كونوا معافين: تأمل اليوم ٥ أكتوبر ٢٠١٣

كونوا معافين: تأمل اليوم ٥ أكتوبر ٢٠١٣

 

الأب/ بولس جرس

 

“أن موسى منذ أجيال قديمة، له في كل مدينة من يكرز به، إذ يقرأ في المجامع كل سبت حينئذ رأى الرسل والمشايخ مع كل الكنيسة أن يختاروا رجلين منهم،فيرسلوهما إلى أنطاكية مع بولس وبرنابا: يهوذا الملقب برسابا، وسيلا، رجلين متقدمين في الإخوة وكتبوا بأيديهم هكذا: الرسل والمشايخ والإخوة يهدون سلاما إلى الإخوة الذين من الأمم في أنطاكية وسورية وكيليكية إذ قد سمعنا أن أناساخارجين من عندنا أزعجوكم بأقوال، مقلبين أنفسكم، وقائلين أن تختتنوا وتحفظواالناموس، الذين نحن لم نأمرهم رأينا وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين ونرسلهما إليكم مع حبيبينا برنابا وبولس رجلين قد بذلا نفسيهما لأجل اسم ربنا يسوع المسيح فقد أرسلنا يهوذا وسيلا، وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاها، لأنه قد رأى الروح القدس ونحن، أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر ، غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام ، وعن الدم ، والمخنوق ، والزنا، التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون . كونوا معافين”( اعمال 15 : 21 – 29)

” كونوا معافين” كانت تلك العبارة خاتمة قرار غيّر التاريخ وجدد وجه الدنيا وحول مسار البشرية كلها نحو عالم جديد، عالم المسيحية…

ولعل إنساننا المعاصر لا يستطيع أن يتصور أهمية وخطورة وروعة هذهالعبارة،  لذا يمر عليها مرور الكرام ويعبر عنها إلى ما يراه أهم وأقوى … دعونا اليوم نتوقف أمام هذه الكلمات البسيطة التي  كانت للكنيسة الناشئة أكسير حياة وطاقة من نور وقوة من السماء دفعتها دوماً إلى ألأمام وجعلتها حية إلى اليوم وحفظتها بلا كلل ولا ملل قوية نشطة متجددة.

حقاً ما أجمل الرسل،

حقاً مع أروع اولئك البسطاء الجليلين،

صدقاً يقف التاريخ بانحناء وتعظيم أمام قرارهم العظيم.

بداية كان الرسل يتوجهون ببشارة الإنجيل نحو اليهود إخوتهم في أورشيليموالسامرة والجليل، فلما حدث الاضطهاد اضطروا للفرار أمام قوى البغي التيصلبت معلمهم لكن لم تقتل رسالته ألخالدة وفيما لاقوا من ضيقات ومشقاتوإضطهاد وآلام، أثبتوا أن تمسكهم بالمسيح يفوق كل شيء، وكأن لسان حالهم يصرخ مع بولس الرسول “من يفصلني عن محبة المسيح…” بوصولهم إلى خارج البلاد أثارت رسالتهم البسيطة اهتمام الآخرين من غير اليهود وحرك إيمانهم العميق الإيمان في قلوب الشعوب الوثنية من رومان ويونانيين ومصريين وغيرهم…وبرهنت الآيات والمعجزات والبركات التي تمت على ايديهم ” أن يد الرب كانت معهم”وبات الذين يدخلون الإيمان المسيحي من الوثنيين على أيديهم اكثر من اليهود…

هنا تدخل اليهود المؤمنون بالمسيح كامتداد لإيمانهم القديم وتحقيق لكل نبؤاتالعهد القديم، وأرادوا أن يحافظوا على ما ورثوه من مراسم وشرائع وطقوس وعادات وتقاليد… وهذا بالطبع من حقهم…لكن أن يُلزموا بها كل الوافدين من العالم الوثني فهذا مستحيل بل كان هذا الأمر وحده كفيل بان يقضي على الدعوة ويأدها فيالمهد.. فكيف ليوناني أن يمتنع عن أكل لحوم الخنازير وكيف لروماني أن يختتنوكيف لمصري أن يحفظ السبت وكيف لحبشي أن يرفع الذبائح في هيكل أورشليم، وكيف لبدوي أن يقدم البواكير ويحفظ الأعياد… باختصار كانت المسألة حيوية وفي غاية الحساسية وكان القرار مصيرياً ولا يحتمل المساومة أو التسويف أو التأجيل…

