كلمة نيافة الانبا توما حليم بمناسبة سيامته الاسقفية

كلمة نيافة الانبا توما حليم بمناسبة سيامته الاسقفية

إعداد مراسل الموقع من القاهرة – ناجى كامل

” مُتَّحدونَ بالمَحبَّةِ”…

” إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَو صَنْجًا يَرِنُّ”.

 صاحبَ الغبطةِ، البطريركَ الأنبا إبراهيم اسحق

سعادةَ السفير البابويّ نيكولا تيفينان

أصحابَ النيافةِ المطارنة الأجلاَّء

إخوتي القمامصةَ والكهنةَ والرُّهبانَ والرَّاهباتِ وأفرادَ الشَّعبِ الحاضرينَ والغائبين.

بَادئَ ذي بَدءٍ، فإنِّي في حَيرةٍ لا أَعرِفُ كيفَ أبدأُ حديثي، فتَتداخلُالمَشاعرُ والأحاسيسُ… حياتي تُشبِهُ كَثيرًا مَسيرةَ أبينا إبراهيم، فيها مَحطَّاتٌ كَثيرةٌيَصعُبُ سَردُها اليومَ، فيا لَهُ من إحساسٍ حينما تَنفصِلُ عَن العالَمِ الذي اعتَدتَ عليهِ، مِثَلَ الطِّفلِ الذي يَخرجُ من رَحمِ أُمّهِ، صَارِخًا يجهلولادته، ولكنَّهُ فَرِحٌ بعالمٍ جديدٍ، يَرى كُلَّشيءٍ يَتحّرَّكُ أمامَه، وهو لا يُتقِنُ مَعناه، ولكِن رُويدًا رُويدًا تَنكشف الأمورُ وتَظهَر، وُيميِّزُ الأشياءَ بوضوحٍ، مِثلما يُقالُ عَن ابراهيم “وخَرَجَ ابراهيمُ وهولا يَعلَمُ إلى أين يَذهب” (عب 11: 8).فيُمثِّلُ خروجُ ابراهيم حياةَ كلَّ إنسانٍ مَدعوٍّ إلى أَنْ يَنسلخَ عن عالمِهِ إلى عالمٍ جديد، فأَطاعَ ابراهيمُ دَعوةً لها في قَلبِهِ أصولٌ مُتعمِّقةٌ سابقةٌ، تَزيدُها الأيّامُ وضوحًا واشتياقًا.

“إنَّ اللحظة التي نَعيشُها الآن، مَحطةٌ مِن مَحطَّاتِ الرُّوح، وزيارةٌ مِن زياراتِ الرَّبِّ، الَّذي مِنهُ كُلُّ عطيّةٍ صالِحة. أَشكرُهُ تَعالى لاختيارِه إيّايَ بواسطةِ آباءِالسِّينودس البطريركيّ، لأكونَ، رغمَ ضَعفي، أُسقفًا لإيبارشيّةِ سوهاج المُحِبَّةِ للمسيح. إنَّها نِعمَةٌ لا أَستحقُّها، ولكنَّي أَضَعُ ثِقَةً كاملةً بِمَن قالَ:”لَستُم أَنتم الَّذينَ اخترتموني، بل أنا اخترتُكم”. واتِّكالي المطلقُ على الله، يَدعوني لأن أتجاوبَ مَعَ هذا الاختيارِ بكُلِّ محبةٍ وثقةٍ، وأُجيبَ: ها أنا جِئتُ لأعملَ بمَشيئتِكَ يا الله”.

