قضيّة عليّة صهيون ما بعد زيارة قداسة البابا

قضيّة عليّة صهيون ما بعد زيارة قداسة البابا

بقلم فراس عبد ربو

القدس,  6 يونيو 2014 (البطريركية اللاتينية) –

تشغل قضيّة عليّة صهيون الصحافة منذ سنوات. وقد تفجّرت هذه القضيّة من جديد خلال الأسابيع والأيام التي سبقت زيارة قداسة البابا فرنسيس، بل أثنائها. ذلك أن قوماً من اليهود المتدينين والمتطرفين اعتقدوا بأن الحكومة الإسرائيلية كانت تنتظر مجيء قداسة البابا كي تمرّر له مفاتيح العليّة! فثارت حميتهم اعتقاداً منهم أنهم سيفقدون ما يعتقدون أنه قبر النبي داؤود (وهذا بالمناسبة تقليد مسيحي). وقد انتهت الزيارة الحبريّة دون أن تتحقق أي من هذه التكهنات. والسؤال الآن، هل من تطورات قد حصلت في شأن هذه المسألة؟

إن قضيّة عليّة صهيون هي قضيّة شائكة. وهي تدخل ضمن المفاوضات الجارية بين الكرسي الرسولي ودولة اسرائيل منذ سنوات. وحتى الآن لم تفضي هذه المفاوضات إلى أية حلول عمليّة مقبولة، وتبقى هذه العلية، وهي من أهمّ الأماكن المقدسة المسيحية، محرّمة على المسيحيين للصلاة فيها بشكل معتاد.

لذلك، فإن الإحتفال الإفخارستي الذي ترأسه قداسة البابا فرنسيس في المكان، محاطاً برؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة، والشرق الأوسط، قد اكتسى طابعاً تاريخياً بكل معنى الكلمة. فهي المرّة الثانية (الأولى كانت مع يوحنا بولس الثاني عام 2000)، منذ خمسة قرون – أي منذ أن طُرِد الرهبان الفرنسيسكان من العلية – التي يُحتفل فيها بالذبيحة الإلهية في هذا المكان الذي احتفل فيه المسيح نفسه بأول افخارستية، علامة على العهد الجديد.

وقد شدّد قداسة البابا في عظته التي ألقاها في العلية على عنصر “الذاكرة” أو “الذكرى”،  موضحاً: “إن يسوع القائم من الموت والمرسل من الآب منح في العلية روحه للرسل وبهذه القوة أرسلهم ليجددوا وجه الأرض (را. مز 104، 30). الخروج والانطلاق لا يعنيان النسيان. فالكنيسة بخروجها تحافظ على ذكرى ما حصل هنا؛ والروح البارقليط يذكرها بكل كلمة وفعل ويكشف لها معناهما”. تأتي إذا أهمية عليّة صهيون بالنسبة للمسيحيين من كونها مكاناً للذكرى – وهذا حال جميع الأماكن المقدسة -. لكنها ليست أية ذكرى. إنها ذكرى أُسُس الإيمان المسيحي، وجوهر تعاليم المسيح ورسالة الكنيسة، بل ذكرى نشأة الكنيسة نفسها. وإدراكاً منه لذلك، لم يكتفي قداسة البابا في عظته بالعموميات، بل تطرق إلى تفاصيل هذه “الذاكرة المحفوظة” في العلية المقدسة. يقول: “تذكرنا العليةبالخدمة (…). تذكرنا العلية، مع الإفخارستية، بالذبيحة (…). العلية تذكرنا أيضاً بالصداقة (…). تذكرنا العليّة بوداع المعلّم وبالوعد بأن يلتقي مع أصدقائه (…). لكن العلية تذكرنا أيضًا بالوضاعة والفضول … والخيانة (…). تذكرنا العليّة بالمقاسمة والأخوة والتناغم، بالسلام فيما بيننا (…).أخيرًا تذكرنا العليّة بولادة العائلة الجديدة، الكنيسة، كنيستنا المقدسة والهيراركية، والمؤسسة من يسوع القائم من الموت (…).” فهل كل هذا لا يكفي كي يحق للمسيحيين الصلاة في هذا المكان؟!

وقد جاءت الكلمة التي ألقاها حارس الأراضي المقدسة – كونه أيضاً حارس جبل صهيون – مرحباً بقداسة البابا في العلية، لتعبر عن المرارة التي تسكن قلب الرهبان الفرنسيسكان الذين طردوا من أول مقرّ لهم في الأرض المقدسة ولم يستطيعوا العودة إليه منذ خمسة قرون. يقول: “كما ترون (قداستكم) فإنه لا توجد بازيليكا لحماية المكان الذي فيه احتفل يسوع بفصحه الأخير، وصلّى من أجل خاصته، وظهر – بعد قيامته – ليعطي السلام. وحيث حلّ الروح القدس على الرسل وهم مجتمعون للصلاة مع مريم العذراء (…)”.

وقد رأى المشككون أن ما من تمرير للمفاتيح قد تمّ بين اسرائيل والحبر الأعظم. وأن جميع هذه التكهنات كانت اشاعات لا نعلم مَن اطلقها ولأية غاية. لكن ما لا يزال يثير الجدل هو الحريق الذي شبّ في دير نياحة العذراء المتاخم للعلية، بعد ساعة فقط من رحيل قداسة البابا عنها. وما يزيد من حدّة هذا الجدل هو عدم احراز أي تقدّم في التحقيقات التي شرعت فيها الشرطة الإسرائيلية منذ أسبوع ونصف.

إن جلّ ما يطلبه المسيحيون، والكنيسة الكاثوليكية على وجه الخصوص، هو التمكن من اقامة الذبيحة الإفخارستية بصورة اعتيادية في هذا المكان العزيز للغاية على قلب جميع المؤمنين بالمسيح. إذ أن أي اتفاق سيصل إليه الكرسي الرسولي مع دولة اسرائيل بخصوص العليّة، لن يتضمن نقل الملكية مجدّداً إلى الكنيسة الكاثوليكية، ولكن فقط الحق الطبيعي والتاريخي للمسيحيين بالصلاة في هذا المكان الذي انشؤوه هم أنفسهم، ودفع الفرنسيسكان ثمنه منذ عام 1335.