كلمة البابا تواضروس لبابا الفاتيكان

كلمة البابا تواضروس لبابا الفاتيكان

باسم الآب والابن والروح القدس إله واحد أمين.

المسيح قام بالحقيقة قام.

“الشُّكرُ للهِ الَّذي يَسْتَصْحِبُنا دائِمًا أَبَدًا في نَصرِه بِالمَسيح. ويَنشُرُ بِأَيدينا في كُلِّ مَكانٍ شذا مَعرِفَتِه”. من الرسالة الثانية إلى أهل كورنثس 2:14

باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والمجمع المقدس وكل المسيحيين الأقباط في كل العالم، بكل سعادة أقدم لقداستكم تهانينا الصادقة الخاصة بي والخاصة بالكنيسة القبطية، برئاستي إليك بابا الكنيسة الكاثوليكية و أسقف روما. نحن نتناول رسالة الأكثر مسئولية في الجماعة المسيحية، وبشكل خاص في العالم كله. بتوجيه الروح القدس، أتبادلُ التهاني مع قداستك، من خلال هذه الزيارة التي تتوافق مع الذكرى الأربعين لزيارة صاحب القداسة البابا شنودة الثالث، المُسمى بابا العرب، ورائد حركة التنوير في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مع البابا بولس السادس. الزيارة كانت من اليوم الثالث إلى إلى اليوم العاشر من شهر مايو عام 1973، في هذا اليوم تحديدًا الباباوان أنهيا أتفاقية لاهوت وناسوت المسيح، داخل حاضرة الفاتيكان، أُعتبرت الزيارة الأولى من نوعها لبابا كنيسة الأسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية إلى بابا روما. في هذه السنة كنت أدرس في كلية الصيدلة جامعة الاسكندرية. هذه الزيارة الأولى تالها زيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في مصر عام 2000. زيارتي هذه ستظل مذكورة بالنسبة لي لتوافقها الغني بالمعاني مع زيارة البابا شنودة الثالث. وأتمنى أن تكون زيارتي بدايةً للقاءات محبة وإخاء أخرى عديدة بين الكنيستين. وعليه فإني أقترح أن يخصص يوم 10 مايو للاحتفال بعيد الحب الأخوي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية.

لقد أتيتُ لزيارة قداستك من مصر بلد النيل، كزيارة لي أولى خارج وطني بعد تجليسي كبابا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الذي كان في نوفمبر الماضي. موطني مصر هو مهد لأقدم حضارة في العالم، بالأصح الحضارة الفرعونية. ليس هذا فقط، ولكن في مصر نشأت حضارات أخرى قديمة ومهمة: الحضارة اليونانية والرومانية، الحضارة القبطية، والحضارة الأسلامية. مصر بلد ظهرفي الوحي الإلهي حيث لم يظهر مثله بلد آخر. حسب نبؤة هوشع، من مصر دعوت ابني، وأيضًا حسب إشعياء، مبارك شعبي مصر، لقد زارت العائلة المقدسة المدن المصرية والحاكميين المصريين في ذلك الوقت، متجولين من الشرق إلى الغرب من الشمال إلى الجنوب، كيما يباركوا مصر كله مع علامة الصليب. كما أنه هناك عدد كبير من الأنبياء والقديسين وُلدوا في مصر وزاروا مصر، بلد مشهود له بالمعايشة السلمية بين الجماعات الدينية. العائلة المقدسة جعلت أرض مصر مباركة، بعدما قد سارت عليها أقدام يسوع المسيح. أذًا مصر بلد خاص جدًا بسبب ذكره في الوحي الإلهي.