 فلم يَكُنِ القَرارُ سَهلاً، إنَّهُ تَغييرُ مَسار، ولكنِّي شَعرتُ، لَحظةَتَبليغي قرارَ السّينودسِ المُوقَّرِ، مِن قِبَلِ غبطةِ أبينا البطريرك الأنبا ابراهيمَاسحق، أنَّ يَدَ اللهِ تَعملُ ويُريدُني لرِسالةٍ وخِدمةٍ جديدة. هي رسالةُ حُبٍّ وعطاءٍ، فلا أستطيعُ أن أرفُضَ ثقةَ آباءِ السينودُس، أنا الذي مِن أوِّلِوَهلَةٍ في دَعوتي الكَهنوتيَّةِ، سَلَّمْتُ كُلَّ شيء في يَدِ الرَّبِّ، وهو الَّذي يُقودُني دائمًا في مَوكِبِ نُصرَتِهِ.

عَجيبةٌ هي اختياراتُ الرَّبّ، فعَودتي إلى بَلدي المَحبوبِ سوهاج،حيثُ وُلِدتُ ومَكثتُ بها خمسةَ عشرَ عامًا شكلت مفاهيمي الأولى، وها أنا أعود بَعدَ غيابٍ دامَ أكثرَ مِنأربعينَ سَنةً،إنها مُفارَقةٌ تَحتاجُ وَقفَةَ تأمُّلٍ، إنَّهُ تَدبيرُ الرَّبِّ وحِكمتُه، وهذا يُحمّلُني مسؤوليّةً أَكبرَ تُجاهَ الخِدمةِ والرِّسالة.

مَسيرةٌ طويلةٌ… غالبًا، فيها طَعمُ أربعينَ القيامةِ، ونَشوةُالمَجدِ برفقةِ يَسوع المتَرائي لتَلاميذِهِ في فَرَحٍ، وطَعمُ تَرقُّبِ الرّوحِ النَّازلِ ليُضرِمَ قُلوبَ هؤلاءِ التَّلاميذ بنارِ الاندفاعِ والعَطاءِ دونِ حدود.وأيضًا، أحيانًا طَعمُ أربعينَ الصَّحراءِ والبرِّيةِ والتِّيهِ والتَّلمُّسِ والتَّجربةِ… أربعينَ الصَّومِ الَّذي قَضاهُ يَسوعُ مُنفردًا وَحدَهُ مَعَ أَبيهِ، وواجهَالتَّجارِبَ الثَّلاثَ: َتجربةَ الجوعِ، وتَجربةَ تَحدِّيِ الله، وتَجربةَ فِقدانِ الثِّقةِ بِهِ، ووَضعُها فَقَط في أَمجادِ الدُّنيا وخُبراتِها. ولكنَّ صوتَ يَسوعَ حتّى في تِلكَالعُزْلات كانَ يأتيني مِنَ الأعماقِ: “ليسَ بالخُبزِ وحدَهَ يَحيا الإنسانُ، بَل بكُلِّ كَلمةٍ تَخرجُ مِن فَمِّ الله”؛ “لا تُجرِّبِ الرَّبَّ إلهَكَ”؛ “لَهُ وَحدَهُ تَسجدُ “. هو وَحدَه يَملأُ حياتَكَ، وفيهِ وَحدَهُ يَستقِرُّ قَلبُكَ.

الشُّكرُ للهِ على هذا كُلِّهِ، طيلةَ أَربعينَ عامًا… لَم أَكُن وحدَي قَطُّ…

وفي هَذِهِالمُناسبةِ السَّعيدة، تَعودُ بِيَ الذَّاكرة ليَومِ سيامتي الكهنوتيَّة:فقد تَمَّت سيامتي الكهنوتيَّةُ في 27 مارس 1994، وفي هذا التَّاريخُ أيضًا، ذكرى السِّيامةِ الكهنوتيَّةِ لمُثلَّثِ الرَّحماتِ أبينا البطريركِاسطفانوسَ الثَّاني (الأنبا أندراوس غطَّاس)، بحَسَبِ ما كَتَبَه لي في خِطابِهِ المُؤرَّخِ في 20 فبراير 1994، قال: “في هذا اليومِ، مُناسبتانِ سعيدتانِ: الاحتفالُ بيوبيلي الذَّهبيّ وبرسامَتِكُم الكهنوتيَّةِ “. وأنه لمن حسن الطالع أن سوهاجُكانت أَوَّلُ كُرسيٍّ له كمُطران. فقد ساندَني طوالَ مسيرتي الشَّمّاسيَّةِ والكهنوتيَّةِ، ورَشَّحَني لخِدمَةِ الكُرسيِّ الرَّسوليِّ أكثرَ من اثنين وعشرينَ عامًا.

