهـا الله منـا الذى “إختارنـا فيـه من قبل إنشاء العالـم لنكون قديسين وبغيـر عيب أمـامـه بالـمحبة”(افسس4:1).
لا يـمكن القول بتاتـا ان عبادة القلب الأقدس قد ظهرت فجأة فى الكنيسة نتيجة لظهورات السيد الـمسيح للقديسة مارجريت مارى الاكوك ولكن سوف نجد انـه نتيجة لوجود العديد من الأشخاص الذى آمنوا بأهمية التعبير لقلب يسوع عن حبهم لـه وتعويضه عن تلك الإهانات التى لحقت بـه من البشر. ولا غرابـة فـى ذلك فتاريخ الكنيسة يحوى العديد من حوادث ظهور للسيد الـمسيح من بعد صعوده إلـى السـماء لبعض الناس لتلقينهـم بعض الحقائق والسابق إيداعـها للكنيسة وذلك بقصد زيـادة إعلان ونشر لتلك الحقائـق الإيـمانيـة. فالسيد الـمسيح قد ظهـر لتلميذي عـمواس “ثـم أخذ يُفسر لهـما من موسى ومن جـميع الأنبيـاء ما يختص بـه فـى الأسفار كلهـا”(لوقـا26:24)، وظهـر لشاول الطرسوسي ويدعوه” إنـاء مختـار ليحمل إسمي أمام الأمم والـملوك وبني إسرائيل”(أع15:9).وكذلك فـى عام 312م ظهر للـملك قسطنطين وطلب منـه رسم علامـة الصليب عند حربـه ضد الـملك مكسنس الـمشهود بعدائـه للدين الـمسيحي وبالفعل إنتصر الـملك قسطنطين وآمـن بالدين الـمسيحي وشيّد الكنائس ومنذ هذا التاريخ إزداد الـمؤمنون تقوى وإكرام نحو عود الصليب الـمقدس. وظهـورات السيد الـمسيح لبعض القديسين وإن قـد إستمر حتى هذا القرن فـما هـى إلاّ تعبير حقيقي عن محبـة الله للإنسان ورغبتـه فـى عودة نفوس عديدة للإيـمان بالـمسيح مع تجديـد الحيـاة الروحيـة، فهناك مازال خطـأة كثيـرون لـم يعودوا إلـى الله ، وما زالت هناك طوائف عِدة قسّمت الكنيسة – جسد الـمسيح السريّ – وهذا مـما يسبب ألـماً للجسد كلـه. ومـا زالت هناك الـماديـة والتى هـى الإلـه السائد بين البشر وتركـوا الله فحق ما قاله السيد الرب عن علامات الأزمنـة عن أن البشر عند إقتراب الـمنتهـى “يـمقت بعضهم بعضـاً ويقوم أنبيـاء كثيـرون ويضلّون كثيـريـن ولكثـرة الإثـم تبـرُد الـمحبـة من الكثيـريـن”(متى10:24-12).
إذاً فإن عبادة،أوتكريم قلب يسوع ما هى إلا رياضــة دينيــة موضـوعهـا هو قلب يسوع والـمتوقـد حبـا ً للبشـر والـُمهان من هؤلاء البشر. ولا يـمكن القول ان موضوع هذه العبادة هو هذا القلب بإعتباره منفصلاً عن اقنوم الكلمة الـمتجسد،ولا انها توجه فقط لهذا القلب دون باقى ناسوت السيد الـمسيح،ولا انها توجه إلى الجزء الـمادى من جسم الـمسيح الـمعروف بإسم القلب،ولكن إنـما توجّه الى الشيئ الـمرموز بالقلب وهو حب يسوع نحو البشر،أليس هو القائل لنا”تعلموا مني فـإنـى وديع ومتواضع القلب”(متى29:11).
ان العبادة لهذا القلب بإعتبار انه رمز لحب يسوع نحو البشر هو ضرورة لذا قال بولس الرسول:”إن كان أحد لا يحب ربنا يسوع الـمسيح فليكن مُبسلاً”(1كورنثوس22:16). وهـى أيضاً إستجابـة لدعوة الحب التى يقدمهـا قلب يسوع الـمخلّص لنـا فهـو الذى أحبنـا دائـما:”لكن الله لكونـه غنيـّاً بالرحـمة ومن أجل كثـرة مـحبتـه التى أحبّنـا بهـا”(افسس4:2).
وبالتأمل فى حب يسوع لنا يضرم فى قلبنا لهيب الـمحبة نحوه ويجعلنا نهتف مع الرسول:”فمن يفصلنا عن محبة الـمسيح أشدة أم ضيق أم جوع أم عريّ أم خطر أم إضطهاد أم سيف..فاني لواثق بأنه لاموت ولا حياة ولا ملائكة ولا رئاسات ولا قوات ولا أشياء حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خلق آخر يقدر ان يفصنا عن محبة الله التى هى فى الـمسيح يسوع ربنا”(رومية35:8-29).
إذن هى رياضة نتأمل فيها ونعرف بقدر إستطاعتنا من هو يسوع ومقدار حبــه لنــا و هى أيضا صلوات وإماتات وأعمال نقدمها تعويضا عن الإهانات.
وهـذا الإكرام لا يتعارض البتـة مع أي إكرام آخـر يقوم بـه الـمؤمنيـن وهذا بعد موافقـة السلطة الكنسية كالإكرام الـمقدم لـمراحل الصلب الـمقدس فـى أيام الصوم الكبيـر والتى يتم فيهـا التأمـل والصلاة فـى طريق الجلجثـة، أو إكرام الـمقدم للسيد الـمسيح فـى سر القربان الأقدس والذى يُحتفل بـه فـى يوم خميس العهد أو فـى تكريس أول جمعة من كل شهر، أو الإكرام الـمخصص لقلب مريم الطاهـر، فـمثل هذه الـممارسات التقويـة كلهـا تؤدى إلـى هدف واحد وهو تقديس الأنفس.
_____________________

[1] من كتاب “قلب يسوع وقلب الإنسان” للمؤلف (يونيو 2002)