في سنين المسيحية الأولى، مرقص الرسول بشرَ مصر بالبشارة المسيحية، ومات هناك شهيدًا في الاسكندرية، عروسة البحر المتوسط ومينة الاسكندر الأكبر. كنيستي القبطية قديمة جدًا، تاريخها يعود إلى 19 قرنًا، وكانت أُسست على يد القديس مرقص الرسول في القرن الأول الميلادي وإلى يومنا هذا هي ترتوي بداء شهدائها العديدين، والتي تصبح دائمًا أكثر قوة وصلادة. في مصر أيضًا وُلدت الحياة الرهبانية المسيحية، حيث وضع قوانينها القديس العظيم أنطونيوس، المُلقب بأبي الرهبان، وبعدها في القرن الثالث، القديس باخوميوس، أصلاً من صعيد مصر، وضع قوانين الحياة الجماعية ومن بعدها أنتشرت في العالم كله. ولهذا كان للنظام الرهباني دور كبير ومهم في تشكيل الكنيسة القبطية الارثوذكسية. الأقباط كثروا  ونموا في العالم كله، ككيان ديني صامد ووقوي وواضح بخصائص مسيحية. بدون شك، دور الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كبير وله أهمية ملحوظة. باباوات وبطريركي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كان لهم دور مهم وأساسي في اللاهوت المسيحي. أود أن أوكد على أن العلاقات بين إيطاليا ومصر ذات تقليد عريق وعتيق. البلدان يفتخران بحضارتين رائعتين واقعتيين على البحر المتوسط وبميراث إنساني يجعلهما متحدين مع العالم. إيطاليا بلد له مكانة مميزة في قلوبنا، إيطاليا ذُكرت أيضًا في الكتاب المقدس، في رسائل القديس بولس الطرسوسي، الرسول الذي في القرن الأول الميلادي مع القديس بطرس، أساسا كرسي الكنيسة المسيحية في روما حيث كلاهما أيضًا مات شهيدًا. خلال هذه السنوات أيضًا القديس مرقص الرسول أسس كرسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الاسكندرية.

أتذكر أيضًا أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كانت مرتبطة بالكنيسة الكاثوليكية بعلاقات ذات جذور تاريخية تبدأ من المجامع المسكونية، مجمع نيقية الأول 325 عندما تكوّن قانون إيمان نيقية، بمشاركة الشماس الشجاع أثناسيوس أصغر بابا في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والملقب بحامي الإيمان. الشهادة العظيمة على العلاقات والروابط القوية بين الكنستين هي وجود إيبارشيتين في إيطاليا، الأولى في تورينو برعاية صاحب النيافة الأنبا برنابا، والثانية بميلانو برعاية صاحب النيافة الأنبا كيرليس، اللذان هما الممثلان الرسميان للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومسئولان عن رعاية كل المؤمنين الأقباط، حيث أن العدد دائمًا في زيادة. ومن الواجب التنويه عنه، أن الجميع مبتهج بالحب، والعمل الجماعي النافع والناجح و التعضيد القوي من طرف الكنيسة الكاثوليكية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في بلدكم.

الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية يعملان معًا في الشرق الأوسط والغرب من أجل تفعيل ونشر السلام في العالم أجمع. كلاهما يساند ويعضد الحوار المسكوني بين الكنسيتين حتى نصل إلى الوحدة المرغوبة.

وعليه، ولأول مرة على الأطلاق، لقد أصررتُ على المشاركة شخصيًا في احتفال تجليس بطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر صاحب القداسة إبراهيم إسحاق. ولقد أساسنا أيضًا، في فبراير الماضي مجلس الكنائس المصرية، بمشاركة كل الكنائس المصرية، كتعبير حب بين إخوة.

إني فخور جدًا بموطني مصر، وفي الوقت عينه سعيدٌ بزيارتي لحاضرة الفاتيكان، حتى وإن كان أصغر دولة على مستوى العالم من حيث عدد السكان والمساحة، ولكن له الأهمية الأكبر، شكرًا لأهميته وتأثيره وخدمته المقدسه.

أختمُ كلمتي مع تمنياتي باستمرار العلاقات القائمة سابقًا بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية العظيمة، هدفنا المشترك سيكون العمل سويةً من أجل تفعيل الحوار المسكوني وتحقيق السلام في العالم أجمع. أصلي للسيد الرب حتى يساعد ويساند قداستك في واجبكم خلال فترة خدمتكم.

مع تمنياتي بتشريف قداستكم بالزيارة لنا في موطني المحبوب مصر، أجدد تهنئة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والجماعات الدينية، وأيضًا كل الشعب المصري.

أجدد شكري لقداستك من أجل الضيافة.

سلام الرب فليكن مع جميعكم! نتقابل في مصر.