اخترتُ توما اسمًا، تَيمُّنًا باسمِ القمّصِ توما البحيريّ، ابنُ خالِ الوالدة، وكما نَعلمُ جميعًا أنَّ إيبارشيّةَ سوهاجَ عَريقةٌ في المَسيحيَّةِ والكثلكةِ، مُنذُ القَرنِ الأوَّلِ، فقد كانَت العائلاتُ تُقدِّمُ أَولادَها بكُلِّ غَيرَةٍوتَفانٍ، ليَصيروا كَهنةً على مَذبحِ الرَّبِّ.وأَولادُ خالِ والدتي ثلاثةُ أخوةٍ: هم القُمُّصُ توما البحيريّ، والقمُّصُاسطفانوسُ توما، وفرنسيسُ توما، وأَيضًاابنُ عَمِّ الوالدةِ القُمُّصُ أنطونيوسُ البرادعيّ، هم خُدَّامُ مَذبحِ الرَّبِّ.

على إيبارشيّةِ سوهاجَ، مَطارنةٌ مَعنا، وآخرون تَركونا بالجسدِ، ولكنَّهم حاضرونَ بالرُّوحِ، تَفتخِرُبِهِم الطَّائفةُ جميعًا، ولا مَجالَ لسَردِ الأسماء حاليًا. فالرَّبُّ لَهُ حِكمَةٌ في اختياري كأسقفِ سوهاجَ لتَكملَةِ مَسيرةِ هؤلاءِ العُظماءِ في صلابةِ الإيمانِ، وعَطاءِ الحُّبِّ الذي لا يَنضُبُ.

// مُتَّحِدونَ بالمَحبَّة//

إخوتي وأخواتي وأبنائي الأحبَّاء،انطلاقًا مِن عبارةِ القدِّيسِ أوغسطينُس: ” ما هو مقياسُ الحُّبِّ؟ هو حُبٌّ دونَ قياس”. هذا هدفيمِنذُ بَدايةِ رسالتي الكَهنوتيَّة، لذَلِكَ اخترتُ شِعاريَ الأسقفيَّ“مُتَّحدونَبالمَحبَّة”.فالمَحبَّةُ طَريقُ الاتِّحادِبالله، وبالآخرين، كَما يَقولُ بُولسَ الرَّسول: “الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، … اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا”.

” عِندما نُحِبُّ، نُفسِحُ المَجالَ في نفوسِنا للرَّبِّ، نَسمحُ لَهُ لكي يُفيضَفينا رُوحَهُ القدّوسَ ” (رو 5، 5) الَّذي هو مَحبةُ الآبِ والابنِ المُتبادَلة.فمِنَ الضَّروريِّ ألّا يَكونَ الحُبُّ مُجرَّدَ كَلمةٍ فارِغةٍنَملؤها بما يَجولُ في خَواطِرِنا وأفكارِنا.المَحبَّةُ الحَقَّةُ يَجِبُ أَن تَعكِسَ جَوهَرَ الله.هذا الحُبُّ الإلهيُّ يَنعكِسُ في الحُبِّ المَسيحيِّ المَلموس، لهَذا هُناكَ تَرابطٌ وثيقٌ بَينَ الحُبِّ الرأسيّ الَّذي يَربطُنا بالله، والحُبِّ الأفقيِّ الَّذي يَربطُنا بالقَريب.