حقاً إن الديانة اليهودية يدين بها فقط أبناء اليهود وقد بدأت بفرد (ابراهيم)وانتهت بأمة ( اليهود) تمهيدا ً لدعوة عالمية لكل الشعوب ( المسيحية). لكن الدين الحقيقي لا يقف على جنس بعينه ولا يمكن أن يبنى على لغة بذاتها ولا يقتصر على نوعية  واحدة من الناس وحيث جاء تجسد المسيح وحياته وتعاليمه وموته وقيامته ورسالته بهدف واضح أكيد وهو “خلاص الجنس البشري” . فكان إرساله لتلاميذه “إذهبوا للخليقة كلها واكرزوا بالبشارة إلى أقاصي الأرض …تلمذوا وعلموهم كل ما أوصيتكم به وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس”

هكذا اجتمع الرسل في أول مجمع مسكوني في صلاة  مستمرة وتدارسوا الموضوع بنفس بساطتهم الروحية وعمق إيمانهم وتضرعوا للروح القدس ان يلهمهم ما هو في صالح بنيان الكنيسة بلا حساب لرأي فردي أو ميل شخصي أو مصالح قومية وإقليمية طائفية أو مذهبية. وكان القرار الخطير:” إذ قد سمعنا أن أناسا خارجين من عندنا أزعجوكم بأقوال، مقلبين أنفسكم، وقائلين أن تختتنوا وتحفظواالناموس، الذين نحن لم نأمرهم رأينا وقد صرنا بنفس واحدة …لأنه قد ، أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر ، غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام ، وعن الدم ،والمخنوق ، والزنا ، التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعماً تفعلون . كونوا معافين”.

وأشاء أن نتوقف اليوم طويلا أمام:

تواضع هؤلاء الرجال وتقديمهم للمشيئة ألإلهية: رأى الروح القدس ونحن

إيمانهم ووحدتهم وصلاتهم المشتركة: رأينا وقد صرنا بنفس واحدة

حرصهم: سمعنا أن أناسا خارجين من عندنا أزعجوكم مقلبين أنفسكم،وقائلين أن تختتنوا وتحفظوا الناموس

صدق وصراحة هؤلاء الرجال: الذين نحن لم نأمرهم

حزم هؤلاء الرجال في مواجهة المواقف: أن نختار رجلين ونرسلهما إليكم مع حبيبينا برنابا وبولس

قوة  وصلابة هؤلاء الرجال: رجلين قد بذلا نفسيهما لأجل اسم ربنا يسوع المسيح فقد أرسلنا يهوذا وسيلا

وضوح وبساطة في توصيل الرسالة: وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاها

رحمة وحب هؤلاء الرعاة: رأينا أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر.

حدود السلوكيات المعاصرة: أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدموالمخنوق والزنا.

أسلوب هؤلاء بلا تخويف او ترهيب أو تهديد: إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون

وأخيراً هف الرسالة وكل ما تدور حوله هو الإنسان وسلامة الإنسان نفساً وروحاً وجسداً: كونوا معافين

كونوا معافين هذا هو هدف الرسالة والكرازة والبشارة والخدمة الرعوية والكنسية والاجتماعية والصحية والطبية والنفسية والتنموية في كل زمان وكلمكان….الهدف الرئيسي للإنجيل والكرازة والبشارة هو إذن هو أن تكون الرعية أو الأسرة أو الفرد سليما معافى روحيا ونفسا واجتماعيا ودينيا….

ما احوجنا اليوم إلى تقديم مشيئة الرب على مشيئتنا و استعادة هذا الإيمان وذاك الرجاء وتلك البساطة.