إخوتي وأخواتي وأبنائي الأحبَّاء، يَطيبُ لي اليومَ أَن أَتوجَّهَ أَوَّلاً بالشُّكرِ الجَزيلِ لرَّبِّ المَجدِ الَّذي مَنحَني هَذِهِ العَطيّةِ، راجيًا أَن يَشمَلَني بحُبِّهِ وحَنانِهِ الأبويّ في قيادةِ سَفينةِ الحُبِّ والتي اؤتمنت عليها إلى بَرِّ الأمان.

وجوهٌ كَثيرةٌ كُنَّا نتمنّى أَن تُشارِكَنا فَرحتَنا وسعادتَنا…غابَت عنَّا اليوم…إلى روحِ والدي، الَّذي صَعِدَ مُبكِّرًا إلى السَّماء…إلى والدتي في مِثالِها الطَّيبِ، الَّذي ساعدَني على اكتشافِ إرادةِ اللِه في حياتي، وأَتذكَّرُ أَجملَ وأَرقَّ الذِّكريات مَعَ أُمِّي الفاضلةِ والحبيبة،جوليت البرادعيّ،فكَم كُنْتُ أتمنّى أَن تَكونَ اليومَ مَعَنا، ولكني كُلِّيّ ثِقَةٌ بأنَّها تَنظُرُ إليَّ، وهي بَينَ يَديِ الله، فهي مُعلِّمتي الَّتي استقيتُ مِنها الدُّروسَ الأوَّليَّةَ عَمَّا يَجِبُ أَن يَكونَ عليهِ الكاهِنُ، فأنا واثقٌ بأنَّهُ عندما يَكونَ لَكَ شَخصٌ تُحبِّهُ في السَّماء، فإنَّكَ تَمتَلِكُ قِطعةً مِنَ السَّماءِ  داخِلَكَ.

كمَّا أتوجَّهُ لكم يا أخوتي، برِسالةِ شُكرٍ وامتنان، لوقوفِكُم بجانبي دَوما، فلو غِبتُم عن نظري يَومًا، فأنتُم في القَلبِ. سَعادتي كَبيرةٌ بِكم، ولَن أَتخلَّى أبدًا عَنكُم،وعن أولادِكُم وأَحفادِكُم جَميعًا.

أَودُّ أن أَشكُرَ قداسةَ البابا فرنسيس، بكُلِّ حرارةِ مِن أجلِ عِنايتِهِ الأبويَّة، مُمَثّلًا بسعادةِ السَّفيرِ البابويّ نيكولا تيفينان.كما أُحِبُّأن أُوجِّهَ تقديري أيضًا إلى أصحابِ السِّيادةِ الكرادلةِ بييتروبارولين وليوناردو ساندري، وإلى جميعِ الَّذينَ كانوا عونًا لي في مسيرتي الدبلوماسيَّة.

كَلمةُ شُكرٍ صادرةٍ مِنَ القَلبِ، وباعتزازٍ كُلِّيِّ لغِبطةِ أَبينا البطريرك الكاردينال الأنبا أنطونيوس، على عنايتِه الخاصَّةِ الَّتي أَولاني بِها، بكَلماتِ التَّشجيعِ الأبويَّةِ، دَاعينَ لَهُ بالعُمرِ المَديدِ بالعافيةِ والسَّلامة.فقد اتصل بي بالأمس خصيصاً ليعتذر عن الحضور لظروف خاصة ويهنئني بالسيامة الأسقفية، كما وعدني بالمجيء لسوهاج في زيارة خاصة. كما أَتوجَّهُ بالشُّكرِ إلى صاحبِ الغِبطةِ البَطريرك أبينا ابراهيم إسحق، الَّذي أَعرِفُهُ مُنذُ زَمنٍ طويلٍ، فغِبطتُهُ كانَ لي دَوماً، ومنذُ أيّامِ العَملِ الكَنسيِّ والشَّبابي في كنيسةِ حدائقِ القِّبَّةِ، صَديقًا عزيزًا، وأخًا حبيبًا، ومُرشِدًا أمينًا،كما كان في السَّنواتِ الأخيرةِ مثالاً وقُدوةً لنا بغَيرَتِهِ وعَملِهِ الدَّؤوبِ لحِمايةِ الكنيسة.

وكلمةُ شكرٍ للآباءِ المطارنةِ الأجلّاء، الَّذينَ كانوا بمَثابةِ البوصلة في بداية حياتي الإكليريكيَّة، وأَخصُّ بالذِّكر الأنبا مكاريوس توفيق، الأبَ الرُّوحيَّ في ذَلِكَ الوقت، ذا القَلبِ المُرهَفِ بالحسِّ الرُّوحيّ، والَّذي دائماً نَتعلَّمُ مِنهُ التَّقوى والفضيلة. والأنبا كيرلّسَ مُديرَ الإكليريكيَّةِ ذَلِكَ الحين، الَّذي غَرَسَ فينا حُبَّ الالتزامِ، وحُبَّ الطَّقسِ، فكان قائدًا ماهِرًا وشُجاعًا،نمَّى فينا القيادةَ الأمينة. والأنبا يوسفَ أبو الخير، الأبَ الرَّوحيَّ، والأسقفَ الشَّرفيَّ لإيبارشيّةِ سوهاج، الَّذي أَعتَزُّ بشَخصِهِ الحَبيب، وأنا واثقٌ بأنَّهُ عَونٌ لي في الخِدمةِ وخَيرُ مُعَلِّمٍ. كما أَشكرُ الأنبا باسيليوسَ على رعايتِهِ للإيبارشيّةِ مدّةَ عامٍ متمنّيًا لنيافتِكم خدمةً مثمرةً لإيبارشيّةِ المنيا المُحِبّةِ للمسيح. وباقي الآباءِ المَطارنةِ، مِنهُم مَن كانَ معي في مَسيرة الدِّراسةِفي روما، ولا أَنسى أَبدًا وُقوفَهم مَعي في كُلِّ مَراحِلِ حَياتي، فَقد مَنَحوني الكَثير خبراتِهم الرُّوحيَّةَ والإنسانيَّةَ الكثيرة.

أَشكرُ اللهَ علىكُلِّ الأشخاصِ الَّذين وَضَعَهم في دَربِي، ووضعَني في دَربِهم طَيلةَ هَذِهِ الأعوام، أَخصُّ بالشُّكر سيادةَ القمُّص بشرى لبيب،راعي كنيسةِ مار جرجس بسوهاج، ووكيلَ المطرانيةِ الَّتي نَشأتُ وتَرعرعتُ فيها، وتَزوَّدتُ فيها بالأسرارِ المُقدَّسة، الذي تعذر حضوره اليوم لتعرضه لوعكة صحية، فسِيادتُه تاجٌ على الجَبين، نَعتزُّ بِهِ. لا يَوجد أَجملُ مِن كَلمةِ” شُكرًا” تَعبيرًا عمَّا يَكنُّهُ القَلبُ مِن مَعزَّةٍ لشَخصِه الكريم.  

كما أَتوجَّهُ وبشَكلٍ خاصٍّ،إلى الكَهنةِ والرهبان والراهبات الأحبَّاءِ القادمينَ مِن كُلِّ مَكانٍ مِن رُبوعِ مصر، لأقولَ لَهُم بقَلبٍ مَملوءٍ حُبًّا: أَشكرُ كُلَّ واحدٍ فيكم باسمِهِ، فكَثيرٌ مِنكم وَضَعَهُ الله في مَسيرةِ حياتي الكهنوتيَّة، وتَعلَّمتُ مِنكُم الكَثيرَ، حيثَ تَذوَّقنا مَعنى الأخوِّةِ والتَّضامُن، وفرحَ الصَّداقاتِ الكهنوتيَّة والإنسانية.

وأَيضًا كَثيرٌ مِنَ الآباءِ الأجلّاءِ،يَضيقُ الوقتُ لذكرِ كُلِّ واحدٍ مِنهم على حدة، فلَهُم جَميعًا كُلُّ الشُّكر. فالمَثَلُ الطَّيّبُ مِنَ الكَهنةِ الَّذينَ نُصادِفُهم على دُروبِ حياتِنا، يُساعِدُنا على إِنماءِ الدَّعوةِ فينا، ويُساعِدُنا على فَهْمِ نِداءِ اللهِ وحُبِّ الرِّسالةِ والخِدمة. ومِن هُنا يأتي دَورُنا ككهنةِ للأجيالِ المُقبِلَة أَن نَكونَ شُهودًا صالحين لَهم، ولكلمةِ السَّيِّدِ المَسيحِ ورسالتِه. فكَما تَقولُ الأمُّ تريزا دي كالكوتا: ” ليسَ في استطاعةِ الجميعِ القيامُ بأعمالٍ عَظيمةٍ، ولكن يُمكن لكُلٍّ مِنَّا القيام بأفعالٍ صغيرةٍ بحُبٍّ صادِقٍ وعَظيم”.

كَلمتي الأخيرة إلى الأخوةِ القمامصةِ والكهنةِوالرهبان والراهبات والشمامسةِ الأحبَّاء، أبنائي الأعزَّاءَ، شَعبَ سوهاج العظيم، كُلٌّ بموقِعِهِ، أَوَّلاً أَطلبُ صلواتِكُم لنا في الرِّسالةِ والخِدمة، فنَحنُ نَبني مَجدَ كَنيستِنا يَدًا بيَدٍ، ونَرفَعُ مِن شأنِها، ونَنمو في مَحبَّةِ الَّذي خَلَقَنا لَهُ المَجدُ. ” بالمحبَّة نَخدُمُ، ونُضحِّي، ونَبذُلُ كُلَّ ما في وِسعِنا “. هَذِهِ وصيّةُمُعلِّمِنا بُولسَ الرَّسولِ في رِسالتِهِ الأولى إلى أَهلِكورنثوس: ” اسهروا… اثبتوا في إيمانٍ… كُونوا رِجالًا.. تَقوَّوا.. ولتَصِرْ كُلُّ أُمورِكُم في مَحبَّةٍ “. إنِّي أُصلِّي لَكُم جَميعًا ليَحفظَكُم الرَّبُّ، ويُثبِّتَكم في مَحبَّتِكم.

وختامًا: أَشكرُ الأقاربَ والأصدقاءَ والضُّيوفَ والحاضرينَ مِنَ رَعايانا العديدِة، مِن جَميعِ أَرجاءِ وَطنِنا الحبيبِ أو خارجِه… ليُشارِكونا فَرحةَ هذا اليوم. كما أَشكرُ جَميعَ الَّذينَ تَعِبوا لتأتيَ المَراسيمُ بالشَّكلِ الرَّائع هذا، خاصًّا بالذِّكر…شّمامسةَ الكلّيّةِالإكليريكيّةِ الذين خدموا القدّاسَ والألحانَ الكنسيّة. ورجال الأمنِ ووسائلَ الإعلامِ والتليفزيون وكل من تعب في نقل مراسم الاحتفال على الهواء عبر التليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي…

نَسألُكَ يا رَبُّ، أَلّا يَفتقِرَ شَعبُكَ إلى خُبزِ الحياةِ أَبدًا، الَّذي يَسنِدُنا في مَسيرةِ حياتِنا الأرضيَّة. ولتُساعدْنا مَريمُ أُمُّ الكهنة، عذراءُ السماء، على أَن نَكتشِفَ مُجدّدًا ارتباطَ حياةِ المَسيحِ بسِرِّ الإيمانِ الَّذي نَحتَفِلُ بِهِ كُلَّ يَوم، ويَجعلَنا علامةَ خلاصٍ وقَداسة… آميـن.وأدعو الجميعَ للصلاةِ مِن أجلي.ولتَكن نِعمةُ الرَّبِّ وبَركتُه مَعَ الجميع.